أحمد الحمد
عضو بلاتيني
فهمي هويدي
في البداية ننوه إلى أن هذا المقال كتب قبل إعلان الفضيحة المدوية التي تمثلت في قرار محكمة جنايات المنيا بإعدام 529 من عناصر جماعة الإخوان الذين اتهموا بقتل ضابط والشروع في قتل اثنين، في سابقة تاريخية تعد أكبر إهانة للقضاء والثورة والنظام القائم في مصر.
مطلوب من الإخوان أن يعلنوا موقفا صريحا وحاسما إزاء العنف المجنون الذي لاحت شواهده في الفضاء المصري.
لماذا الآن؟ ردي على السؤال أن ثمة عوامل خمسة استدعت إطلاق هذه الدعوة، العامل الأول يتمثل في تعدد العمليات الإرهابية التي استهدفت مؤسسات الدولة والجيش والشرطة، وكلها تمثل خطوطا حمراء لا ينبغي لأي صراع سياسي أن يعتدي عليها أو ينال منها. وحادث "مسطرد" الأخير الذي قتل فيه ستة من جنود الجيش وقبله تفجير مديرية أمن القاهرة، ومما قيل عن استهداف بعض محطات الكهرباء، هذه كلها مؤشرات دالة على أننا بصدد الدخول في منعطف خطير ينبغي التصدي له بكل حزم، خصوصا بعدما تعددت الشواهد الدالة على أن جماعة أنصار بيت المقدس وثيقة الصلة بتنظيم القاعدة المتمركزة في سيناء قد مدت نشاطها إلى داخل مصر.
العامل الثاني أن مصر مقبلة على انتخابات رئاسية، أيا كان رأينا في عناوينها وتفاصيلها فإنها تمثل استحقاقا نريد أن نستثمره بحيث يصبح عنصرا إيجابيا يصحح المسار ويعيد إلى السياسة اعتبارها، أملا في أن يساعد البلد على اجتياز الفترة العصيبة المقبلة التي تتعرض فيها مصر لضغوط اقتصادية تفوق طاقة احتمالها كدولة وكمجتمع يعيش في كنفه تسعون مليونا من البشر. العامل الثالث أننا تلقينا رسالة من المتحدث باسم الإخوان جمال حشمت بثتها قناة "الجزيرة" يوم السبت الماضي 22/3 تحدث فيها عن استعداد الجماعة لاتخاذ خطوتين إلى الوراء لم يحددهما، وإن أشار إلى ضرورة جمع شمل القوى الوطنية لاستعادة المسار الديمقراطي.
وأهم ما في الرسالة أنها بمثابة إعلان عن اتجاه الجماعة إلى التعامل مع الواقع المستجد، وانتقالها من الانشغال بحصتها في السلطة إلى التفكير في مستقبل الوطن، وهي رسالة تستحق أن تؤخذ على محمل الجد، كما تستحق أن تختبر.
العامل الرابع يتمثل في أن مصر كلها ظلت طوال الأشهر الثمانية الماضية (منذ 3 يوليو/تموز عام 2013) مشغولة بموضوع الصراع ضد الإخوان، في الوقت الذى يتراجع فيه دور ووزن الدولة المصرية، كما تغيب فيه أهداف الثورة التي لم يعد كثيرون منشغلين بها، ناهيك عن الذين عمدوا إلى تجريحها.
فضلا عن ذلك، فإن الأجواء المخيمة فتحت الأبواب لتسرب أبواق نظام مبارك وبعض رموزه الذين دخلوا علينا من باب الاصطفاف ضد "العدو المشترك" المتمثل في الإخوان، في حين أن سهامهم الحقيقية استهدفت قلب الثورة التي اعتبروها مؤامرة ووبالا على مصر حل بها ضمن أصداء "الخراب" العربي على حد قول بعضهم.
العامل الخامس يتصل بتعالي نبرة الغضب بين الشباب في الجامعات بوجه أخص، وهو الغضب الذي لم يتوقف طوال الأشهر الماضية، ولم تفلح الأساليب البوليسية ولا الأسوار والتحصينات التي أقيمت في احتوائه، وكانت النتيجة أن مئات منهم ألقوا في السجون وفصلوا من كلياتهم وأصبح مستقبلهم مهددا بالضياع، الأمر الذي ينبغي وضع حد له والحيلولة دون استمرار تدهوره.
