مقالات الدكتور خالد الجنفاوي

برقان73

عضو بلاتيني
المثقف العقلاني و "راحة البال"



الغوغائيون وأشباههم يجدون متعة في تهميش من يعرفون أنه أكثر صدقاً منهم
العقلانية: "النزعة الفلسفية القائلة إن العقل هو أصل المعارف, وإن الاستدلال المنطقي "هو أفضل السبل المؤدية إلى المعرفة" (المعجم الموسوعي- 836).
ثمة معضلة شبه نفسية وذهنية غالباً وربما تحدث يومياً بالنسبة إلى من يحاولون اعتناق التفكير العقلاني بينما يعيشون في مجتمعات عربية تقليدية. هم أي هؤلاء العرب عرقياً والعالميين والمتفتحين ذهنياً يشهدون تناقضات فجة تحدث أمام أعينهم وفي حياتهم اليومية. هذه التناقضات الفردية والاجتماعية ربما ستثبت للمثقف العقلاني أن ما يتوقع أن يتحقق في مجتمعه ربما لن يحدث في القريب العاجل: فبدلاً من شيوع الاعتدال تزيد حدة التطرف,وبدلاً من الالتزام والنظامية يبدو أن الأغلبية تُفضل الفوضوية. بل بدلاً من انتشار التسامح نتيجة زيادة نسبة المتعلمين في الغرب في المجتمع تشيع العدوانية ومحاولة تدمير الآخر المختلف. المثقفون والمتعلمون حقا ومن تجاوزت طرق تفكيرهم ضآلة التفكير الشائعة في محيطهم ربما لن يرتاحوا ما لم يتركوا الآخرين بشأنهم ويبدأوا يركزوا بدلاً عن ذلك على حياتهم الخاصة ويحاولوا تحقيق الاطمئنان العقلاني والنجاحات الفعلية في حياتهم اليومية.
ما يحدث اغلبية الوقت في البيئة العربية التقليدية ليس جديداً وسوف يتكرر لمئات السنين المقبلة ويجب أن يُشجع المثقف العقلاني على البحث عن راحة البال (Tranquility) لأنه بشكل أو بآخر سيفقد فرصاً متعددة لتطوير حياته اليومية.هو أي المثقف العقلاني ذلك الفرد المتفتح ذهنياً تشرب فعلاً كل ما هو إيجابي في الحضارة الغربية ويجب أن يكون عملياً وأكثر نجاحاً من غيره! فمحاولة ضخ مزيد من التفكير العقلاني في البيئة العربية التقليدية يبدو أنها ستأتي دائماً بنتائج عكسية. فمن يدعو مثلاً إلى نشر التسامح وتكافؤ الفرص والتفكير المنطقي والعملية والالتزام بالقوانين والنظم سيعاني الكثير من المصاعب والتحديات والتي هو في غنى عنها.
على سبيل المثال, المثقف العقلاني سيتم عزله في المجتمع العربي التقليدي وبشكل متعمد فالديماغوجيون والغوغائيون وأشباههم يجدون متعة غريبة في تهميش من يعرفون تماماً أنه أكثر صدقاً منهم وأقل تأثراً بالفرقعات اللفظية والأضواء والشعارات الرنانة. هم- أي غرماء المثقف العقلاني- يعرفون أنه هو أو هي ولا أحد سواهم من يكشفون الفوضويين ومن يعرفون كيف يفكر الأنانيون المتمصلحون. تهميش المثقف العقلاني في المجتمع العربي التقليدي ربما يكون "عقاباً حميداً" فالخيار الآخر في هذا السياق ربما يكون أكثر عدوانية ورعباً!
هذه المقالة ليست دعوة للاندحار الطوعي أمام أفواج الفوضوية أو استسلاما سلبياً للغرماء بل ربما يكون أكثر الخيارات عقلانية في بيئة اللا-عقلانية, على الأقل في الوقت الحاضر. تحقيق راحة البال وإعادة توجيه الجهود الجسدية والذهنية لتطوير الذات فقط أفضل مليون مرة من مواصلة بعثرة استنتاجات عقلانية ثمينة عبر إطلاقها في فراغ سديمي شاسع.
 

regrego

عضو مخضرم
العقلانية: "النزعة الفلسفية القائلة إن العقل هو أصل المعارف, وإن الاستدلال المنطقي "هو أفضل السبل المؤدية إلى المعرفة"

ولد النوخذة ايضا اقبتس كلام جميل من احد الزملاء و يقول فيها

"لكن لكل انسان حياة واقعية يرجع اليها بعد عناء نقلاته بالحياة , هذا الواقع يكون احيانا الاسرة او العمل او حتى مصيبه قد يرجع لها فمهما ذهب هنا او هناك فمصيره لتلك الحياة الواقعية بحلوها و مرها , وانا انسان ينطبق علي قاعدة العودة للحياة الواقعية"

