السلام عليكم...
الذي حدث بعد سقوط الرئيس مبارك هو أنه أناب المجلس العسكري في ادارة البلاد , وهذا لا نص عليه في الدستور المصري فكان لزاما أن يكون هناك مخرج قانوني لهذا الأمر , طبعا معلوم أن الشعب الذي قبل بنزول الجيش ولم يتواجها في أي مواجهة , كان ذلك إعلانا وبيانا من الشعب المصري وتفويض منه على أنه قبل بأن يكون متولي لزمام الأمور في البلاد , فكانت هذه شرعية ثورية شعبية أعطت للجيش الضوء..
فإذا سقط النظام سقط معه الدستور وكان الشعب صاحب القرار , ولهذا فإن الشعب المصري أعطوا الجيش زمام الأمور ورحبوا بذلك , ولكن بقيت معضلة دستورية في هذا الشأن .... ماذا نفعل ؟
ومن هنا جاء الإستفتاء على الدستور : هل نعدل مواد في الدستور القديم ونسير عليه , ونجري إنتخابات مجلس الشعب والشورى وإنتخابات الرئاسة , ثم ينتخب مجلس الشعب لجنة لوضع دستور جديد ؟ أم نلغي الدستور القديم بالكلية ونرشح لجنة لعمل دستور جديد في البلاد ثم بعد ذلك نشرع في الإنتخابات ؟
انقسم الناس في هذا اللإستفتاء أم ( نعم ) الدالة على البقاء على الدستور القديم و ( لا ) التي تدعو إلى الغاء الدستور القديم بالكلية , فنزل الناس إلى الصناديق ليقولوا كلمتهم , ولعلها كانت تجربة كبيرة للغاية , اذ خرج ملايين المصريين حوالي العشرين مليونا ليدلوا بأصواتهم , الكبار والصغار يخرجون من أجل هذه المهمة , ولم يكن ثمة تأمين لهذه اللجان من الشرطة - الذي كان في حالة إنكماش - ولا الجيش إلا قليلا , الذي سحب مدرعاته من الشوارع إلا مناطق بسيطة ...
فكان الشعب هو المنتخب وهو الحامي , حتى أنني شاهدت الناس يمنعون أحدا من التقدم على الصفوف وأعينهم داخل اللجنة حتى لا يكون ثمة تزوير أو شيء مريب , ومرت التجربة بسلام إلا إنها كشفت عن مفاجأة ضخمة...
انقسم الناس قبل الإستفتاء , ففريق رأى أن ( نعم ) تعني الإسراع بالإنتخابات وهذا يعني فوز جماعة الإخوان المسلمين بالإنتخابات لأنهم منظمين ويعرفون عملهم جيدا , وهذا يحرم القوى الثورية الأخرى من الفوز لأنها ليست معلومة للشعب المصري , ويلزمها وقت لكي تعرف نفسها للناس وتدعو إلى برامجها...
وكذلك رأى الأقباط أن ( نعم ) وصعود الإخوان المسلمين في مصر , يعني أنه سيقلص من دور الأقباط وهذا يعني أنه لابد من تلاحمهم مع القوى الليبرالية والعلمانية الرافضة لتعديل الدستور , والتي تطلب أن يتم الغاءه وإنشاء دستور جديد مما يعني أنه سيعطيهم الوقت لكي ينظموا أنفسهم ....
ومن جهة أخرى تهيب التيار الإسلامي من رفض تعديل الدستور الذي سوف يطيل فترة غياب مصر من الخريطة العالمية , فضلا عن كون التيارات الليبرالية والعلمانية بدأت تنادي بمدنية الدولة على المفهوم الليبرالي الغربي , واباحة الزواج المدني من أي ديانة كانت , وغير ذلك من آثار الليبرالية الغربية الحاجزة للدين عن أمور الحياة عامة وليست السياسة فقط , فانقسم الناس طبقا لهذه المعطيات إلى فريقين ونتيجتين...
النتيجة هي أن ( نعم ) هي للإسلاميين , وأن ( لا ) هي للقوى الليبرالية والعلمانية واليسارية والإلحادية ومعهم الأقباط , ومن هنا اكتسب الإستفتاء بعدا آخر , وهي معرفة كل جبهة بقوة الآخر وقوته في الشارع المصري على الحقيقة وذلك بسبب الآتي:
أن معظم هذه التعديلات الدستورية لم يمكن لأي من غير القانونيين أو الفقهاء أن يعرف معناها , ومعنى ذلك أن الشعب المصري سوف يرجع إلى من يثق به ليأخذ رايه فيما يجب عليه فعله , وهنا كانت أهمية هذا الإستفتاء , لأنه ببساطة سوف يعبر عن تأثير كلا الفريقين وسوف يوضح القادة الحقيقين في المجتمع المصري , هل هم الإسلاميين أم الفريق الآخر؟
وجاءت المفاجأة الكبرى - للفريق العلماني والليبرالي والأقباط - أن غالبية الناخبين اختاروا راي التيار الإسلامي , فكانت النتيجة هي حوالي ٧٧ في المائة لــ ( نعم ) , والباقي كانت لــ ( لا ) وهنا بدأت المسائل تتغير في مصر...
يتبع إن شاء الله
.