لن تذهب بعيدا إذا ما اعتبرت أن ما أدعو إليه هو التوصل إلى "هدنة" من طرف واحد لتهدئة النفوس والتقاط الأنفاس وفتح الباب للتدبر والمراجعة. وحتى أكون أكثر دقة، ولكي لا يلتبس الأمر على أحد فإنني لا أرى غضاضة ولا مانعا في أن يستمر الصراع كما هو شريطة أن يظل سياسيا وسلميا، بحيث يوصد الباب تماما أمام العنف بكافة وسائله وتجلياته، إلا أن الأمر ليس سهلا، ودونه عدة عقبات تتمثل في ما يلي:
- عبء التاريخ القريب الذي يغذي مشاعر العنف والثأر، ذلك أن ملف الضحايا الأبرياء والمظلومين الذين سقطوا خلال الأشهر الثمانية -ناهيك عن الذين سقطوا منذ قامت الثورة عام 2011- خلّف مرارات يصعب تجاوزها ونسيانها، ساعد على ذلك أن الجراح تركت مفتوحة بغير تطهير أو علاج فخلفت رصيدا لا يستهان به من مشاعر البغض والرغبة في الانتقام.
- أجواء الكراهية المخيمة التي تمكنت من قطاعات عريضة من المجتمع وجعلت كثيرين يستهجنون فكرة الهدنة، بعدما أقنعتهم حملات التعبئة المضادة بأن الطرف الآخر هو مصدر كل الشرور، وأنه لا بديل عن اجتثاثه وإبادته، وهي الرسالة التي نجحت الأبواق الإعلامية في تعميمها على الكافة من خلال الإلحاح اليومي عليها.
- مواقف التجمعات السياسية والعناصر الملتفة حولها التي لم تستشعر حضورا ولم تكتسب وزنا إلا في غياب الطرف الآخر، وهي ذاتها التي أدركت أن وجودها بات مرهونا باستمرار تحالفها مع المؤسسة العسكرية والأمنية، ومن مصلحة تلك التجمعات أن تستمر المواجهة وأن يحقق العنف هدفه في القضاء على الآخر والخلاص منه.
- موقف جناح الصقور في السلطة المتضامن مع المؤسسة الأمنية الذي يصنف الصراع الحاصل بحسبانه مواجهة ينبغي أن تنتهي بتحقيق انتصار قوة السلطة وهزيمة معارضيها، وليس أزمة تنتهي بتوافق الطرفين وانتصار الوطن. وتشير خبرة الأشهر التي خلت إلى أن ذلك الجناح هو الذي أدار المواجهة ضد 3 يوليو/تموز عام 2013 وحتى الآن.
- هناك أكثر من عقبة في ما خص جماعة الإخوان، واحدة تتعلق بإمكانيات التواصل بين قيادات الداخل المحبوسين في السجون وقيادات الخارج الذين بقوا في مصر على ندرتهم أو الذين تواجدوا خارج البلاد، ثم هناك مشكلة التوافق بين الأجيال المختلفة داخل الجماعة، خصوصا جيل الشباب. وهؤلاء دفعوا ثمنا غاليا في تجربة المواجهة الراهنة، وتتردد في أوساطهم أصوات التمرد على كل ما هو قائم، ومعها أصوات فقدان الثقة في آلية الديمقراطية التي كانوا هم ضحاياها.
هناك مشكلة ثالثة تتعلق بصيغة التحالف من أجل الشرعية التي ضمت مجموعات إسلامية اتفقت في أشياء واختلفت في أشياء أخرى، ولم يكن ذلك مقصورا على الاجتهادات الفكرية فحسب، ولكنه شمل الرؤى والتقديرات السياسية أيضا، ومن الأمور الخلافية التي برزت مؤخرا ما عبر به البعض من اعتبار القوات المسلحة عدوا، أو أيد استهداف مقار الشرطة وعرباتها.