شكرا على المقال الجميل
 

برقان73

عضو بلاتيني
الأمم المتحدة... والتفتح العقلي

من شبه المستحيل السماح مرة اخرى لقوى الظلام ان تعيث فساداً في مصير العائلة الانسانية
لو نعرف أن ذلك سيجدي نفعاً لدعونا "الأمم المتحدة"إلى إصدار قرار دولي مُلِزم يفرض "التفتح العقلي" (Open-Mindedness) في البرامج التعليمية للدول الأعضاء! لا نعني هنا فقط الطلب من الدول الأعضاء تجديد التزاماتها السابقة وجعل نشر التسامح جزءاً من مناهجها الدراسية أو إعادة تأكيد ما دعت إليه سابقاً العشرات من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة أو منظمة "اليونيسكو" عن أهمية "التسامح" وقبول الآخر في المجتمعات الإنسانية المعاصرة. طلبنا من الأمم المتحدة بسيط للغاية: تخصيص مواد تعليمية تعنى فقط في نشر وتطبيق النظريات التربوية التي تشجع التفتح العقلي والذهني!
ما جرى في السابق وما يحدث حالياً في العالم من نزاعات دولية وما يقابلها من نزاعات محلية ربما يكون سببها الرئيسي هو الانغلاق العقلي والذهني وليس أمراً آخر. كثير من النزاعات الدولية إذا تم البحث عن أسبابها الحقيقية ربما سيتم اكتشاف أنها بدأت إما بسبب حدة طبع أو انغلاق عقليات بعض السياسيين في بعض الدول والمجتمعات. الشعوب والمجتمعات البشرية ككيانات شاملة لا يبدو لها علاقة لها مباشرة بما يحدث من مآسي مختلفة بل عادة ما تنشأ "المصائب البشرية" نتيجة شهوات فردية معينة إما للتسلط على الآخرين أو بسبب ضيق الأفق الشخصاني أو جشع البعض لكسب المال أو القوة أو من أجل تحقيق الشهرة الخاوية. كل ما سبق بالطبع يمكن تفسيره على أنه نتائج مباشرة لانتشار وباء الانغلاق العقلي.
كنا نأمل بالطبع أن نتحدث هنا عن إنشاء مواد تعليمية جديدة في المناهج الدراسية عن التفكير النقدي أو التفكير المنطقي أو التفكير العلمي ولكن نعتقد أننا أكثر حاجة الآن إلى إعادة ترسيخ المبادئ العالمية المتعارف عليها بشأن التفتح العقلي وأهميته بالنسبة للحياة اليومية للملايين من البشر في عالمنا المعاصر.
ثمة كثير من الأفراد في عالم اليوم لا يزالون يعتقدون أن رحابة الفكر (التفتح العقلي) أو عدم التحيز لطريقة تفكير معينة ستأتي حتماً بنتائج عكسية لأنها وفق اعتقادهم هذه المبادئ العقلانية تهدد الخصوصيات الثقافية للمجتمعات الإنسانية! بل انه يوجد حالياً مجتمعات بأسرها تنظر بعين الريبة إلى بعض أعضائها ممن يدعون للتسامح مع الآخر المختلف واعتناق التفتح العقلي وقبول الآخرين المختلفين.
تعميم وترويج ثقافة التفتح العقلي في المجتمع الإنساني ستنفع البشرية جمعاء لأن مصيرنا الإنساني واحد لا يتجزأ. كل من يسكن على سطح هذا الكوكب يحمل مسؤولية نشر ثقافة التفتح العقلي والتسامح لانه من شبه المستحيل السماح مرة أخرى لقوى الظلام والتحجر الفكري أن تعيث فساداً في مصير العائلة الإنسانية. الأمم المتحدة تحمل على عاتقها مسؤوليات جمة فلعل نشر ثقافة التفتح العقلي وقبول الآخر والتسامح تصبح من الآن فصاعداً بعضاً من أولوياتها العوملية الجديدة.
 

برقان73

عضو بلاتيني
الصراخ والكلمات الجارحة دلائل ضعف وانهزامية


إن نبرات الصوت العالية لن تحقق أي نتائج بل ستؤدي إلى خفض معدل مصداقية السياسي
نعتقد أن استخدام الكلمات الجارحة والتهجم الشخصي والصراخ ضد المنافسين أو من يمثلون الطرف الآخر في الساحة السياسة المحلية ليس دليلاً على الفعالية والنجاح أو إثباتاً للمهارة السياسية. ثمة فرق كبير جداً بين النقد السياسي الجاد والحرفي" والمتزن وبين البحث فقط عن فرص للخوض مرة أخرى في المماحكة وإثارة للضوضاء من دون فائدة. أضف إلى ذلك, النقد السياسي المباح والديمقراطي والمقبول والمعتدل واضح لا لبس فيه وعقلاني أساسه نهج أكاديمي متزن ومتناسق أما إثارة الضجة للضجة فقط والطرح الشخصاني ضيق الأفق وبعض الأحيان استخدام ألفاظ غير مقبولة فهي ربما تكون شبه مربحة في الأمد القريب ولكنها انهزامية وعكسية ومدمرة على المدى البعيد خصوصاً بالنسبة لمن يستخدمها على الدوام. الصراخ واستخدام الكلمات الجارحة ليس سياسة كما يمارسها السياسيون الجادون بل شيئ آخر مختلف ودليل كذلك على عدم احترام عقول الآخرين.
وربما لم ولن نكون سياسيين بالمعنى الدارج في ساحتنا المحلية ولكن نظن أننا نميز استناداً إلى خبرتنا الأكاديمية في ما يتعلق بهذا الشأن, بين ما هو عقلاني وفاعل في النشاط السياسي وبين ما هو تضييع للوقت وتأليب شخصاني وطرح انهزامي. على سبيل المثال, النقد السياسي الذي نقرأ عنه في المصادر الموثقة والذي يتداوله برلمانيون في دول أخرى أقدم وأكثر ديمقراطية يتبع اغلبية الوقت سرداً حقيقياً لوقائع حقيقية بعيداً من المزايدة.
السياسي الحقيقي هو من ينجح آخر الأمر في إظهار احترامه الشديد لعقول الآخرين بينما يستمر يحافظ على مصداقيته بين خصومه ومؤيدية عن طريق عقلانيته ورزانة طرحه وقوته. واغلبية الوقت يتحول الصراخ ضد من أستخدمه في بداية الأمر لأنه أي الصراخ واستخدام الكلمات الجارحة ضد الخصوم لا يترك أي مجال للمناورة أو حتى لإعادة التفكير العقلاني أو التراجع خصوصاً إذا انكشف لاحقاً عدم صدق الفرضيات الأساسية للنقد المزعوم!
يستطيع أي من كان أن يصرخ ويلوح بالوعيد ولكن ليس من الضروري أن يكون أي من ذلك ستراتيجيات ناجحة في علم السياسة الحقيقي. فالمحصلة الأخيرة لأي نشاط سياسي سلمي هي تحقيق نتائج ملموسة. فلا نعتقد في هذا السياق أن نبرات الصوت العالية وتجشم ما لا يجب تجشمه سيحقق أي من النتائج الحقيقية. بل على العكس ستقل تدريجياً مصداقية وفعالية من يستخدم هذا الأسلوب العدائي الغريب. فلعل وعسى.​
 

