العلم يُؤخذ من العلماء الربانيين الراسخين في العلم ولا يُؤخذ من أهل البدع والجهال والمجاهيل والنكرات

من أراد تحصيل العلم ومعرفة حكم الله ورسوله في مسألة من مسائل الدين ، سواءً في مسائل العقيدة والإيمان ، أو في مسائل الفقه من العبادات والمعاملات ، أو في القضايا المصيرية للأمة كالجهاد والتكفير والتعامل مع الحكام والفتن ، فإنه يجب أن يحرص كل الحرص على معرفة من يأخذ منه دينه ، فلا يأخذ من كل من هب ودب .

قال الإمام مالك رحمه الله : ( إن هذا العلم دين ، فانظروا عمن تأخذون دينكم ) تاريخ دمشق لابن عساكر ( ٥٥ / ٣٥١ ) .

فالعلم يُؤخذ من ( ورثة الأنبياء ) وهم العلماء الربانيون الراسخون في العلم كبار السن الذين ورثوا علمهم وأخذوه كابراً عن كابر .

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ... العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ ، وإنَّ الأنبياءَ ، لم يُوَرِّثوا دينارًا ، ولا درهمًا ، إنما وَرّثوا العلمَ ، فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافرٍ ) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم ، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته برقم ٦٢٩٧ .

قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( البركة مع أكابركم ) رواه ابن حبان وغيره وصححه العلامة الألباني في الصحيحة ( ٤ / ٣٨٠ ) برقم ١٧٧٨ .

فالميراث يُؤخذ من أهله ولا يُؤخذ من غيرهم ، وأعلم الناس بالميراث وتفاصيله هم أهله الوارثون له .

قال عمرو بن قيس رحمه الله : ( إن الشاب لينشأ ، فإن آثَرَ أن يجالس أهل العلم كاد أن يسلم، وإن مالَ إلى غيرهم كاد أن يعطب ) الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ( ١ / ٢٠٦ ) طبعة دار الراية ، تحقيق رضا بن نعسان معطي .

واليوم نرى زهد الكثيرين من الشباب في أهل العلم ، بل ويحقّرونهم ويطعنون فيهم وفي علمهم وأمانتهم ، فبدلاً من مجالسة العلماء ورثة الأنبياء ، فإنهم يميلون إلى مجالسة المفكرين والجهلة المتصدرين والإعلاميين الكاذبين وطلاب الحكم الطامعين والسياسيين المنافقين .

وقد يكون دافع ذلك الزهد والتحقير والطعن : البغي والحسد لما آتاهم الله من فضله وما وفقهم إليه من العلم النافع والعمل الصالح واتباع منهج السلف الصالح رحمهم ، وعدم الركون لأهل البدع والضلال ، كما هو حال بني إسرائيل الذين خالفوا وحاربوا أهل الحق فيهم لما أنعم الله عليهم من العلم والهدى .

فقد قال الإمام ابن بطة رحمه الله بعدما ذكر كلام الله جل وعلا في بني إسرائيل : ( إخواني ، هذا نبأ قومٍ فضّلهم الله الله وعلَّمهم وبصَّرهم ورفعهم ، ومنع ذلك آخرين إصرارهم على البغي عليهم والحسد لهم إلى مخالفتهم وعداوتهم ومحاربتهم ، فاستنكفوا أن يكونوا لأهل الحق تابعين وبأهل العلم مقتدين ، فصاروا أئمة مضلين ، ورؤساء في الإلحاد ، رجوعاً عن الحق وطلب الرياسة وحباًّ للاتباع والاعتقاد ) المصدر السابق ( ١ / ٢٧٢ ) .

وللأسف أن كثيراً من الناس لا يميزون بين العالم والجاهل ، ولا يعرفون الفرق بين الأمين والخائن ، فيأخذون العلم والدين من كل من هب ، وهذا ما أداهم إلى عدم معرفة الحق من الباطل .

وقد قال الفضيل بن عياض رحمه الله : ( كيف بك إذا بقيتَ إلى زمان شاهدتَ الناس فيه لا يفرقون بين الحق والباطل ، ولا بين المؤمن والكافر ، ولا بين الأمين والخائن ، ولا بين الجاهل والعالم ، ولا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً ) المصدر السابق ( ١ / ١٨٨ ) .

