المحكم والمتشابه في الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والسلف وأفعالهم وكلام العلماء

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين ،

أما بعد .

قال الله تعالى : { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ هن أم الكتاب وأُخَرُ متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغٌ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كلٌّ من عند ربنا } .

قبل أن أسهب قليلاً في الموضوع ، سأذكر مقدمة بسيطة :

تعريف المحكم والمتشابه لمن لا يعرفه : المحكم هو : ما ليس له إلا معنىً واحد لا يحتمل التأويل ، والمتشابه : هو ما اشتبه معناه واحتمل التأويل .

فأهل الزيغ الذين حذرنا الله منهم يتبعون المتشابه ويتركون المحكم ، كما في الآية الكريمة ، لماذا ؟!

لسببين :

1 - ابتغاء الفتنة ، فهم يريدون أن يفتنوا المؤمنين ، لأن أهل الزيغ أهل فتنة .

2 - ابتغاء تأويل المتشابه ، فأهل الزيغ من أهل البدع والضلال يحتجون بالمتشابه ويتركون ، لأن المحكمات تفسد عليهم استدلالهم وتناقض عقائدهم وضلالاتهم ، فيلجؤون إلى المتشابه ، فأهل الأهواء والبدع من أهل الفتنة .

ولكن من يعلم تأويل المتشابه ؟!

الذي يعلم المتشابه هو الله ، وأما أهل العلم فإنهم يُرجعون المتشابه إلى المحكم ، لماذا ؟! لأن الله عز وجل يقول عن الآيات المحكمات : { هن أم الكتاب } ، فيرجع إليها المتشابهات من آيات كتاب الله .

من أجمل الفوائد التي مرت علي كلمة نفيسة ورائعة للشيخ العلامة صالح بن عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله .

حيث قال بأنه كما أن في القرآن يوجد محكم ومتشابه ، فكذلك في السنة يوجد محكم ومتشابه ، كذلك في أفعال الصحابة والسلف يوجد محكم ومتشابه ، وكذلك في كلام العلماء يوجد محكم ومتشابه .

فإذا كان القرآن - الذي { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه } - فيه محكم ومتشابه ، فكذلك سنة النبي عليه الصلاة والسلام - المشتملة لأقواله وأفعاله وتقريراته - فيها محكم ومتشابه ، ومن باب أولى أن أقوال الصحابة وأفعالهم فيها محكم ومتشابه ، ومن باب أولى أن كلام أهل العلم - المدون في الكتب والموجود في الأشرطة والمرئي في القنوات الفضائية أو في اليوتيوب - فيه محكم ومتشابه .

فماذا يفعل أهل البدع والأهواء ؟!

لا يذهبون يستدلون بالمحكمات ، وإنما يستدلون بالمتشابه من نصوص الكتاب والسنة وأقوال السلف وأفعالهم وكلام أهل العلم .

فيذهبون إلى فعل صحابي يخالف ما عليه الصحابة رضي الله عنه وما استقر عليه إجماع أهل السنة ، فيستدلون به على ضلالاتهم وانحرافاتهم ، ويذهبون إلى قول عالم يكون مجملاً في موضع من كتبه ، ويكون مفصلاً في موضع آخر ، فيتركون المفصل ويستدلون بالمجمل ، ويتركون المحكم ويستدلون بالمتشابه وهذا هو طريق أهل الزيغ الذي حذرنا الله منهم .

فتجد أهل الزيغ من أهل البدع يزورون ما دل عليه الكتاب والسنة من الأصول والثوابت ويحرفونها على غير وجهها ، ونجد أهل الزيغ يزورون منهج السلف ، فينسبون لمنهج السلف ما ليس منه .

لذلك كان من درر الشيخ العلامة صالح آل الشيخ حفظه الله قوله : ( كيف نفهم منهج السلف ؟! نفهمه بمجموع أقوالهم ومجموع أعمالهم ، لكن الواحد منهم ما جعل الله له العصمة ، والاثنين منهم ما جعل الله لهم العصمة ) .

فيأتي شخص ويستدل مثلاً بخروج الحسين رضي الله عنه ، فيقول : مسألة ( الخروج على الحاكم ) مسألة خلافية بين الصحابة ، أو يستدل بخروج بعض السلف في القرون المفضلة ويترك جميع نصوص الكتاب والسنة وإجماع السلف والعلماء والأئمة ( المتأخر ) في تحريم الخروج على الحاكم الظالم ويترك ما قرره الإمام أحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره في كتبهم ومصنفاتهم ، فيقول : منهج السلف هو الخروج على الحاكم الظالم ! وهذا خلل في الاستدلال وخلل في المنهج وافتراء على منهج السلف الصالح وعقيدة أهل السنة والجماعة .

مع أن بعض العلماء ذكر أن أحاديث تحريم الخروج على الحاكم الظالم متواترة ، بل ذكر شيخ الإسلام بأن هذا أصل من أصول أهل السنة والجماعة .

فدأبُ أهل الزيغ والانحراف هو الاستدلال بالمتشابه والمجمل والمطلق ، وترك المحكم والمفصل والمقيد .

لا يجمعون نصوص الكتاب والسنة ، لا يجمعون كلام العالم الواحد في المسألة الواحدة ، وإنما يبحثون عن الزلات ليجعلوها أصولاً لهم ، وهذا بسبب أنهم اعتقدوا ثم استدلوا ، ولم يكونوا يبحثون الحق والدليل ، والواجب أن تستدل ثم تعتقد .

وبعض أتباع هذه الجماعات الضالة كالإخوان المفلسين أو بعض الفرق المنحرفة فإنهم يقرؤون الكتب بـ ( فهم سقيم ) لفقرهم الشديد في التأصيل العلمي وفي فهم كتب ( العلماء ) على يد ( العلماء ) ، ثم يفتون في المنتديات والتويتر والفيسبوك وينشؤون البحوث ويؤلفون الكتب ويكتبون المقالات بناءً على فهم سقيم وجهل مركب .

وربما يكون هذا التابع قد قرأ كلاماً لشيخ الإسلام ابن تيمية مثلاً أو غيره واستدل به ، ولكنه لم يعرف كلامه الآخر في مسألة لها علاقة بمسألته وتقيدها ، ولكنه لقلة اطلاعه ، يرى أنه قد حصل على ما يريده من هذا العالم ، ويحصل الوهم بأن كلام هذا العالم موافق لـ ( هوى ) ذلك التابع لأهل البدع والضلال ، فاستدل به بسبب جهله المركب .

الحديث يطول في هذا الباب ، وتوجد نماذج كثيرة جداً له ، ربما بعض من يقرأ هذا المقال يستحضرها الآن ويستغني عن إيرادي لها بحسب ما مر علي من الجهلة المركبين وسقيمي الفهم .

ولكنني أكتفي بما ذكرتُ .

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

والله أعلم .
 
التعديل الأخير:
أقسام التشابه:

والتشابه ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: تشابه حقيقي مثل: كيفية صفات الله -عز وجل-، فهذا التشابه الحقيقي الذي لا يمكن للعقول ولا يمكن للإنسان أن يدرك كيفية الصفة.

والقسم الثاني: تشابه نِسْبِي قد يتشابه هذا النص عليك، أو على هذه الطائفة، لكن لا يتشابه على الطائفة الأخرى، ولهذا إذا رُدَّ المتشابه إلى المحكم وضحت دلالته، وسَلِمَ

رابط الموضوع : http://www.assakina.com/taseel/29924.html#ixzz3BCqkgh3u
 
أعلى