برقان73

عضو بلاتيني
تجارة الخزعبلات



على المثقف أن يشجع الإنسان العادي على الاستقلال بالرأي عبر احترام عقل الآخر
لم يتوقف المثقف في أي مجتمع إنساني عن محاولاته المستمرة لمكافحة "جو" الخرافة وانعدام التفكير العقلاني الذي يسيطر بين الحين والآخر على بعض المجتمعات الإنسانية, فالمثقف يعرف تماما أنه لا يمكن لأي إنسان عاقل يرغب في أن يعيش حياة طبيعية, أو أن يتنفس بحرية وسط ذلك "المناخ الخرافي المستمر" عندما تصبح الخرافة وانعدام التفكير وندرة استخدام العقل الإنساني ميزة وربما فضيلة لدى البعض!
ففي جو كهذا والذي يخترعه بعامة بعض المتطرفين فكريا والديماغوجيين المتحذلقين تدور الرحى حول أفضل الطرق لاستغلال مشاعر الناس البسطاء لأن الفائدة ستصيب فقط أولئك المتطرفين, فهم ولا أحد غيرهم من يسعدون دائما بانتشار الكثير من الخزعبلات والمخاوف غير الحقيقية بين بنى البشر العاديين لأن هؤلاء المتطرفين سيصبحون في وجود مثل هذه البيئة الإنسانية غير الطبيعة "خبراء" وذوي رأي وحكمة في قدرتهم على تفسير كل ما هو غامض وكل ما يخيف الإنسان البسيط لأنهم ببساطة, نعني الديموغاجيين,هم أنفسهم من خلقوا ذلك "الجو" الخرافي الخانق والمليء بالكثير من المعوقات الفكرية والعاطفية والأخلاقية "المختلقة" وغير الطبيعية ووضعوا قوانينه و صمموه بشكل يجلب لهم المكانة الاجتماعية والأخلاقية المزيفة في المجتمع.
وذلك الجو المليء بالخرافة هو الذي يجبر الإنسان البسيط على اعتناق أساليب تصرف معينة ومقررة من الآخرين تعبر عن مشاعر وعواطف تجبره دائما على الرجوع إلى أولئك "الخبراء الديماغوجيين" والاستعانة بهم لعل وعسى أن مخاوفه غير الحقيقية تختفي عن طريق التدخل المباشر من أولئك الخبراء في الحياة الخاصة والعامة للإفراد.
المثقف يعرف تماما زيف مناخ الخرافة, وانعدام التفكير, لأنه أول من نجا منه في السابق نظرا إلى تمتعه باستقلالية التفكير ونجا كذلك لأنه أول من كشف زيف ذلك الجو الخرافي والمليء بانتشار العواطف والانفعالات البدائية, والذي يكون عادة جوا ومناخا متفجراً, نقول المثقف يعرف تماما خطورة استمرار مثل ذلك الجو المجتمعي الخانق لأنه لا يقود عادة سوى إلى الدمار وإلغاء الآخر!
ولكن لكي يستمر المثقف في تميزه فيجب عليه أيضا أن يقترب أكثر وأكثر من الإنسان العادي ويبدأ ينير بصيرته عما يعانيه فعلا وسط تلك البيئة المدمرة للحرية الإنسانية الأساسية ألا وهي حرية التفكير والتي يستحقها أي إنسان على وجه هذا الكوكب, ويجب على المثقف أيضا أن يشجع ذلك الإنسان العادي على استقلالية العقل والرأي ووجهات النظر, وكل تلك الأهداف ستتحقق لا محالة عن طريق احترام عقول الآخرين ومخاطبتهم كأفراد لهم الحقوق نفسها وعليهم الواجبات نفسها كما الجميع​
 

برقان73

عضو بلاتيني
استنزاف الديمقراطية



تخيلوا لو أن جميع أعضاء مجلس الامة هدد في وقت واحد بالاستجوابات ونفذها​

تذكر بعض المصادر انه لا يمكن لأحدهم أن يحقق "ذكاء كاملاً" أي يحرز عبقرية تامة لأن ذلك سيعني بالطبع "توقف" العقل الإنساني عن العمل والتفكير واتخاذ القرارات المختلفة نتيجة لانشغاله بالقياس والمقارنة والتحليل المنطقي! وينطبق هذا الاستنتاج على موضوع "الديمقراطية": فلا يوجد من هذا المنطلق "ديمقراطية كاملة" أي تامة أي أنك لن تستطيع إطلاقاً دمقرطة كل أمر يحدث في حياتك اليومية أو في مجتمعك. ومن هذا المنطلق أيضاً فما يحدث في سياقنا المحلي الكويتي هذه الأيام يبدو وفق رأينا الشخصي استنزافاً للأدوات الديمقراطية عبر محاولة استخدامها بشكل ينافي, بعض الأحيان, الواقع وبشكل كذلك يبدو أفقدها فاعليتها المعتادة. هذا السيناريو يعني بالطبع تغيباً للآراء الجادة بشأن تحدياتنا وأولوياتنا الوطنية واستمراراً للجدل والبحث عن المنازعات الشخصانية من دون تنفيذ أي إنجاز ملموس!
وكما هو متوقع أن يحدث في سياق العبقرية التامة اللا عقلانية, ستتوقف الديمقراطية عن العمل ساعة ما يركز بعض من يستخدمونها حالياً على تطبيق آلياتها النظرية بشكل يتنافى مع فرضياتنا الاجتماعية وتسوياتنا التاريخية المتعارف عليها ومن دون الالتفات لأهمية استخدامها بشكل عقلاني لا يعوق العمل والانجاز والتقدم. على سبيل المثال, تخيلوا لو أن جميع أعضاء مجلس الأمة الأفاضل هدد في وقت واحد بالاستجوابات ونفذها في الآن نفسه! المحصلة الطبيعية لهذا التطور الدراماتيكي هي تعطل الآليات الديمقراطية عن العمل وجفاف مصادر الإبداع والمرونة في هذا السياق. نتمنى بالطبع أن ينتشر لدينا ثقافة "الديمقراطية العملية" ذات الطرح العقلاني والمعتدل أي تلك التي يمكن لنا الاستفادة منها بشكل فعلي ينفعنا وينفع وطننا الكويت.
إضافة إلى ذلك نحتاج إلى دمقرطة ديمقراطيتنا المحلية لكي لا تتوقف عن العمل وألا تصبح عائقاً حقيقياً يمنع تنمية الإنسان والوطن الكويتي. ووفق رأينا ما يحدث حالياً هو استنزاف يبدو لا عقلانياً للأدوات الديمقراطية لدرجة أنها بدأت تفقد بريقها الطبيعي ولن تبدو فاعلة بعد الآن في توصيلنا إلى تحقيق تطلعاتنا وأولوياتنا الوطنية.
 

