مع يوسف زيدان وكتابه ( اللاهوت العربي وأصول العنف الديني )

أحب أن أقرأ في علم الملل والنحل كثيراً .

ومن المجالات في هذا العلم الواسع المليء بالعجائب والغرائب :

النصرانيات .

وحيث أنني مغرم بمعرفة طوائف النصارى وتاريخ النصرانية وتطورها ومعرفة جذورها العقائدية ، فإنني أبحث دائماً عن المصادر المهمة في هذا الباب .

عندما تقرأ كتاباً أو كتباً كثيرة وتجد أمامك مصدراً لهذه الكتب يتردد كثيراً ، فإن الفضول يدفعك للحصول على هذا الكتاب ، بحكم أن هذا الكتاب هو مصدر لهذه الأبحاث والكتب التي تقرؤها في هذا المجال .

من الكتب التي أثارت فضولي ، كتاب :

اللاهوت العربي وأصول العنف الديني للدكتور يوسف زيدان .

فهذا الكتاب حصلت حوله ضجة كبيرة ، وهو من المصادر التي مرت علي كثيراً .

فبحثتُ عن الكتاب في الإنترنت فوجدتهُ بامتداد ( pdf ) فأنزلته وقرأته ، ولكنني لم أعرف قيمته في ذلك الوقت .

وفي إحدى زياراتي لمكتبة جرير في منطقة حولي ، وقعتُ على الكتاب ، فاقتنيته وأنا ( شبه نادم ) على اقتنائه ( حين اقتنائه ) !:)

حيث أنني لم أتصور أنني سأستفيد من الكتاب وأعجب بما يحويه من معلومات وحقائق .

ولكن الكارثة العظمى والمصيبة الكبرى أن هذا الكتاب أصبح في نظري الآن من أفضل الكتب التي قرأتها عبر عشرين سنة من قراءاتي المتناثرة .

حيث أن الكتاب منظم بشكل جميل ويحتوي على حقائق ومعلومات مهمة بأسلوب سهل سهل جميل .

بطبيعة الحال ، الكتاب لا يخلو من ( تخبطات شنيعة ) عند الحديث عن الجهم وغيلان والجعد .

ولكنه في مجال النصرانيات و ( الهرطقات ) التي حدثت عبر التاريخ النصراني القديم ، هذا الكتاب درة من الدرر .

استطراد :

( الهرطقة ) عند النصارى مرادفة لـ ( الزندقة ) عند المسلمين ، وتعني عند النصارى : الخروج عن الإيمان بالمسيح .

وأصل هذه الكلمة ( الهرطقة ) من اللغة اللاتينية ، وتعني : الاختيار ، وقد كان أول إطلاقها على النصارى الذي رفضوا الأناجيل الرسمية القانونية الأربعة واختاروا أناجيل أخرى غير معترف بها في مجمع نيقية الثاني الذي أقر ( قانون الإيمان ) القائم على التثليث والصلب والفداء وبنوة المسيح للرب .

وهذا له موضوع آخر بإذن الله .

بل إن مؤلفه ( يوسف زيدان ) ينبه على أمور مهمة لم أجدها عند أحد غيره .

مثل : التنبيه على سبب الاختلاف بين الرومان واليونان والأقباط وبين العرب في الشام والعراق حول ( بنوة المسيح للرب ) .

تطرق إلى هرطقات ( آريوس ) و ( نسطور ) و ( بولس الشمشاطي ) وهرطقات طائفة ( الأبيونيين ) ، وغيرها من الهرطقات .

بل إن الكتاب يتميز بأنه يفسر المصطلحات اللاهوتية والكنسية بأسلوب سهل وبسيط .

الخلاصة أن الكتاب مهم جداً في بابه وممتع في قراءته ، وينشط البحث العلمي والتدقيق وراءه .

ولكنني من النوع الفضولي جداً ، فأنا لا أحب أن أعرف الكتاب فقط ، بل أحب أن أعرف صاحب الكتاب .

فأنا حذرٌ جداً في قراءاتي ، فأنا أقرأ لكل أحد ، ولكنني أحب أن أعرف توجهات كل كاتب أقرأ له حتى أعرف ، هل توجهاته أثرت على حياديته في الطرح أم لا .

المهم :

بحث عن يوسف زيدان نفسه ، في الإنترنت ، وفي التويتر ، وفي اليوتيوب .

فتبين لي أن الرجل ( عقلاني ) !

وتفاجأتُ أن له العديد من المحاضرات والندوات .

فقمتُ بالاستماع إلى العديد منها ، وقمتُ بتنزيل محاضرتين له :

١ - تطور المسيحية في مصر .

وهي عبارة عن محاضرة ألقاها في مركز المسبار الذي يديره تركي الدخيل وبدرية البشر ( زوجة ناصر القصبي ) وشلة الليبرالية السعودية ، ولاحظتُ في اللقاء ( ناصر القصبي ) وهو داق الثقل .:)

٢ - صورة مصر في التوراة .

قمتُ بتنزيل المحاضرتين وحولتهما إلى امتداد ( mp3 ) ورفعتهما إلى حسابي المليء بالكنوز والذخائر الثمينة في ( dropbox ) ، وأصبحتُ بين الحين والآخر استمع إليها في السيارة وخلال رياضة المشي واستمتعتُ كثيراً بها .

ولكنني لاحظتُ في يوسف زيدان ما يلي :

١ - أنه يعطيك المختصر المفيد ، ويفيدك كثيراً في التاريخ النصراني ، وينبه على أمور جميلة وطريفة في آن واحد .

٢ - أنه يوضح - كما هو ظاهر في كتابه - المصطلحات اللاهوتية والكنسية ، ويراعي عدم وجود المتخصصين في الندوة ، فيوصل لهم المعلومة بأبسط عبارة .

٣ - أنه يتكلم باللهجة المصرية ولا يتكلم باللغة العربية ، وهذا خلل في الطرح ، ولكنه بصراحة أعجبني ، لأنني أحب هذه اللهجة وما تتميز به من طرافة في النطق .:)

٤ - أنه ( كوميدي ) في طرحه العلمي ، فتجد عنده ( العرّات ) و ( الألفاظ الطريفة ) في بعض الأحيان ، فتجد نفسك تضحك فجأة في لحظات الاستمتاع بالمعلومة .:)

الخلاصة أنني قمتُ بعد ذلك باقتناء بعض الكتب ليوسف زيدان مثل ( التصوف ) و ( عبد الكريم الجيلي : فيلسوف الصوفية ) وقمتُ بتصفحها .

ولكن كتابه ( اللاهوت العربي وأصول العنف الديني ) كتاب مفيد جداً وممتع كثيراً خلا بعض ( التخبطات الشنيعة ) كما ذكرتُ آنفاً .

هذه هي تجربتي مع يوسف زيدان وكتابه ( اللاهوت العربي ) .
 
أعلى