صادق الحيدري
Banned
كيف ساعدت السعودية (داعش) في العراق؟
رئيس جهاز المخابرات البريطاني السابق يؤكد أن ما حدث كان خطة سعودية منذ البداية
لندن: باتريك كوكبرن (الإندبندت) - ما مدى تورط السعودية في استيلاء "داعش” على أجزاء كبيرة من شمال العراق، وهل هي بصدد إذكاء صراع طائفي في عموم العالم الإسلامي؟. قبل أحداث 11 أيلول قليلاً دارت بين الأمير بندر بن سلطان، الذي كان ذات يوم سفيراً للسعودية لدى واشنطن ورئيساً لجهاز المخابرات السعودي إلى ما قبل أشهر قليلة، والسير "ريتشارد ديرلوف” رئيس جهاز المخابرات البريطانية السرية المعروف باسم "أم آي 6” محاورة كشف فيها الأول للثاني عن معلومات تنطوي على نذر خطيرة باتجاه طائفة من المسلمين في الشرق الاوسط.
ويبدو أن اللحظة الموعودة التي كان يتحدث عنها الأمير بندر قد وقعت الآن على كثير من اتباع هذه الطائفة، وللسعودية دور مهم في وقوعها من خلال دعمها الارهاب في العراق وسوريا. فمنذ استيلاء "داعش” على الموصل في 10 حزيران الماضي تعرضت النساء والأطفال الابرياء للقتل في القرى الواقعة جنوبي مدينة كركوك، وتم إعدام طلبة القوة الجوية ودفنهم في قبور جماعية بالقرب من مدينة تكريت.
في الموصل يتم تفجير الأضرحة والمساجد ، وفي مدينة تلعفر التركمانية استولى مقاتلو "داعش” على 4 آلاف دار معتبرين إياها "غنائم حرب”.
في الاسبوع الماضي تحدث السير ديرلوف، الذي كان رئيساً لجهاز المخابرات البريطاني "أم آي 6” للفترة من 1999 إلى 2004، في المعهد الملكي للخدمات الموحدة مشدداً على أهمية ما قاله الأمير بندر ووصفه بأنه تصريح مفزع لا يزال يتذكره بكل وضوح، على حد تعبيره.
وأضاف ديرلوف أنه لا يداخله أدنى شك بأن التمويل الضخم المتواصل الذي يقدمه متبرعون مستقلون في السعودية وقطر، والذي تغض السلطات النظر عنه، قد لعب دوراً مركزياً في الاحداث التي شهدتها بعض المناطق في العراق.
الأمر المثير للاستغراب هو أن تصريحات بندر المتجهمة لـ "ديرلوف” تلك عن تاجيج العنف واثارة الفتن ، وكذلك اعتقاد رئيس المخابرات البريطانية السابق بأن السعودية لها يد في الاعمال الارهابية التي قادتها "داعش”، لم تثر اهتماماً يذكر بل انصرف التركيز بدلاً من ذلك إلى موضوعة أن الخطر الذي تشكله "داعش” على الغرب مبالغ فيه لأن هذا التنظيم الإرهابي، على خلاف تنظيم القاعدة الارهابي، يركز على المسلمين فقط. بيد أن المسيحيين في المناطق التي استولت عليها "داعش” يرون بأم أعينهم أن هذا مجافٍ للحقيقة، فكنائسهم تدنس وهم يرغمون على الفرار من مناطقهم. أما الفرق الحقيقي بين القاعدة و”داعش” فهو أن الأخيرة أفضل تنظيماً، لذلك فإن النتائج ستكون أشدّ وبالاً إذا ما هاجم التنظيم أهدافاً غربية.
توعدات بندر، التي نصّت على أن 100 مليون مسلم من طائفة معينة في الشرق الأوسط سوف تحل بهم الكارثة ، من شأنها إقناع كثير من اتباع هذه الطائفة بأنهم ضحايا حملة تقودها السعودية لمحوهم. وهم لا يرون أن الخطر محصور في الجانب العسكري بل هو نابع من النفوذ المتزايد للوهابية. ومن المعلوم أن الوهابية، وهو المذهب الذي تعتنقه السعودية، يدين الشيعة وغيرهم من الطوائف الإسلامية ويعتبرهم كفرة مارقين.
يعتقد ديرلوف، استناداً إلى خبرته السابقة، بأن التفكير الستراتيجي السعودي يشكله معتقدان راسخان، الأول هو اقتناعهم بأن من غير المسموح أو المشروع أن يشكك أحد في مؤهلات الوهابيين لأن يكونوا أوصياء على أقدس أضرحة المسلمين. والثاني، وربما كان الأكثر أهمية، هو اعتقاد السعوديين بأنهم فقط ولا أحد غيرهم من يمتلك الحقائق الإسلامية، وهذا الاعتقاد يجعلهم ينجذبون بقوّة نحو أية حركة متشدّدة من شأنها تحدي المذهب الشيعي.
لقد دأبت الحكومات الغربية على التقليل من شأن العلاقة بين السعودية والفكر الوهابي، ولكن هذه العلاقة قائمة وليس في الأمر سر أو مؤامرة، فخمسة عشر شخصاً من أصل التسعة عشر الذين اختطفوا الطائرات في 11 أيلول كانوا سعوديين، وكذلك كان بن لادن ومعظم ممولي العملية.
