سعد بن عاقول
عضو فعال
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ }(الأنفال27)
"الخيانة العظمى" من بعض نواب الأمة
مما يؤثر عن الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - أنه صعد منبر الجمعة فقال لجموع المصلين: "أنما المال مالنا و الفيء فيئنا فمن شاء أعطيناه و من شئنا منعناه"، فلم يجبه أحد من المصلين و المستمعين بإنصات. و في الجمعة الثانية كرر الخليفة الأموي ما قال في الجمعة الأولى و تكرر من المصلين صمتهم و سكوتهم. و في الجمعة الثالثة كرر الخليفة أيضاً قوله السابق، فقام رجل ممن حضروا الصلاة فقال للخليفة "كلا إنما المال مالنا و الفيء فيئنا فمن حال بيننا و بينه حاكمناه إلى الله بأسيافنا". نزل الخليفة الأموي معاوية من منبره و طلب إرسال هذا الرجل إليه فظن جميع من في المسجد أن الرجل هالك لا محالة. فعاد معاوية إلى منبره ليخطب فيهم ويقول: "أن هذا الرجل أحياني أحياه الله، سمعت رسول الله - صلى الله عليه و سلم - يقول سيكون أئمة من بعدي يقولون و لا يرد عليهم يتقاحمون في النار كما تتقاحم القردة و إني تكلمت أول جمعة فلم يرد على أحد فخشيت أن أكون منهم ثم تكلمت في الجمعة الثانية فلم يرد علي أحد فقلت في نفسي أني من القوم ثم تكلمت في الجمعة الثالثة فقام هذا الرجل فرد علي فأحياني أحياه الله" - الطبراني.
عضو مجلس الأمة و النائب الممثل للشعب الكويتي فيه هو بأبسط التعاريف و أكثرها بديهية شخصٌ مؤتمن من قبل الشعب ليحمل أمانة تمثيلهم. و بحسب نص المادة 91 من الدستور و التي يقسم على أساسها كل نائب في مجلس الأمة بأن يكون مخلصاً للوطن و للأمير، و أن يحترم الدستور و قوانين الدولة، و أن يذود عن حريات الشعب و مصالحه و أمواله، و أن يؤدي أعماله بالامانة و الصدق، فإن عضو مجلس الأمة مطالب بالإخلاص لهذا الوطن قبل كل شيئ، و للأمير بأن يكون له ناصحاً صادقاً لا مهادناً تابعاً، و أن يحترم الدستور الذي أرتضاه الشعب الكويتي و أنتخبه على أساسه، و قوانين هذه الدولة التي يشرّع له و يراقب مؤسساتها، و أن يذود عن حريات الشعب و مصالحه و أمواله و أهم هذه الحريات و المصالح هي الحرية السياسية و حق الشعب في إدارة شؤونه و المشاركة في الحكم على حسب العقد الموثق بينه و بين أسرة الحكم في عام 1962 و المجدّد عام 1990.
لذلك عندما يذهب (جمعٌ) غير لطيف من النواب إلى أمير البلاد ليوصلوا إليه رسالة قصيرة وواضحة مفادها أنهم (سيدعمونه في حالة إصدار قرار بحل غير دستوري لمجلس الأمة) و أنهم (موافقون على أي تعديل للدستور تطرحه الأسرة الحاكمة) فإنهم بذلك قد خانوا أماناتهم و ثقة الشعب الكويتي الذي أنتخبهم ليمثلوه لا ليمثلوا عليه. نواب مثل هؤلاء لا يشرفون الشعب الكويتي و لا يتشرف بهم تاريخ مجلس الأمة على الإطلاق. فلولا هذا الدستور و هذا الشعب الأبي الذي يقف وراءه لما كان لكم طريق على مثل هذا اللقاء (العار) و لا لمثل هذه المبادرة (الكارثية).
