عمر بن معاويه
عضو مخضرم
ليس دفاعا عن الخلية.. ولا طعنا بالقضاء !!
قبل الدخول في صُلب الموضوع علينا توضيح الآتي:
1- لا يهدف هذا المقال بأي شكل من الأشكال إلى الطعن أو التشكيك بالقضاء الكويتي الشامخ، فنحن أول من يحترم القضاء ويلتزم بأحكامه.
2- كاتب المقال لم يدرس القانون ورأيه هنا رأي ’’سياسي‘‘ لا قانوني.
3- في حال وجود ’’نقد‘‘ في هذا المقال، فهو موجه للجهات الحكومية العليا، وليس الفريق القضائي ’’التنفيذي‘‘ المكلف بالنظر في القضايا وإصدار الأحكام فيها.
4- كاتب المقال لا يبرر أو يسبغ أي نوع من أنواع الشرعية على أي ممارسة عنيفة أو أعمال تستخدم في الصراعات العنيفة كـ جمع السلاح أو تخزينه والتدريب عليه، فهذا المقال يشرح ويُحلِّل ولا يبرر.
5- لا يهدف المقال بأي شكل من الأشكال إلى إثارة النعرات الطائفية، وأرجو عدم استخدامه لهذا الغرض.
6- المقال طويل جدا!!
تمهيد:
تخضع دول الخليج العربية لحكم المشيخات أو العائلات الحاكمة منذ القدم، وتعتمد هذه العائلات في تماسك حكمها على علاقاتها القبلية والاجتماعية والسياسية والنَسَبية والتحالفية بالقيادات الشعبية بمختلف أنواعها، أيضا تعتمد هذه المشيخات في تدعيم حكمها على تقديم الخدمات والرفاهية الاجتماعية والاقتصادية لشعوبها، ومتى ما تقاعست المشيخة عن القيام بهذا الدور، سيتعرض حكمها للاهتزاز وتدخل البلاد في مراحل عدم الاستقرار.
وبما أن هذه المشيخات ذات طابع عائلي/خدمي، فهي في العادة ليست بحاجة إلى الاعتماد على الأيدلوجيات الفكرية ذات الأبعاد الأممية[1]، وبسبب هذا الفراغ الأيدلوجي في بلاط الحكم، تصبح شعوب هذه البلدان هدفا سهلا لتبني الأيدلوجيات الخارجية، ويتقَولَب زعماء هذه الأيدلوجيات الخارجية بقوالب يغلب عليها الطابع البطولي (السوبرماني) لدى أفراد هذه الشعوب، بل أن ’’سوبرمانية‘‘ هؤلاء الزعماء تتجاوز في كثير من الأحيان بطولات الحاكم المحلي للمشيخة، خصوصا إذا ارتبطت الأيدلوجية الخارجية بأهداف ذات طابع ’’أُممي‘‘ يتجاوز حجم السلطات المشيخية المحلية، وبطبيعة الحال، تتسبب هذه الحالة في تجاذبات تساهم في زعزعة استقرار الحاكم المحلي.
والكويت، البلد المفتوح لتناقل الأفكار والأيدلوجيات الخارجية، تعرضت في العديد من الفترات إلى هذا الصراع المشيَخي/الأيدلوجي، ففي الثلاثينيات من القرن الماضي، آمن نُخبة من أبناء الشعب بأيدلوجية ’’القومية العربية‘‘ والتحرر من القوى الاستعمارية، ففتحوا قنوات الاتصال بحاكم العراق ليساعدهم في الضغط على حاكم الكويت أحمد الجابر، وانتهت هذه المواجهة بتنفيذ حكم الإعدام ببعضهم، وسجن البعض الآخر، وهروب البقية إلى العراق[2].
صورة أنشرها للمرة الأولى وهي وثيقة بريطانية تتعلق بتأييد المرحوم محمد المنيس للعراق ودعوته لإسقاط الحكم في الكويت
وفي الخمسينيات، تكرر المشهد، فالتهبت أفئدة الجماهير المحلية بعشق ’’سوبرمان‘‘ القومية العربية (جمال عبدالناصر)، وتسبب الإيمان المطلق بأهداف هذا البطل الخارجي إلى صدامات متعددة مع السلطة أدى أحدها إلى إغلاق جميع الصحف والمجلات والأندية الثقافية والرياضية المحلية، والزج بالقيادات القومية في السجون، وترحيل المقيمين منهم[3].
حتى الدكتور أحمد الخطيب لم يسلم من الاتهام بالولاء الخارجي، الكاركتير من جريدة الرأي العام
وبعد النكسة في 1967، ووفاة عبدالناصر في 1970، تلقت الأيدلوجية القومية ضربة قاصمة لم تتمكن من النهوض بعدها إلى الأبد، وحلّت محلها الأيدلوجيات الدينية السلفية والإخوانية التي تحالفت (مصلحياً) مع السلطة المشيخية في البلاد، مع الاحتفاظ بمرجعية ’’سوبرماناتها‘‘ الخارجية.
