الحكومة والدولة الإسلامية , لماذا ؟

ولد روووق

عضو مميز
الحكومة والدولة الإسلامية , لماذا ؟

الإسلام هو الحل , كثيرا ما تقال تلك العبارة , ولكن المسلمين لم يجدوا ذلك الحل عندما حكم الإسلام في بلاد الحرمين الشريفين منذ عشرات السنين , والسبب المعروف , هو إن آل سعود لم يحكموا بالإسلام الذي يقدم الحل , بل هم حكموا بإسلام لا يقدم الحل , حكموا بإسلامهم الذي نتجت عنه مضاعفات تنتظر حل الإسلام , لأنه إسلام مشوه تمت صياغته صياغة تمكن آل سعود من امتلاك الدنيا والأموال والسيطرة على أهل بلاد الحرمين الشريفين المتمسكون بدينهم والمؤمنون بربهم , فإسلام ابن سعود لم يقدم إلا التخلف والانحطاط , وهو نموذجا سيئا للإسلام , ومن ينكر ذلك إنما يتجنى على الإسلام وهو يضلل الآخرين عن الإسلام الحق الذي جاء به سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم الصادق الأمين ، فيا من لا يرى إسلام ابن سعود إسلاما مشوها , اتق الله في ما تقول ولا تقل إلا الحق , وإذا كان لك رأي يخالف الحق , فعليك بالصمت ، فلا تشهد شهادة زور تجلب بها غضب الله عليك , فأنت بغنى عن ذلك , فالكذب لا يجلب على صاحبه إلا المصائب , وبالصدق تصلح الأعمال والأحوال .
قال تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70( يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) " الأحزاب .

وكذلك لم يجد المسلمون الحل الذي يقدمه الإسلام عندما حكمت طالبان في أفغانستان ولم يجد المسلمون الحل الذي يقدمه الإسلام عندما حكم الشيعة في إيران ولم يجدوا الحل عند حكومة السودان .

الإسلام هو الحل , وأود أن أسأل هنا , الحل لأي شيء ؟ , وما هي المشكلة ؟ , والإجابة التقليدية لهذا السؤال هي , الحل لتدهور الأخلاق والقيم , الحل للمشاكل الذي يعاني منها الإنسان كالفقر والبطالة والحرمان من الزواج , الحل لتسلط القوي على الضعيف , الحل للاستبداد السياسي , الحل لغياب العدل وغياب الشفافية , الحل للجهل , الحل لانتشار الأمراض , الحل لتفشي الرشوة , الحل لتفشي الزنى الحل لسرقة المال العام ...الخ , وعادة ما يقدم الحل لمشكلة ما بعد معرفتها وتشخيصها , ومن لا يعرف عمق المشكلة التي تنتظر حل الإسلام لن يقدم الحل , وكل ما ذكر من مشاكل تنتظر حل الإسلام هي في الحقيقة مضاعفات ونتائج لمشكلة أساسية حدثت , وبحل المشكلة الأساسية ستختفي تدريجيا تلك المضاعفات والأمراض التي انتشرت في جسم المجتمع المسلم .