برقان73

عضو بلاتيني
حل مجلس الأمة... هل يقضي على التأزيم?


نظن أن حل مجلس الأمة وإجراء انتخابات جديدة ربما لن يقضي بشكل مناسب على ظاهرة التأزيم في بيئتنا السياسية, بل وربما ستأخذ هذه الظاهرة السلبية أشكالاً وربما نكهات مختلفة عما خبرناه سابقاً! ونقصد بمصطلح "التأزيم" في هذة المقالة ذلك السعي الحثيث للبعض القليل في بيئتنا إلى ايقاف عجلة التنمية والاستمرار في خلط الأمور الهامشية والأولويات الوطنية مع بعضها, إما ظناً منهم أن ما يمارسونه هو فعلاً "سياسة" أو رغبة البعض الآخر في إثبات وجودهم بأي شكل من الأشكال, وإن حصل ذلك عبر "تسجيل مواقف شخصانية" مبالغ فيها لا تعكس جوهر ما نحتاجه حاليا, الاسراع في تنفيذ أولوياتنا الوطنية الاقتصادية والتعليمية والأمنية والتنموية بعامة.
وفق رأينا, ما لم تتوصل الطبقة السياسية الشعبية في مجتمعنا إلى الاتفاق على الأولويات العامة, أي يتفق المتحدثون باسم التيارات السياسية والقبلية والطائفية والفئوية على الأولويات ويسعون إلى المصالحة الوطنية على أرضية مشتركة, فربما ستستمر عجلة التأزيم تدور إلى ما نهاية. وربما يتسارع دورانها بشكل ذاتي حتى يصبح التأزيم عنواناً رئيساً للممارسات السياسية "الوطنية"!
وفي هذا السياق, لا نقبل مشروعية أو صدق مقولة "هذه هي الديمقراطية" وعلينا تحمل نتائجها! وذلك لأننا لا نزال نؤمن بخصوصية ديمقراطيتنا الكويتية وإستنادها تاريخياً إلى جلب المنفعة للوطن وللمواطن. فالتأزيم الذي بدأ يأخذ أشكالاً مختلفة في بيئتنا المحلية أورد لنا خطابات غريبة ومفردات سلبية للغاية لا تتوافق مع ما يجري فعلاً في بيئتنا الوطنية. على سبيل المثال, لا يزال يعتز كثير منا بانتمائنا لأسرة وطنية واحدة ونفتخر كذلك بأننا جميعاً حريصون فعلاً على تقوية وحدتنا الوطنية. وأنه عندما يأتي وقت الحسم في أي أمر سنبدأ نسترجع وبصدق مكتسباتنا المشتركة ونعتز مرة أخرى بقدسية تمازجنا الاجتماعي والثقافي.
التأزيم الذي يبدو كامنا وهادئاً نوعاً ما هذه الأيام يهدم أسس المواطنة الحقة, بل وسيؤدي إذا استمر بشكله الحالي الى اضعاف الوحدة الوطنية. هذا بالطبع إذا سُمح لظاهرة التأزيم أن تستمر من دون معالجتها بشكل جذري يخلصنا من ترف التأزيم وعدميته وأريحية استخدامه بين الحين والآخر!
التأزيم السياسي المتعمد لا يبني المجتمعات الانسانية, بل ينهك مقدراتها البشرية والاقتصادية والحضارية. فديدن التأزيم هو الضرب المستمر على أسس الوفاق المجتمعي والوطني حتى تبدأ تتحول الحياة اليومية في البيئة المحلية إلى أمر لا يطاق بسبب الزخم التصعيدي والضغوط النفسية والقلق المدمر الذي يصاحب التأزيم.​
 

برقان73

عضو بلاتيني
الناخب" يُريدُك هَادئاً وَمَنْطِقياً !


أثبتت دراسة جديدة أشرف عليها فريق من الباحثين في قسم علم النفس في جامعة "ماكاستر" الأميركية أن الناخبين الأميركيين يفضلون التصويت للمرشحين ذوي الأصوات الهادئة! فحسب الدراسة المثيرة والتي نشرت في مجلة "التطور والسلوك الإنساني" في 14 نوفمبر الماضي يعتقد الناخب الأميركي أن المرشحين أصحاب الأصوات الهادئة والرزينة أكثر منطقية وجاذبية من غيرهم. بل ويربط بين الطرح الهادئ وصفات الشخصية الجذابة. فالمرشح الهادئ صادق وذكي وأكثر قدرة على التأثير المباشر في ناخبيه! ومن أجل أن يتحقق الباحثون من صدق فرضية تأثير الصوت الهادئ للمرشح في الناخب فلقد قاموا بإسماع من تطوعوا للدراسة أصوات مرشحين سابقين للرئاسة الأميركية. ولقد اكتشفوا رغم إختلاف الأوضاع السياسية المرافقة للترشيح لكن إستمر التأثير الفاعل للمرشحين الهادئين والذين تميز طرحهم بالروية والكلام المنطقي (المصدر- يوريكا).
ومع أننا شخصياً نقبل- نوعاً ما- صحة فرضية طغيان الصوت العالي (الصراخ والنبرات الحادة) في إنتخاباتنا الديمقراطية الشرق أوسطية. ولكن مع ذلك نعتقد أن إنسان اليوم لم يعد يقبل التلقين المباشر والتلاعب في عواطفه من بعض المرشحين الصارخين على الدوام! بل ويحق لنا في هذا المقام طرح تساؤل حول ما يحدث في بيئتا المحلية الكويتية: فمن سيكون له نصيب الأسد في التأثير في الناخبين? وهل سيؤثر في قرارات هؤلاء الناخبين في الإنتخابات البرلمانية المحتملة اولئك الذين تقارب أصواتهم الزعيق أكثر من الطرح الهادئ والرزين? أم هل سيستمر الوضع كما هو عليه ويكون وقع بعض الذين يزبدون ويرعدون ويتنافضون على المنصات أكثر تأثيراً في تحديد كيف سيصوت الناخب الكويتي التقليدي?
إضافة إلى ذلك, ليس من المنطق إعتبار النبرات الحادة والتهديدية للمرشح مرادفة دائماً للحق وللصدق. فربما يعتبر الصراخ وتهديد الآخرين محاولة يائسة لإخفاء وقائع غامضة لا يُراد لعامة الناس إستيعابها بأي شكل من الأشكال. ولذلك فمن المنطقي أن يكون أهل الأصوات الهادئة وأهل الطرح الرزين هم الأكثر تأثيرا في بيئتنا السياسية, وليس العكس. فمن يستمر يرقى في طرحه السياسي ويلتزم بإحترام مبادئ الحوارات الهادفة والبناءة مع أبناء وطنه -رغم كل التشويش والضوضاء المحيطة به- ربما سيكون هو الأقدر والأكثر تمكناً في فهم أوضاعنا المحلية بشكل دقيق, وإيجاد حلول عملية لتحدياتنا الوطنية المشتركة. فلعل وعسى.​
 