وفي نهاية السبعينيات، لحق أبناء الطائفة الشيعية بركب استيراد الأيدلوجية من خلال الإيمان بالسوبرمان الجديد، الولي الفقيه[4] ’’روح الله الخميني‘‘، قائد الثورة الإيرانية التي أطاحت بالحاكم الإمبراطوري محمد رضا شاه بهلوي.
ومنذ اللحظة الأولى، نشأت علاقة ارتياب وتوجس بين ’’روح الله‘‘ وحكام المشايخ الخليجية، كيف لا وهو يرفع شعار ’’نُصرة الشعوب المستضعفة‘‘، والتي فهمها حُكام الجوار (وهُم محقين بذلك) كـ رغبة جامحة نحو ’’تصدير الثورة‘‘، وهذا ما جعلهم يدعمون الرئيس العراقي (صدام حسين) في حربه التي شنّها ضد إيران، وأدى هذا الدعم إلى المزيد من العداء والمناكفة بينهم وبين الخميني.
وبطبيعة الحال، أصبح شيعة الخليج، وخصوصا المؤمنين بأيدلوجية ’’ولاية الفقيه‘‘ وزعامة روح الله الخميني في مأزق، فهم يؤمنون من ناحية بالمرجعية الدينية والسوبرمانية السياسية للخميني، وفي الوقت نفسه، هم يعيشون في ظل حكومات مشيخية تدفع المليارات لضربه، وهذا ما دفع بعضهم للوقوف علانية ضد حاكمه المشيخي المحلي[5]، وهذا ما جعل هذا الحاكم والفئات الأخرى من الشعب تنظر إلى هذه الفئة بنظرة ’’تخوينية‘‘، فأصبحت العلاقة متوترة بين الطرفين إلى هذا اليوم، رغم اضمحلال هذا التوتر مؤقتا بعد اللحمة الوطنية التي شهدتها مرحلة ما بعد الاحتلال العراقي للكويت.
التغوُّل الإيراني:
شهدت مرحلة ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق (2003) جولة أخرى من تصاعد التوتر الطائفي، وذلك بسبب بُطء الاستيعاب السُني للتَغَوُّل الشيعي المتسارع في المنطقة، فـ إيران أصبحت دولة صانعة للسلاح الصاروخي وأظهرت طموحها الجدي في دخول نادي البلدان النووية، ونفوذها تغلغل في مفاصل الجمهورية العراقية المدافع السابق عن بوابة السُنة الشرقية.
وأصبح صدى الصوت الإيراني (الشيعي) يُسمع بوضوح في لبنان وسوريا واليمن والسودان ونيجيريا والصومال وسريلانكا والهند وباكستان وفلسطين، وأضحت أيدلوجية ’’الولي الفقيه‘‘ المتدثرة برداء دعم الثورات ونُصرة الشعوب المستضعفة تَتَعَملَق أمام تصاغر طموحات المشيخيات الخليجية الفقيرة أيدلوجيا، خاصة مع مزاحمة الأوردغانية التركية بـ أيدلوجيتها الإخوانية لهذه المشيخات في زعامة الجماهير السُنية.
أدى كل ذلك إلى توحد الصوت السياسي الشيعي تحت لواء ’’الولي الفقيه‘‘، بينما تبعثر الصوت السُني بين مشيخات بترودولارية، وأنظمة عسكرية، وإرهاب سلفي ممثَل بداعش والقاعدة، وانتهازية إخوانية بقيادة السلطان أوردغان، ومن هنا بدأت الأصوات السُنية تتعالى بالتحذير والنذير من ’’الهلال الشيعي‘‘ والصفوية الإيرانية المجوسية الرافضية، وعاد الـ لطش التخويني لملاحقة شيعة الخليج كلما أظهر أحدهم تأييده أو تشجيعه أو حماسته أو تبريره أو ارتياحه للنهج الإيراني وتوابعه في العراق ولبنان وسوريا واليمن.
وأمام ذهول الشارع السُني من تحرر الشيعة من عادتهم القديمة في ممارسة ’’التقية السياسية‘‘ ازدادت المشاحنات بين الطرفين، خاصة بعد ظهور أمثلة راديكالية كـ رجل ’’الدين‘‘ الشيعي ياسر الحبيب، الذي لم يترك شتيمة أو لعنة إلا وسددها نحو مقدسات السُنة، بالإضافة إلى مساهمة الانقسامات التي شهدتها ثورات الربيع العربي في تفاقم العدائية الطائفية بين المذهبين، خصوصا فيما حصل في الحالة البحرينية واليمنية والسورية.