والمشكلة الأساسية التي تنتظر حل الإسلام هي , فساد العقل بسبب التخلي عن الدين وترك دراسة وممارسة تطبيقاته الجوهرية في الحياة , سواء كان ذلك على المستوى الفردي أو الجماعي وبإدارة الدولة العلمانية الحديثة التي تخلت عن الإسلام , ومظاهر فساد العقل متعددة ولكنها لا تعزى إلى فساد العقل بسبب اختلاف وتغير الموازين الفكرية , والذي حدث بسبب غياب الإسلام عن الحياة السياسية وإدارة المجتمع وعن بناء فكر الإنسان المسلم , فقد توصف مظاهر فساد العقل بأنها فن أو إبداع أو موضة أو شطارة وفهلوة أو سياسة أو مواكبة روح العصر أو تقدم أو مظهر حضاري أو زينة وزخرف ...الخ , وبحسب مقاييس العقل الغربي أو العقل المنفصل عن الوحي الإلهي – الكتاب والسنة - , ومهما تطورت العلوم والمعارف وزادت الاكتشافات العلمية والاختراعات وتنور العقل بنتائج البحث العلمي سيبقى العقل بحاجة لما يرتقي به وينيره وينير الجوانب المظلمة من حياة الإنسان والتي لا تنار بنتائج البحث العلمي الذي يجرى على المادة , فهي لا تنار إلا بخبر الوحي الصادق – الكتاب والسنة – وهذه الإنارة ستحصل للمؤمن دون غيره , ستحصل للمؤمن الذي أمن بالله وبرسوله الذي أرسل – صلى الله عليه وسلم - وبكتابه الذي أنزل , وتلك الإنارة الشاملة في حياة الإنسان لا تحصل ما لم يكن هناك تطبيق عملي وعمل صحيح بما أنزل , ويستلزم أن يكون العمل عملا صحيحا حتى يلمس المؤمن نتائج عمله ويحصل على النور الذي يمده به خبر الوحي الصادق لكي يزيده نورا على نور ، فهناك نورين ينيران العقل , نور العلم بنتائج البحث العلمي والتجارب ونور يقدمه خبر الوحي الصادق للعاملين به , فإذا كان نور العلم بنتائج البحث العلمي والتجارب لم يحدث إلا بالدراسة وبالتطبيق والعمل , كذلك نور العلم بخبر الوحي الصادق لا يحصل إلا بالدراسة وبالتطبيق والعمل , فالعالم لا يكون عالما حصل على الإنارة الربانية ما لم يعمل ويطبق ما درسه وعلم به تطبيقا صحيحا وهو لا يخشى في ذلك إلا الله جل قدره , فبالتطبيق العملي والعمل الصحيح يحصل له النور الذي ينير قلبه وعقله ليمد به الآخرين , وهذا يفسر منع النور عن عالم السلطة الظالمة , فهو مهما حفظ من النصوص لن يرتقي فكره ولن يحصل على نور الله الذي ينير به قلوب وعقول العاملين الذين تجنبوا مجاورة ومجاراة الظالمين , فالظلم يجلب الظلمة للقلب وللعقل وللحياة , فالنص لا ينير القلب والعقل بالحفظ بل بالفهم الصحيح وبالعمل الصالح الصحيح .

وبناء على ما تقدم , سيكون من أهم واجبات الحكومة الإسلامية في الدولة الإسلامية الراشدة ترتيب شبكة العلاقات الاجتماعية والسياسية ترتيبا يحفظ دين وعقول وأعراض وأنفس وأموال المسلمين , فبحفظ الدين للمسلمين تصبح عقولهم عقول راشدة , فهناك ترتيبات عديدة يجب أن تجرى حتى تتحقق مقاصد الشريعة في حفظ ما يجب أن يتم حفظه , وأول ما يجب تبيينه وحفظه للناس هو الدين وتبيين علاقته بسلامة العقول وتبيين أهمية ممارسة تطبيقاته وأثرها على السمو الروحي والارتقاء الفكري والوعي ووضوح الرؤية وسلامة الحياة .

ومهمة الحكومة في الدولة الإسلامية الراشدة تختلف عن مهمات حكومات الدول الأخرى العلمانية التي فصلت الدين عن الدولة بسبب اختلاف الرؤية للحياة ولمهمة ولدور المسلم المكلف بحمل الرسالة وبأعمار الأرض , فعوضا عن مهمة إدارة شؤون المجتمع يجب أن تلتزم بمسؤوليتين تفرضها وتتطلبها عقيدة المسلمين .

