روائع من من الحكم و البلاغه و العلم بقصه واحده

خرج الحجاج بن يوسف ذات يوم في الصيد فرأى تسعة كلاب إلى جانب صبي صغير السن عمره نحو عشر سنوات وله ذوائب.​

فقال له الحجاج : ماذا تفعل هنا أيها الغلام ؟​

فرفع الصبي طرفه إليه وقال له : يا حامل الأخبار لقد نظرت إلىّ بعين الاحتقار وكلمتني بالافتخار​

وكلامك كلام جبار وعقلك عقل حمار.​

فقال الحجاج له : أما عرفتني ؟​

فقال الغلام : عرفتك بسواد وجهك لأنك أتيت بالكلام قبل السلام.​

فقال الحجاج أ ويلك أنا الحجاج بن يوسف.​

فقال الغلام : لا قرب الله دارك ولا مزارك فما أكثر كلامك وأقل إكرامك .​

فما أتم كلامه إلا والجيوش حلّقت عليه من كل جانب وكل واحد يقول السلام عليك يا أمير المؤمنين ،​

فقال الحجاج: أحفظوا هذا الغلام فقد أوجعني بالكلام فأخذوا الغلام فرجع الحجاج إلى قصره فجلس في​

مجلسه والناس حوله جالسون ومن هيبته مطرقون وهو بينهم كالأسد ثم طلب إحضار الغلام فلما مثل بين​

يديه ،ورأى الوزراء و أهل الدولة لم يخشى منهم​

بل قال : السلام عليكم فلم يرد الحجاج السلام فرفع الغلام رأسه وأدار نظره فرأى بناء القصر عالياً ومزين​

بالنقوش والفسيفساء وهو في غاية الإبداع والإتقان.​

فقال الغلام : أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاستوي​

الحجاج جالساً وكان متكئاً​

فقالوا للغلام : يا قليل الأدب لماذا لم تسلم على أمير المؤمنين السلام اللائق ولماذا لم تتأدب في حضرته ؟​

فقال الغلام : يا براغيث الحمير منعني عن ذلك التعب في الطريق وطلوع الدرج أما السلام فعلى أمير​

المؤمنين وأصحابه ، يعني السلام على علىّ بن أبى طالب وأصحابه​

فقال الحجاج : يا غلام لقد حضرت في يوم تم فيه أجلك وخاب فيه أملك.​

فقال الغلام : والله يا حجاج أن كان في أجلي تأخير لم يضرني من كلامك لا قليل ولا كثير.​

فقال بعض الغلمان : لقد بلغت من جهلك يا خبيث أن تخاطب أمير المؤمنين كما تخاطب غلاماً مثلك يا قليل​

الآداب انظر من تخاطب وأجبه بأدب واحترام فهو أمير العراق والشام.​

فقال الغلام : أما سمعتم قوله تعالى " كل نفس تجادل عن نفسها"​

فقال الحجاج : فمن عنيت بكلامك أيها الغلام ؟​

قال : عنيت به على بن أبى طالب وأصحابه وأنت يا حجاج على من تسلم ؟​

فقال الحجاج : على عبد الملك مروان.​

فقال الغلام : عبد الملك الفاجر عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.​

فقال الحجاج : ولم ذلك يا غلام ؟​

فقال : لأنه أخطأ خطيئة عظيمة مات بسببها خلق كثير فقال بعض الجلساء اقتله يا أمير المؤمنين فقد خالف​

الطاعة وفارق الجماعة وشتم عبد لملك بن مروان.​

فقال الغلام : يا حجاج أصلح جلسائك فإنهم جاهلون فأشار الحجاج لجلسائه بالصمت.​

ثم سأله الحجاج : هل تعرف أخي؟​

فقال الغلام : أخوك فرعون حين جاءه موسى وهارون ليخلعوه عن عرشه فاستشار جلسائه.​

فقال الحجاج : اضربوا عنقه.​

فقال له الرقاشي : هبني إياه يا أمير المؤمنين أصلح الله شأنك.​

فقال الحجاج : هو لك لا بارك الله فيه.​

فقال الغلام : لا شكر للواهب ولا للمستوهب.​

فقال الرقاشي : أنا أريد خلاصك من الموت فتخاطبني بهذا الكلام ثم التفت الرقاشي إلى الحجاج وقال له:​

