حوار الأديان و الحضارات ..

الموسوي

عضو مخضرم
بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وال محمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..


قال تعالى " ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " النحل/ 125


انطلاقا من الآية الكريمة سوف يقع حديثنا في ثلاث محاور أساسيّة عن مبادئ الحوار :


الأول : انسانية الحوار

الثاني : نسبيّة الحوار

الثالث : أصول الحوار الديني


***


المحور الأول : انسانيّة الحوار


انسانيّة الحوار نريد به أن الحوار حالة متأصلة في الانسان فنحن عندما نرجع الى القرآن الكريم نقف أمام قوله تعالى " وكان الانسان أكثر شيئا جدلا " عندما نتأمّل هذه الآية نصل الى ان حالة الحوار والجدال حالة متأصلة بالنفس البشرية فالجدال والمناقشة ظاهرة انسانية طبيعية والسر في ذلك أن هناك نزعتان لدى الانسان نعرف من خلالهما أن الحوار ظاهرة انسانية متأصلة , أما الأولى هي غريزة دفع الألم , والثانية هي غريزة المحاكاة .

غريزة دفع الألم تدفع الانسان الى الثأر لشخصيته ومعتقده والاستعداد لخوض الحروب في سبيل مبدأ أو عقيدة أو أي مفردة أخرى , كذلك تبعث الانسان الى الحوار والجدال , فالانسان اذا آمن بفكرة ومبدأ معين وحس أن الطرف الآخر يحاول أن يسلبه هذا المعتقد فتراه يمارس الحوار والجدل لأنه لا يريد أن يعيش ألم سقوط المعتقد والفكرة الراسخة في ذهنه .



والنزعة الأصيلة الأخرى هي نزعة المحاكاة , فالطفل يحاكي أباه , والتلميذ يحاكي استاذه , والحضارة المتخلفة تحاكي الحضارة المتقدمة فهذه النزعة الذاتية تؤدي بالانسان الى محاكاة الحياة وما يكون فيها , فالحياة ميدان للتنافس الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والديني , فعندما يرى الانسان ان الحياة عبارة عن صراعات بين الاطراف المختلفة فهو يحاكي بيئته بشكل او بآخر لذا نرى الانسان يكبر ومعه ظاهرة الجدل والحوار .


المحور الثاني : نسبيّة الحوار


نسبيّة الحوار وهي على نظريتين , الأولى يطرحها علماء الاجتماع أن الحوار يستند الى التعددية ونسبية الحقيقة , أما النظرية الأخرى تستند الى ان الحوار الديني يستند الى وحدوية الحقيقة والحقيقة المطلقة التي لا نسبيّة فيها .



لكي نقرّب الصورة نقول , أن هناك مفهومين شائعين وهما حوار الحضارات , وحوار الأديان , فحوار الحضارات , حوار وجدال يقبل التعددية والنسبيّة بلا شك , أما حوار الأديان فهو لا يقبل النسبيّة بل حقيقة مطلقة واحدة .


كيف ؟


حوار الحضارات يختزن التعددية , ففي عصرنا الحاضر لدينا حضارتان شامختان الأولى الحضارة المادية والثانية الحضارة الاسلاميّة , اما الحضارة المادية فقد برعت في المجال التكنولوجي بكل اشكاله , فيمكن لنا ان نقول أن الحضارة الغربية نالت نصيبا من الحقيقة في المجال التكنولوجي أما الحضارة الاسلامية أخفقت في المجال التكنولوجي فهي تابعة ومقلّدة , لكنّ الحضارة الاسلامية ( في عصرنا الحالي ) على عللها المادية مازالت تصنع المبادئ والقيم , فبامكاننا أن نقول أن الحضارة الغربية نالت نصيبا من الحقيقة في المجال المادي أما الحضارة الاسلامية نالت نصيبا من الحقيقة في المجال الروحي فمقتضى نصيب كل من الحضارتين ينشأ لدينا حوار الحضارات ( النسبي ) التعددي .



فنظريّة حوار الحضارات تنطلق أن كل من الحضارات لديها نصيبا من الحقيقة فهنا وجب أن يكون هناك حوار بينها بشكل أو بآخر يؤدي الى تفاعل وتكامل .



