الصحابي سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه و تأثير الخال على أبناء أخته

تويتر الكويت

عضو مخضرم

الصحابي سعد بن أبي وقاص

للكاتب و الباحث و المؤرخ


أحمد بن محارب الظفيري

الجزء الاول


من منا - محبي التاريخ العربي الإسلامي - لا يعرف الصحابي الكبير،
قائد جيش القادسية، محرر العراق،
ومحطم الإمبراطورية الفارسية،
فبذكره تنتعش القلوب وتتعطر الألسن، فتسرح الذاكرة إلى تلك الأيام الخوالي،
أيام العز والنصر، أيام الأجداد العرب الكرام الذين حملوا الإسلام العظيم في ضمائرهم وعقولهم،
وقدموه للإنسانية هدية حرية وعدالة وكرامة،
فأخرجوا العباد من ظلم العباد إلى عبادة رب العباد،
ومن ضيق الدنيا إلى وساعة وفساحة الدنيا والآخرة.
هو سعد بن مالك «مالك يكنى بأبي وقاص» بن وهيب بن عبد مناف بن كعب بن زهرة القرشي.
وجده «وهيب» هو عم «آمنة بنت وهب»
والدة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم .
وهب ووهيب هما شقيقان وهما ابنا عبدمناف بن كعب بن زهرة القرشي.
وبناء على هذه الوشيجة أصبح سعد بن أبي وقاص
هو خال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم
لأنه ابن عم آمنة بنت وهب،
أم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم
والعرب قديما وحديثا تعتبر إخوان المرأة وأبناء عمها هم أخوال لأبنائها وبناتها.
الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - من فخذ «بني هاشم» من قريش،
وخاله سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - من فخذ «بني زهرة» من قريش.
ويلتقي عمود نسبها في الجد «كلاب» الذي هو الجد الخامس للرسول
وهو أيضا الجد الخامس لسعد بن أبي وقاص.
بعبارة أخرى الخال وابن بنت العم يلتقيان بجد واحد لأنهما من قبيلة واحدة.
أما أخوال سعد بن أبي وقاص فهم من فخد «بني أمية» من قبيلة قريش.
فأم سعد هي: خمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس «وعبد شمس هو شقيق هاشم،
وهاشم هو جد بني هاشم من قريش».
الرسول محمد يفخر بخاله الفخر والافتخار بالأخوال عادة عربية قديمة
عند العرب الأوائل كما هي سائدة وشائعة عند العرب الأواخر
فالإنسان العربي يفخر ويفاخر بأمه وأهلها،
فالخال عند العرب بمنزلة الوالد والخالة بمنزلة الأم
وكان الشعور السائد عند العرب أن للخال تأثيرا قويا في ابن أخته
فهو يرث من خاله الصفات الخَلقية والخَلقية «الجسمانية والمعنوية»
لذا قالت العرب في أدبياتها ورواياتها: «عرق الخال لا ينام»
ولهذا السبب اهتموا غاية الاهتمام باختيار وانتقاء زوجاتهم لأنهم أمهات أولادهم.
ولنستمع لهذا الأعرابي من عربان الجاهلية،
وهو يخاطب زوجته التي أنجبت له ولدا لا يشبهه وإنما يشبه خاله:
والله ما أشبهني عصام لا خُلق منه ولا قَوام نمتُ وعرق الخال لا ينام
ولنستمع إلى ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر الصديق
وهي تلاعب وترقّص ابنها عبدالله بن الزبير بن العوام
مفتخرة بأخواله آل أبي عتيق «آل أبي بكر الصديق»،
تقول: أبيض من آل أبي عتيق مبارك من ولد الصديق
ألذه كما ألذ ريقي
لذلك لا نستغرب عندما نرى سيدنا الرسول العربي
محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم القرشي - صلى الله عليه وسلم -
كثير الفخر والافتخار بخاله سعد بن أبي وقاص بن وهيب بن عبدمناف الزهري القرشي.
فإذا رأى خاله سعد قادما قال لصحابته هذا خالي سعد:
«الأسد في براثنه» وكان الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم -
ينظر لخاله سعد بالعين الجليلة نظرة إكبار واعتزاز
لشجاعته وسمو أخلاقه وكان يقول دائما:
«هذا خالي سعد فليرني امرؤ خاله».
وكان رجال ونساء فخذ «بني زهرة» من قريش يتفاخرون
ويفخرون على غيرهم بقولهم:
«نحن أخوال النبي محمد»
لأن أم النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - «آمنة بنت وهب» منهم.
تماما كما يقول اليوم العرب في بوادي وحواضر جزيرة العرب،
فهم يقولون: «نسيب الواحد نسيب الكل» و«خال الواحد خال الكل».
وحول تأثير الخال في ابن أخته يقول عربان الجزيرة ا لحاليون:
