النظرة الواقعية لمأساة وزارة الداخلية

صانع التاريخ

عضو بلاتيني
عندما كُنا صغارا كانت للمخافر هيبتها إلى حد أن أهلنا حينما كانوا يريدون ثنينا عن أمر ما أو تحذيرنا من أمر ما يخوفوننا بالمخفر !!! ،

حتى سائقي المركبات عندما كانوا يمرون بالشارع الذي يقع فيه المخفر كانوا يحسبون له ألف حساب وكأن كامرات ورادارات هذا الزمن كانت موجودة في شارع المخفر آنذاك !!! ...


هيبة صنعتها اليد المخلصة للشيخ سعد العبد الله يرحمه الله وهو مؤسس الشرطة الحديثة في الكويت وعززها إخلاص رجال المنظومة الأمنية ورعتها القيادة في عهد الشيخين صباح السالم وجابر الأحمد رحمة الله عليهما ،

وكانت أصوات دعاة التحضر تدعو إلى أن يصبح الشرطي صديقا للمواطن يُشعره بالأمان لا أداة تخويف له ؛ وقد تبنت الدولة الكويتية ذلك النهج السليم ...


لكن بعد أن تولى الشيخ سعد رحمة الله عليه مسؤولياته الجسام في رئاسة مجلس الوزراء فضلا عن ولاية العهد حدثت أمور وأمور ؛ فقد زاد عدد خريجي كلية الشرطة وزاد عدد الأفراد لتتسع بذلك دائرة المنظومة الأمنية وتصبح الحاجة ماسة لإيجاد أسلوب جديد في تنظيمها وضبطها ،

بَيْدَ أن الأحداث السياسية بعد الحل غير الدستوري الثاني للبرلمان إضافة إلى الأعمال الإرهابية في ثمانينيات القرن الماضي أوجدت ارتباكا في رؤية القيادة السياسية بل وحتى اختلاف وجهات نظر القوى الفاعلة فيها حول أسلوب التعاطي مع المنظومة الأمنية والغاية الحقيقية لعملها !!! ،

فسادت وللأسف نظرية اختيار رجال المنظومة الأمنية بناء على العلاقات الشخصية والتي كان بعضها مشبوها وغير كريم !!! ،

فبدأنا نسمع منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي عن الخمور التي تدخل البلاد برعاية بعض رجال المنظومة الأمنية كما زاد الحديث عن تورط بعض هؤلاء الرجال في مشاكل أخلاقية ليس من حيث الوقوع فيها فحسب وإنما حتى بحمايتها والتغطية عليها !!! ،

إضافة إلى ذلك فإن نشوء جيل من الشباب الذين أُضعف انتماؤهم الوطني نتيجة إفرازات خطيئة الدوائر الخمسة وعشرين ومقاربات بعض كبار الشيوخ عن طريق علاقات فئوية قبلية طائفية قد أشاع في ظل انخراط عدد من هؤلاء الشباب في المنظومة الأمنية ظاهرة التغطية على الربع وأبناء العمومة حتى في أبسط مخالفات المرور !!! ،

وكان كل ذلك يجري بعلم الرجال الذين صنعت منهم السلطة كبارا في فترة ما قُبيل الغزو ؛ وكان هؤلاء يغضون الطرف عن فساد يعلمون به وهم قادرون على وقفه لا لشيء إلا لأنهم متورطون فيما هو أكبر ...


لم تكن قضية المرحوم الميموني في الحقيقة أول قضية يتورط فيها كبار مفسدي رجال الداخلية ؛ لكنها الأولى التي تنتهي بالقتل تعذيبا في قضية ليست سياسية وهو ما أدى إلى انكشافها في ظل وضع سياسي متوتر زاد الطين بلة بالنسبة للسلطة !!! ...


إن الفضيحة التي حدثت في قضية الميموني رحمه الله لم تهز وزارة الداخلية وحدها وإنما هزت أركان السلطة في مشهد لم نكن نتمنى أن نعيشه في بلدنا ؛ والسبب في ذلك طبعا هو السياسة الخاطئة للسلطة التي جاءت كردة فعل على تداعيات الحل غير الدستوري الثاني للبرلمان وكذلك المعالجة الخاطئة لمعطيات الأعمال الإرهابية في ثمانينيات القرن الماضي !!! ،

واليوم تتقاطع تداعيات فضيحة قتل المرحوم الميموني مع مشاكل الساحة السياسية في البلاد إضافة إلى الفضيحة الأمنية الخطيرة قياسا بالعقلية الكويتية التي لا تقبل من رجال الأمن أن يكونوا بهذا السلوك الصدامي الشائن الذي قاومه أهل الكويت إبان الغزو الغاشم ؛ بل إن سلوك قتلة الميموني كان أسوأ من تعامل الاستخبارات العراقية ورجال أمنها معنا نحن الصامدين !!! ،