وهذا الأمر قد أدركه السلف الصالح رحمهم الله قبل ألف سنة ، فقد قال الإمام ابن بطة رحمه الله معلقاً : ( فإنا لله وإنا إليه راجعون ، فإنا قد بلغنا هذا وسمعناه وعلمنا أكثره وشاهدناه ..... ) المصدر السابق بنفس الجزء والصفحة .

هذا ما حصل في عامة المسلمين في زمن السلف الصالح ، فكيف بزمننا هذا والله المستعان ؟!

وهذا سببه : انتشار الجهل وقلة العلم ، وهذا من علامات الساعة .

كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( إنَّ من أشراطِ الساعةِ : أن يفيضَ المالُ ، ويكثرَ الجهلُ ، وتظهرَ الفتنُ ، وتفشُوَ التجارةِ ، ..... ) رواه النسائي وغيره وصححه الشيخ الألباني ( ٦ / القسم الأول / ص ٦٣١ ) برقم ٢٧٦٧ .

ولا يؤخذ العلم الشرعي من أهل البدع والأهواء والضلال وأصحاب الأفكار المنحرفة الذين يقدمون عقولهم وآراءهم على نصوص الكتاب والسنة وأقوال السلف والأئمة والمنهج الذي ساروا عليه .

فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إن من أشراط الساعة أن يُلتمس العلم عند الأصاغر ) رواه الطبراني في ( المعجم الكبير ) وغيره ، وصححه الألباني في الصحيحة ( ٢ / ٣٠٩ ) برقم ٦٩٥ .

قوله عليه الصلاة والسلام : ( الأصاغر ) ، المراد منه : أهل البدع .

قال عبد الله المبارك رحمه الله : ( الأصاغر : أهل البدع ) رواه ابن المبارك في ( الزهد ) ، وقال العلامة الألباني في الصحيحة ( ٢ / ٣٠٩ ) : سنده جيد .

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما أخاف على أمتي : الأئمة المضلين ) رواه أبو داود والترمذي وغيرهما وصححه الشيخ الألباني في الصحيحة ( ٤ / ١١٠ ) .

قال الحسن البصري رحمه الله : ( لا يُمَكِّنُ أذنه من صاحب بدعة ) تاريخ بغداد ( ٥ / ٢٢٨ ) .

وقال سَلَم بن نجادة رحمه الله : ( دخلتُ على عبيد الله بن موسى لأسمع منه ، فإذا هو يقرأ على قومٍ مثالبَ عثمانَ رضي الله عنه ، فخرجتُ ولم أسمع منه شيئاً ) تاريخ بغداد ( ٩ / ١٤٧ - ١٤٨ ) .

قال سفيان رحمه الله : ( من أصغى سمعه إلى صاحب بدعة فقد خرج من عصمة الله تعالى ) حلية الأولياء أبي نعيم ( ٧ / ٢٦ ) .

قال الإمام مالك رحمه الله : ( لا يُؤخذ العلم من صاحب هوى يدعو إلى هواه ) المعرفة والتاريخ للفسوي ( ١ / ٦٨٤ ) .

وكان من منهج السلف رحمهم الله : عدم الأخذ من أهل البدع ، كالذين يرون الخروج على الحكام وغيرهم من الثوريين .

وقيل لأبي مسهر رحمه الله : ( كيف لم تكتب عن محمد بن راشد ؟! قال : كان يرى الخروج على الأئمة ) تاريخ دمشق لابن عساكر ( ٥٣ / ١٣ ) وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي ( ٥ / ٢٧٤ ) .

بل إنهم صرحوا بأسماء بعض أهل البدع في التحذير منهم ومن أخذ العلم عنهم :

فقد قال الإمام أحمد رحمه الله : ( أخزى الله الكرابيسي . لا يُجالَس ، ولا تكتب حديثه ، ولا يُجالَس من يجالسه ) طبقات الحنابلة لابن رجب الحنبلي ( ١ / ١٠٩ ) .

والكرابيسي : هو الحسين بن علي بن يزيد البغدادي ، وكان أول من قال : ( لفظي بالقرآن مخلوق ) .

