بسم الله الرحمن الرحيم
--------------------------------
أحييكم أيها الاخوة الكرام في الشبكة الوطنية الكويتية وأقدم لكم عبر المشاركات التالية هذه الرؤية عن تاريخ بريطانيا الطويل والحافل وذلك في إطار تقديم ترجمة السلسلة الوثائقية A History Of Britain. وأشير إلى أن هذا الموضوع تم ترتيبه حسب أهمية التطور التاريخي للأحداث والشخصيات في بريطانيا وتتطلب قراءته قدرا معينا من إدراك الفواصل الزمنية لتلك الفترات بناء على رغبة القاريء بالتعرف عليها حسب هذه الرؤية الشخصية.
ولكن قبل ذلك لا بد أن أشير لهذا الجهد المشترك بعمل هذه السلسلة الكبيرة عن تاريخ بريطانيا التي قدمها لنا البروفيسور سايمون شاما على مدار 15 حلقة استغرقت منا جهدا وعملا حثيثين استمر لأكثر من ثلاثة شهور أو أكثر قليلا، بذلنا أنا والاخ أحمد الزعبي عبرها كل ما نستطيع من أجل إظهار الترجمة على أكبر قدر ممكن الصحة والدقة، وما التوفيق بذلك إلا من عند الله. أما هذا التاريخ الوعر فقد مر بمراحل متعددة اسمحوا لي أن استعرض أهم ما مر به من تشكلات وتحولات وصولا إلى إحداث التأثير وتكوين شخصية الإنسان البريطاني بالعصر الحديث.
إلا أننا قبل ذلك سنعرج على تقديم نبذة بسيطة عن هذه السلسلة ومقدمها. السلسلة الوثائقية A History Of Britain من انتاج تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية BBC في عام 2000 واستمر لمدة ثلاثة مواسم متتالية بشكل متقطع ربما بسبب انتظار الحصول على النجاح والعائدات، وهو ما حصل عليه بالفعل وأدى لا ستمرار الحلقات إلى 15 حلقة لتقديم رؤية لتاريخ بريطانيا تصل إلى التاريخ البريطاني المعاصر.
مقدم البرنامج وكاتب نصه هو البروفيسور البريطاني سايمون شاما المؤرخ والمتخصص بمجال التاريخ الفني. ولد البروفيسور شاما عام 1945 في لندن في كنف أبوين يهوديين مهاجرين من أصول ليتوانية وتركية. وقد حاز على منحة دراسية بكلية المسيح بجامعة كامبريدج وتخرج "بامتياز نجمي" عام 1966. ثم قام بالتدريس بنفس الجامعة ثم حصل على الزمالة الجامعية من جامعة أوكسفورد متخصصا بالثورة الفرنسية عام 1976. ثم انتقل شاما بعد ذلك للعمل في أميركا حيث قبل مقعدا للتدريس بجامعة هارفارد بعام 1980.وهو يعمل الآن بجامعة كولومبيا منذ العام 1994، ومتخصص بالتاريخ الفني وتحديدا تاريخ التراث الهولندي منه. صدرت له العديد من المؤلفات كان من أبرزها كتاب "حقائق ميتة" Dead Certainties عام 1991. تم تكليفه بالعام 2000، بمناسبة حلول الألفية، من قبل هيئة الإذاعة البريطانية البي بي سي بعمل برنامج وثائقي متكامل عن تاريخ بريطانيا. وقد نشب خلاف حول اسلوب عرض هذه السلسلة بين المنتجين وبين شاما. فهم أرادوا عرض التاريخ البريطاني الشامل بحيث يكون اسم السلسلة The History Of Britain، بينما أصر هو على تقديم رؤيته الشخصية لهذا التاريخ بحيث يكون A History Of Britain. وبعد شد وجذب كانت الغلبة لرأي مقدم السلسلة لأنه هو من سيقوم بصياغة المادة العلمية للسلسلة فضلا عن كتابة نصها وتقديمها عبر جميع الحلقات. وقد تم الاتفاق بين الجميع استحالة عرض كل ملوك وأحداث تاريخ بريطانيا، بل تم عرض أبرز أحداث وتغيرات هذا التاريخ على بريطانيا والشخصية البريطانية. والاسلوب الذي عرضت به هذه السلسلة يتميز بشكل غير تقليدي بعرض التاريخ، حيث العمق والقراءة المعاصرة للتاريخ التي يصنعها الانسان البسيط والفرد العادي الذي قام بأداء انجازات يذكرها التاريخ وقد تؤثر وتغير من مجراه بدرجة أو بأخرى. وهذا العامل الذي اتبعه البروفيسور شاما كان قد دوّنه مؤسس علم الاجتماع والمؤرخ العربي ابن خلدون الذي أشار إلى
وأود هنا الانتقال إلى طرح رؤية خاصة حول تطور التاريخ البريطاني والشخصية البريطانية عبر المراحل التاريخية المفصلية بهذه البقعة المتطرفة من العالم والتي سادت على الكرة الأرضية ذات يوم وأصبحت الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس. وسيكون معياري لتطور هذه الشخصية هو عامل اللغة الإنجليزية وتحولاتها. ذلك إن معيار تطور اللغة أهم أداة لتقييم الشخصية والثقافة البريطانية عموما.
