نقد كتاب أعوذ بالله من الشيطان الرجيم معان ، وفوائد ، وأحكام

رضا البطاوى

عضو ذهبي
نقد كتاب أعوذ بالله من الشيطان الرجيم معان ، وفوائد ، وأحكام
الكتاب تأليف إسلام منصور عبد الحميد وهو يدور حول الاستعاذة وفى مقدمته قال :
"هذه هي رسالة في معان وفوائد وأحكام الاستعاذة ، وهي جزء من مشروع كتاب في التفسير سميته ( فتح الوهاب بمعان وفوائد وأحكام كلام رب العباد ) وسأبذل جهدي بإذن الله – سبحانه وتعالى - أن تتابع هذه الرسائل الواحدة ردف الأخرى حتى يكتمل الكتاب بأخر سورة في القرآن ، سورة الناس ومنهجي في هذا الكتاب يفهم من خلال عنوانه ، فسأعرض فيه الآية ، ثم معاني المفردات ، ثم المعني الإجمالي ، ثم الفوائد والعبر ، ثم الأحكام الشرعية المتعلقة بالآية وقد يقول قارئ هذه الرسالة بعد قراءتها : أنك لم تتعرض لمباحث كثيرة في الاستعاذة ، كأوقات الاستعاذة وأنواعها ، أو أنني لم أذكر بعض الأحكام العقدية كالاستعاذة من الجن فأقول :- أن المقصود بالاستعاذة التي في أول القراءة هي قولك " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " وهذا ليس له علاقة بأنواع الاستعاذة وأوقاتها ، ومما يدل على ذلك أنني ما وجدت أحدا ذكر هذه المباحث في كتب التفسير مما وقفت عليه في هذا الموطن ، وإنما ذكروه في مكانه ، كما في سورة الأحقاف ، والجن وغيرها من المواطن "
كعادة الفقهاء ومن يدرسون الفقه إلا ما رحم الله نجد المؤلف يلجأ إلى كتب اللغة لبيان معانى الألفاظ القرآنية وهو توجه خاطىء فلا تفسير لكلام الله إلا بكلام الله نفسه ومن ثم نقل الرجل من بطون الكتب فى معانى كلمات الاستعاذة التالى:
"أولا : معاني المفردات:
تأويل قوله: (أعوذ):
(عوذ) العين والواو والذال أصل صحيح يدل على الالتجاء إلى الشيء، ثم يحمل عليه كل شيء لصق بشيء أو لازمه فقوله: «أعوذ» مشتق من العوذ، وله معنيان : أحدهما : الالتجاء والاستجارة ، والتحيز إلى الشيء، على معنى الامتناع به من المكروه ومن الأمثلة العربية التي تشهد لهذا المعنى :
1- يقال: عذت بفلان واستعذت به؛ أي لجأت إليه ، وهو عياذي؛ أي ملجئي
2- وفي حديث حذيفة: تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير عودا ، عودا بالدال ، قال ابن الأثير: وروي بالذال المعجمة
قال ابن سراج : ومن رواه بالذال المعجمة فمعناه سؤال الاستعاذة منها كما يقال غفرا غفرا , وغفرانك أي نسألك أن تعيذنا من ذلك , وأن تغفر لنا والله أعلم كأنه استعاذ من الفتن
• والثاني: الالتصاق
ومن الأمثلة العربية التي تشهد لهذا المعنى :
1- يقال: «أطيب اللحم عوذه» وهو ما التصق منه بالعظم ، قال ثعلب: قلت لأعرابي: ما أطيب اللحم؟ قال: عوذه
2- ويقولون لكل أنثى إذا وضعت: عائذ وتكون كذا سبعة أيام ، وإنما سميت لما ذكرناه من ملازمة ولدها إياها، أو ملازمتها إياه
3- وناقة عائذ: عاذ بها ولدها
4- ومعوذ الفرس: موضع القلادة
تأويل قوله: من الشيطان الشيطان واحد الشياطين وله ثلاثة معان أولها وهو أصحها : البعيد مشتق من شطن إذا بعد فهو بعيد بطبعه عن طباع البشر وبعيد بفسقه عن كل خير ومما يدل على ذلك من كلام العرب
1- شطنت داري من دارك - يريد بذلك: بعدت
2- ومن ذلك قول نابغة بني ذبيان:
نأت بسعاد عنك نوى شطون فبانت, والفؤاد بها رهين
3- وبئر شطون أي : بعيدة القعر
4- والشطن: الحبل؛ سمي به لبعد طرفيه وامتداده
الثاني : المتمرد ، وهو قريب من الأول ، بل إن البعض يقرن بينهما
قال الطبري : والشيطان، في كلام العرب: كل متمرد من الجن والإنس والدواب وكل شيء ، وإنما سمي المتمرد من كل شيء شيطانا، لمفارقة أخلاقه وأفعاله أخلاق سائر جنسه وأفعاله، وبعده من الخير