«طيب الولد من طيب خواله» و«الولد يجذبه عرق الخال»
و«ثلثين الولد على خاله» و«الخال والد».
وحول وجوب اختيار الزوجة، يقول العرب الأواخر في أحدياتهم الشعبية:
عرب وليدك عربه النار من مقباسها العز بارحام النسا
اللي عريب ساسها
رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم- يأمرنا باختيار أخوالنا من الأخيار الأجواد:
الرسول العربي الكريم محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب الهاشمي القرشي
- صلى الله عليه وسلم - يؤكد أن أهله،
والده عبدالله وجده عبدالمطلب اختار له الأم الصالحة الكريمة
من المنبت الطيب فظهر له أخوال شجعان أفذاذ في سمو أخلاقهم العربية الراقية،
ومنهم الصحابي الكبير سعد بن أبي وقاص بن وهيب الزهري القرشي
ابن عم آمنة بنت وهب والدة الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم- .
ويأمرنا رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم -
بأن ننتقي ونختار الأخوال الصالحين فهو يقول لنا:
«تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء».
وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «إياكم و خضراء الدِّمن»
وخضراء الدمن: هي النبتة الحسناء الأنيقة
التي تنبت في المكان الفاسد مثل مراح الإبل.
وهذه النبتة الحسناء في منبت السوء هي تشبيه
للمرأة الجميلة الحسناء من الأسرة الفاسدة الساقطة.
وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم- :
«تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم
فإن صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال منسأة في العمر».
وأحاديث الرسول العربي محمد - صلى الله عليه وسلم -
حول اختيار وانتقاء الزوجة العربية الأصيلة الصالحة
وحول المحافظة على الأنساب، جاءت هذه الأحاديث النبوية الكريمة
منسجمة مع تراث العرب وأخلاقها وعاداتها الكريمة المتوارثة،
فالعرب معروفون عبر تاريخهم الطويل الموغل بالقدم
بالمحافظة على أنسابهم وعلى أنساب خيولهم وإبلهم الأصايل.
يقول شاعر شعبي من العرب الأواخر:
من لا يعرب ويلده قبل منسبه يا ويلده يطلع عليه إبلاش
ويقول الشاعر الشعبي حسن بن الذيب العجمي اليامي:
الولد وإن طاب طيبه من خواله بالخوال يسال قبل الوالديني
وهذا الصحابي الجليل حسان بن ثابت بن المنذر الخزرجي،
شاعر رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم -
ينتفض منزعجا عندما سألته إحدى النساء عن أخواله،
فيرد عليها قائلا: سألت حسان من أخواله؟
إنما يسأل بالشيء الغُمر قلت أخوالي بنو كعب إذا أسلم الأبطال
عورات الدبرة رب خال لي لو أبصرته سبط المشية في اليوم الخصر وفي معركة - أُحد كان الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم- ينادي خاله سعد بن أبي وقاص ليرمي الأعداء ويشجعه ويحثه قائلا له: «ارم سعد فداك أبي وأمي» ولما انكسرت قوسه أعطاه الرسول قوسا أخرى، وقال: «اللهم سدد رميته وأجب دعوته» وقد عرف بين إخوانه من الصحابة بأن دعوته مستجابة لا ترد. إسلام سعد بن أبي وقاص من الثابت المؤكد أن سعدا كان يرى ويسمع عن ابن بنت عمه الهاشمي محمد بن عبدالله الشيء الكثير من سمو الأخلاق فإذا جاء ذكره على لسان أي رجل من رجال قبيلة قريش بكل فروعها قالوا: «نعم بمحمد الصادق الأمين» وهذا «النعم» ينسحب على أهله وأخواله، لأن الولد يحمل الصفات الخَلقية والخُلقية من الأهل والأخوال. ومن المؤكد أن سعد بن أبي وقاص كان يفخر ويعتز بهذا العلم الغانم الحميد الذي يحمله محمد بن عبدالله ابن بنت عمه آمنه بنت وهب. و عندما بعث محمد - صلى الله عليه و سلم - رسولا ونبيا وهاديا للبشرية كان خاله سعد من أوائل السباقين إلى دخول الإسلام لم يسبقه سوى سيدنا أبي بكر وعلي بن أبي طالب وزيد بن حارثة رضوان الله عليهم أجمعين. وكان عُمر سعد حين إسلامه سبعة عشر عاما وكانت صنعته التي برع فيها وتفوق على جميع أقرانه من شباب قريش هي بري وتثقيف السهام والأقواس، وكان راميا ممتازا لا يخطئ الهدف في رميه، لذلك كان لهذا الشاب الرامي المجيد دور متميز في الدفاع عن الإسلام وقيادة الجيوش.



