تحليل:صراع «الجهاديين» بين «جنيف 2» وإمارة الشام

عمر بن معاويه

عضو مخضرم
نقلا عن جريدة السفير اللبنانيه:

الظواهري يريد فرض زعامته


صراع «الجهاديين» بين «جنيف 2» وإمارة الشام

عبد الله سليمان علي
تاريخ المقال: 16-01-2014 02:15 AM
زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري يسعى إلى فرض زعامته في الشام، عبر تنفيذ الحكم الذي أصدره بين زعيم تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) أبو بكر البغدادي وزعيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني، بالتزامن مع صدور تسجيل صوتي لأبي خالد السوري، مندوب الظواهري، لحل الخلاف يصف فيه «الدولة الإسلامية» بالخوارج، وهو وصف يترتب عليه التكفير ووجوب قتال عناصره، بينما تفرض الظروف الميدانية نفسها وتؤدي إلى مزيد من التعقيد في مشهد «الجهاد» الشامي.
وكانت لحظة «جنيف 2»، على ما يبدو، ساعة الصفر لإطلاق أكثر من معركة بين التنظيمات «الجهادية»، إذ مع اقتراب موعد انعقاد المؤتمر في 22 كانون الثاني الحالي لمناقشة الأزمة السورية، تم الإعلان عن تشكيل «الجبهة الإسلامية»، التي ضمت أكبر أربعة فصائل هي «أحرار الشام»، و«جيش الإسلام»، و«لواء التوحيد»، و«ألوية صقور الشام»، وتحالفت هذه الجبهة بوضوح مع «جبهة النصرة»، وحظيت برعاية سعودية خاصة، لم يكن ممكناً لولاها تجاوز الخلافات بين هذه الفصائل، كما بين «أحرار الشام» و«جيش الإسلام»، أو بين «جيش الإسلام» و«جبهة النصرة»، لاستكمال تشكيل الجبهة، ومن ثم التحالف مع «النصرة».

إفشال مؤتمر جنيف ومحاربة «داعش»

كان إفشال مؤتمر جنيف هو القاسم المشترك الذي تقاطعت حوله غايات الجميع، فلا السعودية راغبة بنجاح المؤتمر، لأن التوجه المعلن في التحضيرات التي تسبقه لا يقول بضرورة تنحي الرئيس السوري بشار الأسد، كما أن الفصائل الإسلامية تنظر إليه بعين الريبة والشك وتعتبره منصة لشن حرب إقليمية، أو ربما دولية، ضدها تحت مسمى مكافحة الإرهاب. لذلك التقت مصلحة الجميع على التوحد والعمل على نسف فكرة «جنيف 2» من أساسها، أو على الأقل تأجيلها، ريثما تتغير معطيات الميدان العسكرية. أما إذا كان ولا بد من انعقاد المؤتمر، فينبغي العمل على إفشاله وعدم السماح له بالوصول إلى نتائج إيجابية.
ومع اتضاح أن مكافحة الإرهاب قد تكون العنوان الرئيسي لمؤتمر «جنيف 2»، لا سيما في ظل التصريحات الروسية العديدة التي تؤكد هذا التوجه، كان على أجهزة الاستخبارات السعودية وبعض الأجهزة الإقليمية الأخرى الراعية لـ«الجبهة الإسلامية»، أن تجد طريقة لسحب ورقة مكافحة الإرهاب من على طاولة المؤتمر، أو محاولة تجييرها لمصلحتها. وقد كان ذلك واضحاً من خلال الحملة الإعلامية الضخمة التي استهدفت على مدى أسابيع طويلة شيطنة «داعش» لإظهاره على أنه التنظيم الإرهابي الذي ينبغي مكافحته والتخلص منه، بالتزامن مع سكوت مريب عن «جبهة النصرة» وغيرها من الفصائل الإسلامية المتطرفة الأخرى، مثل «أحرار الشام».
وقد تسربت معلومات كثيرة عن اجتماعات عديدة لرجال دين ودعاة سعوديين وكويتيين وسوريين، عقدت بإشراف الاستخبارات السعودية، قد يكون أهمها الاجتماع الذي عُقد في منزل الشيخ الداعية محمد العريفي، بحضور شيوخ معروفين بتأييدهم لـ«صحوات» العراق مثل ناصر العمر وعصام العويد وسعد الحميد وسعد البراك ومحمد الفراج، وذلك لمناقشة فكرة واحدة هي محاربة «داعش»، وإصدار الفتاوى والبيانات التي من شأنها تهيئة المناخ الديني والشرعي الذي يتيح للفصائل السورية محاربته، من دون أن تتعرض لانتقادات فقهية من المشايخ المعروفين.
وبينما كان الشيوخ المحسوبون على السلطات السعودية ينفذون توجيهاتها بضرورة شيطنة «داعش» ومحاربته، كان كبار الشيوخ المحسوبين على تنظيم «القاعدة» ينفذون السياسة نفسها، عبر إصدار بيانات وفتاوى تشكك بصحة بيعة البغدادي، وتطالب بإعمال «الشورى»، كما في البيان الذي صدر عن أبي محمد المقدسي، من داخل سجنه في الأردن، وبيانات أخرى صدرت عن عبد العزيز الطريفي وأبي قتادة الفلسطيني (رغم أن ابنه نفى صدور البيان عنه)، وأخيراً بيان منسوب إلى الشيخ الذي يحظى باحترام كبير من أنصار السلفية «الجهادية»، وهو السعودي سليمان العلوان. وهي من الحالات النادرة التي يتفق فيها شيوخ السلفية «الجهادية» المناصرة لتنظيم «القاعدة» مع شيوخ التيارات المناهضة لها، مثل شيوخ التيار «السروري» أو التيار «الجامي». ولكن على ما يبدو فإن مصالح شيوخ السرورية والجامية، الممثلين لإرادة الاستخبارات السعودية، تقاطعت مع مصالح «القاعدة»، الذي يمثله شيوخ السلفية «الجهادية». وتجسد هذا التقاطع في التنسيق بين الطرفين لتهيئة المناخ «الشرعي» الذي يبيح محاربة «داعش».

