بحث قيم للدكتور محمد الفيلي في الطعن بدستورية 'بدل الإيجار'

وطني حر

عضو مميز
وفق حكم المادة 19 من القانون ،1993/47 وهو قانون ملغى، فان بدل الايجار يحدد بقرار وزاري بناء على موافقة مجلس ادارة المؤسسة العامة للرعاية السكنية. وقد صدرت قرارات وزارية وفق هذه الآلية ووضعت حدا لبدل الايجار، وهو مائة دينار، كما وضعت ضوابط لتقرير استحقاق هذا البدل.
وقد عدل مجلس الأمة هذا الأمر وقرر ان تحديد قيمة بدل الايجار يتم بقانون مباشرة، وهو ما كان محلا لاعتراض الحكومة، ولذلك فقد صدر مرسوم برد القانون بعد التصويت عليه، وتم تجاوز اعتراض الحكومة وذلك عندما اعاد المجلس التصويت على الاقتراح ذاته، وحصل على موافقة ثلثي عدد الاعضاء، وترتب على هذا الاجراء صدور القانون 2006/26 والمتضمن تقرير زيادة بدل الايجار بنص في القانون وبذلك خرج الأمر من يد السلطة التنفيذية.

طعن الحكومة
وبعد صدور القانون المشار اليه (صدر بتاريخ 2006/5/13) طعنت الحكومة بعدم دستورية القانون رقم 2006/26 على اساس انه مخالف للآلية التي رسمها الدستور لتعديل قانون الميزانية وان هذا الأمر يشكل اخلالا بمبدأ الفصل بين السلطات، كما هو مقرر في المادة 50 من الدستور.
وبعد الاعلان عن هذا الاجراء صرح عدد من اعضاء مجلس الامة بان مثل هذا الاجراء هو خروج على مبدأ التعاون بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، كما المح بعضهم الى ان هذا الاجراء كان من الممكن تجنبه باتفاق على تعديل بعض احكام القانون ،2006/26 ولم نلاحظ في التصريحات التي اطلعنا عليها اي اشارة الى القبول بمبدأ الاحتكام للقضاء او القبول بمبدأ استخدام الآليات المقررة في الدستور.

السبب والتوقيت
واذا كان موقف الحكومة- الطعن بدستورية القانون- قابلا ان يكون محلا للتحليل السياسي من حيث سببه وتوقيته، فانه ايضا يستحق التحليل القانوني، ونقترح ان يتم التحليل من خلال ثلاثة محاور:
- طبيعة الاجراء
- الاسباب الموضوعية للطعن
- الآثار المترتبة على الطعن.
اولا - طبيعة الاجراء: تم الإعلان في بداية الامر عن احالة موضوع بدل الايجار للمحكمة الدستورية، وقد اثار الخبر كثيرا من التساؤلات عن كنه الإحالة، خصوصا ان الرأي العام قد اعتاد في هذا الموضوع تقديم الحكومة لطلب تفسير للدستور، يمتد من الناحية العملية لادوات قانونية اخرى وبالذات اللائحة الداخلية لمجلس الامة.

سابقة دستورية
وقد تبين بعد ذلك ان المقصود بالاحالة هذه المرة الطعن بعدم دستورية القانون وهذه سابقة في الكويت ولم تقم الحكومة بمثل هذا الإجراء من قبل.
وشتان ما بين طلب تفسير الدستور خاصة كما كان يمارس (خلطه بطلب تفسير ادوات قانونية اخرى) والاجراء القائم وهو الطعن بعدم دستورية القانون، فالاجراءان يختلفان من حيث الاساس الدستوري ومن حيث الأثر، فالاساس الدستوري للطعن واضح في الدستور، فالدستور يكفل في المادة 173 حق كل من الحكومة وذوي الشأن في الطعن امام المحكمة الدستورية بدستورية القوانين واللوائح بينما يخلو الدستور من سند واضح لاختصاص المحكمة الدستورية بتفسير الدستور بمعزل عن منازعة منظورة امامها، واثر الحكم بعدم دستورية القانون أو اللائحة واضح وهو ا عتبار النص المخالف للدستور كأن لم يكن، ولا يوجد في الدستور توضيح لأثر التفسير او تبيان لحجيته. والحق بالطعن في الدستورية بدعوى مباشرة حق مقرر للحكومة في صلب الدستور وهو مقرر ايضا لمجلس الامة ومحل الطعن لا يقتصر على القوانين بل يمتد لكل تشريع ادنى من الدستور ولذلك هو يمتد للوائح الصادرة عن السلطة التنفيذية.



