الأحد، 10 يونيو، 2012
من قدُّكم ... وعندكم مادونا
محمد بن أحمد الفراج
يذوب القلب حسرة وحرقة، والعين ترى شام الفداء غارقا بدمائه، ثم يرتد طرفها، فيرى خليج اللهو والترف غارقا في لهوه وشهوه ...
مادونا المغنية الأمريكية المعتزلة من عشر سنين تحيي ليلة واحدة من عمرها الثمين بعشرة ملايين دولار فقط لا غير، ومعها جوقة صلبانها ورهبانها وطقوسها الكنسية، لم تفلح اعتراضات غيورين كثر عزّ عليهم أن تطغى صرخات العاهرة على صراخ من تبقى من أطفال سوريا، وأنين الموجوعات المفجوعات بأزواجهن وأولادهن وعفافهن في منعها، والمفاجأة المحزنة حين تقاتل الناس على التذاكر التي بلغت قيمتها أكثر من ألف درهم، وتحديدا ثلاث مائة دولار للواحدة، وتقاطروا من كل صوب، فقدر الجمهور باثنين وعشرين ألف رجل وامرأة..
حشر الجمهور المزدحم، وتأخرت نجمة هوليود عن موعدها ساعتين (ماعليها عرب متعودون وإيش وراهم، وما هو كثير على مادونا تستاهل ينتظر لها سنة) تركت الجمهور يغرق في دوامة الترقب والتكهن، وأخيرا أطلت عجوز أمريكا المتشببة بوجهها الكريه كوجه دولتها، ليغرق الجمهور في بحر من الصيحات والتحايا، والقبلات المنثورة في الأثير على أطراف الأصابع، ثم تحيي جمهورها بتحية أحسن منها، صرخت لهم -كما في التغطيات-: يا أولاد العاهرة، وكل ينفق مما عنده، وكل إناء بما فيه ينضح والشيء من معدنه غير غريب..
وبدأ العرض بخلفية صليب يعانق الثريا، وسجود رهبان لصليبهم ودق نواقيس، فأحسن الله العزاء لا في شهداء الشام، ولكن في صرعى مادونا...
أحلى التهاني بينكم مادونا ...من قدُّكم يا أيها البادونا
شرف عظيم للبلاد وأهلها ... والشرق كلٍّ والخليج قرونا
وبأي معجزة ترى قد وافقت ...وتلطفت وتكرمت مادونا
وبليلة جادت لكم من عمرها ...وبأربعين فقط لها مليونا
مسكينة غبنت نُفَيستها لكم ... لعيونكم قد أرخصته ثمينا
لكنها الدنيا حظوظ مثلما... غبط الفقير بحظه قارونا
لا تظهروا هذي المواهب للورى ... فالعين حق تقتل المعيونا
حقا أخذتم من مجوسَ بثأركم ... لما استحلوا جزركم باغينا
ضربوا بطنبَي داركم أطنابهم ... قالوا : ابن أمِّ أبٍ له يأتينا
لكنكم لقنتموهم عبرة ... هاهم أولاء لذلهم يبكونا
فجّرتموا ذرية وصنعتموا... ما فاق بي والإفَّ والتيفونا
لله دركمو ودر أبيكمو ... فكذا وإلا يهلك الراعونا
يا أمة حارت بفهم عقولها ...أذكى عباقرة الزمان ذهونا
أوَ عاقلا هذا الذي يرضى له... هذي الفعال تراه أو مجنونا
شهر حرام والمآسي حولنا... في الشام يغرق بالدما أهلونا
في كل دار رنة ومصيبة ... وأولاء في طغيناهم لاهونا
النائحات الثاكلات استنجدت ... في حمص في حلب وفي قابونا
أطفالهن تفحمت أجسادهم ... في نار طاغية الحمى نيرونا
يغرقن في بحر الدماء ومالها... منكم صلاح هبّ في حطينا
ساقوا البنات ودنسوا أعراضها... بقروا لهن من الغليل بطونا
والرفض يجمع بعدهم لخليجكم ... هول النواة ويشحذ السكينا
وغدا ترون جحافلا في أرضكم ... كالسيل يغمر أرضكم وحصونا
يُضْحي له كل الخليج أضاحيا... لا ضاحيا في حبله مقرونا
والمومسات شغلنكم وسبينكم ... من ذي العلوج ومن بني صهيونا
حتى وبعد الاعتزال بعثتمو... منها الموات لهن تستجدونا
ودفنتموها بالدراهم فانتشت ... تلك العجوز فأمطرت تلعينا
لولا المراهم والمِشَدُّ رأيتموا ... من ضيفكم ما يشبه التنينا
يا أحمق الخلق استحوا أشمَتُّموا... بالعُرْب رفضا في الديار ضغينا
ما تنقمون سوى غنى من ربكم ...فكفرتموا النعماء يا طاغونا
أنسيتم الأمس القريب وذلة ... ضربت عليكم قبل بضع سنينا
أيام كان عزيزكم متسولا... كفَّ الطعام معذبا مسكينا
من فقره يخفي فضول غدائه... لعشائه ويُخَمِّر الماعونا
كان اتحاد بلادكم محمية ... للإنجليز ممزقا وعضينا
من مصر ينتظر الأوامر ناظرا... برقية للسَّيرِ مَكْمَاهونا
واليوم هذا حالكم فبلادكم ...بطرا تعيش وفتنة ومجونا
فالهوا كما شئتم وخوضوا والعبوا... وتربصوا في لهوكم ماضينا
أنسيتمو سبأ وجنتها التي ... في آي ربي آية يحكونا
كفرت بنعمة ربها فأذاقها ...جوعا وخوفا والعذاب الهونا
نخشى عليكم والذي خلق الورى ... من حادث يذر العزيز مهينا
ومصاب داهية شديد وقعها ... يهوي لها جبل السراة وسينا
تلهو المراضع فيه عما أرضعت ... فزعا وتلقي المثقلات جنينا
تبكي العيون دما وما يجدي إذا ... أزف الحمام فرتلوا ياسينا