أما حوار الأديان , كالحوار الاسلامي المسيحي , الاسلامي اليهودي , الحوار المذهبي كالحوار السني الشيعي وغيرها , هذا الحوار يختلف تماما عن حوار الحضارات فالمسألة هنا ( حقيقة وحدوية مطلقة ) غير قابلة ( للنسبيّة ) فالحوار الديني حوار أحادي يرتكز على الحقيقة المطلقة , ويجب الالتفات الى مطلبين أساسيين , أن هناك فرقا أساسيا بين عالم المادة وعالم اللامادة ( الجوهر ) أو الميتافيزيقي , فعندما يكون لدينا عالمان كل منهما يخضع لقوانين تختلف كليا عن الآخر , فقوانين عالم المادة تخضع لقانون التغيّر والتبدل والتجزأ , أم عالم اللامادة فهو لا يقبل التغيّر والتبدل بل عبارة عن حقائق بسيطة , بالتالي عندما نفتتح حوارا حضاريا فالحوار هنا يرتبط بالنقاش بعالم المادة وقوانينه أما عندما نفتتح حوار ديني فالحوار يرتبط بعالم اللامادة البسيط الذي لا يخضع لقانون التغيّر والنسبيّة , لهذا يكون الحوار المادي ( نسبي ) والحوار الديني ( وحدوي ) وبعبارة أخرى يكون ( حوار الحضارات يخضع لعالم المادة المتغيّر ) و ( حوار الأديان يخضع لعالم اللامادة البسيط ) .



وكمثال على الحقائق اللامادية ( الملوكوتيّة ) التي لا تقبل التجزأة والنسبيّة , قولنا هل الله سبحانه وتعالى واحد أو لا ؟! وهل خاتم الأنبياء ( محمد ) صلى الله عليه وآله وسلّم أو غيره ؟! وهل الامام والوصي بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو ( الامام علي عليه السلام ) أو غيره ؟! هذه حقائق بسيطة لاماديّة فهل لا تقبل أن تكون مجزأة على أطراف وهي كذلك ليست متغيّرة , فلا يمكن اطلاقا أن نقول ( أن الدين الاسلامي يحمل جزء من الحقيقة , والدين المسيحي يحمل جزء من الحقيقة , والمذهب الشيعي يحمل جزء من الحقيقة والمذهب السني يحمل جزء من الحقيقة ) كون الحقائق اللاماديّة لا ينطبق عليها قانون التغيّر الذي يحكم عالم المادة , فالقول بأن الدين الاسلامي صحيح والدين المسيحي صحيح هذا عبارة عن جمع بين النقيضين وهو مستحيل عقلا .


( مناقشة جدليّة فنيّة )

عندما يقول بعض علماء الاجتماع أن ( الحقيقة نسبيّة ) نقول جميل جدا ولا مانع من ذلك , الجملة التي قلتموها يا علماء الاجتماع هل هي ( نسبيّة ) أو جملة ( حقيقيّة لا تقبل النسبيّة ) ؟!

فهل جملة ( الحقيقة نسبيّة ) , هي نسبيّة أم حقيقيّة ؟! ان قلتم أنها ( حقيقيّة ) فقد خالفتم الجملة نفسها , وان قلتم أنها ( نسبيّة ) فهي لا تصلح لكي تكون قانون نقيس عليه . :)


( مناقشة جدليّة فنيّة 2 )

قد يقول قائل ما تقول في قوله تعالى " وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ "سبأ/24
نقول أن هذه الآية من باب النسبيّة الفرضيّة , يعني أننا نفترض أن ليس هناك حقيقة مطلقة لا عند الاسلام ولا عند النصارى , هذه النسبيّة الفرضيّة لكي يتم من خلالها بدأ الحوار ومناقشة الأدلة ,
فالاسلام يقول بأن الله سبحانه وتعالى واحد لا شريك له , لكن عند مناقشة النصارى نقول لعله غير ذلك فلنناقش الأدلة كي نعرف هل الخالق واحد أو له شريك فالمسألة برمتها من باب ( الافتراض ) . :)


المحور الثالث : أصول الحوار الديني


ان الأديان و المذاهب المختلفة تحتاج الى أصول حوار سليمة تحقق النتائج الهادفة والمرجوة من ذلك الحوار بشكل موضوعي وحيادي وحميمي , يحافظ على عدم الجنوح الى الشجار والجدال العقيم , وأهم أصل في الحوار الديني هو فهم المصطلحات .