--------------------------------------------
غموض البداية
لا شك أن عدم وضوح بداية تحديد هوية من كان يعيش على الجزر البريطانية بالعصور الغابرة من فترة ما قبل التأريخ أمر طبيعي. لولا أنه تم اكتشاف مستعمرة بشرية تعود للعصر الحجري بجزيرة أوركني بشمال اسكتلندا تشير إلى وجود نوع من أنواع الحياة البشرية الحضرية بتلك الحقبة التي تم تحديدها ما بين 3100 قبل الميلاد إلى 2500 قبل الميلاد. فتم اعتبار تلك المنطقة مكانا أثريا ترعاه اليونيسكو. وليس من الواضح ما هي العوامل التي جعلت تلك الحياة البشرية المنظمة بمستعمرة سكارا براي تتعرض للأفول والزوال. فقد تكون عوامل تغير الطقس القاسية أو الكوارث الطبيعية الهائلة، أو توالي الحروب والغزوات الفتاكة من قبل القبائل المحيطة بتلك المنطقة.. لكن مع المعروف تاريخيا أن بريطانيا كانت تقع ضمن الثقافة السلتية أو الكلتية التي كانت منتشرة بعموم الغرب الأوروبي ما قبل وقوع الثقافة السلتية فيما بين مطرقة الامبراطورية الرومانية وسندان القبائل الجرمانية البربرية شديدة البأس . وما هو مؤكد أن بريطانيا تعرضت لاحقا لقدوم العديد من الزوار الذين بسطوا هيمنتهم عليها. كان أولهم بطبيعة الحال الرومان.
وصول الأباطرة الرومان لبريطانيا
بحلول العام 43 ميلادية كانت طلائع القوات الرومانية قد وصلت لبريطانيا إلا إنها لم تتمكن من فرض سيادتها إلا بعد مدة طويلة جدا. مما يشير إلى المقاومة الشديدة التي أبداها سكان هذه الجزر وكذلك صعوبة الوصل إليها حيث أن البحار المحيطة ببريطانيا غالبا ما تميل للهيجان وعدم الاستقرار. وقد يكون هناك سبب آخر ألا وهو الضربات المتتالية التي كانت تسددها القبائل الجرمانية للامبراطورية الرومانية عبر جميع أرجاء القارة العجوز ولن تكون بريطانيا استثناء على كل حال. وقد تكون غزوات الفايكينج والدانمركيين بسفنهم الطويلة قد حالت دون تحقيق الهيمنة الرومانية بوقت أسرع. وعموما، فإن السيطرة الرومانية على بريطانيا تحققت بحلول عام 410 ميلادية. فعمل الرومان على فرض اسلوب الحضارة الرومانية بالجزر البريطانية وجلبوا التطورات الجديدة في مجال الزراعة والعمران، والصناعة والهندسة المعمارية، وتركوا إرثا لا يزال واضحا حتى اليوم. لكن الرومان كانوا يشعرون بالقلق الدائم وذلك بسبب الغزوات القادمة من الشمال حيث القبائل المختلفة من السلتيين أو الفايكينج أو غيرهم. فأقدموا على عمل قد يكون ترك بعض الآثار على الشخصية البريطانية وهو الفصل وإحداث نزعة الإنقسام. ونعني بذلك سور هادريان الكبير.
قام الرومان إبان تولي الامبراطور هادريان بإنشاء سور ضخم يفصل الشمال البريطاني عن جنوبه وذلك لصد القبائل التي تغزو بين وقت لآخر فتقض مضاجع الحكّام الرومان الجدد. ثم ما لبثوا أن قاموا بإنشاء جدار آخر بالشمال من الأول سمّي بسور أنتونين ليكتمل الجدارين في غضون عشرين عاما وذلك سنة 142 ميلادية.
والحقيقة أن هذا الفصل ما بين الشمال والجنوب قد يكون خلّف بعض الآثار داخليا، حيث يلحظ المرء مدى عدم ارتياح الشمال البريطاني الفقير من الجنوب الغني حيث الرخاء والرفاهية إلى يومنا هذا. إلا إن هذه الأسوار كذلك كانت لها بعض المنافع التجارية والتبادلية بين طرفيها، فرب ضارة نافعة.
إلا أن الحُكم الروماني لم يكن ورديا أو بلا شوائب تماما. فقد كانت هناك الكثير من المظالم وطرق الاستعباد التي زرعت الأحقاد والكره بنفوس سكّان هذا الشعب. ولعل من أهم نماذج هذه المظالم نموذج الملكة المنتقمة بوديكا.
ربما تكون قصة الملكة بوديكا والتي شكلت أول ثورة في تاريخ بريطانيا ما بين عامي 60 و61 ميلادية، مليئة بالرومانسية الأسطورية، لكنها على أي حال تعبر بوضوح عن فكرة تحدي الحكم غير العادل، وتشير بجلاء لشخصية الانسان البريطاني الثائر والعنيف بشكل مبالغ به بأحيان كثيرة. ولا شك أن ثورة الملكة بوديكا قد أدت لحدوث نتائج إيجابية لاحقا رغم قمعها بقسوة من قبل روما التي أدركت أن نوع الحكم السابق لا يستقيم معه الوضع في بريطانيا بالذات وذلك لفداحة الخسأئر الرومانية بتلك الثورة حيث تقدر السجلات التاريخية أن 70 ألف جندي روماني وحليف قد ذبحوا من جراء ذلك التمرد الهائل. ورغم أنه رقم خيالي وقد يحتوي على كثير من المبالغة، إلا أن النتيجة المؤكدة هو تغير سلوك نظام الحكم الروماني لبريطانيا نحو الأفضل.
