زوجة الباشا :القسم الأول:قصة بقلم ناجى عبدالسلام السنباطى

* ملاحظات حول قصة زوجة الباشا
****************************
*بدأت الفكرة بحكاية سريعةحكاها لى خالى المغفور له بإذن الله الأستاذ انور ابراهيم السنباطى وكيل وزارة التموين بمحافظة دمياط فى حينه عن حكاية واقعية حدثت....وقمت بصياغتها فى شكل قصة أدبية طويلة عن حكاية الواقع البسيطة
* و عندما اصدرت مجموعتى القصصية فى الكويت فى أغسطس عام 81 على ما أتذكر كانت تشكل عامود الخيمة للمجموعة القصصية
*نظام القضاء الشرعى كان موجودا قبل ثورة يوليو 52 والغى بعد الثورة
*جميع الاسماء الواردة بالقصة هى نفسها الموجودة فى الكتاب المنشور 81 وكلها اسماء قصصية وليست من الواقع
*جميع المهن الواردة بالقصة لها احترامها وتقديرها حتى الان....وكل مجتمع به الصالح والطالح والخير والشرير ونحن نعرض لنماذج فاسدة ولانعمم وكل مهنة بها الكثير من الصالحين والقليل من الفاسدين ولانقيس الغريب الطباع على عموم الشرفاء فى كل المهن
*سوف انشر القصة بالتتابع حتى لاأرهق القارىء
*وفى نهايةالامر هى مجرد قصة ويبقى مانأخذه منها من عظة حتى لانضيع فى مسالك الحياة

*ثلاثة عناوين لقصة واحدة
**********************.
*زوجة الباشا
***********
*عقاب الله
**********
*الإرث الدامى
**********
*بقلم ناجى عبدالسلام السنباطى
*القسم الأول
*************************
*إستيقظ احمد باشاالخميسى..من نومه مبكرا ونادى على خادم المنزل بأعلى صوته...فلم يسمعه الأخير.فكرر النداء....حتى سمع طرقا على الباب فأذن بالدخول...وإذا به يفاجأ بالخادمة(منيرة)...مد يديه...يطرد النوم من عينيه....وسألها بلهجة جافة...فينك يامنيرة...لقد بح صوتى من كثرة النداء عليكى...ولاأحد يرد
*قالت آسفة ياسيدى...كنت مشغولة مع سيد وهو يحلب البهائم
*رد قائلا بسيطة...إحضرى العباءة الصوف..ونادى على مبروك...ليجهز الفرسة(مرجانة)...لأذهب فى جولة حول الحقل
*حاضر ياسيدى
*خرجت منيرة من حجرة نوم سيدها...وهى تبحث عن العباءة...كانت موجودة على الأريكة الكبيرة فى المضيفة...إنها متأكدة من ذلك....لقد رأتها بعينيها وهى تنظف الحجرة الكبيرة(المضيفة)
*تعودت منيرة ان تبحث عن هذه العباءة وعن أشياء سيدها منذ ماتت السيدة الكبيرة...حيث ينسى حاجاته...وينادى على كل من فى المنزل ليلبى طلبه
*بحثت منيرة عن العباءة فوجتها معلقة على الشماعة فى حجرة السيدة الكبيرة..رغم أنها متأكدة أنها كانت على الأريكة...لابد أن أحدا ما نقلها..
* كان عقلها يبحث هو الآخر عن إجابات عديدة....لاتجد لها إجابة....عن الحب الكبير...الذى الذى يكنه أحمد باشا لزوجته وعن وفائه النادر لها...فهاهو يزور حجرتها كل يوم...كما لو كانت على قيد الحياة...زيارة عاشق أضناه الحنين والحب ويضع المحاذير والأوامر على من يدخل حجرتها...وهاهو ينسى الأشياء الخاصة به..فيضع عباءته فى حجرة الضيوف ثم ينساها ثم يتذكرها فيأخذها إلى معبده...ويعلقها على الشماعة فى حجرة زوجته (علية هانم) كما كانت تفعل مع ملابسه دائما.
*كانت منيرة تراه دائما على هذه الحالة منذ ماتت (علية هانم)...تراه عابدا فى معبد الحب....راهب متصوف...ترك القاهرة نهائيا...وجلس فى عزبته...ولايتذكر المدينة إلا فى زيارة خاطفة لمقابلة أحد الكبار أو لرؤية أولاده...إسماعيل بك وحازم بك ونجوى هانم....حتى عضويته فى الحزب أهملها بعد أن كان هو قطبه وعموده الفقرى...وإحترم الأعضاء فيه حزنه ووفائه فتركوه على ماقرر وعلى مايبغى...إلا أنهم فى نهاية الأمر..إضطروا إلى تجميد عضويته....لكنهم لم يفصلوه...لسابق عطائه ونشاطه فى المجال الحزبى....ورغم أنه بعد عنهم بجسده وبقلبه..إلا أنه كان مع حزبه ومع رجاله بعقله وبروحه... فهو تاريخه وعمره الذى قضاه فيه.
