أقوال علماء الأمة وأئمة أهل السنة فيما يتعلق بأحداث مصر

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

فإنني أحب أن أضع لكم في هذا الموضوع أقوال علماء الأمة وأئمة أهل السنة فيما يتعلق بأحداث مصر ، حيث أن هذه الأحداث قد أحدثت جدلاً في مسائل عقدية ومنهجية سلفية مثل ( الخروج على الحاكم ) و ( حكم الحاكم المتغلب ) و ( الفتنة ) و ( أحكام المظاهرات والمسيرات والاعتصامات ) و ( التكفير ) وما إلى ذلك من مسائل .

وحيث أن حديث النبي عليه الصلاة والسلام : ( العلماء ورثة الأنبياء ) يُقصد به : العلماء الربانيين الراسخين في العلم والفقهاء في الدين ، لا العلماء الحركيين أتباع الجماعات المنحرفة والفرق الضالة والأفكار الخارجية المارقة ، وحيث أن هذه المسائل حيث مسائل كبار لا يتصدى للكلام فيها ولا يؤخذ فيها إلا عن العلماء الكبار لا عن المتعالمين الحزبيين الصغار المتطفلين على أهل العلم .

فإنني رأيتُ أنه من الواجب نشر كلام أهل العلم الكبار علماء هذه الأمة حقاً وأئمة أهل السنة صدقاً ، ومن سار على دربهم وطريقهم من مشايخ السنة وطلاب العلم السلفيين ، فأسأل الله أن يعينني على ذلك .

فمن أراد الفائدة في هذا الموضوع فسيجدها بإذن الله ، ومن لم يرد إلا اتباع هواه أو اللحاق بمرؤوسيه وزعمائه في هذه الجماعات الضالة والأحزاب المنحرفة فنسأل الله له الهداية أو أن يقصم ظهره كما قال شيخنا العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله ، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إنما العلم بالتعلم ، وإنما الحلم بالتحلم ، ومن يرد الخير يُعطَه ، ومن يتوقَّ الشرَّ يُوقه ) .

فأبدأ مستعيناً بالله بهذا المقطع :

 
ولاية ( مرسي ) وولاية ( السيسي ) وحكم الخروج عليهما

هل ( مرسي ) ولي أمر شرعي ؟ هل ( السيسي ) ولي أمر شرعي ؟ ما حكم ( الثورة ) أو ( الانقلاب ) أو ( الخروج ) على ( مرسي ) ؟ ما واجب تجاه ( السيسي ) ؟

أولاً : مرسي ولي أمر شرعي ، ولا شك في ذلك ، وهذا الأمر متقرر عند السلفيين قبل غيرهم ، مع أن ولايته لم تكن من طريق من طرق الحكم الشرعية ، فقد جاء عن طريق الانتخابات الديمقراطية الكافرة ، ولكنه قد استقر له الحكم واجتمع عليه أهل الحل والعقد .

كما أن الخروج على الحاكم والتغلب عليه ، لا يجوز شرعاً لما ثبت في الكتاب والسنة وإجماع السلف على تحريم الخروج على ولي الأمر ، ولكن إذا استقر له الحكم واجتمع عليه أهل الحل والعقد ، وجاء بطريق التغلب ثبتت ولايته وإمامته وكانت شرعية عند أهل السنة والجماعة .

فـ ( الصناديق ) الديمقراطية ليست دليلاً على الشرعية ، وإنما ( التغلب ) هو الدليل على الشرعية ، فـ ( مرسي ) يُعتبر متغلباً لأن أهل الحل والعقد اجتمعوا عليه في تلك الفترة .

فجميع ما حصل من مظاهرات واعتصامات ومسيرات وثورة وخروج وطعن وتحريض ضده فهو محرم لا يجوز شرعاً ، دأبنا مع هذا المبتدع الضال ( مرسي ) كدأب الإمام أحمد مع المأمون المعتزلي المتشيع .