قبل الدخول في صُلب الموضوع علينا توضيح الآتي:
1- لا يهدف هذا المقال بأي شكل من الأشكال إلى الطعن أو التشكيك بالقضاء الكويتي الشامخ، فنحن أول من يحترم القضاء ويلتزم بأحكامه.
2- كاتب المقال لم يدرس القانون ورأيه هنا رأي ’’سياسي‘‘ لا قانوني.
3- في حال وجود ’’نقد‘‘ في هذا المقال، فهو موجه للجهات الحكومية العليا، وليس الفريق القضائي ’’التنفيذي‘‘ المكلف بالنظر في القضايا وإصدار الأحكام فيها.
4- كاتب المقال لا يبرر أو يسبغ أي نوع من أنواع الشرعية على أي ممارسة عنيفة أو أعمال تستخدم في الصراعات العنيفة كـ جمع السلاح أو تخزينه والتدريب عليه، فهذا المقال يشرح ويُحلِّل ولا يبرر.
5- لا يهدف المقال بأي شكل من الأشكال إلى إثارة النعرات الطائفية، وأرجو عدم استخدامه لهذا الغرض.
6- المقال طويل جدا!!
تمهيد:
تخضع دول الخليج العربية لحكم المشيخات أو العائلات الحاكمة منذ القدم، وتعتمد هذه العائلات في تماسك حكمها على علاقاتها القبلية والاجتماعية والسياسية والنَسَبية والتحالفية بالقيادات الشعبية بمختلف أنواعها، أيضا تعتمد هذه المشيخات في تدعيم حكمها على تقديم الخدمات والرفاهية الاجتماعية والاقتصادية لشعوبها، ومتى ما تقاعست المشيخة عن القيام بهذا الدور، سيتعرض حكمها للاهتزاز وتدخل البلاد في مراحل عدم الاستقرار.
وبما أن هذه المشيخات ذات طابع عائلي/خدمي، فهي في العادة ليست بحاجة إلى الاعتماد على الأيدلوجيات الفكرية ذات الأبعاد الأممية[1]، وبسبب هذا الفراغ الأيدلوجي في بلاط الحكم، تصبح شعوب هذه البلدان هدفا سهلا لتبني الأيدلوجيات الخارجية، ويتقَولَب زعماء هذه الأيدلوجيات الخارجية بقوالب يغلب عليها الطابع البطولي (السوبرماني) لدى أفراد هذه الشعوب، بل أن ’’سوبرمانية‘‘ هؤلاء الزعماء تتجاوز في كثير من الأحيان بطولات الحاكم المحلي للمشيخة، خصوصا إذا ارتبطت الأيدلوجية الخارجية بأهداف ذات طابع ’’أُممي‘‘ يتجاوز حجم السلطات المشيخية المحلية، وبطبيعة الحال، تتسبب هذه الحالة في تجاذبات تساهم في زعزعة استقرار الحاكم المحلي.
والكويت، البلد المفتوح لتناقل الأفكار والأيدلوجيات الخارجية، تعرضت في العديد من الفترات إلى هذا الصراع المشيَخي/الأيدلوجي، ففي الثلاثينيات من القرن الماضي، آمن نُخبة من أبناء الشعب بأيدلوجية ’’القومية العربية‘‘ والتحرر من القوى الاستعمارية، ففتحوا قنوات الاتصال بحاكم العراق ليساعدهم في الضغط على حاكم الكويت أحمد الجابر، وانتهت هذه المواجهة بتنفيذ حكم الإعدام ببعضهم، وسجن البعض الآخر، وهروب البقية إلى العراق[2].
صورة أنشرها للمرة الأولى وهي وثيقة بريطانية تتعلق بتأييد المرحوم محمد المنيس للعراق ودعوته لإسقاط الحكم في الكويت
وفي الخمسينيات، تكرر المشهد، فالتهبت أفئدة الجماهير المحلية بعشق ’’سوبرمان‘‘ القومية العربية (جمال عبدالناصر)، وتسبب الإيمان المطلق بأهداف هذا البطل الخارجي إلى صدامات متعددة مع السلطة أدى أحدها إلى إغلاق جميع الصحف والمجلات والأندية الثقافية والرياضية المحلية، والزج بالقيادات القومية في السجون، وترحيل المقيمين منهم[3].
حتى الدكتور أحمد الخطيب لم يسلم من الاتهام بالولاء الخارجي، الكاركتير من جريدة الرأي العام
وبعد النكسة في 1967، ووفاة عبدالناصر في 1970، تلقت الأيدلوجية القومية ضربة قاصمة لم تتمكن من النهوض بعدها إلى الأبد، وحلّت محلها الأيدلوجيات الدينية السلفية والإخوانية التي تحالفت (مصلحياً) مع السلطة المشيخية في البلاد، مع الاحتفاظ بمرجعية ’’سوبرماناتها‘‘ الخارجية.
