العلاقة العكسية بين الرومانسية.. وبين عمر الحياة الزوجية!!(2)

زعم، أو بالأحرى، جزم الشاعر نزار قباني أنه ليست ثمّة منطقة وسطى في الحب.. وذلك عندما خيّر محبوبته بين خيارين لا ثالث لهما، وطلب منها أن تختار: إما الحب.. أو اللاحب. لكن العالم والباحث في علم النفس، الأمريكي "روبرت ستيرنبيرغ" فنّد مزاعم الشاعر قباني، وذلك عندما أثبت أن ثمة ستَّ مناطق توجد بين الحب.. وبين اللاحب، أي أن هناك ثماني درجات للحب، تتفاوت وتتباين حسب نوع العلاقة، وحسب نوع الجنس البشري الذي يشكل العلاقة، وحسب تغير الظروف والمشاعر أيضاً، وذلك من خلال نظريته العلمية التي صاغها ببراعة ودقة وجدارة وامتياز، ألا وهي نظريه مثلث الحب " Triangular theory of love "
من المعلوم والشائع أن نتائج أبحاث العلوم الانسانية (العلوم الانسانية مثل الاقتصاد والفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع والعلوم السياسية وغيرها) تكون فضفاضة ومطاطة وغير دقيقة، بينما نتائج العلوم التطبيقية( العلوم التطبيقية مثل الرياضيات والفيزياء والكيمياء وغيرها) تكون دقيقة ومحددة. لكن العالم والباحث "ستيرنبيرغ" الذي صاغ نظرية "مثلث الحب" قلب هذه القاعدة رأساً على عقب، وأثبت أن العلوم الانسانية أيضاً يمكن أن تكون دقيقة النتائج بدرجة ونسبة كبيرة!! وهذا أمر مدهش، يكشف عن مدى جمال هذه النظرية، وفائدتها للبشر في علاقاتهم الاجتماعية والانسانية مع بعضهم البعض.
ومن جمال وروعة نظرية "مثلث الحب" أيضاً، هو أنها تصلح لأن تكون مقياساً دقيقاً لكل علاقات الحب بمسمياتها المختلفة (علاقة الحب بين الشاب والشابة، بين الخطيب وخطيبته، بين الزوج وزوجته، بين الصديق وصديقه، بين الصديقة وصديقتها، بين الأخ وأخيه)، ويمكن أن يستخدمها أي شخص – بكل سهولة - ليعرف ويقرر مدى مصداقية الطرف الآخر الذي يزعم ويدعي أنه يكنّ له الحب. والحب الكامل، وهو أعلى مراتب ومناطق الحب، حسب نظرية "مثلث الحب" يجب أن تتوفر وتكتمل فيه ثلاثة عناصر: العنصر الأول من المثلث هو: الحميمية، والعنصر الثاني هو: العشق، والعنصر الثالث هو: الالتزام. نضرب مثالاً على استخدام هذه النظرية كمقياس لمعرفة مصداقية الطرف الأول في ادعائه وزعمه الحب للطرف الآخر. إذا رأى شابٌ فتاةً جميلة في مناسبة مثلاً لأول مرة، وذهب إليها وقال لها: أنا أحببتك من أول نظرة، فعلى هذه الشابة أن تضحك ملء شدقيها وتقول له مباشرة: أنت إما كاذب، أو ساذج وجاهل.. ويبدو أنك لم تسمع بنظرية مثلث الحب. ليس ثمة ما يسمى بالحب من أول نظرة.. فالحب الكامل يجب أن تتوفر فيه ثلاثة شروط، وما تزعمه أنت الآن تحقق فيه شرط واحد فقط هو شرط العشق، مع غياب شرطين أساسيين، وهما الحميمية، والالتزام. ويجب أن تنسحب الفتاة من أمامه مباشرة، لأن هذا الصنف من