ثانياً : لا يجوز ( الخروج ) أو ( الثورة ) أو ( الانقلاب ) على مرسي أبداً ، لأنه ولي أمر ، بالرغم من ضلاله وانحرافاته ، وما تفوه به من كفريات ، إلا أنه مسلم في حكم المبتدع ، وأما تفوه به من كفريات ، كقوله أنه لا فرق بين الإسلام والنصرانية من حيث العقيدة ، فإننا لا نكفره ، لأن التكفير - عند أهل السنة السلفيين - لا يكون إلا لأهل العلم الراسخين ، وليس لعامة الناس أو لطلبة العلم ، ولم تصدر فتوى بتكفيره ، فلا نجوّز الخروج عليه .

ثالثاً : عبد الفتاح السيسي حكمه حكم ( الحاكم المتغلب ) ، لأنه تغلب على ( مرسي ) ، فـ ( الغالب ) هو السيسي ، و ( المغلوب ) هو مرسي ، والواقع خير شاهد ، فالسيسي الآن يأخذ حكم ( الحاكم المتغلب ) عند أهل العلم الراسخين لا عند الشباب الحركيين المتعالمين المتدثرين برداء العلم والفتوى عبد العزيز الطريفي وأمثاله .

وقد مرت بك أقوال العلماء الراسخين في العلم في حكم ( الحاكم المتغلب ) ، ونسوق بعض أقوال أهل العلم السابقين في حكم الحاكم المتغلب والإجماع على شرعيته :

- قال موفق الدين ابن قدامة ( ت 621 هـ ) :

( ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس أو غلبهم بسيفه حتى صار خليفة وسمي [ أمير المؤمنين ] وجبت طاعته وحرمت مخالفته والخروج عليه وشق عصا المسلمين ) لمعة الاعتقاد.

- حكى الإجماع على ذلك الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى - ، فقال :

( وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء، وتسكين الدهماء ) فتح الباري ( 13 / 7 ) .

- قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ( ت 1206 هـ ) :

( الأئمة مجمعون من كل مذهب على أن من تغلب على بلد أو بلدان، له حكم الإمام في جميع الأشياء، ولولا هذا ما استقامت الدنيا، لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا ما اجتمعوا على إمام واحد، ولا يعرفون أحداً من العلماء من الأحكام إلا بالإمام الأعظم ) الدرر السنية ( 7 / 932 ) .

- وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ( ت 1292 هـ ) :

( وأهل العلم ... متفقون على طاعة من تغلب عليهم في المعروف، يرون نفوذ أحكامه، وصحة إمامته، لا يختلف في ذلك اثنان، ويرون المنع من الخروج عليهم بالسيف وتفريق الأمة، وإن كان الأئمة فسقة ما لم يروا كفراً بواحاً ونصوصهم في ذلك موجودة عن الأئمة الأربعة وغيرهم وأمثالهم ونظرائهم ) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية ( 3 / 168 ) .

والعبرة في كلام أهل العلم قديماً وحديثاً ، لا في كلام الحركيين السياسيين أتباع الجماعات المارقة والفرق الضالة والأحزاب المنحرفة .
 
العبر المستخلصة من أحداث مصر
أولاً : الجزاء من جنس العمل ، فما عمله الإخوان المفلسون من تشهير وطعن وتكفير وتضليل وتحريض وخروج ضد ولاة الأمور قد ذاقوه ، فضاعت دولتهم خلال سنة واحدة ، فقد خرج الإخوان المفلسون على مبارك وأيدوا الثورة ضده وأباحوا المظاهرات والاعتصامات والخروج ، فنالهم ما نال الحاكم الذي قبله ، بل لم يصلوا إلى عُشر مدته في حكم مصر ، فخذلهم الله ولم يثبت أقدامهم ، لأنهم لم ينصروا دينه ولم يلتزموا شريعته .

ثانياً : محمد مرسي قد لاقى من الإهانات والإسقاط لهيبته أمام عامة الشعب المصري على يد المتظاهرين والثوريين والإعلاميين المصريين ( باسم يوسف أنموذجاً ) ما لم يلقه حاكم مصري ولا غير مصري عبر التاريخ ، وكذا الحال بالنسبة لمرشد الإخوان المفلسين وخيرت الشاطر ومكتب الإرشاد وقيادات الإخوان ، فقد تناولهم الإعلام والشارع المصري بالسب والقذف والتشهير والطعن والإهانات بشكل لا يُحتمل .