افعل ما تريد يا أمير المؤمنين.​

فقال الحجاج للغلام : من أي بلد أنت ؟​

فقال للغلام: من مصر.​

فقال له الحجاج : من مدينة الفاسقين .​

فقال الغلام : ولماذا أسميتها مدينة الفاسقين ؟​

قال الحجاج : لأن شرابها من ذهب ونسائها لعب ونيلها عجب وأهلها لا عجم ولا عرب.​

فقال الغلام : لستُ منهم.​

فقال الحجاج : من أي بلد إذن ؟​

قال الغلام : أنا من أهل خرسان.​

فقال الحجاج : من شر مكان وأقل الأديان.​

فقال الغلام : ولم ذلك يا حجاج ؟​

فقال : لأنهم عجم أعجام مثل البهائم والأغنام كلامهم ثقيل و غنيهم بخيل.​

فقال الغلام : لستُ منهم.​

فقال الحجاج : من أين أنت ؟​

قال : أنا من مدينة الشام.​

قال الحجاج : أنت من أحسن البلدان وأغضب مكان وأغلظ أبدان .​

قال الغلام : لستُ منهم.​

قال الحجاج : فمن أين إذن؟​

قال الغلام : من اليمن.​

فقال الحجاج : أنت من بلد غير مشكور.​

قال الغلام: ولم ذلك؟​

قال الحجاج : لأن صوتهم مليح و عاقلهم يستعمل الزمر و جاهلهم يشرب الخمر.​

قال الغلام : أنا لستُ منهم.​

قال الحجاج : فمن أين إذن؟​

قال الغلام : أنا من أهل مكة.​

فقال الحجاج : أنت إذن من أهل اللؤم والجهل وقلة العقل.​

فقال الغلام : ولم ذلك ؟​

قال : لأنهم قوم بعث فيهم نبي كريم فكذبوه وطردوه وخرج من بينهم إلى قوم أحبوه وأكرموه.​

فقال الغلام : أنا لستُ منهم.​

فقال الحجاج : لقد كثرت جواباتك علي وقلبي يحدثني بقتلك.​

فقال الغلام : لو كان أجلي بيدك لما عبدت سواك ولكن اعلم يا حجاج أني أنا من أهل طيبة مدينة رسول الله​

صلى الله عليه وسلم.​

فقال الحجاج : نعمت المدينة أهلها أهل الإيمان والإحسان فمن أي قبيلة أنت ؟​

فقال الغلام : من ثلى بني غالب من سلالة علي بن أبى طالب عليه السلام وكل نسب وحسب ينقطع إلا حسبنا​

و نسبنا فإنه لا ينقطع إلى يوم القيامة فاغتاظ الحجاج غيظاً شديداً وأمر بقتله.​

فقال له كل من حضر من الوزراء : ولكنه لا يستحق القتل وهو دون سن البلوغ أيها الأمير.​

فقال الحجاج : لا بد من قتله ولو يناد منادى من السماء.​

فقال الغلام: ما أنت بنبي حتى يناديك مناد من السماء.​

فقال الحجاج : ومن يحول بيني وبين قتلك.​

فقال الغلام : يحول بينك وبين قتلي ما يحول بين المرء وقلبه.​

فقال الحجاج : وهو الذي يعينني على قتلك.​

فقال الغلام : كلا إنما يعينك على قتلي شيطانك و أعوذ بالله منك ومنه.​

فقال الحجاج : أراك تجاوبني على كل سؤال فأخبرني ما يقرب العبد من ربه؟​

فقال الغلام : الصوم والصلاة والزكاة والحج .​

فقال الحجاج: أنا أتقرب إلى الله بدمك لأنك قلت أنك من أولاد الحسن والحسين.​

فقال الغلام : من غير خوف ولا جزع أنا من أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان أجلي بيدك فقد حضر شيطانك يعينك على فساد آخرتك.​

فأجابه الحجاج : أتقول أنك من أولاد الرسول وتكره الموت؟​

قال الغلام : قال الله تعالى " ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة"​