المصدر

مجلة الكويت
 

تويتر الكويت

عضو مخضرم


الجزء الثاني


رواية سعد عن إسلامه يقول: «رأيت في منامي قبل أن أسلم بثلاثة أيام على ما أعتقد، كأني في ظلمة لا أبصر شيئا، إذ أضاء لي القمر فاتبعته، فكأني أنظر إلى من سبقني إلى ذلك القمر، فأنظر إلى زيد بن حارثة، وإلى علي بن أبي طالب وإلى أبي بكر، وكأني أسألهم: متى انتهيتم إلى هنا؟فقالوا: الساعة». ولما انقضى الليل وجاء الصباح أخذ سعد يفكر برؤياه لعله يجد لها تأويلا أو تفسيرا، ثم راح إلى مقر عمله يبري السهام ويصلح الأقواس، وبينما هو جالس إذ جاءه أبو بكر الصديق وأخبره أن الرسول محمد - صلى الله عليه و سلم - يدعو إلى دين الإسلام متخفيا وأخبره بأنه هو وعلي بن أبي طالب وزيد بن حارثة قد آمنوا بدعوة الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - واتبعوا دعوته وأسلموا عل يديه، فتذكر سعد رؤياه في المنام وعرف أنها رؤيا صادقة فذهب مع أبي بكر الصديق إلى رسول الله - صلى ا لله عليه وسلم - وهو في شِعب «أجياد» فأسلم على يدي الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - وبدأ يتعلم مبادئ وتعاليم وأوامر الإسلام العظيم من رسول الإسلام، فشب سعد على الإسلام وهو ابن السابعة عشرة وتوفي مسلما مؤمنا سنة 58 هـ وله من العمر 74 سنة - رضي الله عنه - شهد سعد بدرا وأحدا والخندق والحديبية وسائر المشاهد مع الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم. أمه تحاول بإصرار ليترك دين الإسلام عرف سعد ببره لوالدته وحبه الشديد لها، ولكنها عندما علمت بإسلامه تألمت كثيرا، وحاربته حربا لا هوادة فيها لعله يترك دينه الجديد ويعود إلى دين آبائه وأجداده، فتحمل هذا الشاب البار ضرب وتوبيخ والدته ولما وجدت أمه أن لا فائدة من كل محاولاتها، لجأت إلى الإضراب عن الطعام والشراب لعل ذلك يؤثر فيه ويكسر إصراره على الدين الجديد، ولكن لم يحصل ما تتمناه، فواصلت إضرابها في تصميم وتحد عجيب حتى أشرفت على الموت فضعفت قواها وهزل جسمها ووصلت إلى مرحلة الخطر، فراح بعض أهل سعد وأقاربه إليه وأبلغوه أن والدته وصلت إلى سكرات الموت وطلبوا منه أن يرجع عن دينه إرضاء لوالدته فجاء سعد إلى والدته فراعه منظر الموت المتجسد في جسم والدته الهزيل، فقرب وجهه من وجهها وصاح بها لتسمعه قائلا لها: «تعلمين والله يا أمه، لو كانت لك مائة نفس، فخرجت نفسا نفسا، ما تركت ديني هذا لشيء، فكلي إن شئت أو لا تأكلين» عندئذ عرفت أم سعد أن لا فائدة من إضرابها فتركته ونجت بنفسها من الموت. وفي هذا الموقف العظيم لسعد بن أبي وقاص مع والدته، أنزل رب العزة والجلال الآية 15 من سورة لقمان: «وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون». وهذه الآية الكريمة هي إكرام وتقدير لسعد المسلم المؤمن من الرب الواحد الأحد. مكانته في الإسلام سعد بن أبي وقاص أحد ا لصحابة العشرة المبشرين بالجنة. وهو أول من أراق دما دفاعا عن الإسلام، ففي بداية الدعوة كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه و سلم - ومعهم سعد متخفين في أحد شعاب مكة يؤدون صلاتهم ويتدارسون أمور دينهم، فظهر عليهم جماعة من المشركين فحاولوا الاعتداء عليهم ومحاربتهم، فدافع المسلمون عن أنفسهم، فلقط سعد لحى بعير «عظم حنك البعير» من على الأرض، وضرب بها أحد المشركين فشجه وسال دمه، وبذلك أصبح سعد أول من أراق دما في الإسلام. وكان الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - يفتخر ويفاخر بخاله سعد ويصفه بـ «الأسد في براثنه» ويقول لصحابته: «هذا خالي سعد