فكانت فترة حكم محمد مرسي عصيبةً مريرةً عند الإخوان المفلسين ، حيث أنهم لم يستقر لهم الأمر ولا يهنؤوا بالحكم ، وهذا مصداق قول النبي عليه الصلاة والسلام : ( من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله ) ، فكانت هذه بتلك ، والجزاء من جنس العمل .

ثالثاً : تبين من خلال أحداث مصر التزام السلفيين في مصر وغيرها بمنهج السلف الصالح وعدم تغليبهم لجانب العواطف أو المحبة والبغض لجماعة مارقة أو حزب مارق أو فرقة ضالة على حساب منهج السلف وما يدينون الله به من السمع والطاعة لولاة الأمور ، ولو حاول السفهاء من أتباع هذه الأحزاب والجماعات والفرق الضالة استفزازهم لكي يخالفوا منهج السلف .

فقد أعلن السلفيون في مصر كالشيخ محمد سعيد رسلان حفظه الله بعد تولي مرسي للرئاسة أنه ولي أمر شرعي وأنه يجب له السمع والطاعة في المعروف ولا يجوز الخروج عليه بأي طريق سواءً عن طريق الخروج المسلح أو المظاهرات السلمية أو التشهير والتحريض ضده ، كل هذا التزاماً بمنهج السلف الصالح .

رابعاً : كذب وتناقض وتلون الإخوان المفلسين ، حيث أنهم جعلوا الثورة من ميدان التحرير شرعية إذا كانت في صالحهم ، ولا يهم من يأتي بعد مبارك ، وحتى لو حكم العسكر ، والعلمانيون والغوغاء والنصارى الثائرون الذين في ميدان التحرير هم أبطال وأحرار وأبناء الشعب ، وأما إذا كانت الثورة في ميدان التحرير ضدهم ، فهي لن تكون شرعية ، ولو جاء بعدهم حاكم مدني ( عدلي منصور ) ، والثائرون بالأمس الموجودون في ميدان التحرير ليسوا أبناء الشعب وهم ( عملاء ) و ( شواذ ) و ( راقصات ) و ( سفهاء ) و ( نصارى !!! ) و ( علمانيون !!! ) .

بالإضافة إلى أن الإخوان المفلسون عرفوا اليوم أحاديث السمع والطاعة بعد أن جحدوها وحاربوا من ينشرها وينبه الناس على ضرورة الالتزام بها ، وهذا تلون من لون آخر .

خامساً : خذلان الله للإخوان المفلسين وإذلاله لهم لما اقترفوه من تحريف لدين الله ومن موالاة لأعداء الأمة كالرافضة واليهود والنصارى ومن جرائم بحق الأمة ، حيث أنهم حرفوا دين الله وطعنوا في أولياء الله ( العلماء السلفيين ) واتهموهم بالعمالة وأنهم علماء بلاط وعلماء سلاطين وأنهم مرجئة ، وقد والوا أعداء الله ، فقد صرح الخبيث ( مرسي ) بتمنيه السلام والرغد لدولة الصهاينة وصرح بصداقته للصهيوني السفاح ( شمعون بيريز ) قاتله الله .

وأعاد عميل الرافضة ( مرسي ) العلاقات المقطوعة مع إيران دولة الرافضة ، واستضاف الصفوي الرافضي السبئي جزار العراق والشام أحمدي نجاد وأعز وأكرم الرافضة وفتح لهم الحسينيات ، فأذله الله ، والإخوان فيهم خصلة بني إسرائيل { لا يتناهون عن منكر فعلوه } ، فلم ينكر عليه الإخوان المفلسون بل أيدوه فخذلهم الله جزاء خذلانهم لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرض الرسول عليه الصلاة والسلام .

فالحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات .
 
حكمة السلف الصالح في التعامل مع أمراء السوء وصبرهم عليهم واجتنابهم الفُرْقة
للشيخ العلامة صالح آل الشيخ حفظه الله

 
أعلى