برقان73

عضو بلاتيني
فوضويتهم تؤذي العقلاء


"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ" (البقرة -172).
يصعب تصور أو حتى تخيل حالة العقل الإنساني عندما يزيد عدد الديماغوجين-المهيجين الأزليين للجماهير. وفق رأينا, يهدد وجود عرابي الغوغاء "سلامة عقل" الفرد العادي -خصوصاً بالنسبة الى اتباعهم ومريديهم والمخدوعين بهم, هو أي الديماغوجي والمتكسب الأناني سيأتي كل أمر خزعبلاتي وفوضوي من أجل تحقيق مصالحه الدنيوية الشخصية, ولن يأبه إن نتج عن أفعاله طوفان مدمر! تأثير هذا النوع من مثيري الشغب والبلبلة في المجتمع سلبي للغاية ومدمر للصحة النفسية والذهنية, ليس للفرد العادي فقط, بل شرهم على المجتمع ككل.
الديماغوجيون يحاولون زرع الشقاق والكراهية بين أعضاء المجتمع الواحد ليس حبا بفئة او طائفة او جماعة معينة ولكن من أجل السيطرة على مصائرهم. خطاباتهم النارية تدعو عادة للعصيان ونكران الجميل وهم بذلك ينشرون القلق النفسي في المجتمع ويحكمون قبضتهم عليه لأنهم يحاولون تدمير الوفاق المجتمعي ويقطعون علاقات الرحمة والمودة بين الأفراد وبين مجتمعاتهم وحتى بين ولاة أمورهم. ولن يستقر ولن يهدأ عقل ولا منطق ولن تدوم راحة وطمأنينة ذهنية ما دام الديماغوج يصول ويجول من دون رادع, الأمم والمجتمعات الناجحة تجد العلاجات المناسبة للقضاء على "وباء الديماغوجية" عبر تطبيق القانون والحذر والاستعداد بشكل كامل لسيناريوهات التخريب وعبث الشر.
الفرد العادي يستطيع أيضاً درأ فساد الديماغوج وتأثير هلوسته الخزعلاتية عبر التمسك بثوابته الوطنية وتحكيم عقله وتفكيره السليم. فبالنسبة للانسان العاقل: وسائل وغايات وحتى فرضيات الديماغوج لا تنشر العدل ولا المساواة ولا تحفظ حقوق الناس, بل تُهيج مشاعر عامة الناس فقط من أجل تحقيق نزوات شخصانية لا تخرج عادة عن كسب مزيد من النفوذ في المجتمع على عاتق الفرد والمجتمع والوطن.
حري بالفرد العاقل أن يعرف أن من يحاول تشويش ذهنه عبر تكبيله بالأكاذيب والخزعبلات ويبث فيه الخوف وينزع منه الطمأنينة يرغب فقط في السيطرة عليه وحرمانه بعد ذلك من الحرية الحقيقية وهي حرية العقل والتفكير السليم والمنطقي.​
 

برقان73

عضو بلاتيني
ولي الأمر... "سمعاً وطاعة عن قناعة"

" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الْأمْرِ مِنْكُمْ " (النساء 59).
أعتقد أن من يغضب لعصبية قبلية أو طائفية أو طبقية فهو يفارق الجماعة ويأتي أمراً يتعارض مع أبسط متطلبات الحس الوطني والسلم المجتمعي في عالمنا المعاصر. فالمسألة في هذا السياق ترتكز على إستنتاجات منطقية وعقلانية: من يحافظ على العهود السابقة ويلتزم بمبادئ المواطنة الكويتية الحقة يصل إلى قناعة مستحقة بأن طاعة ولي الأمر هي المرتكز الأخلاقي والتعهد التاريخي الأصيل الذي لا تغيره الأهواء الشخصانية ولا تؤثر فيه سلبياً العصبيات القبلية أو العرقية أو التحزب أو أي نوع من الإصطفافات. فالشرط الأساسي Prerequisite للمواطنة الكويتية التاريخية بل والمتطلب المعاصر للوحدة الوطنية والحس الوطني السليم من المفروض أن تستند دائماً إلى عدم مخالفة الجماعة وبخاصة إذا كانت هذة الجماعة مجتمعاً كويتياً عُرف عنه تماسك وتوحد اعضائه مع ولاة أمرهم.
إضافة إلى ذلك ورغم كل الضوضاء والضجيج المصاحب لكل الممارسات الديمقراطية رغم ما تحمله بعض هذه الممارسات من مماحكات وتجاذبات شخصانية وإنزلاقات تفتقد إلى الحكمة نحو المصالح الشخصية الضيقة تبقى الحقيقة الكويتية التاريخية بشأن طاعة ولي الأمر ناصعة البياض لا تشوبها شائبة: ككويتيين طاعتنا لولي الأمر تنبع من أسس وعهود ومواثيق تاريخية لا تقبل الشك ولا التفسيرات المعوجة لأن موالاة ولي الأمر وطاعته جزء راسخ وأكيد في الذهنية الكويتية العامة.
إضافة إلى كون طاعة ولي الأمر جزءاً رئيساً ومطلباً أساسياً في الحياة الإسلامية المثالية, فهي أيضاً وبخاصة في عالمنا المعاصر تبقى إستنتاجاً عقلانياً تسنده وقائع حياتنا اليومية الكويتية: فعلاقتنا ككويتيين بولاة أمورنا وعلى مر تاريخنا الطويل تميزت بالرحمة والمحبة المتبادلة والإحترام والتقدير المتبادل. فأسرتنا الحاكمة عُرف عنها قربها من أبناء شعبها وتمازجها العائلي مع كل فئات وشرائح المجتمع. فطاعة ولي الأمر في سياقنا الكويتي الخاص تنبع من أصالتنا الكويتية التاريخية وترتكز على قناعات شخصية ثابتة تسندها الدلائل والبراهين الواضحة والإستحقاقات الأخلاقية النبيلة.
فالمواطن الكويتي الحق يسمع ويطيع ولي الأمر لأنه وصل إلى قناعة شخصية بأن أهم مقومات النجاح الإنساني في بيئتنا الكويتية المعاصرة تتجلى أيضاً في الإبقاء على العهود السابقة والإلتزام بمتطلبات الحس الوطني النبيل. بل أن إظهار السمع والطاعة لولي الأمر عن طريق ممارسة سلوكيات وتصرفات إيجابية يهدف إلى تحقيق المواطنة الكويتية الحقة عبر الالتزام بمسؤولياتها وواجباتها المتعارف عليها وتهدف إلى تقوية الوحدة الوطنية في مجتمعنا تعبر دائماً عن استثنائية وفرادة الهوية الكويتية الناصعة. فسمعاً وطاعة عن قناعة لولي أمرنا ونبراسنا الوطني وحكيم أمتنا الكويتية.
 