*كانت الأفكار تدور فى عقل منيرة كعادتها دائما..وكما دارت وهى تحمل العباءة إلى سيدها....وكانت بحكم وجودها فى دار الباشا....وبحكم قيامها بتقديم الخدمات والمشروبات ....على علم بكل تفاصيل النشاطات الحزبية....وهى التى لم تحصل إلا على مبادىء القراءة والكتابة...إلا أن المثل يقول من (جاور الحداد ينكوى بناره)....وقد جاورت منيرة الحداد وأى حداد...فتعلمت المهنة والأصول كلها....حتى صارت مع مرور الوقت...ضليعة...فى كل أمور المنزل والضيافة والثقافة والسياسة....وكانت الصحف متوفرة بشكل دائم...وكانت لها فى أوقات فراغها نعم الصديق...وخطوة خطوة..إكتمل وعيها بكل الأفكار والثقافات....وهى مجرد خادمة....كانت ترى تناطح الكبار وصراعاتهم....وسقوط حزب وصعود آخر..وتولى حكومة للحزب...وتولى المعارضة الحكومة... كل دنياالسياسة تدور حولها وتدور معها وعلى وعى بالكواليس حيث تدار المكائد.
*حملت منيرة العباءة وحمل عقلها آلاف الأفكار وتواردت كالشلال....وهى فى طريقها إلى سيدها.... فهى ترى بعينيها وفاء الباشا لزوجته وترى على الجانب المقابل عذابها الذى تحملته عشرين سنة مع زوجة أبيها....حتى إضطرت إلى ترك المنزل والعمل خادمة فى منزل أحمد باشا... وهاهى قد بلغت من العمرالثلاثين ....تعدهم وتحسبهم سنة بسنة ...وشهرا بشهر....ويوما بيوم...ودقيقة بدقيقة....لقدبلغت هذا العمر....ولم تتزوج بعد....رغم جمالها الخلاب الذى تصارع من أجله الكثيرون.
*شغلها قتامة الحزن بعيدا عن أسرتها وفى أحضان زوجة أب قاسية وأب ليس له إلا أن يطيع الأوامر المنزلية... ومن ناحية أخرى ....ضنك العيش.... وهو ما أوصلها للعمل كخادمة لتتخلص من قسوة زوجة أبيها ولتوفر لها ولوالدها بعض من المال .فهو فى الأول وفى الآخر والدها ورعايته واجبة .
* إستمر الحزن معها حتى وهى تعمل فى بيت الباشا فهى بعيدة عن أسرتها.... وحاولت أن تنسى بعملها الجاد والمخلص....فنست نفسها...ونست حقوقها كإمرأة من زواج ومن ذرية.
*أفاقت منيرة على صوت سيدها....أين العباءة...أريد أن أمر على الأرض فلم أقم بجولتى منذ مدة وقد إشتقت إليها !!
*عاد عقلها الشارد من رحلته....فتقدمت بالعباءة نحو سيدها وألبسته إياها.
*قال لها وهو يهندم ملابسه وينسق مابين الجلباب السفلى والعباءة التى تعلوه....شكرا منيرة...حضرى (الفطار) حتى أعود...قالها وهو يهم بالخروج ولم يكن من رد سوى......حاضر ياسيدى.
*خرج أحمد باشا....من باب المنزل... وتمشى تحت تكعيبة العنب الطويلة....وتذكر زوجته....فلطالما....جلست معه تحت هذه التكعيبة...يتسامران ويتضاحكان....ويتذكران الأيام الخوالى....يالها من أيام فرح وسرور....قالها أحمد باشا مخاطبا نفسه....وتنهد تنهيدة طويلة....تنفس فيها كل الهواء....شهيقا.....وأطلق فيها كل الهواء.....زفيرا.... وتحدث ملاكه الداخلى....أنت الذى تجلس نفسك فى هذه القوقعة
*ماذا أفعل؟!
*عليك بالزواج!!
*الزواج!!.... أأتزوج بعد هذا العمر؟! ولدى من الأولاد والأحفاد....الكثير!!
