ليس بالحب وحده يحيا الزوجان!!(2)

مقال اجتماعي ساخر

كنت قد حدثتكم في الجزء الأول من هذا المقال أنني قد أرسلت رسالة رقيقة لزوجتي، ونسيت أن أخبركم أن الزوج لا يرسل رسالة رقيقة لزوجته، ولا يقول لها كلاماً لطيفاً إلا في أربع حالات:

أولاً: أن يكون قد تزوج عليها، أو يريد أن يتزوج عليها. ثانياً: أن يكون قد خانها، أو يريد أن يخونها. ثالثاً: أن يكون قد تهرب من واجب يتحتم عليه أداؤه لها، أو يريد أن يتهرب منه (والمثال الواقعي والقريب هو حالتي التي ذكرتها). رابعاً: أن يكون قد اغتصب حقاً من حقوقها لا يستحقه، أو يريد أن يغتصب حقها (كأن يغتصب قطعة الأرض التي ورثتها من أبيها ويسجلها باسمه).

في ساحة معركة أخرى بيني وبين زوجتي، خرجتُ ذات يوم من البيت متوجّهاً إلى قلب العاصمة الخرطوم لإنجاز بعض الأمور، فطلبت مني زوجتي، وأنا عائد إلى البيت، أن أجلب لها كيس بيرقر لنتغدى به، لأنها مشغولة بتنظيف البيت ولا تستطيع الطبخ في هذا اليوم. أثناء تجوالي في الخرطوم، تعثرت قدماي(الشقيّتان) ببائع يفترش كتباً على الأرض.. استوقفتني تلك الكتب فتأملتها.. استهوتني بعضها فاشتريت منها كتابين.. ثم اكتشفت لاحقاً أنني ابتعت الكتب بثمن البيرقر. عندما عدت إلى البيت سألتني زوجتي: وين البيرقر؟ قلت لها: تصدقي ما اشتريت البيرقر.. لكن اشتريت حاجة تانية أغلى وألذّ وأشهى منه.. اشتريت كتب.. شوفي.. كتاب "دع القلق وابدأ الحياة" للكاتب الأمريكي (ديل كارنيجي) ..وكتاب "فن الخطابة" للكاتب نفسه.. رايك شنو؟ ظننت أن زوجتي ستخطف الكتابين من يدي، وتطلب مني أن تقرأ واحداً.. ثم الآخر..لكنها قالت لي باستنكار، وحتى دون أن تنظر للكتب: أقول ليك جيب لينا بيرقر عشان أنا مشغولة بالنضافة وما عندي وقت أطبخ.. تمشي تجيب لينا كتب؟؟!! هسة حنتغدى بي شنو؟! أمشي جيب لينا بيرقر وتعال هسة، لأنو مافي حاجة ناكلها. خرجت من عندها متوجهاً نحو السوبر ماركت وأنا في غاية الأسى والأسف للحال الذي وصل له الكتاب.. فقد صرنا نعيش في زمان صار فيه الكتاب لا يساوي حتى "كيس بيرقر"!!تذكرت قول المتنبئ: أعزّ مكان في الدنى سرج سابح..وخير جليس في الزمان كتاب. قلت بيني وبين نفسي: أين أنت يا متنبئ؟؟تعال شوف صاحبك كيف تدهور حاله..وكيف تردّى وضعه..وأصبح بلا قيمة. لكنني لم أستطع أن أتكلم أو أدافع عن موقفي، نسبة لأن موقفي كان ضعيفاً، وكانت هي في موقف القوة. لأنها قامت بواجباتها الزوجية، وأنا لم أفعل..ويبدو أنني كنت رومانسياً جداً في هذا الموقف..وهي كانت محقة وواقعية.. إذ لا يمكن مثلاً أن نتغدى بكتاب "فن الخطابة"، ولا يعقل أن نأكل كتاب "دع القلق وابدأ الحياة" بعد الغداء، بدلاً من الفواكه.