الظواهري يريد فرض زعامته

لكن تنظيم «القاعدة» العالمي، الذي يقوده الظواهري، ويمثله الجولاني في سوريا، لا تقتصر أهدافه على إفشال «جنيف 2» بما يتضمنه من تهديد بإعلان حرب شاملة على التنظيمات «الجهادية» تحت مسمى مكافحة الإرهاب، فهناك هدف ثانٍ قد لا يقل أهمية عن الهدف الأول، وهو يتعلق مباشرة بالمركز القيادي لأيمن الظواهري وقدرته على فرض كلمته بين التنظيمات «الجهادية» في المنطقة.
فأيمن الظواهري سبق له أن أصدر حكماً في الخلاف الشهير بين البغدادي والجولاني، وكان من أبرز بنود هذا الحكم هو الفصل بين «الدولة الإسلامية» و«جبهة النصرة» وإلغاء «داعش»، وأن تكون الولاية المكانية لـ«الدولة الاسلامية» هي العراق ولـ«جبهة النصرة» هي الشام، وأن يبقى كل من البغدادي والجولاني في منصبه لمدة عام، ترفع بعدها تقارير «مجلسي شورى» الطرفين إلى قيادة خراسان للتجديد لهما أو تعيين بديل منهما. وقد مضى حوالي ثمانية أشهر على الخلاف، وحوالي ستة أشهر على إصدار حكم الظواهري، الذي لا يريد أن تنتهي مهلة العام من دون أن يكون قد استطاع فرض معادلة جديدة تتيح له القول انه نفذ الحكم الصادر عنه، وأن البغدادي لم يستطع أن يتنصل منه، خصوصاً أن قيادة خراسان تشعر بأنها أخطأت في إدارة الملف العراقي عندما سمحت لجناحها هناك، بقيادة أبو أيوب المصري، بمبايعة أبو عمر البغدادي أول «أمير للدولة الإسلامية»، وخسرت بالتالي وجودها ونفوذها في العراق، وهي لا تريد أن تُمنى بخسارة مماثلة في سوريا.
وقد رأت قيادة خراسان أن ملابسات لحظة «جنيف 2»، ولا سيما لجهة شيطنة «داعش» ومحاربته، فرصة سانحة لتوجيه الإنذار الأخير إلى البغدادي، فإما أن ينصاع لحكم الظواهري ويعود أدراجه إلى العراق مقراً بهزيمته، وإلا فإن تنظيم «القاعدة» سيشارك في الحرب ضده مع الفصائل الأخرى الممثلة بـ«الجبهة الإسلامية» و«جيش المجاهدين» و«جبهة ثوار سوريا».