وفي نهاية السبعينيات، لحق أبناء الطائفة الشيعية بركب استيراد الأيدلوجية من خلال الإيمان بالسوبرمان الجديد، الولي الفقيه[4] ’’روح الله الخميني‘‘، قائد الثورة الإيرانية التي أطاحت بالحاكم الإمبراطوري محمد رضا شاه بهلوي.
ومنذ اللحظة الأولى، نشأت علاقة ارتياب وتوجس بين ’’روح الله‘‘ وحكام المشايخ الخليجية، كيف لا وهو يرفع شعار ’’نُصرة الشعوب المستضعفة‘‘، والتي فهمها حُكام الجوار (وهُم محقين بذلك) كـ رغبة جامحة نحو ’’تصدير الثورة‘‘، وهذا ما جعلهم يدعمون الرئيس العراقي (صدام حسين) في حربه التي شنّها ضد إيران، وأدى هذا الدعم إلى المزيد من العداء والمناكفة بينهم وبين الخميني.
وبطبيعة الحال، أصبح شيعة الخليج، وخصوصا المؤمنين بأيدلوجية ’’ولاية الفقيه‘‘ وزعامة روح الله الخميني في مأزق، فهم يؤمنون من ناحية بالمرجعية الدينية والسوبرمانية السياسية للخميني، وفي الوقت نفسه، هم يعيشون في ظل حكومات مشيخية تدفع المليارات لضربه، وهذا ما دفع بعضهم للوقوف علانية ضد حاكمه المشيخي المحلي[5]، وهذا ما جعل هذا الحاكم والفئات الأخرى من الشعب تنظر إلى هذه الفئة بنظرة ’’تخوينية‘‘، فأصبحت العلاقة متوترة بين الطرفين إلى هذا اليوم، رغم اضمحلال هذا التوتر مؤقتا بعد اللحمة الوطنية التي شهدتها مرحلة ما بعد الاحتلال العراقي للكويت.
التغوُّل الإيراني:
شهدت مرحلة ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق (2003) جولة أخرى من تصاعد التوتر الطائفي، وذلك بسبب بُطء الاستيعاب السُني للتَغَوُّل الشيعي المتسارع في المنطقة، فـ إيران أصبحت دولة صانعة للسلاح الصاروخي وأظهرت طموحها الجدي في دخول نادي البلدان النووية، ونفوذها تغلغل في مفاصل الجمهورية العراقية المدافع السابق عن بوابة السُنة الشرقية.
وأصبح صدى الصوت الإيراني (الشيعي) يُسمع بوضوح في لبنان وسوريا واليمن والسودان ونيجيريا والصومال وسريلانكا والهند وباكستان وفلسطين، وأضحت أيدلوجية ’’الولي الفقيه‘‘ المتدثرة برداء دعم الثورات ونُصرة الشعوب المستضعفة تَتَعَملَق أمام تصاغر طموحات المشيخيات الخليجية الفقيرة أيدلوجيا، خاصة مع مزاحمة الأوردغانية التركية بـ أيدلوجيتها الإخوانية لهذه المشيخات في زعامة الجماهير السُنية.
أدى كل ذلك إلى توحد الصوت السياسي الشيعي تحت لواء ’’الولي الفقيه‘‘، بينما تبعثر الصوت السُني بين مشيخات بترودولارية، وأنظمة عسكرية، وإرهاب سلفي ممثَل بداعش والقاعدة، وانتهازية إخوانية بقيادة السلطان أوردغان، ومن هنا بدأت الأصوات السُنية تتعالى بالتحذير والنذير من ’’الهلال الشيعي‘‘ والصفوية الإيرانية المجوسية الرافضية، وعاد الـ لطش التخويني لملاحقة شيعة الخليج كلما أظهر أحدهم تأييده أو تشجيعه أو حماسته أو تبريره أو ارتياحه للنهج الإيراني وتوابعه في العراق ولبنان وسوريا واليمن.
وأمام ذهول الشارع السُني من تحرر الشيعة من عادتهم القديمة في ممارسة ’’التقية السياسية‘‘ ازدادت المشاحنات بين الطرفين، خاصة بعد ظهور أمثلة راديكالية كـ رجل ’’الدين‘‘ الشيعي ياسر الحبيب، الذي لم يترك شتيمة أو لعنة إلا وسددها نحو مقدسات السُنة، بالإضافة إلى مساهمة الانقسامات التي شهدتها ثورات الربيع العربي في تفاقم العدائية الطائفية بين المذهبين، خصوصا فيما حصل في الحالة البحرينية واليمنية والسورية.