والعلم الشرعي لا يُؤخذ من الشباب صغار السن ، بل يُؤخذ من العلماء الكبار ، الكبار في العلم من ذوي الأسنان .

قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ( لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من علمائهم وكبرائهم وذوي أسنانهم ، فإذا أتاهم من صغارهم وسفلتهم فقد هلكوا ) الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ( ١ / ١٨٨ ) طبعة دار الراية ، تحقيق رضا بن نعسان معطي .

والعجيب أنك تجد بعض الناس يأخذ العلم ممن ليس له فقه بنصوص الكتاب والسنة وليس متخصصاً بالعلوم الشرعية ، بل تجد تخصصه في العلوم الدنيوية : كالطب والهندسة والزراعة !


تابع
 
إكمال :

بل قد تجده يأخذ العلم من الجاهل الذي يتخصص بالدساتير الوضعية والقوانين المخالفة لشرع الله جل وعلا ، ويترك العالم المتخصص في العلوم الشرعية !!!

وربما يأخذ العلم الشرعي من برامج القنوات الفضائية ، كالبرامج الحوارية ، أو برامج القصاص والوعاظ الذين ليسوا من العلماء .

قال سفيان الثوري رحمه الله : ( لا تأخذوا في الحلال والحرام إلا من الرؤساء المشهورين بالعلم الذين يعرفون الزيادة والنقصان ) الكامل في الضعفاء لابن عدي ( ١ / ٢٥٧ ) طبعة دار الكتب العلمية .

بل وأيضاً قد يأخذون العلم من الكذاب المعروف بكذبه ، كما هو حال كثير من الحزبيين والمعارضين السياسيين طلاب الحكم الذين يستغلون الدين فيحرفونه لمصالحهم السياسية والحزبية .

قال الإمام مالك رحمه الله : ( لا يُؤخذ العلم من أربعة : ... ) وذكر منهم ( ولا عمن جُرِّبَ عليه الكذب) الآداب الشرعية لابن مفلح ( ٢ / ١٤٣ ) .

ولا يؤخذ العلم الشرعي إلا عمن شُهِدَ له بطلب العلم .

قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه : ( لا يُؤخذ العلم إلا عمن شُهِدَ له بطلب العلم ) حلية الأولياء لأبي نعيم ( ٥ / ١٧٩ ) .

وقال أبو أسامة رحمه الله : ( إذا وجدتم رجلاً معروفاً بشدة الطلب ومجالسة الرجال فاكتبوا عنه ) المجروحين لابن حبان ( ١ / ٢٩ ) .

وقال عبد الله بن عون رحمه الله : ( لا يؤخذ هذا العلم إلا ممن شهد له بالطلب ) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ( ٢ / ٢٨ ) .

أما الجاهل الذي لا يفقه نصوص الكتاب والسنة ، فلا يُؤخذ منه العلم ، مهما بلغ من الصلاح والعبادة والفضل .

قال العلامة الألباني رحمه الله تحت حديث : ( إن من أشراط الساعة أن يُلتمس العلم عند الأصاغر ) : ( يبدو لي أن المراد بـ "الأصاغر " هنا الجهلة الذين يتكلمون بغير فقه في الكتاب والسنة ، فيضلون ويضلون ) الصحيحة ( ٢ / ٣١٠ ) .



فقد قال الإمام مالك رحمه الله : ( لا يُؤخذ العلم من أربعة : ... ) وذكر منهم ( ولا عن شيخ له فضلٌ وصلاح إذا كان لا يعرف ما يُحدِّث به ) الآداب الشرعية لابن مفلح ( ٢ / ١٤٣ ) .

وقال أبو الزناد رحمه الله : ( أدركتُ بالمدينة مائةً ، كلهم مأمون ، لا يُؤخذ عنهم العلم ، كان يُقال : ليس هم من أهله ) المصدر السابق ( ١ / ٢٥٩ ) .

فـ ( كم من رجل صالح لو لم يحدِّث لكان خيراً له ) كما قال الإمام يحيى بن سعيد القطان ، المصدر السابق .

ولا يُؤخذ العلم عن المجاهيل النكرات الذين لا يعرفهم أحد ، كالأسماء المستعارة في شبكة الإنترنت .