إلا إن الحال لم يدم بالامبراطورية الرومانية بعد تلك الحقبة، فقد جاءت نذر رياج الضعف والتبدل من روما التي تعرضت امبراطوريتها للانهيار والتفكك بسبب عوامل داخلية وضربات قبائل القوط المتوالية. فانسحبت القوات الرومانية بعد سقوط روما، وأضحت بريطانيا بشعبها السلتي آنذاك بلا حماية من كل المتربصين بها من الشرق والشمال. فأخذت تهاجمها باستمرار قبائل الفايكينج الدموية بما فيهم الدانمركيين والنورد (النرويجيين). فحاول السلتيون أول الأمر الاستنجاد ببقية الرومان إلا أن قضيتهم كانت خاسرة. ثم لجؤوا بعد ذلك إلى قبائل جرمانية أخرى ستغير مجرى تاريخهم إلى الأبد.
معيار التطور التاريخي اللغوي:
لم يكن بهذا الوقت من الحكم الروماني أي معلم واضح لوجود اللغة الانجليزية. لكن من المهم الإشارة إلى أن اللغة الانجليزية ولا زالت إلى اليوم تأخذ كثيرا من منابعها اللغوية من اللغة اللاتينية المستخدمة بعصر الامبراطورية الرومانية. وهناك الكثير من المفردات والكلمات الانجليزية الحالية مستمدة من الجذور اللاتينية بسبب الوجود الروماني ببريطانيا وفرضه الثقافة ثقافة تلك الحضارة السائدة آنذاك. ومن الممكن أنه تكون خليط ثقافي ولغوي معين بمرور الزمن ما بين الثقافتين الرومانية والسلتية، سيمتزج بدوره مع الثقافة الأنجلو-ساكسونية القادمة بقوة على الساحة البريطانية.
---------------------------------
هجرة القبائل ألأنجلو-ساكسونية لبريطانيا
لا شك أن القبائل الأنجلو-ساكسونية كما توضح الخريطة قادمة من شمال أوروبا وتحديدا من شمال ألمانيا وجنوب الدانمرك والنرويج والسويد. وهذه المجموعات القبلية الجرمانية تتكون أساسا من ثلاثة قبائل. الأنجلز، وهم الأكثر والأقوى وسميت البلاد على اسمهم Englaland أي بلاد الأنجليز ثم تغير لاحقا إلى England، والساكسون وهم من كانوا يقطنون ساكسونيا الحالية بشمال ألمانيا، وقبيلة الجوتيين وهي اليوم متمثلة بالدانمرك نفسها. وقد بدأ نزوحهم عام 449 ميلادية كما يذكر الراهب والمؤرخ المعروف بيد في كتابه المترجم من تاريخ الكنيسة والشعب الإنجليزي A History of English Church And People
ولقد كانت النتيجة عكسية على القبائل السلتية بعد الاستعانة بهذه القبائل الشرسة. حيث تعرضوا حسب ما وصفه أحد المؤرخين (المؤرخ ديفيد ستاركي - ح 1 سلسلة Monarchy) إلى أول عملية تطهير عرقي منظم من الأنجلو-ساكسون أدى إلى نزوح معظم السلتيين غربا أو التسلل نحو الأراضي الفرنسية. وتذكر الاكتشافات الحفرية أن الأنجلو-ساكسون قاموا بعملية إبادة للذكور من الشعوب الأصلية لبريطانيا والتعامل بوحشية مع الأناث ما بين إكراه واغتصاب وعنف شديد. النتيجة تمثلت بأن البلاد بمرور فترة وجيزة تعرضت لتغيير شامل سواء من النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وتكونت بهذه الفترة تحديدا الشخصية الانجليزية لبريطانيا. فمن الناحية السياسية نقلت هذه القبائل نظامها السياسي بحيث انقسمت البلاد إلى سبع ممالك شبه مستقلة وهي مملكة كينت ونورثومبريا وميرسيا وإيسيكس وساسيكس ويسيكس وإنجليا الشرقية. وكان الوضع العام يتأرجح ما بين هذه الممالك بمسألة حكم بريطانيا بشكل إجمالي. فتكون الغلبة عادة لأي ملك يظهر بقوة فيخضع له باقي الملوك وباقي البلاد. وكانت السيطرة أو الكلمة العليا تدين لحكام مملكة كينت بالقرن السادس ثم ما لبثت أن تفوقت مملكة نورثومبريا بالقرنين السابع والثامن ثم انتقل مركز القوة جنوبا لمصلحة مملكة ميرسيا بالقرن التاسع وهكذا دواليك حتى نهاية الحقبة الأنجلو-ساكسونية ببريطانيا بنهاية الألفية الأولى في هذا الزمان. ومن أشهر ملوك الأنجلو-ساكسون الملك ألفريد العظيم الذي حكم من الفترة 871 إلى 899 ميلادية. وقد تمت تسميته بهذا اللقب بعد نجاحه بدحر غزوات الفايكنج المستمرة على البلاد.
أماكن توزع الممالك الأنجلو-ساكسونية بحلول عام 800 م
تمثال الملك ألفريد
بميدان سوق وينتاج
دخلت بريطانيا المسيحية بحلول العام 597 ميلادية عندما أرسل البابا جريجوري الأول القديس أوغسطين مع مجموعة من المبشرين. فعملوا على بناء كاثدرائية كانتربيري وهي الكنيسة الرسمية لبريطانيا إلى يومنا هذا.