ففهم مصطلحات الآخر يوجب عقد حلقة خاصة لمناقشة المصطلحات ثم يتم البدأ بالحوار , فمثلا هناك مقالة يتم ترديدها بشكل واسع , وهي القول بأن الشيعة الامامية كتبها تتضمن التكفير للمسلمين والمصداق هو عدم الايمان بالامامة , ومن لم يؤمن بالامامة كافر وهذا مسلّم به لدى الطائفة الاماميّة , هذا الاشكال نابع من عدم فهم المصطلحات لدى الاماميّة , فعلماء الاماميّة يفرقون بين الاسلام الاعتباري والاسلام الواقعي , فالاسلام الاعتباري ليس فيه درجات ومراتب , فكل من قال " لا اله الا الله محمد رسول الله " فهو مسلم قطعا , فالشهادتين تحرّم دم الانسان وماله وعرضه بلا شك , ومن لم يقل الشهادتين يكفر كفرا اعتباريا , أيّ انه لا يحرّم دمه وماله وعرضه وهذه المسألة لها تفصيلها وهي ليست بشكلها المطلق , أما الاسلام الواقعي ففيه درجات ومراتب وهو مقام القرب من الله سبحانه وتعالى , فكل عبد لديه علاقة روحية بينه وبين ربه وهذه العلاقة هي الاسلام الواقعي ونقيضها الكفر الواقعي , وهذه العلاقة الروحيّة فيها درجات من الاسلام ودرجات من الكفر ؟!



مثلا هناك انسان يشهد الشهادتين يصلي الفروض , يصوم رمضان , يحج , يعتمر , لكنّه في نفس الوقت يمارس التبذير والبذخ , فهذا الانسان حصل على مرتبة من الاسلام الواقعي وحصل على مرتبة من مراتب الكفر الواقعي , فهو كفر بالنعمة , فهو بآن واحد لديه مرتبة من الاسلام الواقعي والكفر الواقعي فهذه المسألة تتضمن درجات ومراتب , لكن الاسلام الاعتباري ليس فيه درجات ومراتب فالشهادتين تكفيه حرمة ماله ودمه وعرضه .



لكن اذا آمن الانسان بالامامة , امامة الامام علي بن ابي طالب عليهما السلام وولده عليهم السلام فقد حصل على مرتبة من مراتب الاسلام الواقعي , واذا لم يؤمن بامامة الامام علي عليه السلام وولده فقد حصل على مرتبة من مرتبة الكفر الواقعي , فيرجع قول الشيعة الاماميّة بأن من لا يؤمن بالامامة كافر لا أنه خرج من الاسلام الاعتباري أبدا , لكنه وقع بالكفر الواقعي , فأهل البيت عليهم السلام نعمة أنعم الله سبحانه وتعالى بها على الناس وبالتالي عدم الايمان بهم نوع من الكفران بالنعمة والكفران بالنعمة مرتبة من مراتب الكفر الواقعي التي لا تتنافى مع الاسلام الاعتباري نهائيا .



هذه المسألة التي تم الترويج لها بأن الشيعة الاماميّة مكفرين للمسلمين تعود بالأصل الى عدم فهم مصطلحات الاماميّة من جانب والى تطبيق مصطلحات الطرف الآخر على مصطلحات الاماميّة وهنا وقع الاشكال فلا يجوز نهائيا أن أحاور طرف وأنا لا أفهم مصطلحاته بل وأزيد الطين بلّة وأطبّق مصطلحاتي عليه .. !!



نهاية نرى أن أغلب الحوارات التي دارت وتدور في الانترنت أو على التلفاز هي حوارات تخلو من هذا الأصل المهم وغالبا ما تنتهي هذه الحوارات بتمسك كل طرف بما لديه وتطبيق مبادؤه على الآخر بشكل فظيع , والشبكة الوطنيّة هي أحد مصاديق هذه الحوارات الساذجة .



فتأمّل ..





من دروس العلامّة السيد منير الخباز حفظه الله بصياغتي.

:وردة:
 
أعلى