الدستور واللائحة
ونلاحظ في هذا الصدد ان محكمتنا الدستورية قد تجاوزت النقاش الدائر في الفقه حول طبيعة الحاجز التشريعي الذي يقوم بين اللائحة والدستور، فهي تقرر في عدد من الاحكام (2004/13 و2005/5) ان مخالفة 'اللائحة للقانون تشكل مخالفة لمبدأ المشروعية، وان هذا المبدأ مقرر في الدستور ذاته، وبالتالي فنحن امام مخالفة
للدستور تبرر ولاية المحكمة الدستورية وتفتح الباب امامها للحكم بعدم دستورية اللائحة. وأيا ما كان النقاش الفقهي الذي يمكن ان تثيره الاحكام السابقة فإن هذه الاحكام تفتح الباب (المقرر في الدستور) امام الاختصاص بالرقابة على دستورية اللوائح، وهذا الباب كما نعلم يسمح لمجلس الامة بتحريك الرقابة على اعمال السلطة التنفيذية.
اذا محصلة القول في ما سبق إن الدستور قد كفل الحق، عن طريق الدعوى المباشرة، للحكومة ولمجلس الامة في الطعن بدستورية القوانين واللوائح، وان الحكومة قد استخدمت هذا الحق وليس من مبرر في القانون ان تلام على ذلك. وإذا كان الامر واضحا من حيث طبيعة الاجراء فما هي الاسباب الموضوعية للطعن؟
ثانيا ـ الاسباب الموضوعية للطعن: بمطالعة صحيفة الطعن المنشورة (القبس 2006/8/10) يتبين ان الحكومة تذكر سببين للطعن احدهما تعرض له بشكل سريع وهو الاخلال بمبدأ المساواة والاخر تقف امامه طويلا وتذكره في طلباتها الختامية وهو الاخلال بالقواعد الاجرائية للميزانيات. وفي سبيل التبسيط فاننا نلاحظ أن الميزانية وفق الدستور الكويتي ـ وكذلك الدساتير المقارنة ـ هي تقدير سنوي للإيرادات والنفقات، تقوم الحكومة بإعداده، وفي سبيل ضمان رقابة المجلس المنتخب على هذه التقديرات يلزم ان يصدر قانون بالموافقة عليها، وقانون الميزانية هذا ليس كبقية القوانين، فحق الاقتراح فيه للحكومة ابتداء وحق التعديل المقرر فيه لمجلس الامة مقيد. وبعد ان يقر قانون الميزانية لا يجوز ان تخالف احكامه، ولذلك فان الدستور يقرر في المادة 146 ان 'كل مصرف غير وارد في الميزانية او زائد على التقديرات الواردة فيها يجب ان يكون بقانون، وكذلك نقل اي مبلغ من باب الى آخر من ابواب الميزانية' وهو حكم منطقي فتقرير مصرف جديد او زيادة في مصرف قائم او نقل الاعتمادات من باب الى باب هو مخالفة لقانون قد صدر، ولذلك لا يصح الامر الا بصدور قانون.
جديد، واذا كان الحكم السابق، والمقرر في الدستور منطقيا، فإن السؤال الدقيق الذي قد يطرح هو كيفية تنفيذ هذه الاحكام، هل يكفي ان يقرر قانون من القوانين مبدأ التعديل ام يلزم ان يصدر قانون مستقل يقرر حجما محددا للاعتماد الواجب تقريره لزيادة الانفاق؟ واذا كان من المتوجب صدور قانون خاص يحدد كمية الانفاق الجديد فهل يجب ان يصدر هذا القانون باجراءات صدور قانون الميزانية نفسه؟ واذا كانت الاجابة بالايجاب، فإن ذلك يعني انه يلزم صدور مشروع القانون عن الحكومة وليس لاعضاء المجلس الا التقدم باقتراح لتعديله، وفق الضوابط المقررة في اللائحة الداخلية للمجلس.

