دقاتُ قلبــِـكَ ورنينُ الهاتفِ!

دقاتُ قلبــِـكَ ورنينُ الهاتفِ!

المغترب أو المهاجر يتعامل مع الهاتف على أنه حامل الأخبار السيئة حتى لو كانت الأخبار السعيدة التي يـُـوْصلها عبر الأثير هي الغالبة.
ولرنين التليفون الخارجي دقات كقلب المرء التعيس ولو كان يحمل لك نبأ نجاح أو زواج أحد أحبابك أو قدوم طفل من دفء بطن أمه أو ربــْـح قضية، لكن يظل انتظار الخبر السيء يحمل بصمات الهاتف ولو قبل الرنات المفزعة بيوم أو بشهر أو.. بعام!
وقد يأتيك في المنام حُلم مزعج فتود أن تجمع العائلة كلها وأنت على مبعدة آلاف الكيلومترات مــنــهــُــم، وتسمع أصواتهم وصراخ أطفالهم ونكدَ نسائهم وثرثرةَ عجائزهم حتى تستريح قبل أن يرن الهاتف مرة جديدة.

قدرة الهاتف على تخويفك أكبر من قدرته على إسعادك، وتفاؤلك لا يعنيه بشيء، وهو إذا رنّ لا يمر عبر طبلة أذنك، إنما يخترق شغافَ القلب ليهزها هزاً.
فإذا كان عُمرك فوق الأربعين أو الخمسين فالرنينُ صراخ، وإذا ناهزت الستين فالرنات ولـْـوًلــة ونحيب، وإذا تخطيت السبعين فسيسقط قلبــْـك في صدرك قبل الرنة الثالثة.
التليفون يشبه زائر الفجر لرجل الأمن في بلدك العربي( عايزينك خمس دقائق فقط في القسم) فإذا هي وراء الشمس أو.. خلف كل الأحزان.

اشتقت لعهدٍ كان الخطاب يصل بعد أسبوع من وفاة عزيز أو رحيل أب أو أم، أما الآن فالكابلات قادرة أن تأتيك به قبل أن تسقط أنت من طرف الكرة الأرضية.
والآن مع الفيس تايم وكل أنواع الاتصالات المشاهـــَـدة والمجســّــمة لم يعد لديك مهربٌ مما لا مهربَ منه.

محمد عبد المجيد
طائر الشمال

عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو النرويج
 
أعلى