ومما يستدل به على هذا المعنى :
1- قول الله تعالى(وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الأنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا) فجعل من الإنس شياطين ، مثل الذي جعل من الجن
2- وفي مسند الإمام أحمد عن أبي ذر قال : قال رسول الله (ص) يا أبا ذر تعوذ بالله من شياطين الإنس والجن " فقلت أللإنس شياطين ؟ قال " نعم
قلت فيه القاسم أبو عبد الرحمن ، قال العجلي : ثقة يكتب حديثه وليس بالقوي وفيه علي بن زيد ، ضعفه الإمام أحمد ، ويحيي بن معين ، والبخاري وأبو زرعة ، وأبو حاتم ، والنسائى وفيه معان بن رفاعة ، ضعفه بن معين وأخرجه النسائي في ( الاستعاذة / بـ الاستعاذة من شر شياطين الإنس ) من حديث أبي ذر قلت :وفيه عبيد بن خشخاش ، ضعفه الدارقطني وفيه أبو عمر الدمشقي ، قال الدارقطني : متروك ، وقال الذهبي : واه وفيه عبد الرحمن المسعودي ، اختلط بآخره ، كما قال ذلك الإمام أحمد ، وابن نمير ، وابن عمار ، ومحمد بن سعد وقد ضعفه الشيخ الألباني في ( ضعيف النسائي / ح 424 )
قلت : وكذلك مما يدل على ضعفة نكارة متنه ، إذ كيف يجهل حذيفة أن للإنس شياطين ، وقد جاء القرآن مصرحا بذلك ، وكان حذيفة يحرص على تعلم الشر مخافة أن يدركه ومع ضع هذا الحديث فالأدلة على أن للإنس شياطين من السنة الصحيحة كثيرة جدا ، ولكني أقتصر على الآية ، والتبيه على ضعف الحديث لشهرته
3- وعن عمر بن الخطاب أنه ركب برذونا فجعل يتبختر به فجعل يضربه فلا يزداد إلا تبخترا فنزل عنه وقال ما حملتموني إلا على شيطان ما نزلت عنه حتى أنكرت نفسي إسناده صحيح فقولك "من الشيطان" أي: من كل عات متمرد من الجن والإنس، يصرفني عن طاعة ربي، وتلاوة كتابه
• الثالث : من الاحتراق مشتق من شاط لأنه مخلوق من نار أو مأخوذ من شاط يشيط إذا هلك، وشاط إذا احترق ، وشيطت اللحم إذا دخنت ولم تنضج ، واشتاط الرجل إذا احتد غضبا ، واشتاط إذا هلك ؛ قال الأعشى:
قد نخضب العير من مكنون فائله وقد يشيط على أرماحنا البطل
الرد على من قال أنه من الاحتراق :
1- قول أمية ابن أبي الصلت:
أيما شاطن عصاه عكاه ثم يلقى في السجن والأكبال
ولو كان فعلان، من شاط يشيط، لقال أيما شائط، ولكنه قال: أيما شاطن، لأنه من "شطن يشطن، فهو شاطن"
2- وقال سيبويه العرب : تقول تشيطن فلان إذا فعل فعل الشياطين ولو كان من شاط لقالوا تشيط
فالشيطان مشتق من البعد على الصحيح ولهذا يسمون كل من تمرد من جني وإنسي وحيوان شيطانا ومنهم من يقول أن الكل صحيح في المعنى
تأويل قوله: (الرجيم)
الرجيم : فعيل بمعنى مفعول، كقول القائل: كف خضيب، ولحية دهين، ورجل لعين، يريد بذلك: مخضوبة ومدهونة وملعون وله ثلاثة معان
• الأول : الرمي ، وهو أصحها ، فـ أصل الرجم الرمي، بقول كان أو بفعل ومن الرجم بالقول قول أبي إبراهيم لإبراهيم (ص) : ( لئن لم تنته لأرجمنك ) ، ومن الرجم بالفعل قول قوم نوح قوله تعالى: ( لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين)
• الثاني : الملعون والمشتوم : وكل مشتوم بقول رديء أو سب فهو مرجوم
• الثالث : الطرد : فـالرجيم : أي: المطرود من رحمة الله وعن الخير كله لأن الله جل ثناؤه طرده من سمواته ، ورجمه بالشهب الثواقب كما قال تعالى ( ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين) وقال تعالى ( إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد) لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب) وقال تعالى ( ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم) إلى غير ذلك من الآيات وقريب منه ما ذكره القرطبي في المعنى الرابع والأول أشهر وأصح "
