المتطرفون الجدد
سألني كثير من العقلاء عن جماعة مسخ غير واضحة المعالم مجهولة المنبت غير معروفة الجذور ظهرت فجأة بعد تحرير الكويت عام 1991 م ، في الكويت والخليج والجزائر تسمي نفسها بجماعة المدينة نسبة للمدينة المنورة طهرها الله منهم أو المداخلة أو الجامية ونسبة للشيخ ربيع المدخلي وهو منهم بريء والشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله وهو منهم بريء ، إذ كان بعضهم يلتف حول الشيخين للوصول إلى بغيته .
وفجأة انتشرت هذه المجاميع وبدأت تنادي ببعض الآراء النشاز على رأسها محاربة الجهاد وعدم التفريق بين مكانة الجهاد في الإسلام والتطبيق الخاطيء ، وعدم إنكار المنكر بل لابد من استئذان الحاكم في ذلك ولا ينصح المسؤولون إلا سرا ، وأن كل حاكم بأي قانون حكم وأي شريعة استبدل فهو ولي أمر يقوم مقام الرسول صلى الله عليه وسلم له السمع والطاعة لا أنه حاكم متغلب وإنما لأنه ولي أمر له بيعة شرعية ، وباركوا تدمير دولة طالبان وفرحوا بقتل وترويع المسلمين في الشيشان ، وحرموا جهاد الدفع للمحتل حتى يظهر الإمام وسعوا بالوشاية ببقايا الشباب المسلم عند الأنظمة والحكومات للإيقاع بهم ولبسوا على الناس دينهم وأظهروا الإيمان ولبسوا مسوح العبادة والإنتساب للسلف الصالح وقد كذبوا والله ، فتحتمت الإجابة ووجب البيان والإيضاح .
والحق أنه ليس لي رغبة أن أنازل من لا يستحقها ، إذ أن السيف ينقص قدره إذا قيل أن السيف أمضى من العصى .
كما أنني على إطلاع ببعض الدينصورات المقبورة التي أطلت من حفرها ورفعت عقيرتها ونفثت سمها لتأصل للناس عن جهل .
ومع استقرائي لتاريخ الجامية المداخلة ومعرفتي ببعض المرضى منهم وقفت على حقائق كان لابد من إظهارها للأمة في ظل اختلاط الأوراق وظهور شيوخ القراطيس ألا وهي :
أولا :
غياب القدوات في حياة الجامية المداخلة :
ومن ثم أدى إلى غياب التربية الحقيقية الأخلاقية السلوكية مما أثر في عقولهم وسلوكهم ، وهذه ظاهرة لابد أن تدرس عن مجاميع مريضة هائمة ليس لها هد ف ولا قدوة مما جعلهم أقران وفي مصاف بعض وكلهم مشايخ وعلماء وكلهم يفتي وكلهم أحمد بن حنبل .
ولقد اجتهدت أن ألتمس لهم قدوة ولو في السن فوجدت كبارهم أسفه من صغارهم فقلت : لعل قدواتهم هم الأعلم فما هي إلا أوراق وشهادات تنبئك عن فساد علمي وجهل مركب .
فقلت : لعل قدواتهم الأدين والأتقى فاجهدت نفسي وسبقت حسن الظن وغلبت الصفا على الكدر فلم أر فيهم من يوصف بالديانة الحقة .
إنهم شتات مفرق جمعه النظام وأسدى عليهم ستاره فلا تجمعهم سوى قضية تصنيف الناس وتفسيقهم وتبديعهم بل أدق من ذلك أن الذي يربطهم هو شعورهم بالنبذ والطرد من المجتمع والكراهية المطلقة لكل الناس فمتى ما وجد المرء في نفسه بغضاء وكراهية لأمته وتاق له أن يتشتم علمائها وينكس رايتها فليلحق بالجامية المداخلة .