فليرني امرؤ خاله» ويقول: «من له خال كخالي سعد الأسد في براثنه» وكان الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - يستنجد بخاله رامي السهام الصائب في المعركة قائلا له: «إرم سعد فداك أبي وأمي» وكان يدعو لخاله قائلا: «اللهم سدد رمية سعد، وأجب دعوته» فعرف سعد بين إخوانه الصحابة بأنه مجاب الدعوة عند رب العزة والجلال. لقد شارك الصحابي الكبير سعد ابن أبي وقاص في كل الغزوات والمعارك التي خاض غمارها المسلمون الأوائل دفاعا عن الإسلام العظيم، ونشراً لدعوته الكريمة بين قبائل العرب في دولة الإسلام الأولى، فالإسلام يدعو إلى مكارم الأخلاق وجاء متماشيا مع أخلاق العرب الفاضلة المتوارثة عبر تتابع الأجيال وتعاقب العصور. وعمل سعد مع إخوانه الصحابة بكل تفان وإخلاص للالتزام بتعاليم الإسلام التي تدعو لعبادة الله الواحد ومعاملة البشر بعدالة ومساواة وكرامة. وهؤلاء الصحابة هم بحق خيار البشرية والقدوة الحسنة والمثال الصالح للعدل والرحمة. لقد دعا عند موته بخلق جبة «جبة عتيقة» فقال: كفنوني في هذه الجبة فإني لقيت المشركين فيها يوم بدر وهي علي، وإنما كنت أخبئها لهذا اليوم - وعرف عن سعد بأنه عف الطعمة «طعامه حلال» وعف اللسان وعف الضمير. اسم «سعد» في لغة العرب السعد - في لغة العرب -: هو اليمن والخير وهو نقيض النحس. والسعادة: هي الراحة والطمأنينة والصحة. نقول: سعد فلان فهو سعيد نقيض شقي. وعربان الجزيرة في البوادي والحواضر منذ عصور الجاهلية وإلى عصرنا الحالي يسمون أحب النجوم إليهم باسم «سعد السعود» لأنه بشير لهم بالربيع، فطلوعه يصادف فصل الربيع في بوادي جزيرة العرب. ويقول العرب الأوائل: «إذا طلع سعد السّعود، ذاب كل جمود، واخضر العود، وانتشر كل مصرود، وكره في الشمس القعود». أما العرب الأواخر في بوادي وحواضر الجزيرة، فإذا شاهدوا نجم «سعد السُّعود» طالعا في السماء، يقولون: «نورت الأزهار وفرعت الأشجار وبيضت الأطيار وتساوى الليل والنهار وسير الجار على الجار». إن طلوع هذا النجم يشعرهم بالسعادة والخير والربيع، لأن صحاريهم أصبحت خضراء غناء مملوءة بالأعشاب والشجيرات والأشجار الخضراء التي تعتاش عليها إبلهم ومواشيهم فيكثر عندهم اللبن والزبد والكمأ. ونسبة إلى طالع هذا النجم الميمون سمى عربان الجزيرة الأوائل والآواخر أولادهم باسم «سعد». ولا تنس عزيزي القارئ بأننا نتحدث عن بطل من أبطال الإسلام وقادته الميامين وهو خال رسولنا العربي محمد - صلى الله عليه وسلم وهو سعد بن أبي وقاص، ونسبة إلى اسمه الكريم، شرحنا أصل اسم «سعد» عند العرب. الرسول يفتديه بأمه وأبيه ونواصل الحديث عن الصحابي الكبير والشجاع الصنديد سعد بن أبي وقاص، كان سعد يفتخر طوال حياته ويقول: ما جمع الرسول لأحد أبويه إلا لي وذلك حينما قال في معركة أحد: «إرم سعد إرم فداك أبي وأمي»، وكانت معركة أحد من أصعب المعارك على المسلمين ففيها زلزت الأقدام، وتفرق المسلمون عن النبي عليه الصلاة والسلام ولم يبق إلا القليل منهم خاله سعد بن أبي وقاص الذي دافع عن رسول الله صلوات الله عليه، فكان لا يرمي رمية من قوسه إلا أصابت مقتلا من مشرك، فاستحق أن يفتديه الرسول بأبيه وأمه. أول من رمى بسهم دفاعا عن الإسلام وفي بداية الدعوة كان سعد أحد جنود عبيدة بن الحارث بن عبدالمطلب فالتقوا مع جماعة من المشركين يقودهم زعيم قريش أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس «شقيق هاشم» القرشي ودارت بين الطرفين معركة في «ثنية المرة» ودافع سعد بنبال قوسه عن جماعته دفاع الأبطال وقال بهذه المناسبة:- ألا