أروع كتاب قرأته في حياتي (2)

إذا كنت تظنّ أنك قرأت أجمل وأروع الكتب في مجال العلوم الإنسانية ولم تقرأ هذا الكتاب، فاسمح لي بأن أقول لك أن متعتك في القراءة ناقصة، حتى تقتني هذا الكتاب وتقرأه. وأن كنت تحسب نفسك في زمرة المثقفين ولم تقرأ هذا الكتاب، فاعذرني إذا قلت لك إن ثقافتك لم تكتمل بعد. وإن كنت تعتقد أن مكتبتك الثقافية تضم وتحوى كتباً قيّمة من الوزن الثقيل، ولا تضم هذا الكتاب بين أرففها، فأقول لك إن مكتبتك تفتقر إذن إلى كتاب من الوزن الثقيل، وتحتاج إلى جوهرة ودرّة تزينها.. ألا وهي هذا الكتاب المميز.

هو باختصار أجمل كتاب قرأته في حياتي على الإطلاق، في مجال العلوم الإنسانية، ولا أكون مغالياً إن قلت أنني لن أقرأ أجمل ولا أشمل ولا أروع ولا أكثر ثقافة منه. هو كتاب مميز بكل المقاييس. عندما قرأت عنوان الكتاب لأول وهلة، احتقرته ونظرت له نظرة دونية.. لكنني عندما قرأته وجدته يتناول ويعالج الكثير من المشاكل، ويطرح الحلول لها بطريقة مدهشة ومثيرة، واكتشفت أن عنوان الكتاب لم يكن ملائماً، أو بصورة أدقّ، لم يصف بصورة دقيقة وواضحة محتوى الكتاب الدسم الرائع. هذا الكتاب هو كتاب: "دع القلق وابدأ الحياة" للمؤلف الأمريكي "ديل كارنيجي" ولكي أؤكد لك – عزيزي القارئ - صحة زعمي، دعني استصحبك في تطواف سريع ونزهة قصيرة في روضة هذا الكتاب الغنّاء.

يتحدث الكاتب الرائع "ديل كارنيجي" في جانب من هذا الكتاب عن قصة فتاة شقية، الجأت عددا كبيراً من الرجال إلى التقدم لطلب يدها! وقد أصبحت هذه الفتاة اليوم جدّة. يقول كارنيجي: كنت مدعواً لإلقاء محاضرة في البلدة التي تعيش فيها، وفي الصباح التالي حملتني بسيارتها لأدرك القطار.. وفي خلال تلك الرحلة دار بيننا الحديث عن اكتساب الأصدقاء، فقالت لي: " أودّ يا مستر كارنيجي أن أفضي إليك بشيء لم أفضِ به إلى سواك.. لقد نشأتُ في عائلة تعاني من الفقر المدقع..كانت مأساة صباي وشبابي هي الفقر الذي يخيم علينا. فما كان يسعني أن أرفّه عن نفسي كما تفعل لدّاتي.. ولم تكن ثيابي قط من القماش الجديد، ولا كانت تساير الموضة الشائعة.. ومن هنا ضُربتْ عليّ الذلة، وتملكني الخجل، حتى أنني كنت أدع دموعي تسيل كلما أويت إلى فراشي. وأخيراً وفي غمرة يأسي خطر لي أن أدأب على سؤال أي شخص -تضمني وإياه مائدة واحدة- عن نفسه وعن تجاربه وآرائه ومشروعاته في المستقبل، وما كنت أبغي من وراء هذه الأسئلة إبداء الاهتمام بمحدثي، وإنما أردت أن أحول بينه وبين التفرس في ثيابي المتواضعة! ثم حدث شيء عجيب: فإنني لطول ما استمعت إلى أقوال محدثيّ الكثيرين، اعتدت الاهتمام بما يقولون، فكنت أنسى نفسي وثيابي المتواضعة. وأعجب العجب هو أنه اشتهر عني أنني مستمعة طيبة أشجع محدثيّ على الحديث عن أنفسهم لأمتعهم بالسعادة، ومن ثم أصبحت أشهر فتاة في المحيط الذي أعيش فيه، وتهافت الشبان على طلب يدي. هل سمعتنّ أيتها الفتيات؟! تلك طريقة ناجحة لاصطياد الأزواج فعليكنّ بتجربتها.