قال الحجاج : ابن من أنت ؟​

قال الغلام : أنا ابن أبي و أمي.​

فسأله الحجاج : من أين جئت ؟​

قال الغلام : على رحب الأرض.​

فقال الحجاج : أخبرني من أكرم العرب؟​

فأجاب الغلام : بنو طي .​

فسأله الحجاج : ولم ذلك ؟​

فقال الغلام: لأن حاتم الأصم منهم.​

فقال الحجاج : فمن أشرف العرب ؟​

قال الغلام : بنو مضر.​

فقال الحجاج : ولم ذلك؟​

فقال الغلام : لأن محمد صلى الله عليه وسلم منهم.​

فقال الحجاج : فمن أشجع العرب ؟​

فقال الغلام : بنو هاشم لأن علي بن أبي طالب منهم .​

فقال الحجاج: فمن أنجس العرب و أبخلهم وأقلها خيراً ؟​

فقال الغلام : بنو ثقيف لأنك أنت منهم وفي الحديث الشريف يظهر من بنو ثقيف نمرود وكذاب فالكذاب​

مسيلمة والنمرود أنت فأغتاظ الحجاج غيظاً شديداً وأمر بقتله فشفع به الحاضرون فشفعهم فيه وسكن​

غضبه قليلاً ؛؛​

وقال الحجاج : أين تركت الإبل ذات القرون ؟​

فقال الغلام : تركتها ترعى أوراق الصوان.​

فصاح الحجاج به قائلاً : يا قليل العقل ويا بعيد الذهن هل للصوان ورق؟​

فقال الغلام : وهل للإبل قرون ؟​

فقال الحجاج : هل حفظت القرآن ؟​

فقال الغلام : هل القرآن هارب منى حتى أحفظه.​

فسأله الحجاج : هل جمعت القرآن ؟​

فقال الغلام : وهل هو متفرق حتى أجمعه ؟​

فقال له الحجاج : أما فهمت سؤالي .​

فأجابه الغلام : ينبغي لك أن تقول هل قرأت القرآن وفهمت ما فيه.​

فقال الحجاج : فأخبرني عن آية في القرآن أعظم؟ وآية أحكم؟​

وآية أعدل ؟ وآية أخوف ؟ وآية أرجى ؟ وآية فيها عشر آيات بينات؟ وآية كذب فيها أولاد الأنبياء؟ وآية​

صدق فيها اليهود والنصارى ؟ وآية قالها الله تعالى لنفسه؟ وآية فيها قول الملائكة؟ و آية فيها قول أهل​

الجنة؟ وآية فيها قول أهل النار؟ وآية فيها قول إبليس ؟؟؟​

فقال الغلام : أما أعظم آية فهي آية الكرسي​

وأحكم آية إن الله يأمر بالعدل والإحسان​

وأعدل آية فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره​

وأخوف آية أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم​

وأرجى آية قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعها​

وآية فيها عشر آيات بينات هي إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب​

وأما الآية التي كذب فيها أولاد الأنبياء فهي وجاءوا على قميصه بدم كذب وهم إخوة يوسف كذبوا ودخلوا الجنة​

وأما الآية التي صدق فيها اليهود والنصارى فهي وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت​

النصارى ليست اليهود على شيء فصدقوا ودخلوا النار​

والآية التي قالها الله تعالى لنفسه هي وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد​

أن يطمعون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين​

وآية فيها قول الأنبياء وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فل يتوكل المؤمنون​

وآية فيها قول الملائكة سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم​

و أية فيها قول أهل الجنة الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور​

وآية فيها قول أهل النار ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون​

وآية فيها قول إبليس أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين​

فقال الحجاج : أخبرني عمن خُلق من الهواء ؟ ومن حُفظ بالهواء ؟ ومن هلك بالهواء ؟​

فقال الغلام : الذي خلق من الهواء سيدنا عيسى عليه السلام؛؛ والذي حفظ بالهواء سيدنا سليمان بن داود​

عليهما السلام ؛ وأما الذي هلك بالهواء فهم قوم هود.​

فقال الحجاج : فأخبرني عمن خُلق من الخشب ؟ والذي حُفظ بالخشب ؟ والذي هلك بالخشب ؟​