ملك مسلم لبريطانيا!
من غير المستغرب أن يكون الإسلام قد وصل لبريطانيا بهذه الفترة المبكرة في بريطانيا، فهذا الدين الحنيف قد بلغ أوجه بذلك التوقيت عبر الدولة العباسية، وآخر الاكتشافات الأثرية أكدت أن العديد من القطع النقدية والفخارية كانت قد وصلت أيضا لليابان في أقصى بقعة شرقية منعزلة من العالم، إلا أن السؤال المهم الذي يفرض نفسه، هل أسلم أحد ملوك بلاد الإنجلتار (كما كان العرب يطلقون على إنجلترا) بذلك الزمان؟
الملك أوفا: ملك ميرسيا وإنجلترا
لقد حيرت حكاية الملك أوفا -الذي حكم مملكة ميرسيا أولا ثم دان له حكم إنجلترا عموما ردحا طويلا من الزمن- المؤرخين وعلماء الآثار الذين اكتشفوا من بين الحفريات التي اكتشفوها عملات نقدية نقش عليها اسم الملك أوفا بالانجليزية وكذلك عبارات أخرى لم يفهموا معناها مباشرة. لكن سرعان ما تبين لهم أن العبارات المنقوشة على وجهي العملة لم تكن سوى عبارات باللغة العربية تذكر الآتي:
الوجه الأول للعملة منقوش به "لا إله إلا الله لا شريك له"، وفي حافته كتب "محمد رسول الله" وكذلك الآية القرآنية "وأرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله". وبالوجه الآخر كتب أيضا محمد رسول الله وفي وسط هذه الجملة سجل اسم الملك "أوفا" باللغة الإنجليزية، أما في الحافة فقد كتب باللغة العربية: "بسم الله، ضرب هذا الدينر (أي الدينار) سبع وخمسين ومئة". وكما يفهم من إمضاء الملك أوفا فإن هذه القطعة ضربت خلال الأعوام 757م ـ 796م وسنة 157هـ الواردة في قطعة النقد تصادف عام 774م وهي ضمن فترة حكم الملك "أوفا". مما يجعل المرء يتساءل عما إذا كان ذلك الملك قد أسلم بالفعل. ورغم أن أجابة قاطعة بهذا الشأن من الصعب توفرها، إلا أن ذلك يفتح الباب واسعا أمام الفرضيات المنطقية يطرحها الموقع الإلكتروني الذي نعرضه هنا. ولا يمكننا استبعاد أي من هذه الفرضيات ولا نتائجها المنطقية، إلا أن المؤرخين الغربيين لا يلجؤون لتحري الموضوعية بل يتذرعون بحجج لا تتسم بالقوة ودحض إمكانية إسلام ذلك الملك وهو ما عملت الفرضيات المذكورة على تفنيدها وتفسيرها بشكل منطقي دون مبالغة. ولعل من اجرأ المؤرخين الذين ناقشوا هذه الفرضية بشكل واضح المؤرخ البريطاني فرانك ستينتون. وقد ذكر ذلك الاستاذ دكتور مصفى حسن الكناني بكتابه الممتع عصر أوفا ملك إنجلترا الأنجلوساكسوني 757 - 796 م. وعلى أي حال سيبقى هذا الموضوع مثار جدل كبير ما لم يكن هناك دليل أثري يميط اللثام عن غموض هذا الملك.
معيار التطور التاريخي اللغوي:
من المؤكد أن الأنجلو-ساكسون بأمر هجرتهم واستيطانهم ببريطانيا قد أدى بهذا البلد إلى خلع عباءة اللغة اللاتينية التي تعرضت للاحتضار فيما بعد، وارتداء العباءة اللغوية التي ستسيطر عليهم بدءا من ذلك الزمن، اللغة الانجليزية. بدأت اللغة الإنجليزية القديمة Old English بالتداول بين الناس مع قدوم الحكام الأنجلو-ساكسون الجدد. ويتفق علماء تاريخ اللغة أن أصلها من اللغات الجرمانية، وهي قريبة ومرتبطة بدرجة ما مع اللغة الفريزية القديمة والتي يتم التحدث بها حاليا ببعض مناطق هولندا. واللغة الإنجليزية القديمة تختلف تماما عن اللغة الإنجليزية المتعارف عليها حاليا وتحتاج للترجمة حتى يتم استيعابها. وقد تم تداول اللغة الإنجليزية القديمة بالفترة ما بين العام 425 إلى 1125، حيث زال الحكم الأنجلو-ساكسوني على يد غزاة جدد.
---------------------------------
--------------------------------
أحييكم أيها الاخوة الكرام في الشبكة الوطنية الكويتية وأقدم لكم عبر المشاركات التالية هذه الرؤية عن تاريخ بريطانيا الطويل والحافل وذلك في إطار تقديم ترجمة السلسلة الوثائقية A History Of Britain. وأشير إلى أن هذا الموضوع تم ترتيبه حسب أهمية التطور التاريخي للأحداث والشخصيات في بريطانيا وتتطلب قراءته قدرا معينا من إدراك الفواصل الزمنية لتلك الفترات بناء على رغبة القاريء بالتعرف عليها حسب هذه الرؤية الشخصية.