ولا أدل على ذلك من كثرة تفرقهم وتشتتهم واختلافهم على بعضهم فعلى سبيل المثال لا الحصر انقسم الجامية المداخلة في الكويت فقط إلى ست جماعات مريضة سخيفة ساذجة تشتم كل جماعة الأخرى ، وتتكلم كل مجموعة في غيرها مثل منطقة ( خيطان – القرين – الخالدية – الرقة – الفحيحيل – الجهراء ) ، بل في خيطان وحدها ثلاث جماعات فهم مثل اليوجلينا التي تنشطر .
وفي مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم طهرها الله منهم ثلاث جماعات مدخلية ، وفي الرياض كذلك وفي المنطقة الجنوبية والشرقية والوسطى وغيرها .
إن الأيام تنبئك أن غياب القدوات له أكبر الأثر في بروز ظاهرة الجامية المداخلة ولسد هذا الخلل وعلاج هذا النقص فإنهم يتمسحون بالعلماء ويتبركون بأسمائهم ظاهرا ويلعنونهم ويسبونهم باطنا ويختارون من آرائهم ما يناسب شهواتهم .
ثانيا :
سوء الخلق وجفاء الأخوة وغلظ العبارة ووقاحة الإشارة وقسوة القلب وتلون الجلد ولعنة الطبائع واتساع الذمة والجبن والخوف عند الملمة والتملص من المسئولية والهرب من المواجهة وهذا كله أثر طبيعي من آثار فقدان التربية فكيف وأنى يرتجى من جزار لحوم وسقيم في مستشفى وصاحب شيشة ومدمن مخدرات وقاطع طريق وسارق أموال وجندي يحتذي ونعال تلبس ودابة تركب وشاذ أخلاقيا وسارق فكريا وحيوان ناطق .
من أين يرتجي من هؤلاء أن تحسن أخلاقهم وترتقي معارفهم ويكونوا قدوة للناس وماضهيم الأسود ينبئك عن سواد قلوبهم وعمي أبصارهم ، و بصائرهم.
إن الواقع ليتبرأ من هؤلاء الذين يصدون عن إخوانهم فلا يسلمون لأن الناس عندهم مبتدعة .
والمجالس تنبئك عن انشغالهم في تصنيف إخوانهم فلم يسلم منهم أحد حتى أنفسهم لم يسلموا من أنفسهم .
فما تركوا عالما ولا شيخا ولا إماما ولا جماعة ولا فرقة إلا لمزوها ، ولم يسلم منهم إلا ولي الأمر حتى تسلم لهم رواتبهم وعطاياهم .
ثالثا :
ضحالتهم الشرعية وقلة علمهم فليس عندهم من يفاخرون به إلا ميت هالك أعمى البصيرة وعجوز طاردته لعنة السلطان من المدينة إلى مكة ، ثم جيزان .
إنهم هم المنظرون العلماء المفتون وقد شحنت رسائلهم بالأغاليط والأكاذيب والجرأة على العلماء السابقين والتنقص من قدرهم فيوم تلكموا في ابن حجر ومرة في النووي ومرة في البيهقي ومرة في القاضي عياض وهكذا ، وقد شحنوا أشرطتهم بالأقوال المبتورة والحكايات المكذوبة الملفقة والنقول المغلوطة وحمل النصوص على غير محملها وإنزال مرادات العلماء على ما يشتهون ، إنهم فقدوا الأمانة العلمية التي طالما دندنوا حولها .
رابعا :
لم يقدموا للأمة شيئا .
بالله عليكم ما الذي قدمه الجامية المداخلة لأمتنا أي صرح شيدوه ، ، أي علم أظهروه ، أي ضال هدوه ، أي خير قدموه ؟
إن مجموع ما قدمه الجامية المداخلة بشيوخهم الأحياء منهم والأموات وبشبابهم المجتمع منهم والشتات إنما هو هدم وتفريق وكلام لا ينتهي في تصنيف الناس والعلماء وردود مريضة عقيمة كتبت بالقيح والصديد ملطخ بدم فاسد لتفريق الأمة .