في جزء آخر من الكتاب بعنوان " اصنع من الليمون المالح شراباً حلواً" يقول الرائع "كارنيجي": سألت مدير جامعة شيكاغو كيف يتجنب القلق، فقال لي: عندما تجد لديك ليمونة، اصنع منها شراباً حلواً. هذا ما يفعله الرجل العاقل، أما الأحمق فيفعل العكس، فإذا وهبته المقادير ليمونة مالحة تقاعس وتخاذل، وتسخط على الناس والأقدار. وحكى كارنيجي قصة رائعة لرجل رائع قام بتحويل الليمونة الحامضة، بل والمسمومة، إلى عصير حلو. يقول: زرت مزارعاً سعيداً في مزرعته، التي اشتراها قبل أن يراها، ثم رُوّع حين اكتشف بعد ذلك أن تربتها مجدبة قاحلة لا تصلح للزراعة ولا للرعي! فكل ما ينمو فيها ليس سوى أعشاب فطرية تقتات بها الحيّات السامة التي ألفاها منتشرة على أرضه! وفجأة خطرت للرجل فكرة رآها وسيلة لتحويل "السالب إلى موجب"، فبدأ يتعهد تربية الحيات السامة المنتشرة في مزرعته! وتقاطرت أفواج السائحين على لتشاهد أول مزرعة من نوعها في العالم: مزرعة تربية الحيّات!! ونجح الرجل في عمله نجاحاً باهراً، وكسب ثروة طائلة من استخلاص سموم حيّاته وتصديرها للمعامل كي تستخرج منها الأمصال المضادة لسموم الحيات، ومن بيع جلود ولحوم حيّاته وتصديرها إلى جميع أنحاء العالم.

وأيضاً في باب آخر من هذا الكتاب المدهش بعنوان "وضع حد أقصى للقلق يخلصك من مشاكله" حكى كارنيجي قصة مليئة بالعِبَر، وممتعة ومضحكة في ذات الوقت. يقول: رغبت عمتي في شراء بعض الستائر تزيّن بها بيتها الريفي البسيط، على حساب بنك التسليف.. ولما كان زوجها مثقلاً بالديون، ويرزح تحت اعبائها، فقد أوعز إلى مدير البنك من طرف خفي بأن يكفّ عن إقراض زوجته ثمن الستائر. وقد وقفت عمتي يوماً على هذا السر، فنطحت الجدار برأسها، وظلت تنطح الجدار كلما تذكرته، حتى بعد خمسين عاماً. وقد روت لي عمتي هذا القصة مرات عدة، فقلت لها: صحيح يا عمتي أن زوجك قد أساء اليك بهذا التصرف، ولكن الا تشعرين أن شكواك من إساءته لك مدى خمسين عاماً أمر أكثر من الإساءة نفسها؟! ولقد دفعت عمتي ثمناً فادحاً لحقدها ومقتها، دفعت الثمن من صحتها وسعادتها. انتهى كلام الكاتب كارنيجي.

ألم أقل لكم إنه كتاب رائع ومدهش.. وبالمناسبة أنا لم أسرد لكم كل القصص التي يحتويها الكتاب.. فالكتاب يحتوى على عشرات القصص المماثلة المليئة بالعبر والحكم والمتعة. بل وربما كانت القصص التي سردتها أقل حكمة ومتعة من القصص التي لم أنقلها. ولقد وددت وهممت أن أسرد لكم قصصاً أخرى منه، لكنني آثرت ألّا أفعل.. فنقل محتويات الكتاب بشكل مختزل يفرغ الكتاب من محتواه ومضمونه ومادته الممتعة والمفيدة، ويفسد جانب الإثارة والتشويق في الكتاب، ويثبط همة وعزيمة القارئ الكسول عن قراءة الكتب. فالقارئ العاقل تكفيه الإشارة.

أتمنى لكم قراءة ممتعة ومفيدة مع صفحات هذا الكتاب، وأنا واثق كل الثقة من أنكم أيضاً ستشعرون بالأسى والأسف عندما تتناقص صفحات الكتاب وأنتم تقرأونه وتكادون تفرغون من قراءته. وبهذه المناسبة أقول أنني قد بدأت مجدداً في قراءة هذا الكتاب للمرة الثانية..

قراءة طيبة وممتعة ومفيدة أتمناها لكم مع هذا الكتاب الاستثنائي المدهش.

الكاتب الصحفي / أنور عبد المتعال سر الختم
 
أعلى