فالمطلوب والحالة هذه أكبر من مجرد استبعاد ومعاقبة المجرمين ؛ فهذا ليس أمرا مطلوبا فحسب وإنما هو مسألة مفروغ منها ،

لكن إنشاء منظومة أمنية على أسس صحيحة إضافة إلى خلق أجواء سياسية اقتصادية ووعي اجتماعي يساند هذه المنظومة هو المطلوب الآن ؛ فليست المسألة بهذه البساطة حتى تحل بإقصاء رتبة فاسدة وإحلال أخرى فاسدة مكانها ،

ولنا في تجربة ألمانيا ما بعد الوحدة خير قدوة إن نحن أردنا فعلا إصلاح منظومتنا الأمنية وتوظيفها في خدمة الشعب كما يراد لها ؛ إذ كان الشطر الشرقي لألمانيا ما قبل الوحدة أسوأ نموذج لفساد المنظومة الأمنية والاستخبارية في العالم ؛ وكانت أجهزة أمن واستخبارات ألمانيا الشرقية سابقا في عهد الطاغية هونيكار تقدم خدماتها وخبراتها الإجرامية إلى المنظومات القمعية في العالم العربي وخاصة في العراق وسوريا إضافة إلى بقاع أخرى من العالم فضلا عما كانت تفعل في الداخل الألماني ،

وفي مرحلة ما بعد الوحدة تبنت الديمقراطية المحترمة في ألمانيا برنامجا إصلاحيا كاملا جعل شطر ألمانيا الشرقي خلال عشر سنوات يوازي شطرها الغربي في كل شيء ؛ وأصلح المنظومة الأمنية من خلال إنجاز برنامج متكامل لإعداد الضباط والأفراد طبعا على الطريقة الألمانية ووفق فلسفة ديمقراطيتها التي تحدت صعاب إرث النظام الهتلري وجثوم الاحتلالين الروسي والأمريكي على صدور الألمان ...


الأجواء عندنا في بلدنا أفضل من الحالة الألمانية ؛ فبلدنا لم تتعرض للتقسيم ولم يكن القمع الممنهج يوما ما سياسة مرعية من القيادة مثلما حصل في الدكتاتوريات العربية ؛ كما أن المزاج الكويتي كله اليوم قد عبر عن رفض التعذيب واستخدام كبار الضباط لمواقعهم كي يمارسوا الشنائع والفضائع ويقعوا في القوادح والفضائح ،

فالمسألة عندنا هي مسألة إرادة ؛ فأين هي يا تُرى الإرادة ؟؟؟ ...
 

meritno1

عضو مميز
موضوعك تاريخى اكثر منة سياسى
الاب سلم الابن العهدة ولتستمر المناصب الورائية
 

صانع التاريخ

عضو بلاتيني
من أين يمكننا استخلاص العبر إلم يكن من التاريخ ؟؟؟ ...


نعم ؛ أوردنا العرض التاريخي وطرحنا باقتضاب وجهة نظرنا حول ما هو مطلوب ؛ فأبعاد قضية الميموني رحمه الله تمت معالجتها إعلاميا بأقلام أفضل من قلمي ؛ لكن الذي أود أن أشير إليه هُنا هو خطورة أن يكون استهداف الرؤوس فقط هو غاية بعض مَن يتكسب على حساب مأساة عائلة الميموني سواء من الذين لهم خصومات أو من الذين يطمحون في الحلول مكان الرؤوس التي تم أو سيتم إقصاؤها !!! ،

فالفساد ليس مجرد رؤوس رتب ولكنه منظومة خربة تستوجب العلاج ؛ وما إبعاد الرؤوس التي تمثل اليوم واجهات الفساد إلا خطوة أولى على طريق الإصلاح الذي لا يمكن اختزاله فقط في استبدال رأس مكان رأس ...


هذه هي الغاية من الموضوع والهدف من الربط التاريخي وعرض التجربة الألمانية بعد الوحدة ؛ فالمسألة ليست سياسية محضة لكنها تنطلق من القرار السياسي وإرادة القيادة لتتشابك بعد ذلك مع كل شيء في حياة الشعب وتدخل حتى في أسلوب تفكيره ،

وأرجو ألا يقول أحد بأن الألمان غير ونحن غير ؛ فرفضنا ككويتيين بالإجماع لما حصل للمرحوم الميموني أثبت بأن الأصل فينا هو التحضر والرغبة في العيش بوطن يحترم الجميع ويكفل حقوق الجميع ويحافظ على كراماتنا جميعا ،

ومن هُنا يمكننا أن ننطلق إن كُنا نريد ؛ فهل نحن فعلا نريد ؟؟؟ ...
 
أعلى