أبو خالد السوري يكفّر «داعش»

وحصلت «السفير» على تسجيل صوتي للقيادي القديم في «القاعدة» بأفغانستان وأحد القيادات الحالية المؤثرة في «أحرار الشام» وهو أبو خالد السوري «أمير الأحرار في حلب»، يتهجم فيه بقسوة غير معتادة على «داعش» ويقول إن «فيه الكثير من صفات الخوارج»، وبأنه «يخالف الكتاب والسنة».
وقال السوري، في تسجيله، «أرسلت رسالتين إلى أمراء الجهاد عن واقع الجهاد في الشام، وحذرتهم فيه من الفتنة قبل وقوعها»، مشيراً إلى أن «التنظيم الذي يُدعى الدولة يسعى إلى إفساد الجهاد في الشام كما أفسده في العراق بسبب مخالفاته الواضحة والصريحة للكتاب والسنة». وأضاف «أنا اليوم أبشر بأن ما كان في العراق وغيره لن يكون في الشام بسبب خيرة أهلها مقابل فساد أهل العراق».
وكرر السوري مجمل الاتهامات التي توجه إلى «داعش» مثل استهداف الناشطين والإعلاميين، وقتل كل من يخالفه، وضم البر والفاجر إلى صفوفه، ونقض العهود والخداع ومعاملة الناس بالعنجهية، وغيرها من الاتهامات.
وقد يكون أقسى ما ورد على لسان السوري قوله «إنني رجعت إلى أحاديث النبي وأقوال الصحابة وجمع من أهل العلم، فوجدت أكثر صفات الخوارج التي ذكروها تنطبق عليكم». وطالبه بأن يمحو اسم «الدولة» عن نفسه. وخاطبهم بقوله «عودوا إلى الجماعة والمرحلة التي أنتم فيها من الجهاد».
وما يشير إلى أن مطلب التخلي عن اسم «الدولة» هو المطلب الجوهري قوله إن «المجاهدين يرحبون بكم إخوة أعزاء إن انضممتم إليهم وجاهدتم معهم في كتائبهم وضمن صفوفهم»، مطالباً «مجاهدي الدولة الإسلامية» بالتوحد مع «الجبهة الإسلامية» التي اعتبر أنها نواة «الدولة الإسلامية» المنشودة.
ووجه السوري كلمة إلى الظواهري فيها الكثير من الانتقاد المبطن بالعتب. وقال «يا شيخنا، إن ما حدث ويحدث من قتل للمسلمين تحت أسباب واهية ما أنزل الله بها من سلطان، بسبب ما يدعى الدولة في العراق ثم في الشام، سببه تأخركم كقيادة للجهاد في العالم في الإنكار عليهم، والتبرؤ منهم ومن أفعالهم حتى لا يخدع أحد بهم». وأضاف إن «اعترافكم بهم وإسباغكم الغطاء الشرعي عليهم أساء ويسيء إلى الجهاد وإلى التنظيم». وتابع «ابرأ إلى الله منهم، ولا تمهلهم مرة بعد مرة، واعلم أنك مسؤول ومحاسب».
وأبو خالد السوري هو من انتدبه الظواهري ليكون حكماً يتولى الإشراف على حل الخلاف بين البغدادي والجولاني وينظر في إشكالاته، وبالتالي فإن كلامه يعتبر بمثابة حكم نهائي ضد «داعش»، وهو حكم يجعل من «الدولة الإسلامية» تنظيماً كافراً يجب محاربته، وإن لم يقل السوري ذلك صراحة، إلا أن الحكم بالتكفير ووجوب القتال يستفاد من إطلاقه صفة الخوارج على عناصر التنظيم وقياداته، مع استثناء القلة من الصالحين منهم، بحسب قوله.
وقد وصلت هذه الرسالة إلى قيادة «داعش» الذي سارع إلى الدفع بأحد عناصره لتنفيذ أول عملية انتحارية ضد حاجز لـ«جبهة النصرة» في مدينة الرقة، بينما دفع بانتحاري آخر لتفجير حاجز لـ«أحرار الشام» في رام حمدان بريف إدلب، وذلك في رد واضح على رسالة خراسان القاسية.
 