ولكن قبل ذلك لا بد أن أشير لهذا الجهد المشترك بعمل هذه السلسلة الكبيرة عن تاريخ بريطانيا التي قدمها لنا البروفيسور سايمون شاما على مدار 15 حلقة استغرقت منا جهدا وعملا حثيثين استمر لأكثر من ثلاثة شهور أو أكثر قليلا، بذلنا أنا والاخ أحمد الزعبي عبرها كل ما نستطيع من أجل إظهار الترجمة على أكبر قدر ممكن الصحة والدقة، وما التوفيق بذلك إلا من عند الله. أما هذا التاريخ الوعر فقد مر بمراحل متعددة اسمحوا لي أن استعرض أهم ما مر به من تشكلات وتحولات وصولا إلى إحداث التأثير وتكوين شخصية الإنسان البريطاني بالعصر الحديث.
إلا أننا قبل ذلك سنعرج على تقديم نبذة بسيطة عن هذه السلسلة ومقدمها. السلسلة الوثائقية A History Of Britain من انتاج تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية BBC في عام 2000 واستمر لمدة ثلاثة مواسم متتالية بشكل متقطع ربما بسبب انتظار الحصول على النجاح والعائدات، وهو ما حصل عليه بالفعل وأدى لا ستمرار الحلقات إلى 15 حلقة لتقديم رؤية لتاريخ بريطانيا تصل إلى التاريخ البريطاني المعاصر.
مقدم البرنامج وكاتب نصه هو البروفيسور البريطاني سايمون شاما المؤرخ والمتخصص بمجال التاريخ الفني. ولد البروفيسور شاما عام 1945 في لندن في كنف أبوين يهوديين مهاجرين من أصول ليتوانية وتركية. وقد حاز على منحة دراسية بكلية المسيح بجامعة كامبريدج وتخرج "بامتياز نجمي" عام 1966. ثم قام بالتدريس بنفس الجامعة ثم حصل على الزمالة الجامعية من جامعة أوكسفورد متخصصا بالثورة الفرنسية عام 1976. ثم انتقل شاما بعد ذلك للعمل في أميركا حيث قبل مقعدا للتدريس بجامعة هارفارد بعام 1980.وهو يعمل الآن بجامعة كولومبيا منذ العام 1994، ومتخصص بالتاريخ الفني وتحديدا تاريخ التراث الهولندي منه. صدرت له العديد من المؤلفات كان من أبرزها كتاب "حقائق ميتة" Dead Certainties عام 1991. تم تكليفه بالعام 2000، بمناسبة حلول الألفية، من قبل هيئة الإذاعة البريطانية البي بي سي بعمل برنامج وثائقي متكامل عن تاريخ بريطانيا. وقد نشب خلاف حول اسلوب عرض هذه السلسلة بين المنتجين وبين شاما. فهم أرادوا عرض التاريخ البريطاني الشامل بحيث يكون اسم السلسلة The History Of Britain، بينما أصر هو على تقديم رؤيته الشخصية لهذا التاريخ بحيث يكون A History Of Britain. وبعد شد وجذب كانت الغلبة لرأي مقدم السلسلة لأنه هو من سيقوم بصياغة المادة العلمية للسلسلة فضلا عن كتابة نصها وتقديمها عبر جميع الحلقات. وقد تم الاتفاق بين الجميع استحالة عرض كل ملوك وأحداث تاريخ بريطانيا، بل تم عرض أبرز أحداث وتغيرات هذا التاريخ على بريطانيا والشخصية البريطانية. والاسلوب الذي عرضت به هذه السلسلة يتميز بشكل غير تقليدي بعرض التاريخ، حيث العمق والقراءة المعاصرة للتاريخ التي يصنعها الانسان البسيط والفرد العادي الذي قام بأداء انجازات يذكرها التاريخ وقد تؤثر وتغير من مجراه بدرجة أو بأخرى. وهذا العامل الذي اتبعه البروفيسور شاما كان قد دوّنه مؤسس علم الاجتماع والمؤرخ العربي ابن خلدون الذي أشار إلى
ومن مميزات هذه السلسلة أيضا تلك المظاهر الخاصة بها، كالجدية بالطرح وعدم المبالغة باستخدام التقنيات الحديثة، واعتمد منتجوا السلسلة على التواجد بذات مواقع الأحداث المختلفة في بريطانيا، أو حتى بخارج بريطانيا مثل فرنسا والولايات المتحدة وجزر الكاريبي والهند. ومن مميزاتها كذلك استخدام الموسيقى المناسبة التي تعبر عن روح المكان والشخصية حسب فتراتها الزمنية المتباينة."أن الوقائع التاريخية لا تحدث بمحض الصدفة أو بسبب قوى خارجية مجهولة، بل هي نتيجة عوامل كامنة داخل المجتمعات الإنسانية، لذلك انطلق في دراسته للأحداث التاريخية من الحركة الباطنية الجوهرية للتاريخ. فعلم التاريخ، وان كان (لايزيد في ظاهره عن أخبار الايام والدول) انما هو (في باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق وعلم بكيفيات الوقائع واسبابها عميق، لذلك فهو أصيل في الحكمة عريق، وجدير بأن يعد في علومها وخليق(المقدمة). فهو بذلك قد اتبع منهجا في دراسة التاريخ يجعل كل أحداثه ملازمة للعمران البشري وتسير وفق قانون ثابت."