إن مجمل ما قدموه للأمة هو التجسس عليها ، وضرب بعضها ببعض أليس الجامية المداخلة هم الذين قدموا تقريرا مفصلا عن الصحوة الإسلامية وخطرها على الأمة قدموه لمؤتمر وزارة الداخلية العرب لمكافحة الإرهاب ( ونملك نسخا من ذلك ) .
أليسوا هم الذين بلغوا عن كثير من التسجيلات الإسلامية في كل أنحاء العالم ليتم إغلاقها ومصادرة ما فيها بحجة أنها تنشر الإرهاب والحق أنها تخالف آراءهم وتفضحهم رؤساءهم من الأمريكان والإنجليز .
أليسوا هم الذين بلغوا عن مئات الطلبة ليتم فصلهم من الدراسة أو الوظيفة وهم في أوج تفوقهم وتقدمهم سواء في الدراسات العليا أو الجامعية .
أليسوا هم الذي عملوا جواسيس بين الشباب لنقل أخبارهم في حلهم وترحالهم وجلوسهم وقعودهم .
أليسوا هم الذين اختبروا الناس بفتنة ولي الأمر كما اختبر ابن أبي دؤاد الناس بفتنة خلق القرآن أيام المأمون .
أليسوا هم الذين صوروا للنظام أن هذه الصحوة المباركة أخطبوط سيبتلع النظام وألصقوا به تهما وزوروا عليه وافتروا حتى يزج بعلماء الأمة بالسجون ثم هم لم يقوموا بالإصلاح مكانهم لأنهم لا يملكون ولا يقدرون على ذلك .
خامسا :
لا يملك الجامية أي قبول لهم بين الناس ولا حتى بين أهلهم بل حتى بين بعضهم فقلوبهم متنافرة وهم كالجواسيس في الدول الشيوعية كل منهم يخاف من الآخر أن يشي به أو يتكلم عنه .
وبحثا عن القبول وإمعانا في التدليس والإضلال مارسوا تقمص الشخصيات فترى شيخهم الأعجمي ( ولا طعن في الأنساب ) يتقمص لباس نجد ولهجتهم ولكنتهم ليكسب ودهم وتراه ينسب نفسه لعلماء نجد وهم منه براء إمعانا في حل عقدة النقص وأي فضل تتحصل عليه في تغيير اسمك أو نسبك ولحوقك بغير قومك وأسلافك .
سادسا :
التناقض الصارخ في حياتهم بين النظرية والتطبيق ففي الوقت الذي يتكلمون فيه عن ولي الأمر يعصونه متى ما احتاجوا أو غابت أعين الرقابة عنهم ، وفي أوقات حسب مزاجهم وأهواءهم وفي الوقت الذي يتكلمون عن إخوانهم من باقي الجماعات ويشنعون عليهم يجاورهم في مدينة رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم مئات من المتصوفة والعلوية بل والرافضة ولا يجرؤون أن يتكلموا عليهم ، و في الوقت الذي يفسقون فيه الأمة يرتموا هم في أحضان الفساق ممن يعملوا لحسابهم .
وفي الوقت الذي يتكلمون فيه عن الأمانة يسرقون أموال الناس ويجحدون العارية ولا يرجعون الدين .
وفي الوقت الذي يتكلمون فيه عن الدين وصيانة أعراض المسلمين هم يتفرجون على مذابح المسلمين ويباركون ذلك بصمتهم بل بالدعوة للتخلي عنهم .
سابعا :
ولي الأمر لقد أكثر الجامية المداخلة الكلام عن ولي الأمر وأنا على يقين أنهم يفاخرون في هذه القضية لأن ظهورهم بعد لم تجلد وتسخن عليهم الحديدة ولم تفتح لهم المعتقلات ومع هذا فهم يتخذون ولي الأمر ستار لتطويع الناس أو إرهابهم
ونرجو أن يستفيد من هذا المقال د.
حمد العثمان الكندري ليجيد توجيه وتربية هذه المجاميع الجاهلة فهو محل ثقة عندهم
والله يكتب لنا الأجر والثواب .
وصلى الله على نبينا محمد
الدكتور طارق الطواري