في البداية ننوه إلى أن هذا المقال كتب قبل إعلان الفضيحة المدوية التي تمثلت في قرار محكمة جنايات المنيا بإعدام 529 من عناصر جماعة الإخوان الذين اتهموا بقتل ضابط والشروع في قتل اثنين، في سابقة تاريخية تعد أكبر إهانة للقضاء والثورة والنظام القائم في مصر.
(1)
مطلوب من الإخوان أن يعلنوا موقفا صريحا وحاسما إزاء العنف المجنون الذي لاحت شواهده في الفضاء المصري.
(2)
لماذا الآن؟ ردي على السؤال أن ثمة عوامل خمسة استدعت إطلاق هذه الدعوة، العامل الأول يتمثل في تعدد العمليات الإرهابية التي استهدفت مؤسسات الدولة والجيش والشرطة، وكلها تمثل خطوطا حمراء لا ينبغي لأي صراع سياسي أن يعتدي عليها أو ينال منها. وحادث "مسطرد" الأخير الذي قتل فيه ستة من جنود الجيش وقبله تفجير مديرية أمن القاهرة، ومما قيل عن استهداف بعض محطات الكهرباء، هذه كلها مؤشرات دالة على أننا بصدد الدخول في منعطف خطير ينبغي التصدي له بكل حزم، خصوصا بعدما تعددت الشواهد الدالة على أن جماعة أنصار بيت المقدس وثيقة الصلة بتنظيم القاعدة المتمركزة في سيناء قد مدت نشاطها إلى داخل مصر.
العامل الثاني أن مصر مقبلة على انتخابات رئاسية، أيا كان رأينا في عناوينها وتفاصيلها فإنها تمثل استحقاقا نريد أن نستثمره بحيث يصبح عنصرا إيجابيا يصحح المسار ويعيد إلى السياسة اعتبارها، أملا في أن يساعد البلد على اجتياز الفترة العصيبة المقبلة التي تتعرض فيها مصر لضغوط اقتصادية تفوق طاقة احتمالها كدولة وكمجتمع يعيش في كنفه تسعون مليونا من البشر. العامل الثالث أننا تلقينا رسالة من المتحدث باسم الإخوان جمال حشمت بثتها قناة "الجزيرة" يوم السبت الماضي 22/3 تحدث فيها عن استعداد الجماعة لاتخاذ خطوتين إلى الوراء لم يحددهما، وإن أشار إلى ضرورة جمع شمل القوى الوطنية لاستعادة المسار الديمقراطي.
وأهم ما في الرسالة أنها بمثابة إعلان عن اتجاه الجماعة إلى التعامل مع الواقع المستجد، وانتقالها من الانشغال بحصتها في السلطة إلى التفكير في مستقبل الوطن، وهي رسالة تستحق أن تؤخذ على محمل الجد، كما تستحق أن تختبر.
العامل الرابع يتمثل في أن مصر كلها ظلت طوال الأشهر الثمانية الماضية (منذ 3 يوليو/تموز عام 2013) مشغولة بموضوع الصراع ضد الإخوان، في الوقت الذى يتراجع فيه دور ووزن الدولة المصرية، كما تغيب فيه أهداف الثورة التي لم يعد كثيرون منشغلين بها، ناهيك عن الذين عمدوا إلى تجريحها.
فضلا عن ذلك، فإن الأجواء المخيمة فتحت الأبواب لتسرب أبواق نظام مبارك وبعض رموزه الذين دخلوا علينا من باب الاصطفاف ضد "العدو المشترك" المتمثل في الإخوان، في حين أن سهامهم الحقيقية استهدفت قلب الثورة التي اعتبروها مؤامرة ووبالا على مصر حل بها ضمن أصداء "الخراب" العربي على حد قول بعضهم.
العامل الخامس يتصل بتعالي نبرة الغضب بين الشباب في الجامعات بوجه أخص، وهو الغضب الذي لم يتوقف طوال الأشهر الماضية، ولم تفلح الأساليب البوليسية ولا الأسوار والتحصينات التي أقيمت في احتوائه، وكانت النتيجة أن مئات منهم ألقوا في السجون وفصلوا من كلياتهم وأصبح مستقبلهم مهددا بالضياع، الأمر الذي ينبغي وضع حد له والحيلولة دون استمرار تدهوره.