برقان73

عضو بلاتيني
"تَحَدِّي السُلْطَة" يؤدي إلى الفوضى


" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ " (النساء 59).​

أعتقد أن الذهنية المعقدة والميكروسكوبية, وبخاصة تلك التي تظن بأن تحدي السلطات المختلفة في مجتمع ديمقراطي ومدني وسلمي ربما سيُكسبها السمعة البراقة ويمنحها تلقائياً سمات الشجاعة والبسالة, عقلية متناقضة ومحدودة التفكير للغاية. فما هو متناقض ومربك في هذا السياق الديموغاجي هو التالي: تحدي أي نوع من السلطات في مجتمع مدني وديمقراطي معاصر وبشكل شخصاني للغاية ومغالٍ يتعارض مع فرضيات ومبادئ البيئة الإنسانية الديمقراطية والسلمية.
إضافة إلى ذلك, أعتقد أن هذا الإنموذج الذهني السلبي للغاية والذي يبدو انه لا يزال يرتكز على فرضيات عفى عليها الزمن يؤمن بأن "تحدي السلطة", بمفاهيمها العامة والخاصة, ربما يُكسب أحدهم الشهرة بين من يؤيدونه ! ولكن أعتقد أن هذا النوع من "الشهرة" الديموغاجية في تحدي السلطات وبخاصة إذا كانت هذه السلطات وليدة شورى تاريخية ومتوافق عليها ووليدة ديمقراطية بناءة ومعتدلة هي شهرة مزيفة ومفبركة وموقتة. بل ربما تؤدي هذه السلوكيات والتصرفات الشخصانية إلى نشر الفوضى في البيئة المحلية. فالنهج الشخصاني المُكابر والذي يبدو انه يرفض التقيد بأغلب ما يتفق عليه أعضاء المجتمع هو نهج سلوكي سلبي وفق مقاييس ومعايير ما يحدث من تقدم ورقي إنساني في عالمنا المعاصر. بل أعتقد أن هذا النهج المُكابر الذي يتمثل احياناً بالاستعداد الدائم لتحدي أي نوع من السلطات في المجتمع (حتى لو كانت هذه السلطات تحمي حقوق الأفراد وتحافظ على تماسك المجتمع الوطني) لن يؤدي الا لبث مزيد من الفوضوية والعشوائية في المجتمع. فأي بيئة هذه إنسانية ديمقراطية ومعاصرة ترتكز أساساً على احترام هيبة القوانين المحلية وإظهار الاحترام للسلطات الرئيسية? فالمواطنة الكويتية الحقة تتجلى أيضاً في قبول واحترام فرضياتنا الاجتماعية التاريخية والمتفق عليها والتي تهدف بشكل أو بآخر للحفاظ على الوحدة الوطنية وعلى تماسك نسيجنا الاجتماعي. والأهم سيؤدي إظهار الاحترام المُستحق للسلطات إلى إتاحة مزيد من الوقت وتجيير كل الطاقات في المجتمع نحو تنمية الإنسان الكويتي عبر تنفيذ خطط ومشاريع التنمية. فلعل وعسى أن يبدأ البعض القليل في مجتمعنا إعادة التفكير في توجهاتهم الشخصية وبخاصة في ما يتعلق بقبولهم باستحقاقات مجتمع مدني كويتي قانوني وديمقراطي من المفروض أن يتجلى في الوفاء بمسؤوليات وواجبات "المواطنة الكويتية الحقة" بكل استحقاقاتها المدنية والسلمية والإيجابية.
 

برقان73

عضو بلاتيني
الربيع العربي : " يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ "

"وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ" (الزخرف 37).
أعتقد أن "الربيع العربي" سيأتي بسنوات كبيسة ربما ستُنقص نظرياً مع عمر الأمتين العربية والإسلامية, بل ربما نقبل على عقود إذا لم تكن قروناً من عدم الاستقرار والفوضى وخلطا لحسابات تاريخية وإجتماعية نمطية. فكابوس الربيع العربي بكل تعنته وفوضويته وتقلبه واستحقاقاته المشروعة وغير المشروعة يبدو انه نسف موازين طرق التفكير التقليدية وإستبدلها ربما بما هو أسوأ ثورات فكرية وثقافية مستمرة تبدو بلا أهداف واقعية, وعدم استقرار اجتماعي لن يهدأ وربما سيرسخ لاحقاً صداعاً حضارياً مزمناً.
فما كان متوقعاً في سياقات تاريخية حالية وسابقة لم يعد ثمة ضمان حدوثه في العالم الافتراضي للربيع العربي. فما "يميز" هذا الربيع الصقيع هو خلطه لأغلب الفرضيات الفكرية والاستنتاجات النمطية حول غالبية الأمور التي تدور في سياقاتنا العربية, وربما الإسلامية. فكابوس الربيع العربي صُنِع أساساً وربما فبُركت استحقاقاته الجدلية على أرضية ديمقراطية-ثورجية مهزوزة تستند الى بدائل اجتماعية وثقافية لم يثبت نجاحها في بيئاتنا العربية والإسلامية المحافظة. ففجائية الربيع العربي وتواتر أحداثه وترابطها الغريب مع بعضها بعضا تُنبئ أن كل ما في الجعبة لم يظهر بعد! فما حدث في سياق هذا الربيع يبدو لي على الأقل كصدمة كهرو-دماغية عطلت نماذج التفكير التقليدي العربي والإسلامي بكل استنتاجاتها, بل ما خفي ربما سيكون أعظم وأكثر قسوة مما حدث حتى الآن.
إضافة إلى ذلك, أعتقد أن الربيع العربي ربما وضع قسراً ذهننا العربي وإلإسلامي في آتون تغيرات حضارية هائلة ربما ليس لدينا حتى الآن القدرة على استيعاب استحقاقاتها الكاملة. بمعنى اوضح, فرض الربيع العربي وتواتر أحداثه وما صاحبه من خليط التهويل والترحيب والخوف والحذر توقعات حياتية هائلة ربما لا نملك كشرقيين مقوماتها الحضارية والإقتصادية والإنسانية حتى الآن.
فلا تنمية بشرية ولا تطور حقيقي مع تواتر عدم الاستقرار النفسي والتاريخي: فما ستُكرِّسه الهزات الحضارية المتواصلة هي تسببها في تفكيك أرضيات تاريخية صلبة كان من المُمْكِن تطويرها لتنسجم بشكل أو بآخر مع ما يحدث من تطور في عالمنا المعاصر. ولكن ما حدث في واقع الأمر أن الربيع-الصقيع العربي يبدو أتى بأسوأ التوقعات: عدم الاستقرار Anomie والاضطرابات الاجتماعية كبدائل حتمية للتطور والتقدم ومواكبة الحضارة ! اللهم أعِنَّا على ما هو قادم, وثبت قلوبنا على ما تطمئن له, وأرشدنا سبيل الرشاد والصلاح.
 

برقان73

عضو بلاتيني
عقلنة "الفوضى" مستحيلة


أعتقد أن التفكير النمطي (Ritualistic) أي تلك الطريقة الفريدة في رؤية الأمور من زوايا محددة وعبر طقوس فكرية ثابتة نوعاً ما ربما تنهك العقل والجسد, ولكن ما هو أشد قسوة حول إستمرارية نمطية التفكير هو بروز أدلة واقعية ومنطقية تُثبت عدم جدوى تجاهل ما يحدث فعلاً حول الفرد وما يؤدي إلى تكراره لسلوكيات وتصرفات ثبت عدم جدواها في ربط آماله وتطلعاته الشخصية بما يمكن له أن يحققه في مجتمعه. وأعتقد أيضاً أن العقلاء والحكماء لا يكررون الأخطاء نفسها مراراً وتكراراً لأنهم بذلك ربما سيثبتون للآخرين نمطيتهم ورجعيتهم الفكرية وربما عدم قدرتهم على مواكبة تطورات العصر وعدم قدرتهم كذلك على التواصل مع ما يحدث من تطورات هائلة في مجتمعهم المحلي.
ويذكر بعض الفلاسفة والمتخصصين في العلوم الاجتماعية أن التفكير النمطي والذي يبدو انه يقدس النظامية والتفاؤل ويتوقع الإيثار والمحبة المتبادلة من قبل الآخرين, يصل إلى طرق مسدودة (Deadend) ولكن ما الذي يدفع بذوي الألباب الذين يتوقع منهم الاخرون إمتلاك بصائر نافذة أن يستمروا في السيد في طرق تفكير و توقعات ثبت مراراً وتكراراً عدم جدواها في تحقيق الأهداف الشخصية المشروعة? أعتقد أن ما يدفع ببعض المتنورين للإستمرار على ما هم عليه من سكينة ورغبة متواصلة في التهدئة والتفاؤل هو عدم إدراكهم ما يمكن أن يحدث في المستقبل لو أنهم تخلوا عن مبادئهم وقيمهم.
فإذا حدثت تغيرات اقتصادية وثقافية واجتماعية هائلة وبرزت طرق تفكير لا نمطية وتعارض كل واقع إنساني كرسته طرق التفكير النمطية سيضع ذلك كل عقل رزين على محك خيارات صعبة للغاية: فهذه الأوقات هي ما تختبر فعلاً سرائر الناس وجوهرهم حيث تلزمهم الإختيار بين ما هو صواب وبين ما هو خطأ. أعتقد بمنطقية التفكير السلمي والإيجابي ما دام يؤتي ثماره ولو بشكل متقطع . فالتفكير النظامي والمدني والذي يربط الأسباب بنتائجها المنطقية, ويقيس الأمور وفق معايير ثابتة نوعاً ما سيربح آخر الأمر. فكيف ستستقر الأمور وتبدأ الناس تعمل لتبني وتشيد حياتها ومجتمعاتها ما دام هناك ثمة ثورات ذهنية متواصلة ضد كل ما هو نمطي ومتفق عليه? وما دامت الخيارات البديلة تبدو انها تخلط الحابل بالنابل والقبيح بالحسن والفوضى بنظامية غير مألوفة تروجها أفواه وأذهان لم يُعرف عنها سابقاً نظاميتها أو إحترامها للحياة المدنية المنظمة. عقلنة الفوضى مستحيلة.​
 