أبلغ رسول الله أني حميت صحابتي بصدور نبلي أذود بها عدوهم ذيادا بكل حزونة وبكل سهل فما يعتد رام من معد بسهم يا رسول الله قبلي لذلك قال سعد مفتخرا: «والله إني لأول رجل من العرب رمى بسهم في سبيل الله». أحد الستة الذين جعل فيهم عمر الشورى: أمر سيدنا الخليفة الثاني الفاروق عمر بن الخطاب بن نفيل العدوي القرشي قبل وفاته، أن يكون الخليفة من بعده من بين هؤلاء الستة:- 1 - علي بن أبي طالب عبدمناف بن عبدالمطلب بن هاشم القرشي 2 - عثمان بن عفان بي ابن أبي العاص بن أمية القرشي 3 - عبدالرحمن بن عوف بن عبد عوف الزهري القرشي 4 - طلحة بن عبيدالله بن عثمان التيمي القرشي 5 - الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد القرشي 6 - سعد بن أبي وقاص مالك بن وهيب الزهري القرشي. لاحظ أن هؤلاء الستة رضوان الله عليهم كلهم أبناء عمومة وبينهم وشائج وأواصر قربى قوية كالمصاهرة، وهم من العشرة المبشرين بالجنة ويرتبطون مع الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - بالإسلام العظيم وصلة النسب الكريم، ونحن أبناء عربان الجزيرة في البوادي والحواضر أبناء قبائل ونعرف علاقات النسب كالعمومة والخؤولة ونحفظ للرجال أقدارها. وجميع هؤلاء أبناء عمومة والواحد يحب الآخر ولا خلاف بينهم على العكس من ما يبثه الشعوبيون والحاقدون على تاريخنا العربي الإسلامي. وفاة عمر ذكَّر سعدا أيام القادسية كان لمقتل أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب بن نفيل العدوي على يد الحاقد الفارسي المجوسي أبى لؤلؤة فيروز أبلغ الألم والحزن في نفوس المسلمين جميعا و خاصة صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعظمهم من قبيلة قريش. لقد قتل الخليفة الكبير عمر لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين للهجرة، وهو يسوي الصفوف ليؤم الناس في صلاة الصبح، وهو ابن ثلاث وستين سنة. لقد حقق الحرية والعدل والمساواة، كما أمر به الدين الحنيف. وتمكن من القضاء على الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية الرومانية وحرر العباد من ظلم الأكاسره والقياصرة. لقد أصيب الصحابي الكبير سعد بن أبي وقاص بالصدمة من هول المصاب الجلل والخبر المذهل لمقتل الخليفة عمر واسترجع من ذاكرته تلك الأيام المجيدة أياما وليالي معارك القادسية عندما كان سعد قائدا لجيش القادسية بأمر الخليفة عمر واستطاع هذا الجيش العربي المسلم أن ينتصر على الفرس ويحطم دولتهم الظالمة ويحرر العباد والبلاد من ظلمهم وتذكر سعد إحدى رسائل القائد عمر له وهو متوجه بجيشه لحرب الفرس.. يقول له الخليفة عمر: «يا سعد: إن الله ليس بينه وبين أحد نسب إلا الطاعة، فالناس شريفهم ووضيعهم في ذات الله سواء، الله ربهم و هم عباده يتفاضلون بالتقوى ويدركون ما عند الله بالطاعة، فانظر الأمر الذي رأيت النبي عليه فالتزمه فإنه الأمر» انتهى. وسوف نتحدث في عدد قادم بإذن الله عن «معركة القادسية» بقيادة الليث في براثنه خال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سعد بن أبي وقاص الذي قاد جيشه العربي المسلم بتكليف من أمير المؤمنين الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب منطلقا من جزيرة العرب وتمكن سعد وجيشه من تحطيم الإمبراطورية الفارسية. رحمك الله يا سعد فأنت نور خالد في ضمائر وعقول العرب والمسلمين عموما مهما حاول الحاقدون تشويه تاريخك بالدسائس الملفقة،
لأن في أعماق نفوسهم شعورا
بأنهم ينتقمون منك ومن العرب من يوم القادسية



المصدر

مجلة الكويت


 
أعلى