النتائج والتوصيات التي استنتجتها وتوصلت إليها من البحث والدراسة العميقة في موضوع البحث هذا (ليس بالحب وحده يحيا الزوجان) من خلال تأملي وبحثي في تلكم المعركتين اللتين خضتهما مع زوجتي، ألخّصها لكم أعزائي الأزواج المساكين، ليكفيكم الله شر القتال أيها المؤمنون، لأنكم مهزومون.. مهزومون لا محالة.. فالعاقل من اتعظ بغيره. هذه النتائج والتوصيات هي:

1-لا يكفي أن تهدي زوجتك باقة ورد فقط في عيد زواجكما..لا بد أن تدبّج تلك الباقة بخاتم ذهب، أو (تعزمها) كباب وكفتة في مطعم، على أسوأ الفروض.

2-إذا أصابت خطيبتك الملاريا فلا تحمل لها بوكيه ورد..ماذا يفعل الفل والياسمين مع الملاريا؟؟!! وإن كنت لا محالة فاعلاً، فبالإضافة لبوكيه الورد، عليك ب ( كام فرخة، على كام كيلو لحمة، على كام دستة من الفواكه المتنوعة)..التغذية الجيدة تساهم في الوقاية والشفاء العاجل من الكثير من الأمراض. في هذه الحالة فقط ستيقن هي أنك تحبها الآن أكثر.

3-لا يجدي فتيلاً أن تزور أخ زوجتك المكسورة ساقه وتقول لها تعبيراً عن حبك لها ولأهلها: ألف سلامة لأخيك. لا تفعل ذلك، هداك ورحمك الله..لأن أخاها لن يأكل رومانسية، ولن يتعافى بكلامك المعسول. الترمس يساعد على جبر والتئام كسور العظام سريعاً، وكيس جوافة وبطيخة يسليان النفس، وبعض المال يسدد الديون ويطيب الخاطر.

4-ليس من الحكمة أن تدخل على زوجتك، وقد مضى على زواجكما ثلاثون عاماً، ثم تقول لها: بحبك يا روحي، دون أن تقدم لها شيئاً!! يلزمك أن تحمل معك سلسلة ذهبية، أو على أسوأ الفروض، جلابية، أو علبة سمنة، أو مبيد حشرات، حتى تثبت لها صحة زعمك.

ولكن يبدو أن أيديولوجيتي التي طرحتها، والتي فحواها ومفادها أن الحب المجرد الخالص وحده لا يكفي، وأنه يجب أن يرتكز على بعض الماديات، يبدو أنها لم تأتِ من فراغ، لأن هناك سنداً قوياً يؤيدها ويدعمها، ألا وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "تهادوا تحابوا".

هذا الموضوع الذي طرحناه وتناولناه، يثير تساؤلاً منطقياً ومشروعاً، ألا وهو: لماذا تتغير كمية ودرجة ونوع الرومانسية عند الانتقال من مرحلة الخطوبة إلى مرحلة الزواج؟؟ ولماذا تتغير أيضاً كلما تقدم وامتد عمر الحياة الزوجية؟! ولماذا تتناسب الرومانسية تناسباً عكسياً مع عمر الحياة الزوجية، إلى أن تموت في نهاية المطاف، كما يموت البعير؟!. هذه الأسئلة ستجيب عليها نظرية "ويليام شكسبير" الفلسفية الأيديولجية، ويجيب عليها أيضاً سلوك وتجربة "سيغموند فرويد"، وسنتناول ونحلل عوامل أخرى كثيرة، متعلقة بهذا الشأن، سنميط عنها اللثام في موضوع مرتبط ومتعلق بهذا الموضوع، يمكن أن نسميه: (دورة حياة الرومانسية الزوجية)..أو يمكن أن نسميه: (العلاقة العكسية بين الرومانسية..وعمر الحياة الزوجية)، سنتناوله في الحلقة القادمة بإذن الله..فابقوا معنا.. تسعدني متابعتكم

الكاتب الصحفي/ انور عبد المتعال سر الختم
 
أعلى