ولكن كان هنالك دائماً طرح ثان للسياسة السعودية تجاه أنماط الجهاد التي تحذو حذو القاعدة، وهذا الطرح قد يتنافى مع ما صرح به بندر لأنه يرى في هذه الحركات خطراً يهدد المملكة نفسها. هذا الموقف جعل السعودية تتبنى سياستين في آن واحد، فهي من جهة تشجع الحركات الارهابية خارج المملكة وتدعمها باعتبارها سلاحاً مفيداً في يد السعودية، ولكنها من جهة أخرى تقمعها في الداخل باعتبارها خطراً يهدد النظام القائم. إلا أن ما حدث في السنة الماضية يدل على أن هذه السياسة المزدوجة قد انهارت.
تعاطف السعودية مع الحركات الارهابية وردت عليه إشارات في الوثائق الرسمية الأميركية المسرّبة. ففي كانون الأول 2009 كتبت وزيرة الخارجية السابقة "هيلاري كلنتون” في برقية نشرها موقع "ويكيليكس” تقول:”تبقى السعودية قاعدة التمويل الأساسية لتنظيمات القاعدة وطالبان ولاشكر طيبة وغيرها من الجماعات الإرهابية.” وتضيف كلنتون في برقيتها أن السعودية لم تتحرك ضد القاعدة إلا بعد أن رأت فيها تهديداً داخلياً وليس بسبب نشاطاتها في الخارج.”
ربما كانت هذه السياسة آخذة بالتغير الآن بعد إقصاء الأمير بندر عن منصب رئيس المخابرات، ولكنه تغير قريب وقد يكون متأخراً. فالمشكلة التي يواجهها السعوديون منذ أن ترك بندر منصبه هي أن محاولاتهم لبناء شريحة سنية تعادي المالكي والأسد وتناهض القاعدة وأشباهها وتفرعاتها في الوقت نفسه قد باءت بالفشل.
بيد أن مساعي السعودية وحلفائها لإضعاف المالكي والأسد لصالح أطراف جعلتهم يعملون لخدمة "داعش” في سوريا والعراق. ففي الموصل، مثلما حدث في الرقّة السورية من قبلها، أخذت "داعش” تنزع السلاح من أيدي مناوئيها والمعترضين على سياستها ثم ترغمهم على إعلان ولائهم للخلافة الجديدة وتقتل من يرفض ذلك.
ربما سيترتب على الغرب الآن أن يدفع ثمن تحالفه هذا مع السعودية وباقي الأنظمة الملكية في الخليج التي طالما احتضنت مايسمى الجهاد المتطرف وفضلته على الديمقراطية. وأصدق مثل نسوقه كشاهد على هذه المعايير المزدوجة التي تتعامل بها القوى الغربية عملية القمع التي دعمها السعوديون بحق التظاهرات الديمقراطية السلمية في البحرين في آذار 2011 والتي استخدمت فيها وحشية مفرطة بحق المتظاهرين ودمّرت أضرحتهم ومساجدهم.
وفي العراق تمكنت القوى الغربية وحلفاؤها في المنطقة من تفادي تحمل المسؤولية بسبب دورها في إيقاد الحرب في العراق من خلال إلقاء اللوم على رئيس الوزراء نوري المالكي. ولكن المالكي، رغم كل ما يقال، ليس السبب في حالة التفكك التي يشهدها العراق. فالأمر الذي أدى إلى زعزعة استقرار العراق منذ 2011 حتى الآن هو الانتفاضة التي شهدتها سوريا ثم استيلاء الحركات الارهابية على تلك الانتفاضة وما تلقته من دعم سعودي وقطري. وقد حذّر السياسيون العراقيون مراراً وتكراراً بأن القادة الغربيين، من خلال سماحهم باستمرار الحرب الأهلية في سوريا وعدم العمل على إنهائها، سوف يجعلون تجدد الصراع في العراق أمراً مؤكداً. وفي الأسبوع الماضي قال أحد القادة السياسيين في بغداد: "أعتقد بأنهم لم يصدقوا ما قلناه لهم لأنهم كانوا متشبثين بفكرة الخلاص من الأسد.”
لقد صنعت السعودية وحشاً فرانكشتانياً سرعان ما بدأ بالخروج عن سيطرتها. وذات القول يسري على حلفائها الآخرين مثل تركيا التي أصبحت قاعدة خلفية مهمّة لـ "داعش” وجبهة النصرة من خلال ترك حدودها مع سوريا، البالغ طولها أكثر من 240 كيلومتراً، مفتوحة على مصراعيها. فقد سقط معبر حدودي كان يسيطر عليه الكرد بيد "داعش”، وبسقوطه ستجد تركيا أن جاراً جديداً قد حل بجوارها .. جار يتمتع بشهوة جنونية للعنف، جاحد لا يشعر بأدنى امتنان للخدمات الجمّة التي كانت تقدمها له المخابرات التركية.
السعودية ستندم هي الأخرى بسبب دعمها للاعمال الارهابية في سوريا والعراق، فقد بدأت وسائل الإعلام عبر مواقع التواصل الاجتماعي بالحديث منذ الآن عن بيت سعود وبأنه سيكون الهدف التالي.
لا ريب أن نهوض "داعش” خبر سيئ للشيعة في العراق، ولكنه خبر أسوأ للسنة الذين استسلمت قياداتهم لحركة مصابة بتعطش مرضي إلى الدم ولا تعرف معنى التسامح. حركة إسلامية أقرب في جوهرها إلى "الخمير الحمر” لا هدف لها سوى أن تخوض حرباً بلا نهاية.
ترجمة – أنيس الصفار