وأود هنا الانتقال إلى طرح رؤية خاصة حول تطور التاريخ البريطاني والشخصية البريطانية عبر المراحل التاريخية المفصلية بهذه البقعة المتطرفة من العالم والتي سادت على الكرة الأرضية ذات يوم وأصبحت الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس. وسيكون معياري لتطور هذه الشخصية هو عامل اللغة الإنجليزية وتحولاتها. ذلك إن معيار تطور اللغة أهم أداة لتقييم الشخصية والثقافة البريطانية عموما.
--------------------------------------------
غموض البداية
لا شك أن عدم وضوح بداية تحديد هوية من كان يعيش على الجزر البريطانية بالعصور الغابرة من فترة ما قبل التأريخ أمر طبيعي. لولا أنه تم اكتشاف مستعمرة بشرية تعود للعصر الحجري بجزيرة أوركني بشمال اسكتلندا تشير إلى وجود نوع من أنواع الحياة البشرية الحضرية بتلك الحقبة التي تم تحديدها ما بين 3100 قبل الميلاد إلى 2500 قبل الميلاد. فتم اعتبار تلك المنطقة مكانا أثريا ترعاه اليونيسكو. وليس من الواضح ما هي العوامل التي جعلت تلك الحياة البشرية المنظمة بمستعمرة سكارا براي تتعرض للأفول والزوال. فقد تكون عوامل تغير الطقس القاسية أو الكوارث الطبيعية الهائلة، أو توالي الحروب والغزوات الفتاكة من قبل القبائل المحيطة بتلك المنطقة.. لكن مع المعروف تاريخيا أن بريطانيا كانت تقع ضمن الثقافة السلتية أو الكلتية التي كانت منتشرة بعموم الغرب الأوروبي ما قبل وقوع الثقافة السلتية فيما بين مطرقة الامبراطورية الرومانية وسندان القبائل الجرمانية البربرية شديدة البأس . وما هو مؤكد أن بريطانيا تعرضت لاحقا لقدوم العديد من الزوار الذين بسطوا هيمنتهم عليها. كان أولهم بطبيعة الحال الرومان.
وصول الأباطرة الرومان لبريطانيا
بحلول العام 43 ميلادية كانت طلائع القوات الرومانية قد وصلت لبريطانيا إلا إنها لم تتمكن من فرض سيادتها إلا بعد مدة طويلة جدا. مما يشير إلى المقاومة الشديدة التي أبداها سكان هذه الجزر وكذلك صعوبة الوصل إليها حيث أن البحار المحيطة ببريطانيا غالبا ما تميل للهيجان وعدم الاستقرار. وقد يكون هناك سبب آخر ألا وهو الضربات المتتالية التي كانت تسددها القبائل الجرمانية للامبراطورية الرومانية عبر جميع أرجاء القارة العجوز ولن تكون بريطانيا استثناء على كل حال. وقد تكون غزوات الفايكينج والدانمركيين بسفنهم الطويلة قد حالت دون تحقيق الهيمنة الرومانية بوقت أسرع. وعموما، فإن السيطرة الرومانية على بريطانيا تحققت بحلول عام 410 ميلادية. فعمل الرومان على فرض اسلوب الحضارة الرومانية بالجزر البريطانية وجلبوا التطورات الجديدة في مجال الزراعة والعمران، والصناعة والهندسة المعمارية، وتركوا إرثا لا يزال واضحا حتى اليوم. لكن الرومان كانوا يشعرون بالقلق الدائم وذلك بسبب الغزوات القادمة من الشمال حيث القبائل المختلفة من السلتيين أو الفايكينج أو غيرهم. فأقدموا على عمل قد يكون ترك بعض الآثار على الشخصية البريطانية وهو الفصل وإحداث نزعة الإنقسام. ونعني بذلك سور هادريان الكبير.
قام الرومان إبان تولي الامبراطور هادريان بإنشاء سور ضخم يفصل الشمال البريطاني عن جنوبه وذلك لصد القبائل التي تغزو بين وقت لآخر فتقض مضاجع الحكّام الرومان الجدد. ثم ما لبثوا أن قاموا بإنشاء جدار آخر بالشمال من الأول سمّي بسور أنتونين ليكتمل الجدارين في غضون عشرين عاما وذلك سنة 142 ميلادية.
والحقيقة أن هذا الفصل ما بين الشمال والجنوب قد يكون خلّف بعض الآثار داخليا، حيث يلحظ المرء مدى عدم ارتياح الشمال البريطاني الفقير من الجنوب الغني حيث الرخاء والرفاهية إلى يومنا هذا. إلا إن هذه الأسوار كذلك كانت لها بعض المنافع التجارية والتبادلية بين طرفيها، فرب ضارة نافعة.
إلا أن الحُكم الروماني لم يكن ورديا أو بلا شوائب تماما. فقد كانت هناك الكثير من المظالم وطرق الاستعباد التي زرعت الأحقاد والكره بنفوس سكّان هذا الشعب. ولعل من أهم نماذج هذه المظالم نموذج الملكة المنتقمة بوديكا.