الاثار المترتبة
بعد ان عرضنا الاسباب الموضوعية للطعن القائم، فإننا نعرض للاثار المترتبة عليه او المرتبطة به، ثالثا: الاثار المترتبة على الطعن: ما هو اثر تقديم الطعن على حكم القانون القائم؟ وما هو اثر الحكم في الطعن على القانون؟ وهل يمكن للحكومة ان تسحب الطعن بعد ان قدمته؟
أ اثر الطعن على القانون القائم: صدور القانون وفق الاجراءات المقررة في الدستور لصدور القوانين يرتب له قرينة الصحة ووجوب النفاذ، ولا تزول عنه قرينة الصحة الا بصدور حكم عن المحكمة المختصة يقرر عدم دستوريته. ولذلك فإن الطعن على القانون بعدم الدستورية لا يؤثر على وجوب نفاذه.
ب - اثر الحكم في الطعن: تقرير المحكمة الدستورية دستورية القانون يعني بقاءه كقانون، اما تقرير عدم دستوريته فإنه يؤدي الى اعتباره كأن لم يكن، اي الغاءه بأثر رجعي، وهنا يثور التساؤل عن حكم الأموال التي تم صرفها، اذ انها صرف دون سند.
في هذه الجزئية نلاحظ ان حكم الدستور واضح ومع ذلك فإن المحكمة الدستورية في الكويت قررت في حيثيات بعض الاحكام - وليس في المنطوق - بأن الحكم بعدم الدستورية لا يؤثر في حجية الاحكام، ويمكن القياس على ذلك ومده للمراكز القانونية المكتملة وحتى يمكن تطبيق نظرية الظاهر، ولكن ما سبق يبقى اجتهادا اتى على خلاف ظاهر النص. وإذا لم تقرر المحكمة بشكل واضح، الاجتهاد السابق فنحن نشك بإمكان الاخذ به من الناحية القانونية. والى جوار الاجتهادات السابقة فمن الممكن الاخذ بحل قريب من فكرة التصحيح التشريعي للقرارات الادارية ونعني بذلك ان يصدر قانون مستقل يقرر عدم وجوب رد المبالغ التي تم الحصول عليها.
ج - امكان ترك الخصومة-: ترتبط الدعوى كأصل عام بالمصلحة الشخصية المشروعة ولذلك لا تقبل الدعوى في حال عدم وجود المصلحة وفكرة المصلحة تبرر ترك الخصومة اذا وجد المتخاصمون ان مصلحتهم تتحقق بترك الخصومة. وفي مجال الدعوى الدستورية، فإن بعض القضاء المقارن يقرر بعدا خاصا للمصلحة وهو المصلحة العامة فيتوسع في قبول الدعوى الدستورية دون ربطها بشكل مطلق بالمصلحة الشخصية المباشرة. وقد قرر المجلس الدستوري الفرنسي وكذلك اللبناني عدم قبول طلب ترك الخصومة (الدعاوى تم
تحريكها من سلطات عامة) وذلك لان هناك مصلحة عامة (احترام المشروعية) تقود لوجوب حسم النزاع واصدار حكم فيه، ويجد هذا الموقف تبريرا اضافيا بالرغبة بعدم استخدام القاضي الدستوري كعنصر في المناورة السياسية بين السلطات العامة. اما بالنسبة لمحكمتنا الدستورية فان قانون انتهائها يجيز لها ان تقتبس من القواعد العامة التي تنظم اجراءات الدعاوى بشرط عدم تعارض هذه القواعد مع طبيعة الدعوى الدستورية، وهذا يعني ان باب الاجتهاد مفتوح امامها، ونلاحظ في هذا الصدد انها طبقت مفهوم القبول بطلب ترك الخصومة وهي بصدد طلب تغيير المادة 71 من الدستور، ولا نعلم ان كانت ستتأثر باجتهادها السابق ام انها ستتبنى اجتهادا جديدا خاصة أننا بصدد اجراء جديد (طعن وليس طلب تفسير) ونحن على كل حال اميل لعدم فتح الباب امام السلطات العامة لاستخدام القضاء كعنصر من عناصر المناورة السياسية.

سابقة حميدة
وفي ختام استعراضنا لموضوع الطعن المقدم فاننا نود تسجيل الملاحظات التالية:
-1 نحن بصدد سابقة حميدة، وهي سابقة لانها تأتي من قبل الحكومة للمرة الأولى وهي حميدة لان الحكومة قد عدلت عن مسلك سابق وهو طلب تفسير الدستور ومد هذا الطلب لنصوص اخرى خارج الدستور، اذا يحمد للحكومة استخدام الاداة السليمة.
-2 اذا كان المبدأ الديموقراطي يقود الى منطقية انفراد المجلس المنتخب بالاختصاص بالتشريع، فان الدستور يقرر مبدأ اخر وهو مبدأ الفصل بين السلطات، ولا يسوغ القول ان الديموقراطية تعلو على المشروعية، وفي نهاية المطاف فان الدستور هو المعبر عن الارادة الاعلى للامة.
-3 ان الرفض المسبق لمبدأ الطعن كحق مقرر في الدستور، يخلق انطباعا- غير مبرر- بان الرافض متأكد من طبيعة الحكم الذي سوف يصدر او هو غير مقتنع بسلامة موقفه القانوني.
-4 حجم الاعتماد التكميلي المطلوب (47 مليون دينار) يفتح الباب امام التحليل السياسي لدوافع الاجراء، ولكن مثل هذا التحليل السياسي ايا كان منحاه، لا ينال في شيء من حقيقة ان الاجراء من الناحية الدستورية لا غبار عليه ولعل هذه السابقة تحمل السلطات العامة على توطين نفسها على قبول الاحكام للدستور وفق الاجراءات المقررة فيه.
-5 سلوك سبيل الدعوى الدستورية منهج مقيد لتصعيد القواعد في موضوع العلاقة بين السلطات، كما انه مفيد لكلتا السلطتين، ويقلل في النهاية من التكلفة السياسية في مواجهة بعض التشريعات فيمكن الوصول الى لغاتها عن طريق الدعوى الدستورية خاصة ان القانون القائم يقصر حق الدعوى الدستورية المباشرة على مجلس الامة والحكومة فقط.