المسؤولية الأولى : اتخاذ الإجراءات وعمل الترتيبات التي تجعل الإنسان المسلم مؤهلا تأهيلا تاما لحماية نفسه من الوقوع في حبائل الشيطان وهو العدو الأول للإنسان , وعليها أن تسهل مهمته في عبادة ربه وخالقه وتمكنه من ذلك , وإذا كانت الحكومات الأخرى لا تعتبر ذلك من مسؤولياتها فهو بلا شك سيكون من مسؤولية المسئول عن حفظ الضرورات الخمس ، وإذا كانت تلك المسؤولية لم تكن تتحملها السلطة الحاكمة في الزمن الذي لم يكن بمقدور السلطة بناء الإنسان فكريا ورعايته نفسيا والحفاظ على عقله وقلبه مما يفسدهم أصبح في هذا الزمن بمقدورها ذلك بواسطة بعض المؤسسات والوزارات وأجهزة الدولة مثل التربية والتعليم والإعلام حيث تمكنت الدولة من صياغة الفرد وتفوق دورها على دور الأسرة الذي تقلص دورها وتأثيرها على الأبناء في الدولة العلمانية الحديثة .

المسؤولية الثانية : اتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل تأمين الوصول الأمن للفرد المسلم لمرحلة المصير بأمان والحرص على ذلك , لأن المسائلة لا تنتهي بوفاة المسئول بل هي مستمرة إلى ما بعد الوفاة في يوم الحساب , فسيسأل عن كل فرد وقع تحت مسؤوليته وعن أداء واجباته تجاهه .

وكل المضاعفات التي نتجت بسبب ذهاب الدين لن تنتهي بمعالجة وبحلول سطحية .

مثال : حل مشكلة الفقر لا تنتهي بتوزيع المال على الفقراء , بل يجب أن يوازيه إحياء علوم الدين في حياتهم للارتقاء بعقولهم حتى لا يذهب المال من بين أيدهم ويتلف وينفق في غير موضعه الذي لا يرضي الله ولا يحقق المصلحة للفرد وللمجتمع .

وكل الأمراض الاجتماعية التي انتشرت في المجتمع كالرشوة والسرقة والاستيلاء على المال العام وفساد الأخلاق والذمم تتطلب إحياء علوم الدين في نفوس وحياة الأفراد من جانب ومن جانب أخر يجب مراعاة تطبيق العدل وتنفيذ القانون على جميع الأفراد دون تفرقة , فبغياب الدين والعدل والقانون تضطرب الأحوال ويبغي القوي على الضعيف ويلجأ الضعيف لاسترداد حقوقه بالوسائل والأساليب المحرمة عندما يجد بأن دولته تحولت إلى غابة يأكل القوي فيها الضعيف وأكتسب أقويائها صفات الوحوش والسباع , فبالمقابل سيكتسب الضعيف صفات الضعيف من المخلوقات التي تعيش بالغابة , فهو سيلجأ لما يكفل له البقاء في عالم يحكمه الأقوياء ولم يعد مهتما لما يكفل له الارتقاء الفكري والسمو الروحي , إلا من رحم الله .

وحتى يجد الإنسان البيئة الصالحة منذ نشأته وقدومه إلى الحياة لا بد من أن يجد من يحيطه بالرعاية الكاملة والشاملة في أسرته , فإذا ما قامت الدولة بمسؤولياتها كاملة تجاه الفرد المسلم , على الأم أن تكمل ما يحتاجه الفرد من رعاية واهتمام من خلال تفرغها لتربية ولرعاية أسرتها وأبنائها ، وهذا الأمر أصبح من الأهمية بسبب الانفتاح غير المنضبط .
http://www.nationalkuwait.com/vb/showthread.php?p=1569700#post1569700
فالأم هي التي يجب أن تسلح وتؤهل التسليح والتأهيل الذي يناسب موجة الفتن القادمة حتى تتوفر الحماية للأبناء والأسرة بشكل عام , وهكذا سيجد الفرد المسلم بيئة اجتماعية وسياسية وأسرية صالحة تتوفر بها الرعاية الكاملة الشاملة , فذلك سيجعل منه فردا صالحا مصلحا يملك الرؤية الصحيحة الكاملة للحياة بعد ما عاش في بيئة كفلت له ذلك . ونسأل الله التوفيق للعاملين على نهضة الأمة الإسلامية وتصويب مسيرتها . وبالله التوفيق .

 
أعلى