(3)
لن تذهب بعيدا إذا ما اعتبرت أن ما أدعو إليه هو التوصل إلى "هدنة" من طرف واحد لتهدئة النفوس والتقاط الأنفاس وفتح الباب للتدبر والمراجعة. وحتى أكون أكثر دقة، ولكي لا يلتبس الأمر على أحد فإنني لا أرى غضاضة ولا مانعا في أن يستمر الصراع كما هو شريطة أن يظل سياسيا وسلميا، بحيث يوصد الباب تماما أمام العنف بكافة وسائله وتجلياته، إلا أن الأمر ليس سهلا، ودونه عدة عقبات تتمثل في ما يلي:
- عبء التاريخ القريب الذي يغذي مشاعر العنف والثأر، ذلك أن ملف الضحايا الأبرياء والمظلومين الذين سقطوا خلال الأشهر الثمانية -ناهيك عن الذين سقطوا منذ قامت الثورة عام 2011- خلّف مرارات يصعب تجاوزها ونسيانها، ساعد على ذلك أن الجراح تركت مفتوحة بغير تطهير أو علاج فخلفت رصيدا لا يستهان به من مشاعر البغض والرغبة في الانتقام.
- أجواء الكراهية المخيمة التي تمكنت من قطاعات عريضة من المجتمع وجعلت كثيرين يستهجنون فكرة الهدنة، بعدما أقنعتهم حملات التعبئة المضادة بأن الطرف الآخر هو مصدر كل الشرور، وأنه لا بديل عن اجتثاثه وإبادته، وهي الرسالة التي نجحت الأبواق الإعلامية في تعميمها على الكافة من خلال الإلحاح اليومي عليها.
- مواقف التجمعات السياسية والعناصر الملتفة حولها التي لم تستشعر حضورا ولم تكتسب وزنا إلا في غياب الطرف الآخر، وهي ذاتها التي أدركت أن وجودها بات مرهونا باستمرار تحالفها مع المؤسسة العسكرية والأمنية، ومن مصلحة تلك التجمعات أن تستمر المواجهة وأن يحقق العنف هدفه في القضاء على الآخر والخلاص منه.
- موقف جناح الصقور في السلطة المتضامن مع المؤسسة الأمنية الذي يصنف الصراع الحاصل بحسبانه مواجهة ينبغي أن تنتهي بتحقيق انتصار قوة السلطة وهزيمة معارضيها، وليس أزمة تنتهي بتوافق الطرفين وانتصار الوطن. وتشير خبرة الأشهر التي خلت إلى أن ذلك الجناح هو الذي أدار المواجهة ضد 3 يوليو/تموز عام 2013 وحتى الآن.
- هناك أكثر من عقبة في ما خص جماعة الإخوان، واحدة تتعلق بإمكانيات التواصل بين قيادات الداخل المحبوسين في السجون وقيادات الخارج الذين بقوا في مصر على ندرتهم أو الذين تواجدوا خارج البلاد، ثم هناك مشكلة التوافق بين الأجيال المختلفة داخل الجماعة، خصوصا جيل الشباب. وهؤلاء دفعوا ثمنا غاليا في تجربة المواجهة الراهنة، وتتردد في أوساطهم أصوات التمرد على كل ما هو قائم، ومعها أصوات فقدان الثقة في آلية الديمقراطية التي كانوا هم ضحاياها.
هناك مشكلة ثالثة تتعلق بصيغة التحالف من أجل الشرعية التي ضمت مجموعات إسلامية اتفقت في أشياء واختلفت في أشياء أخرى، ولم يكن ذلك مقصورا على الاجتهادات الفكرية فحسب، ولكنه شمل الرؤى والتقديرات السياسية أيضا، ومن الأمور الخلافية التي برزت مؤخرا ما عبر به البعض من اعتبار القوات المسلحة عدوا، أو أيد استهداف مقار الشرطة وعرباتها.