فقال الغلام : الذي خلق من الخشب هي الحية خلقت من عصا موسى عليه السلام؛؛ والذي حفظ بالخشب​

نوح عليه السلام؛؛ والذي هلك بالخشب زكريا عليه السلام.​

فقال الحجاج: فأخبرني عمن خُلق من الماء ؟ ومن نجا من الماء ؟ ومن هلك بالماء ؟​

فقال الغلام: الذي خلق من الماء فهو أبونا آدم عليه السلام؛؛ والذي نجا من الماء موسى عليه السلام؛؛​

والذي هلك بالماء فرعون.​

فقال الحجاج : فأخبرني عمن خُلق من النار ؟ ومن حُفظ من النار ؟​

فقال الغلام : الذي خُلق من النار إبليس؛؛ والذي نجا من النار إبراهيم عليه السلام.​

فقال الحجاج : فأخبرني عن أنهار الجنة وعددها ؟​

فقال الغلام : أنهار الجنة كثيرة لا يعلم عددها إلا الله تعالى كما قال في كتابه العزيز فيها انهار من ماء غير​

آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى... وكلها تجري في​

محل واحد لا يختلط بعضها ببعض ويوجد نظيره في الدنيا وهو في رأس بنى آدم طعم عينه مالح وطعم أذنه​

مر وطعم فمه عذب .​

فقال الحجاج : إن أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يتغوطون فهل يوجد مثلهم في الدنيا ؟​

فقال الغلام : الجنين في بطن أمه يأكل ويشرب ولا يتغوط.​

فقال الحجاج : فما أول قطرة من دم؟​

فقال الغلام : هي حيض حواء.​

فقال الحجاج : فأخبرني عن العقل ؟ والإيمان ؟ والحياء ؟ والسخاء ؟ والشجاعة ؟ والكرم؟ والشهوة ؟​

فقال الغلام : إن الله قسم العقل عشرة أقسام جعل تسعة في الرجال وواحداً في النساء ؛؛والإيمان عشرة​

تسعة في اليمن وواحداً في بقية الدنيا؛؛ والحياء عشرة تسعة في النساء وواحداً في الرجال؛؛ والسخاء​

عشرة تسعة في الرجال وواحداً في النساء؛؛ والشجاعة والكرم عشرة تسعة في العرب وواحداً في بقية​

العالم؛؛ والشهوة عشرة أقسام تسعة في النساء وواحداً في الرجال.​

فقال الحجاج : فأخبرني ما يجب على المسلم في السنة مرة ؟​

فقال الغلام : صيام رمضان.​

فقال الحجاج : وما يجب في العمر مرة ؟​

فقال الغلام : الحج إلى بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلا .​

فقال الحجاج : فأخبرني عن أقرب شيء إليك ؟​

فقال الغلام : الآخرة .​

ثم قال الحجاج: سبحان الله يأتي الحكمة من يشاء من عباده ما رأيت صبياً أتاه الله العلم والعقل والذكاء مثل هذا الغلام.​

فقال الغلام : أنا أهل لذلك.​

فقال الحجاج : فمن أحق الناس بالخلافة ؟​

فقال الغلام : الذي يعفو ويصفح ويعدل بين الناس.​


فقال الحجاج : فأخبرني عن النساء ؟​

فقال الغلام : أتسألني عن النساء وأنا صغير لم أطـّلع بعد على أحوالهن و رغائبهن ومعاشرتهن ولكني​

سأذكر لك المشهور من أمورهن؛؛ فبنت العشر سنين من الحور العين؛؛ وبنت العشرين نزهة للناظرين؛؛​

وبنت الثلاثين جنة نعيم ؛؛وبنت الأربعين شحم ولين؛؛ وبنت الخمسين بنات وبنين؛؛ وبنت الستين ما بها​

فائدة للسائلين؛؛ وبنت السبعين عجوز في الغابرين؛؛ وبنت التسعين شيطان رجيم؛؛ وبنت المائة من أصحاب الجحيم.​

فضحك الحجاج وقال: أي النساء أحسن؟​

فقال الغلام : ذات الدلال الكامل والجمال الوافر والنطق الفصيح التي يهتز نهدها ويرتاح ردفها.​