تناول الرجل المعانى اللغوية ورد على على بعضها وهو كلام لن يستفيد المسلم منه أى شىء فالمسلم يجب أن يعرف المعنى القرآنى وليس المعنى اللغوى ففائدة الكتب هى التعليم والإنسان العادى لا علاقة له بتلك اللغويات ولا تهمه وإنما هى تزيد حيرته فوظيفة العالم هى توصيل الحكم مباشرة بدون لف أو دوران
وبعد ذلك تعرض إسلام لمعنى الاستعاذة فى القرآن فقال :
"ثانيا :معنى قول القائل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
قال الله تعالى : (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم) وقال تعالى (ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون) وقال تعالى ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم)
فهذه ثلاث آيات ليس لهن رابعة في معناها وهو :
أن الله تعالى يأمر بمصانعة العدو الإنسي والإحسان إليه ليرده عنه إلى طبعه الطيب الأصل إلى الموالاة والمصافاة ويأمر بالاستعاذة به من العدو الشيطاني لا محالة إذ لا يقبل مصانعة ولا إحسانا ولا يبتغي غير هلاك ابن آدم لشدة العداوة بينه وبين أبيه آدم من قبل كما قال تعالى : ( يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة) وقال تعالى ( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير) وقال ( أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا) وقد أقسم للوالد آدم عليه السلام أنه له لمن الناصحين وكذب فكيف معاملته لنا وقد قال ( قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين)
فـ معنى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أي أستجير بجناب الله - دون غيره من سائر خلقه - من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي أو يصدني عن فعل ما أمرت به أو يحثني على فعل ما نهيت عنه فإن الشيطان لا يكفه عن الإنسان إلا الله ولهذا أمر تعالى بمصانعة شيطان الإنس ومداراته بإسداء الجميل إليه ليرده طبعه عما هو فيه من الأذى وأمر بالاستعاذة به من شيطان الجن لأنه لا يقبل رشوة ولا يؤثر فيه جميل لأنه شرير بالطبع ولا يكفه عنك إلا الذي خلقه
الفرق بينها وبين اللياذة
والعياذة تكون لدفع الشر واللياذ يكون لطلب جلب الخير كما قاله المتنبي
يا من ألوذ به فيما أؤمله ومن أعوذ به ممن أحاذره
لا يجبر الناس عظما أنت كاسره ولا يهيضون عظما أنت جابره "
الأخطاء فى الفقرة هى :
ألأول أن معنى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أي أستجير بجناب الله - دون غيره من سائر خلقه - من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي أو يصدني عن فعل ما أمرت به أو يحثني على فعل ما نهيت عنه وهو كلام خاطىء لأن الاستعاذة الكلامية تكون قبل النزغ وهو الوسوسة والآيات تتحدث عن العمل بعد النزغ وهو الوسوسة كما فى الجملة"وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله" ومن ثم فالمراد ليس الاستعاذة الكلامية وإنما المراد طاعة الله فى ألأحكام التى تزيل ما ترتب على عمل النزغ وهو الوسوسة ومن ثم فالاستعاذة هى تعنى الاستغفار أى التوبة إلى الله وهو تذكر الله أى العودة إلى البصر وهو الحق كما قال تعالى "إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون"
ومن ثم فالاستعاذة بعد عمل النزغ تعنى الاحتماء بطاعة الله بالتوبة والاستمرار في طاعة أحكام الله الأخرى
ومن ثم فلا علاقة للاستعاذة الكلامية وهى قول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

البقية
 
أعلى