ربما تكون قصة الملكة بوديكا والتي شكلت أول ثورة في تاريخ بريطانيا ما بين عامي 60 و61 ميلادية، مليئة بالرومانسية الأسطورية، لكنها على أي حال تعبر بوضوح عن فكرة تحدي الحكم غير العادل، وتشير بجلاء لشخصية الانسان البريطاني الثائر والعنيف بشكل مبالغ به بأحيان كثيرة. ولا شك أن ثورة الملكة بوديكا قد أدت لحدوث نتائج إيجابية لاحقا رغم قمعها بقسوة من قبل روما التي أدركت أن نوع الحكم السابق لا يستقيم معه الوضع في بريطانيا بالذات وذلك لفداحة الخسأئر الرومانية بتلك الثورة حيث تقدر السجلات التاريخية أن 70 ألف جندي روماني وحليف قد ذبحوا من جراء ذلك التمرد الهائل. ورغم أنه رقم خيالي وقد يحتوي على كثير من المبالغة، إلا أن النتيجة المؤكدة هو تغير سلوك نظام الحكم الروماني لبريطانيا نحو الأفضل.
إلا إن الحال لم يدم بالامبراطورية الرومانية بعد تلك الحقبة، فقد جاءت نذر رياج الضعف والتبدل من روما التي تعرضت امبراطوريتها للانهيار والتفكك بسبب عوامل داخلية وضربات قبائل القوط المتوالية. فانسحبت القوات الرومانية بعد سقوط روما، وأضحت بريطانيا بشعبها السلتي آنذاك بلا حماية من كل المتربصين بها من الشرق والشمال. فأخذت تهاجمها باستمرار قبائل الفايكينج الدموية بما فيهم الدانمركيين والنورد (النرويجيين). فحاول السلتيون أول الأمر الاستنجاد ببقية الرومان إلا أن قضيتهم كانت خاسرة. ثم لجؤوا بعد ذلك إلى قبائل جرمانية أخرى ستغير مجرى تاريخهم إلى الأبد.
معيار التطور التاريخي اللغوي:
لم يكن بهذا الوقت من الحكم الروماني أي معلم واضح لوجود اللغة الانجليزية. لكن من المهم الإشارة إلى أن اللغة الانجليزية ولا زالت إلى اليوم تأخذ كثيرا من منابعها اللغوية من اللغة اللاتينية المستخدمة بعصر الامبراطورية الرومانية. وهناك الكثير من المفردات والكلمات الانجليزية الحالية مستمدة من الجذور اللاتينية بسبب الوجود الروماني ببريطانيا وفرضه الثقافة ثقافة تلك الحضارة السائدة آنذاك. ومن الممكن أنه تكون خليط ثقافي ولغوي معين بمرور الزمن ما بين الثقافتين الرومانية والسلتية، سيمتزج بدوره مع الثقافة الأنجلو-ساكسونية القادمة بقوة على الساحة البريطانية.
---------------------------------
هجرة القبائل ألأنجلو-ساكسونية لبريطانيا
لا شك أن القبائل الأنجلو-ساكسونية كما توضح الخريطة قادمة من شمال أوروبا وتحديدا من شمال ألمانيا وجنوب الدانمرك والنرويج والسويد. وهذه المجموعات القبلية الجرمانية تتكون أساسا من ثلاثة قبائل. الأنجلز، وهم الأكثر والأقوى وسميت البلاد على اسمهم Englaland أي بلاد الأنجليز ثم تغير لاحقا إلى England، والساكسون وهم من كانوا يقطنون ساكسونيا الحالية بشمال ألمانيا، وقبيلة الجوتيين وهي اليوم متمثلة بالدانمرك نفسها. وقد بدأ نزوحهم عام 449 ميلادية كما يذكر الراهب والمؤرخ المعروف بيد في كتابه المترجم من تاريخ الكنيسة والشعب الإنجليزي A History of English Church And People
ولقد كانت النتيجة عكسية على القبائل السلتية بعد الاستعانة بهذه القبائل الشرسة. حيث تعرضوا حسب ما وصفه أحد المؤرخين (المؤرخ ديفيد ستاركي - ح 1 سلسلة Monarchy) إلى أول عملية تطهير عرقي منظم من الأنجلو-ساكسون أدى إلى نزوح معظم السلتيين غربا أو التسلل نحو الأراضي الفرنسية. وتذكر الاكتشافات الحفرية أن الأنجلو-ساكسون قاموا بعملية إبادة للذكور من الشعوب الأصلية لبريطانيا والتعامل بوحشية مع الأناث ما بين إكراه واغتصاب وعنف شديد. النتيجة تمثلت بأن البلاد بمرور فترة وجيزة تعرضت لتغيير شامل سواء من النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وتكونت بهذه الفترة تحديدا الشخصية الانجليزية لبريطانيا. فمن الناحية السياسية نقلت هذه القبائل نظامها السياسي بحيث انقسمت البلاد إلى سبع ممالك شبه مستقلة وهي مملكة كينت ونورثومبريا وميرسيا وإيسيكس وساسيكس ويسيكس وإنجليا الشرقية. وكان الوضع العام يتأرجح ما بين هذه الممالك بمسألة حكم بريطانيا بشكل إجمالي. فتكون الغلبة عادة لأي ملك يظهر بقوة فيخضع له باقي الملوك وباقي البلاد. وكانت السيطرة أو الكلمة العليا تدين لحكام مملكة كينت بالقرن السادس ثم ما لبثت أن تفوقت مملكة نورثومبريا بالقرنين السابع والثامن ثم انتقل مركز القوة جنوبا لمصلحة مملكة ميرسيا بالقرن التاسع وهكذا دواليك حتى نهاية الحقبة الأنجلو-ساكسونية ببريطانيا بنهاية الألفية الأولى في هذا الزمان. ومن أشهر ملوك الأنجلو-ساكسون الملك ألفريد العظيم الذي حكم من الفترة 871 إلى 899 ميلادية. وقد تمت تسميته بهذا اللقب بعد نجاحه بدحر غزوات الفايكنج المستمرة على البلاد.
