المصافحة .. ذهنية جنسية أم خوف من نجاسة المرأة؟

المصافحة .. ذهنية جنسية أم خوف من نجاسة المرأة؟

أجمل ما اكتشفته العلاقات الاجتماعية على مدىَ العصور هي المصافحة باليد، وقدرتها العجيبة على إذابة أي مشاعر سلبية مُسبقة، أو على الأقل تهدئتها.
قضينا حياتنا نمدّ أيدينا للصغير والكبير، للمرأة والرجل، حتى الحيوان الأليف يحب أن تربت عليه كبديل للمصافحة فيقترب منك أكثر.

في الدينا كلها أصبحت المصافحة باليد تحمل معها الشكر والعرفان والرغبة في التعرف ونقل التحية والسلام، فإذا لازمتها نظرات، ورؤية كل واحد لوجه الآخر، التقط الذهن فوراً رسالة الودّ، أو على الأقل الاستعداد لها.

حتى جاء المهووسون الجدد، فبحثوا، ونقــَّـبوا في كتب ماتت فبعثوها من مرقدها، ليكتشفوا أننا خطــَّـاؤن، وجنسيون، ومتحرشون، ومتلذذون بالمصافحة حتى لو كانت بين امرأة عجوز وشاب غريب في عمر أحفادها.

جاء المهووسون الجُدد ليفسروا الحياة كلها تفسيرا جنسيا، فالنظرة والوجه والابتسامة والمصافحة والصوت والغناء والإنترنيت والفن السابع كلها جــِـماع في صور مختلفة، شديدة أو خفيفة، عميقة أو سطحية.
ونجحوا نجاحا باهراً، وأصبح الإنسان، رجلا كان أو امرأة، ابن عم كان أو ابنة خال، يتردد سبعين مرة قبل أن يهم بمد يده البريئة، فالمجتمع كله أحنىَ رأسه، وخضع للتفسير الجديد لجماعات التديــُّـن الجنسي، وتراكمت الكتابات، وأصبح الاتهام جاهزاً: أتريد أن يلقي الله بك في نار جهنم وأنت تلمس جسد امرأة غريبة عنك؟

والمسلم الحديث يخجل، وينظر إلى الأرض، ويعتذر، فالإسلاميون الجدد لديهم التفسير الشبــَـقي والجنسي لكل حركة وهمسة ولمسة، أما هُم فلا بأس في أحلام اليقظة بفحولة مئة حصان بين أحضان ثلاث وسبعين من الحور العين.
أنا أصافح المرأة الغريبة، وأبتسم في وجهها، وأقرأ تعابيره، ولم أشعر في يوم من23952 الأيام بأن التعارف الصحي والجميل أو حتى الشكر تستتبعه شهوة تسري في الجسد كله.عندما يحكي لي أب أن ابنته المنقبة رفضت مصافحة عمها، أي شقيقه الأكبر، فأحرجته حرجاً كبيراً، رغم أن العم ساهم في تربيتها، فهنا يصبح المرض واضحاً، فالابنة الحمقاء نموذج يتكرر في كل مكان بعدما جعل الجنسيون الجدد الرجل شيطانا، ولعلنا نعرف حكاية الابنة التي عانقت والدها في المطار بعد غياب سنوات، فانقلبت دنيا المهووسين وكادوا بفتكون بالأب المسكين.

إنهم قادرون على استدعاء آلاف الحكايات وكأن الله تعالى خلق جحيم الآخرة للمصافحين فقط.

محمد عبد المجيد

عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
طائر الشمال

اوسلو النرويج
 
أعلى