أسئلة دستورية
الاسئلة المطروحة سلفا في غاية الاهمية من الناحية الفقهية والعملية، وبالت أكيد فإن اجابة القضاء الدستوري عنها وتعامله معها يشكل اضافة علمية وعملية ونلاحظ من جانبنا عددا من الامور:
أ - ان القواعد الاجرائية الخاصة بمشروع الميزانية والتي وردت في الدستور واللائحة الداخلية هي قواعد استثنائية مقارنة بالاصل العام في التشريع، واستثنائية هذه القواعد مرتبطة بعلة منطقية وهي عدم امكان اناطة هذا الدور (اعداد الميزانية) بغير السلطة التنفيذية المكلفة دستوريا بادارة المرافق العامة، ومتى ما وصلت السلطة التنفيذية لتقديم تصور شامل متوازن للايرادات والنفقات، فمن المنطقي ان يقيد باب التعديل امام المجلس فلا يتم التعديل من دون اخطارها وموافقتها او من دون اعادة التوازن من جديد (اقتراح ايراد جديد مقابل الزيادة المقترحة مثلا).
ب - ان التعديل اللاحق على اقرار الميزانية لم ترد بصدده الاحكام الاجرائية الخاصة كما ان الظروف الموضوعية التي يقوم عليها مختلفة، فنحن امام تصور قائم يتضمن احتياطيا مقررا لمواجهة التعديلات، ونحن نعتقد ان موضوع الاحتياطي المقرر في الميزانية قد يكون مفتاح حل الاشكال، فالقول بحق المجلس المنتخب في التعديل مطلقا بلا قيد يخشى ان يقود الى اصدار فكرة توازن الميزانية، ويقود بذات المناسبة لإصدار العلة الدستورية التي قادت لتقرير انفراد السلطة التنفيذية باعداد مشروع الميزانية، اما اذا ربطنا التعديل التشريعي على قانون الميزانية بفكرة الاحتياطي فإننا نكون قد اخذنا بالاعتبار مصلحتين دستوريتين، وهما تقرير دور مهم للسلطة التنفيذية في اعداد الميزانية وعدم اصدار حق التشريع المقرر لمجلس الامة، ذلك ان جعل حق اقرار التعديل اللاحق على قانون الميزانية خاصا فقط بالسلطة التنفيذية سوف يقود بلا شك لإصدار الاختصاص التشريعي للمجلس المنتخب، فكثير من القوانين لا تخلو من اثر مالي يترتب على اقرارها.
ومتى ما وصلنا الى التصور السابق الذي نعتقد بتحقيقه لتوفيقه بين الاعتبارات الدستورية الحاكمة للموضوع، وهو يقود الى الفصل بين اجراءات وضع الميزانية ابتداء واجراءات تقرير تعديل عليها في الحدود الكلية التي قامت عليها، فإننا ننتقل الى الجزئية الاخرى وهي اسلوب تقرير التعديل، وفي هذه المسألة فإن ادارة التعديل بلا شك يجب ان تكون قانونا، وهذا القانون في اعتقادنا قانون خاص يقرر مقدار التعديل المتصور. وفي المسألة القائمة فإن المشرع العادي قرر زيادة بدل الايجار ولكن تنفيذ هذه الزيادة يقتضي تقرير المبالغ اللازمة لتغطيتها وتخصيص اعتماد في الميزانية لهذا الغرض، وهذا الاعتماد غير وارد في قانون الميزانية، ولذلك يجب ان يضاف من خلال قانون جديد يعدل في قانون الميزانية، والسوابق كثيرة في هذا المجال (صدور قانون لتقرير اعتماد تكميلي او تعزيزي).
 
أعلى