برقان73

عضو بلاتيني
عقلية المؤامرة: لا طبنا ولا غدا الشر

أثبت باحثون من جامعة "كنت" البريطانية أن من يؤمنون بشكل قوي بنظرية المؤامرة سيؤدي بهم هذا النوع من التفكير الى الاعتقاد ايضاً "بنظريات مؤامرة بديلة أخرى رغم تناقض معطياتها." فيؤكد الباحثون أن من يعتنق عقلية المؤامرة سيكون أكثر ميلاً لتصديق مؤامرات شبيهة على الرغم من تناقض فرضياتها مع نظرية المؤامرة الرئيسية" (بتصرف- يوريكا 26- 1-2012).
أعتقد أن من يعتنق "عقلية المؤامرة" ويحاول البحث عن دلائلها المفبركة في كل أمر يحدث في حياته اليومية, يستمر رهينة لمخاوف مفبركة وكوابيس يبدو انها لن تنتهي, على سبيل المثال, ما يؤلم حقاً حول اولئك الأشخاص والذين يبدو انهم عاهدوا أنفسهم على رؤية العالم الخارجي بمنظار المؤامرات والتي يحيكها وفق زعمهم أشخاص مجهولون أو مجموعات معينة ضدهم سيعانون أكثر من غيرهم. فعقلية المؤامرة "تكرس" شبكة مؤامرات متواصلة يبدو انها لا تتوقف. أي أنه بالنسبة الى هؤلاء الأشخاص: "لا طبنا ولا غدا الشر" يتحول إلى عنوان رئيسي يشكل تعاملهم من الناس الآخرين ويؤثر سلبياً في علاقاتهم الاجتماعية في مجتمعهم الوطني. فدائرة التفكير التآمري- إذا أردتم- لا تنتهي ولا تتوقف, بل يستمر فيها الإدمان على التشاؤم والشك المتواصل في نوايا الناس الآخرين. إضافة إلى ذلك, أعتقد أن من يؤمن دائماً بوجود مؤامرة ضده كأنه يحاول بيديه وبإرادته الشخصية تعتيم حياته اليومية وتغذيتها بالمخاوف المفبركة. فكيف بالإنسان العاقل أن يعيش حياة إنسانية متكاملة وسط خوف مصطنع من مؤامرات تحاك ضده 24 ساعة في اليوم و طوال أيام الإسبوع?
حري بالإنسان العاقل والرزين ألا يضع نفسه طوعاً في متاهات "عقلية المؤامرة" لأنها ستُنهك ذهنه وجسده وستحرمه من عيش حياة إنسانية متكاملة. فضحية عقلية المؤامرة يحتار ويذهل ويخاف ويوسوس تجاه كل أمر أو حدث يبدو انها لا يتوافق مع توقعاته الشخصية. ولكن العقلاء والحكماء وأهل البصيرة يدركون أن الحياة الإنسانية الطبيعية لا يمكن لها أن تستمر, ولا يمكن لها أن تتطور إذا ارتكزت دائماً على فبركة شخصية وطوعية للمخاوف المزيفة. ومن هذا المنطلق, فعقلية المؤامرة تُرغم من يؤمن بها على أسر روحه وذهنه وقلبه وآماله وتطلعاته في صندوق مُغلق تملؤه مخاوف الاضطهاد "Paranoia" ولفحات الترتياب, والوسوسة المستمرة, ما سيمنعه فعلاً من عيش حياة طبيعية ومثمرة. فلعل وعسى.
 

برقان73

عضو بلاتيني
"عَقْلٌ مُسْتَبِدْ" يتحدث عن الديمقراطية !

أعتقد أنه ثمة مفارقة متناقضة (Anachronism) ومأزق تفكيري حقيقي عندما يتحدث العقل المستبد عن الديمقراطية! فالتفكير الشخصي الاستبدادي (Tyrannical) نشأ وتربى في بيئة نفسية تمقت الرأي الآخر وتحتقر التنوع والتعددية الفكرية: فكيف بالعقل المستبد أن يمارس ديمقراطية بناءة أو أن يطور من الخيارات الديمقراطية في بيئته المحلية, وأغلب ما يمارسه هذا النوع من الأشخاص الاستبداديين يتعارض مع أبسط قواعد النهج الديمقراطي ويتناقض بشكل سافر مع حرية الاختيار وحرية التفكير?! بل وكيف للعقل المستبد أن يقبل بحتمية الاختلاف وأحقية الناس الآخرين في إعتناق آراء مختلفة, وهو يعمل 24 ساعة في اليوم وطوال أيام الأسبوع على تكريس سلوكيات وتصرفات شخصانية تهدف بشكل أو بآخر لإلغاء "الآخر" تماماً !
فإضافة لإنتفاء أهمية الرأي الآخر المخالف في الذهنية الاستبدادية, ترفض هذه العقليات الجامدة أبسط فرضيات التفكير الديمقراطي: التعددية.(Pluralism) فالتعددية والتنوع الإنساني وأحقية الأفراد الآخرين في اعتناق وجهات نظر مختلفة لا يعتبرها العقل المستبد لأنها تشكل تهديداً مباشراً لضيق أفقه ومقته الراسخ للحريات الشخصية. فالعقل المستبد يمكن أن يستخدم المصطلحات الديمقراطية بل ويقلد الرطن الديمقراطي النمطي فقط من أجل تحقيق غاياته وأهدافه الشخصية: سيطرته على الرأي العام في مجتمعه وتضييق الخناق على كل من يفضح تناقضه وفبركته وزيف ما يدعي!
لا إبداع ولا حضارة ولا تقدم ولا تطور فكري أو اجتماعي, بل ولا تطور إنساني طبيعي مع وجود عقول مستبدة تحنق وتتضايق من حتمية التطور الطبيعي للحياة الإنسانية. فبالنسبة للعقل المستبد: ليس للآخرين الحق بالتطور والتقدم أو إمكانية ربط آمالهم وتطلعاتهم الإيجابية مع ما يمكن لهم أن يحققوه في مجتمعاتهم الوطنية: فبالنسبة للعقل المستبد هو فقط من يملك "الحقيقة" وما يهذر به الآخرون وما يتطلعون لتحقيقه لا شرعية له ولا قبول: لأنه ببساطة شديدة يأتي عكس شخصانية وضيق أفق العقل المستبد.
يوجد في كل عقل إنساني نماذج فكرية ثابتة لا تتغير بسهولة وتسيطر على عملية التفكير, ويستخدم المختصين مصطلح "سكيماتا" لوصف هذه المخططات والنماذج الفكرية المثيرة للاهتمام, ويمكن وصفها أيضا بتلك النماذج الأولية التي تنشأ الأساطير الأساسية أو "الأركيتايبس" والتي تشكل طريقة التفكير والتصورات العامة في أي ثقافة إنسانية. وهى عادة تحدد مصير التطورات المختلفة في المجتمع الإنساني وتحكم مدى تقبله للتغيير. سكيماتا "العقل المستبد" عنوانها الرئيس وديدنها الثابت: رفض التعددية, ومقت كل ما هو مختلف وكل ما هو ديمقراطي حقيقي وفعلي.​
 
أعلى