من يكون نائب الأمة طلال العيار لولا دستور 1962 الذي أوصله و أمثاله إلى كرسي البرلمان الأخضر ليصبح له دور في الحياة السياسية؟ و من هو نائب الأمة جمال العمر لولا هذا الشعب الذي وضع ثقته فيه و جعله ممثلا ً له يقسم على الذود عن حرياته و مصالحه؟ و ماذا كان صالح عاشور قبل أن يدل طريقه إلى مبنى الترشح لمجلس الأمة ليصبح نائباً لهذا الشعب؟ و مالذي يمثله من ثقل سياسي أو إقتصادي أو غيره أشخاص مثل عبدالواحد العوضي و حسين الحريتي و عبدالله راعي الفحماء و وليد العصيمي لولا دستور 1962 و لولا مجلس الأمة و قبل هذا و ذاك لولا شعب الكويت الذي (تكرّم) عليكم بشرف تمثيله؟
أن يخون الأمة وزير، فذلك أمر قد يكون أصبح معتاداً في ظل حكومة فاسدة و تاريخها مليئ بالأمثلة الفاسدة. و أن يخون الأمة، شيخ من الأسرة الحاكمة، فذلك أمر قد يكون متوقعاً لأن الفشل أصبح القاسم شبه المشترك بين أفراد هذه الأسرة و من يقربونه إليهم. لكن أن يخون هذه الأمانة العظيمة و المسؤولية الكبيرة نائب من نواب الأمة، فذلك لعمري الزلزال الأكبر و الكارثة الأعظم و التي تتوقف عندها كل معادلات المنطق و العقل و الفهم عن الخروج بنتيجة صحيحة و معقولة. هذا النائب الذي تنص مواد دستوره الذي أقسم عليه على أنه "يمثل الأمة بأسرها و يرعى المصلحة العامة، ولا سلطان لاي هيئة عليه في عمله بالمجلس أو لجانه". مما نقل عن الرسول الكريم - صلى الله عليه و سلم - أن من صفات المنافق أنه إذا "أئتمن خان". و مما ورد عن أنسٍ رضي الله عنه أنه قال : " ما خطبنا رسول الله إلا قال لا إيمان لمن لا أمانة له ".
فليعلم هؤلاء النواب السبه و التهمه أنهم في نظرنا نحن أبناء الشعب الكويتي قد خانوا الأمانة و إن كانوا قد خانوها في مرات عدة قبل ذلك، إلا أن خيانتهم هذه ترقى إلى مستوى (الخيانة العظمى) في حق هذا الوطن و حق أبنائه. و ليعلموا أن الشعب الكويتي واعٍ بكل ما يدور حوله من تحركات لا تخفى عليه، و أن كانوا هم ممن يحاول التمثيل على أبناء الكويت، فإن كلمة أبناء هذا الوطن ستكون القاصمة لهم كما كانت القاصمة لغيرهم بالأمس القريب و الأمثلة عديدة على ذلك.
و ليعي هذا الجمع غير المبارك من النواب بأن رد أمير البلاد عليهم بأنه لا يوجد هنالك تفكير لدى القيادة السياسية في حل دستوري أو غير دستوري، هو مثله كمثل الجمل المكتوبة على شاطئ البحر، تمحوها مياه الشاطئ مع أول موجة تصلها. فالأمير هو نفسه من قال أنه لن يكون في الكويت "أميرٌ سابق" و قد كان. وهو نفسه من قال أنه لا يوجد في الكويت شيئ أسمه "وراثة الأحياء" و قد ورثوا الأحياء و أقعدوهم في مزارعهم ليتكرموا عليهم بالزيارة بين الفينة و الأخرى.
و ليعلموا أن من لا يتخذ من شعب الكويت درعاً و ظهراً له، فإن ظهره سينقسم مع أول هزة سياسية تهز هذه البلاد. و أن من لا يجعل شعب الكويت و مصلحته نصب عينيه دائماً، سوف يكون هوانه و خسرانه و دماره هو نصب أعين شعب الكويت قريباً جداً و أقرب مما يتصور بعض (منافقي الأمة) و (برامكتها) و (قطعانها).
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا
كالبيت لا يبتنى إلا له عمد ولا عماد إذا لم ترس أوتاد
فإن تجمع أوتاد وأعمدة وساكن بلغوا الأمر الذي كادوا
كتبه سعد بن عاقول