الرجال إما أنه ذئب بشري، أو أنه ساذج وسطحي. مثال آخر: إذا أراد شاب أن يتقدم لخطبة فتاة يعرفها وتعرفه (بسبب قرابة أو جوار أو زمالة، لكنها علاقة سطحية، لأنه لم تكن هناك علاقة وتعامل بينهما)، وفاتحها في الموضوع، وقال لها أنه يحبها، وأنه يتمنى أن يتزوجها، وأنه يعدُها بأنهما (سيعيشان في تبات ونبات.. ويخلفان صبياناً وبنات) وأنه يلتزم بأن يعيش معها مدى الحياة، ويلتزم بأن يسكنها في بيت منفصل، ويلتزم بأن ينفق عليها إنفاق من لا يخشى الفقر. فعلى هذه الفتاة أن تقول لهذا الشاب بسرعة وسهولة: معليش.. أنا آسفة.. لأنك كذبت علي من أول وهلة.. ومن يكذب مرة..يكذب مراراً. كذبت علي لأنك قلت إنك تحبني.. وما صرّحت به ليس حباً.. فبحسب نظرية مثلث الحب أنت حققت شرطين فقط: شرط العشق(إنجاب الاطفال)، وشرط الالتزام (الاستقرار والوفاء والنفقة والسكن)، لكن هناك شرط ثالث لم يتحقق في العلاقة، ألا وهو شرط الحميمية (تبادل المشاعر، وبث الهموم، والبوح بالمشاكل، والإلفة،...) ويجب أن تقول له في نهاية المطاف: أنت مرفوض(طبعاً هذا من الناحية النظرية فقط، لكن من الناحية العملية لا أظنها ستفعل، لأن عريس "لقطة" مثل هذا لا يمكن أن يُرفَض. ولو كانت هذه البنت هي أختك الصغرى وقلت لها هذا الرأي ستقول لك: بلا مثلث حب، بلا مثلث برمودا.. حأتزوجه يعني حأتزوجه، حتى لو اتحقق شرط الإلتزام بس.. حأتزوجه). مثال آخر: إذا كانت هناك علاقة صداقة متينة بين صديقين، لكن أحد الصديقين لم يعد يهتم بصديقه كما كان في السابق.. مرِض فلم يعده ولم يتصل به، لكنه ساهم معه في نفقات العلاج بواسطة تحويل بنكي.. مات أحد أقاربه فلم يُعزّه، لكنه ساهم معه في تكاليف العزاء مواسياً. تزوج أخوه فلم يحضر ولم يبارك.. لكنه أرسل له مع أحد الأصدقاء مبلغاً من المال كمساهمة. حدث هذا الأمر مراراً وتكراراً، مع عدم وجود عذر ومبرر لهذه القطيعة وهذه الجفوة. هنا – والحال هذه- تكون هذه العلاقة قد فقدت عنصراً أساسياً من عناصر الحب الرفاقي. فالحب الرفاقي له شرطان: الحميمية، والالتزام، وهنا تحقق الإلتزام وغابت الحميمية، وبالتالي تكون هذه العلاقة قد أُفرغت من محتواها ومضمونها، وفقدت صفة الحب الرفاقي. وهنا يمكن لهذا الشخص المهجور أن يأخذ بنصيحة الإمام الشافعي، ولا حرج عليه أمام صديقه الهاجر، والتي تقول: إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفا.. فدعه ولا تكثر عليه التأسفا. أو يمكن أن يعمل بنصيحة أحلام مستغانمي التي تقول: من تنازل عنكم دقيقة، تنازلوا عنه إلى الأبد.. فالذي يقبل بدقيقة يقبل بأكثر.
في الجزء الثاني من هذا الموضوع ننشر لكم نظرية مثلث الحب بكل تفاصيلها، ونكمل لكم التحليل الخاص بنا عن هذه النظرية الرائعة.
تسعدني متابعتكم
الكاتب الصحفي / أنور عبد المتعال
 
أعلى