قال شعبة بن الحجاج رحمه الله : ( خذوا العلم عن المشهورين ) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ( ٢ / ٢٨ ) .


ولا يؤخذ العلم من ( السفيه ) المعلن لسفهه مهما بلغ من العلم ومهما قرأ من الكتب ومهما لازم العلماء وأكثر من ذلك .

فقد قال الإمام مالك رحمه الله : ( لا يُؤخذ العلم من أربعة : ... ) وذكر منهم ( سفيهٌ يعلن سفهه وإن كان أروى الناس ) الآداب الشرعية لابن مفلح ( ٢ / ١٤٣ ) .

ولا يُوخذ العلم ممن يقرأ الكتب ولم يدرسها على العلماء المتمكنين المتقنين الفقهاء ولم يلازمهم ويأخذ عنهم ، بل يقرأ ويعتمد على فهمه في فهم نصوص الكتاب والسنة وأقوال السلف وأفعالهم وكلام العلماء السابقين .

قال سليمان بن موسى رحمه الله : ( كانوا يقولون : لا تأخذوا العلم عن الصُحُفِيِّين) المصدر السابق ( ٢ / ١٤٤ ) .

وقال سعيد بن عبد العزيز رحمه الله : ( لا تأخذوا القرآن من مُصحفي ، ولا العلم من صُحُفي ) المصدر السابق ( ١ / ٢٥٩ ) .

المصحفي : هو من يحفظ القرآن من المصحف ولا يحفظه علي يد شيخ متقن ، الصُحُفي : هو من يقرأ الكتب بنفسه ويعتمد في فهمها على نفسه ولم يقرأها على يد العلماء ويتعلم منهم ويدرس عليهم ويفهمها عن طريقهم .

فالعلم الشرعي ودين الله عز وجل لا يُؤخذ إلا من العلماء الربانيين الراسخين في العلم الثقات المأمونين .

قال بهز بن أسد رحمه الله : ( دين الله أحق أن يُطلب عليه العدول ) الآداب الشرعية لابن مفلح ٢ / ١٤٣ ) .

ويتلخص مما سبق ذكره أن العلم الشرعي والكلام في القضايا المصيرية للأمة الإسلامية لا يؤخذ من :

١ - الجهلة الذين ليس لديهم فقه بنصوص الكتاب والسنة .

٢ - الشباب صغار السن ، لأنه يغلب عليهم عدم الحكمة والتأني وعدم إدراك عواقب الأمور وفقه كبار السن ، وربما يتصف الشاب بالتهور والطيش والسفه وعدم .

٣ - أهل الأهواء البدع والضلال والأفكار المنحرفة ومن يعارضون النصوص بآرائهم ، لأنهم سيؤولون النصوص ويحرفون معانيها لتوافق بدعهم وضلالاتهم وأفكارهم المنحرفة وآرائهم الساقطة وأهوائهم الباطلة .

٤ - من قرأ الكتب ولم يلازم العلماء واستقل برأيه وفهمه لنصوص الكتاب والسنة وأقوال السلف وأفعالهم ولم يتابع العلماء الراسخين في العلم في ذلك .

٥ - من ليس متخصصاً في العلوم الشرعية ، ممن هو متخصص في العلوم الدنيوية ، كالطب والهندسة والزراعة وغيرها ، ومن هو متخصص في الدساتير الوضعية والقوانين المخالفة للشريعة الإسلامية ، لأنهم ليسوا من أهل العلم الشرعي .

٦ - السفيه الذي يعلن سفهه ، لأنه من أبرز صفاته : الطيش والتهور وعدم التأني ومعرفة العواقب .

٧ - الذي لا يُعرف بطلب العلم ، ولم يلازم العلماء ولم يأخذ عنهم ، لأنه سيعتمد على فهمه وعلمه القاصر .

٨ - الكذاب ، والسبب في ذلك واضح معلوم ، فلا حاجة للكلام فيه .

٩ - المجاهيل النكرات ، كأصحاب الأسماء المستعارة في شبكة الإنترنت ، وأصحاب الكنى من شيوخ الجماعات التكفيرية والإرهابية الذين تنتشر مذكراتهم وكتبهم ومقاطعهم الصوتية والمرئية في الإنترنت .

والله أعلم .
 
أعلى