أماكن توزع الممالك الأنجلو-ساكسونية بحلول عام 800 م
تمثال الملك ألفريد
بميدان سوق وينتاج
دخلت بريطانيا المسيحية بحلول العام 597 ميلادية عندما أرسل البابا جريجوري الأول القديس أوغسطين مع مجموعة من المبشرين. فعملوا على بناء كاثدرائية كانتربيري وهي الكنيسة الرسمية لبريطانيا إلى يومنا هذا.
ملك مسلم لبريطانيا!
من غير المستغرب أن يكون الإسلام قد وصل لبريطانيا بهذه الفترة المبكرة في بريطانيا، فهذا الدين الحنيف قد بلغ أوجه بذلك التوقيت عبر الدولة العباسية، وآخر الاكتشافات الأثرية أكدت أن العديد من القطع النقدية والفخارية كانت قد وصلت أيضا لليابان في أقصى بقعة شرقية منعزلة من العالم، إلا أن السؤال المهم الذي يفرض نفسه، هل أسلم أحد ملوك بلاد الإنجلتار (كما كان العرب يطلقون على إنجلترا) بذلك الزمان؟
الملك أوفا: ملك ميرسيا وإنجلترا
لقد حيرت حكاية الملك أوفا -الذي حكم مملكة ميرسيا أولا ثم دان له حكم إنجلترا عموما ردحا طويلا من الزمن- المؤرخين وعلماء الآثار الذين اكتشفوا من بين الحفريات التي اكتشفوها عملات نقدية نقش عليها اسم الملك أوفا بالانجليزية وكذلك عبارات أخرى لم يفهموا معناها مباشرة. لكن سرعان ما تبين لهم أن العبارات المنقوشة على وجهي العملة لم تكن سوى عبارات باللغة العربية تذكر الآتي:
الوجه الأول للعملة منقوش به "لا إله إلا الله لا شريك له"، وفي حافته كتب "محمد رسول الله" وكذلك الآية القرآنية "وأرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله". وبالوجه الآخر كتب أيضا محمد رسول الله وفي وسط هذه الجملة سجل اسم الملك "أوفا" باللغة الإنجليزية، أما في الحافة فقد كتب باللغة العربية: "بسم الله، ضرب هذا الدينر (أي الدينار) سبع وخمسين ومئة". وكما يفهم من إمضاء الملك أوفا فإن هذه القطعة ضربت خلال الأعوام 757م ـ 796م وسنة 157هـ الواردة في قطعة النقد تصادف عام 774م وهي ضمن فترة حكم الملك "أوفا". مما يجعل المرء يتساءل عما إذا كان ذلك الملك قد أسلم بالفعل. ورغم أن أجابة قاطعة بهذا الشأن من الصعب توفرها، إلا أن ذلك يفتح الباب واسعا أمام الفرضيات المنطقية يطرحها الموقع الإلكتروني الذي نعرضه هنا. ولا يمكننا استبعاد أي من هذه الفرضيات ولا نتائجها المنطقية، إلا أن المؤرخين الغربيين لا يلجؤون لتحري الموضوعية بل يتذرعون بحجج لا تتسم بالقوة ودحض إمكانية إسلام ذلك الملك وهو ما عملت الفرضيات المذكورة على تفنيدها وتفسيرها بشكل منطقي دون مبالغة. ولعل من اجرأ المؤرخين الذين ناقشوا هذه الفرضية بشكل واضح المؤرخ البريطاني فرانك ستينتون. وقد ذكر ذلك الاستاذ دكتور مصفى حسن الكناني بكتابه الممتع عصر أوفا ملك إنجلترا الأنجلوساكسوني 757 - 796 م. وعلى أي حال سيبقى هذا الموضوع مثار جدل كبير ما لم يكن هناك دليل أثري يميط اللثام عن غموض هذا الملك.
معيار التطور التاريخي اللغوي:
من المؤكد أن الأنجلو-ساكسون بأمر هجرتهم واستيطانهم ببريطانيا قد أدى بهذا البلد إلى خلع عباءة اللغة اللاتينية التي تعرضت للاحتضار فيما بعد، وارتداء العباءة اللغوية التي ستسيطر عليهم بدءا من ذلك الزمن، اللغة الانجليزية. بدأت اللغة الإنجليزية القديمة Old English بالتداول بين الناس مع قدوم الحكام الأنجلو-ساكسون الجدد. ويتفق علماء تاريخ اللغة أن أصلها من اللغات الجرمانية، وهي قريبة ومرتبطة بدرجة ما مع اللغة الفريزية القديمة والتي يتم التحدث بها حاليا ببعض مناطق هولندا. واللغة الإنجليزية القديمة تختلف تماما عن اللغة الإنجليزية المتعارف عليها حاليا وتحتاج للترجمة حتى يتم استيعابها. وقد تم تداول اللغة الإنجليزية القديمة بالفترة ما بين العام 425 إلى 1125، حيث زال الحكم الأنجلو-ساكسوني على يد غزاة جدد.
---------------------------------
تابع الموضوع