*يارجل لم تكبر بعد
*لقد أشرفت على الستين
*ولكن قلبك إبن العشرين
*لكن عليه هانم.....لقد وعدتها
*لكن عليه هانم.......ماتت....وأنت لم ترتكب فى حقها وزرا
*لقد وعدتها!!!!ّ
*والوعد من شيم الكرام.....وقد وفيت بالوعد....وكنت رجلا...فلم تعاشر النساء حراما....وكانت الحفلات أمامك مرتعا
*كنت أخاف الله....
*وكنت على الذكرى أيضا .... قائما
*معك حق....كان خوف الله ...وكانت الذكرى
*وإحترم الجميع....موقفك....حتى الحزب
* نعم حتى الحزب....قدروا موقفى
*إذن أكرر القول ....أخاطبك .....عليك بالزواج
*دعنى أفكر!!!!!!!!!!!
*إمتطى أحمد باشا الفرسة (مرجانة) بعد أن إستند على (مبروك)....سائس الخيول ....وإستعد....للإنطلاق...ورمى حواره السالف جانبا...ولما هم بالمغادرة....أتت منيرة مسرعة.... منديلك ياسيدى....لقد نسيته....ومد يده وأخذ منها المنديل!!
*المنديل المعطر كعادته فى تجواله...ولم ينسه الشيطان وإنما التفكير....ومالبث أن لكز المهرة...سعيدا بوجود خادمة مثل منيرة لاتنسى عاداته وحاجاته.
*إنطلقت (مرجانة)... وهى ترقص فى مشيتها....سالكة طريقها الذى تعرفه تماما....وعاد ملاكه مع نسمات الهواء العليل الذى يحتك مع أوراق الشجر فيحدث حفيفا محملا بأريج عطور أشجار الفواكه المختلفة....عاد ملاكه لينعش ذاكرته ويواصل ما إنقطع من حديث.
*طيب وماذا عن الزوجة؟!....أننى أريدها....زوجة وقورة....ست بيت
*قال ملاكه إبحث ستجد
* ومن ترحب بى وقد بلغت من العمر مابلغت!!
*لكنك غنى
*إذن من ستتزوجنى....ستبحث عن مالى
*وماذا فى ذلك؟!
*أنت تعطيها المال....وهى تعطيك شبابها
*
*جميل....جميل جدا....!!!!
*قهقه الباشا وأسرع بفرسه قليلا....وهو يدير عينيه فى أنحاء الأرض الممتدة بلا نهاية.... وهو يرى المثمر منها والنابت والمروى والمحروق والجاف.....والجميع يعملون.... يزرعون ويقلعون ويحصدون ويخزنون من الإنتاج مايمكن تخزينه ويبيعون مالا يمكن تخزينه... والحياة تسير مثل هذا الزرع تماما.
*كانت العينان...تبحثان فى الأرض وتقارنها بالحياة.....وكان الفم يرسم ضحكة طويلة لم ترسم على وجهه الدائم التجهم منذ مدة طويلة........لأول مرة يضحك...منذ توفيت زوجته.....لقد حرم نفسه من كل شىء....شرب....حفلات ....إجتماعات....حتى الضحكة نفسها....حرمها على نفسه.... وهاهو اليوم يضحك....أيضحك من الدنيا....أم من نفسه....أم من حواره الداخلى الذى ماينقطع إلا برهة ليعود من جديد... ومن جديد تكررت ضحكته وقال لفرسته هيا يامرجانة نعود!!!!!!!!!
*فى طريق العودة....رجع لمحاورة نفسه.... إن شاء الله سأذهب إلى صديقى (على) باشا....وأشركه فى أمرى لعله يجد حلا لى ....أسرع الباشا بقرسه فى رحلة العودة بعد أن شم هواء الصباح المعطر وبعد أن أيقظت الجولة فى نفسه أحاسيس ماتت منذ ماتت زوجته.
*عرج أحمد باشا على إسطبل الخيل....فعهد بمرجانة لمبروك....وتفقد أحوال الخيل.....وسأل عن الحامل والمريضة...ثم واصل مسيرته على قدميه إلى المنزل.
*قابلته منيرة فأخذت العباءة عنه
*سألها.........الفطور جاهز يامنيرة؟!
*جاهز ياسيدى
*رد قائلا ... على بركة الله
*جلس إلى المائدة...فأكل مالذ وماطاب من بيض مقلى بالسمنة البلدى وفطير مشلتت وجبنة قديمة وعسل نحل ..وأكمل بكوب من الحليب....وجبة كاملة أكلها لأول مرة وبنهم وبشهية مفتوحة...ثم قام بعد أن حمد الله على النعمة....... ونادى على منيرة لتحمل ماتبقى...وأبلغها أنه ذاهب إلى صديقه على باشا فى عزبته الخاصة.
*رد منيرة على بركة الله*
يتبع القسم الثانى
****************************
 
أعلى