فقال له الحجاج : أخبرني عن أول من نطق في الشعر؟​

فقال الغلام : آدم عليه السلام وذلك لما قتل قابيل أخاه هابيل.​

أنشد آدم يقول :​





بكت عيني وحـق لهـا بكاهـادمـع العيـن منهمـل يسـيـح​




فما لي لا أجود بسكـب دمـعهابيـل تضمّـنـه الضـريـح​




رمـى قابيـل هابيـلاً أخــاهالحد في الثرى الوجه الصبيـح​




تغيـرت البـلاد ومـن عليهـاوجـه الأرض مغبـر كشيـح​




تبـدل كـل ذي طعـم ولـونفقـدك يـا صبيـح يـا مليـح​




أيـا هابيـل إن تقتـل فـإنـيليـك الدهـر مكتئـب قـريـح​




فأنت حياة من في الأرض جميعاًقـد فقـدوك يـا روح وريـح​




وأنت رجيح قـدر يـا فصيـحليـم بـل سميـح بـل صبيـح​




ولست ميـت بـل أنـت حـيقابيـل الشقـي هـو الطريـح​




عليه السخط مـن رب البرايـاأنـت عليـك تسليـم صريـح​







فأجابه إبليس يقول :​





تنوح على البـلاد ومـن عليهـافي الفردوس قد ضاق بك الفسيح​




وكنت بها وزوجـك فـي نعيـمن المولـى وقلبـك مستـريـح​




خدعتك في دهائي ثـم مكـريلى أن فاتـك العيـش الرشيـح​







فقال الحجاج : أخبرني يا غلام عن أجود بيت قالته العرب في الكرم ؟​

فقال الغلام : هو بيت حاتم طي.​

حيث يقول: ـــ​





وأكرم الضيف حتما حين يطرقنيبل العيال على عسـر و إيسـار​







فقال الحجاج : أحسنت يا غلام وأجملت وقد غمرتنا ببحر علمك فوجب علينا إكرامك ثم أمر له بألف دينار وكسوة حسنة​

و جارية وسيف وفرس.​

وقال الحجاج في نفسه : إن أخذ الفرس نجا وإن أخذ غيرها قتلته فلما قدمها له.​

ثم قال الحجاج : خذ ما تريد يا غلام فغمزته الجارية.​

وقالت : خذني أنا خير من الجميع فضحك الغلام وقال ليس لي بك حاجة وأنشد يقول : ـــ​





و قرقعت اللجان برأس حمراًأحـب إلـىّ ممـا تغمزنـي​




أخاف إذا وقعت على فراشيوطالت علتي لا تصحبينـي​




أخاف إذا وقعنا في مضيـقوجار الدهر بي لا تنصريني​




أخاف إذا فقدت المال عنـديتميلي للخصـام وتهجرينـي​







فأجابته الجارية تقول : ــ​





معـاذ الله أفعـل مـا تقـولولو قطعت شمالي مع يمينـي​




وأكتم سر زوجي في ضميريوأقنع باليسيـر ومـا يجينـي​




إذا عاشرتني وعرفت طبعـيستعلم أننـي خيـر القريـن​






فقال الحجاج : ويلك ألا تستحين تغمزينه وتجاوبينه بالشعر.​

فقال الغلام : إن كنت تخيرني فإنني أختار الفرس أما إن كنت ابن حلال فتعطيني الجميع.​

فقال الحجاج : خذهم لا بارك الله لك فيهم.​

فقال الغلام : قبلتهم لا أخلف الله عليك غيرهم ولا جمعني بك مرة أخرى.​

ثم قال الغلام : من أين أخرج يا حجاج ؟​

فأجابه الحجاج : أخرج من ذاك الباب فهو باب السلام.​

فقال الجلساء للحجاج : هذا جلف من أجلاف العرب أتى إليك وسبك وأخذ مالك فتدله على باب السلام ولم​

تدله على باب النقمة والعذاب ؟​

فقال الحجاج : إنه استشارني والمستشار مؤتمن...​

وخرج الغلام من بين يدي الحجاج سالماً غانماً بفضل ذكائه وفهمه ومعرفته وحسن إطلاعه​
 
أعلى