عمر بن معاويه

عضو مخضرم
مبايعات وانشقاقات

ثمة تعليمات واضحة وصلت من قيادة خراسان إلى أذرعها العديدة في سوريا بضرورة الكشف عن وجهها، وإعلان مبايعتها لـ«أمير فرع القاعدة في الشام» أبي محمد الجولاني لتعزيز قوة «القاعدة» وإظهار مقدرته الحقيقية على الأرض، حيث سارعت بعض الكتائب والفصائل إلى تنفيذ هذه التعليمات، وأهمها «جيش الخلافة» بقيادة سيف الله الشيشاني، وحوالي سبعة فصائل في الغوطة الشرقية، و«كتيبة صقور العز» بقيادة الشيخ عبد الواحد صقر الجهاد الذي يعتبر من أصدقاء زعيم «القاعدة» الراحل أسامة بن لادن وقدامى الأفغان العرب في أفغانستان (علماً أن بعض المصادر أشارت إلى أن بعض عناصر الكتيبة فضّل مبايعة الدولة الإسلامية). ورغم ذلك فمن المتوقع أن تؤدي تعقيدات المشهد السوري إلى إحداث تأثير معاكس لتعليمات خراسان الساعية لإعلان توحيد الفصائل التي طالما كانت تابعة لها بالسر.
فإذا كانت المعركة في شمال حلب تحدث بين تنظيمين إسلاميين، هما «الجبهة الإسلامية» و«داعش»، وهو ما يسمح لتنظيم «القاعدة» أن يشارك بها على خلفية أن «الجبهة الإسلامية» ذات توجه سلفي «جهادي» صحيح بينما «داعش» انحرف وبغى، فإن المعركة في ريف إدلب تبدو شبه مستحيلة، لا سيما أن من يقودها في الطرف المقابل لـ«داعش» هو جمال معروف، قائد «ألوية شهداء سوريا وجبهة ثوار سوريا»، والمعروف بتوجهاته اللادينية، لذلك لم ولن يكون بإمكان «جبهة النصرة» في ريف إدلب أن تقاتل ضد «داعش» إلى جانب جمال معروف، الذي طالما اتهمته الفصائل الإسلامية نفسها بأنه علماني لا يؤمن بالله. وقد كان من آثار ذلك أنه سرعان ما انضمت مجموعات «النصرة» في ريف إدلب إلى «داعش» للقتال ضد جمال معروف، وكذلك في منطقة القلمون، حيث رفضت «جبهة النصرة» محاربة «داعش»، مؤكدة، في بيان، أن سياسة «الدولة الإسلامية في القلمون سياسة متوازنة ومتوافقة مع مصالح المسلمين».
وما يزيد من احتمال ألا يتمكن الظواهري من تحقيق هدفه، إعلان بعض الفصائل المحسوبة على «القاعدة» حيادها في الصراع بين الطرفين وعدم نيتها المشاركة فيه، وهو ما أعلنه «أمير حركة فجر الشام» الإسلامية أبو عبدالله الشامي، وأبو حفص الجزراوي «المفتي العام لحركة شام الإسلام» التي يقودها المغربي ابراهيم بنشقرون خريج سجن غوانتانامو، علاوة على إعلان «جند الأقصى» حيادها ومسارعتها إلى تشكيل تحالف «المهاجرين والأنصار» مع «لواء الحق» في إدلب و«لواء عمر» وبعض الفصائل الأخرى. إلا إذا كان إعلان هذه الفصائل حيادها واعتزالها الفتنة بمثابة «الأكمة» التي تخفي وراءها غايات أخرى، قد تكون إحداها استقطاب من يود الانشقاق عن «الدولة الإسلامية»، وحفظ خط العودة إذا فشلت الهجمة على «داعش» ولم تحقق أهدافها.

................................................................................................................
التعليق:
تحليل معمق و معقد للداخل السوري لكنه مفيد
 
أعلى