نظرة في العلوم الشرعية

العلوم الشرعية قسمان :

١ - علوم أساسية أو العلوم الأصلية : وهي العلوم التي تكوّن لدى الإنسان فقهاً للكتاب والسنة ، وهذه العلوم هي : التفسير والحديث والعقيدة والفقه ، فمن حصّل هذه العلوم فهو الفقيه بالكتاب والسنة ، وهي العلوم المقصودة لذاتها .

٢ - العلوم الصناعية أو علوم الآلة : وهي العلوم التي وضعها العلوم لتساعد على فهم الكتاب والسنة أو لتساعد على الوصول إلى ما ثبت من السنة النبوية الصحيحة ، وهذه العلوم هي : علوم اللغة ( النحو والصرف والبلاغة والبديع والبيان والمعاني وغيرها ) وأصول الفقه والقواعد الفقهية وعلوم الحديث والجرح والتعديل ، فهذه العلوم ليست مقصودة لذاتها ، وإنما مقصودة لغيرها .

وهذه العلوم هي اصطلح الشيخ صالح آل الشيخ على تسميتها ( عقد العلم ) .

وأما ( مُلَح العلم ) ، فهي علوم التاريخ والتراجم والأدب والأشعار وغيرها مما يكمّل ( البناء العلمي ) لطالب العلم ، وعدم معرفة بعض ما في هذه العلوم على وجه التفصيل لا يضر العالم ، لأنها علوم وُضعت للترويح عن طالب العلم والعالم خلال المرحلة الطويلة لتحصيله العلم ، وهي المرحلة التي تبقى معها إلى آخر يوم من عمره .

فطالب العلم والعالم يقضي سنينه وأيامه وينفق عمره ما بين الحفظ للعلم ومراجعته والقراءة للكتب والبحث العلمي والتلخيص والتهذيب والترتيب لمسائل العلم وتبليغه للناس ، ولكن الإنسان بطبعه ملول ، يملّ بسرعة ، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إن الله لا يملّ حتى تملوا ) ، أي أن الله لا يملّ من عبادة العبد حتى يملّ العبد من عبادته ، فإذا وصلتَ لمرحلة الملل فتوقف ، وحاول أن تغيّر .

ومن حكمة الله تعالى أنه قد شرع لنا عبادات متنوعة ، لكي يتنقل بينها الإنسان ، فيتنقل من عبادة إلى عبادة ولا يملّ من ذلك .

فالعبادات أقسام :

١ - عبادات قلبية : كالخوف والرجاء والخشوع والرغبة والرهبة والخشية وغيرها .

٢ - عبادات بدنية : وهذه العبادات تكون باللسان وسائر جوارح الإنسان ، كذكر الله وقراءة القرآن والكلمة الطيبة ، والصلاة والصيام وغيرها .

٣ - عبادات مالية : كالزكاة والصدقة والهبة وغيرها .

ومن العبادات ما يكون داخلاً في قسمين أو أكثر من الأقسام السابقة ، كالجهاد والحج ، فإنهما من العبادات البدنية والعبادات المالية .

ولو تأملنا عبادةً من العبادات كالصلاة ، لوجدناها متنوعة ، فالصلاة مثلاً أقسام : صلاة الفريضة وصلاة النافلة ، والنافلة أقسام : صلاة التراويح وقيام الليل والسنن الرواتب وغيرها .

وكذلك حتى عبادة ( طلب العلم ) - التي يقول عنها الإمام أحمد أنها أعظم من النافلة - فإنها تنقسم بانقسام العلوم ، وقد مر علينا في الموضوع أقسام العلوم .

فعبادة طلب العلم وحده - عدا الصلوات المفروضة - يمكن للإنسان أن يقضي فيها يومه كله بلا ملل ولا كلل ، فينتقل من علم إلى علم ، ويقرأ في كتب كثيرة ومتنوعة في شتى الفنون ، يبدأ يومه بطلب العلم وينتهي يومه بطلب العلم ، فهو في سائر يومه في عبادة .

وهذا من رحمة الله بعباده وتكليفهم ما يطيقون والتيسير عليهم في عباداته ، فله الحمد والمنة وحده .

ولكن لدي ملاحظة بالنسبة لـ ( أقسام العلوم الشرعية ) و لـ ( العقد والملح في العلم ) :

التخصص في العلوم الآلية الغير مقصوده لذاتها شيءٌ طيب وجيد ونافع ومفيد ، ولكن الأصل هو التفقه في نصوص الكتاب والسنة ، فالأصل هو التركيز على العلوم الأساسية : العقيدة والفقه والتفسير والحديث .

ولكن الغريب أن بعض الناس ترك العلوم الأصلية الأساسية وترك العلوم الآلية الصناعية ، وأنفق وقته وعمره في ( ملح العلم ) ، فتجد فلاناً متخصصاً في التاريخ ، ولو سألتَهُ عن مسألة في العقيدة أو في الفقه ، فإنه لا يحسنها ، بل قد ولا يعرفها ، لو سألته عن معنى حديث أو حتى عن لفظة حديث ( مشهور ) ، فإنه سيجد نفسه أمامك بأنه قد سمعه لأول مرة .

لا شك أن هذه العلوم ( المُلَح ) مهمة ونافعة ومفيدة ، ولكن من ( الخلل العلمي ) التركيز عليها وترك أو ضعف الاهتمام بالعلوم الأصلية والعلوم الصناعية ، ولكن الأصل هو ( عُقد العلم ) وهي : العقيدة والفقه وأصوله وقواعده والقرآن وعلومه وتفسيره والحديث وفقهه ومعرفة لسان العرب وكلامهم .

بل إن من المشين والمعيب على بعض المتخصصين في هذه ( المُلَح ) أنه يتكلم في المسائل المصيرية للأمة وفي المسائل الكبار ( وهي داخلةٌ بالعلوم الأساسية والآلية لا ملح العلوم ) ويعارض كبار العلم وينتقدهم بل وقد يطعن فيهم لأنهم خالفوا ما عنده من ( نزعات ) أو ( أهواء ) أو ( جهل ) .

والأغرب من ذلك :

من يأتيك بتخصص لا علاقة له بالعلوم الشرعية لا من قريب ولا من بعيد ، متخصص بالزراعة والتربة أو بالفيزياء أو علم النفس والفلسفة ، ثم يتجرأ على أهل الاختصاص في اختصاصهم ، فيتجرأ على علماء الأمة لأنهم خالفوا ( جهله ) بالشريعة .

هذا عدا من هم لا في العير ولا في النفير من ( الغوغاء ) و ( الدهماء ) من ( الحقراء ) الذين يتجرؤون على أهل العلم بالطعن والسب والشتم والتحقير !

وأكثر معاناة أهل العلم هي من ( المتطفلين ) بشتى أنواعهم ، ويدخل فيهم ( طالب العلم ) الذي يتزبب قبل أن يتحصرم فيرى في نفسه شيئاً عظيماً ، ولا يساوي غرز نعل ( العالم ) الذي تجرأ عليه .

والله المستعان على ما يصنعون .
 
أعلى