أبومحجن الثقفي , بطل القادسية الأسطوري

الـهـآرف

عضو بلاتيني
قبض الجند على الفارس أبى محجن الثقفى ، وأدخلوه للقائد



( سعد بن أبى وقاص) وزعموا بأنه يجاهر بدعوة السوء ،



ويدعو اليها على ملأٍ ، وأنهم سمعوه يتغنّى بين جماعةٍ من



خلصائه قائلا:



إذا متّ فادفنّى إلى ظل كرمه ...تروّى عظامى عند موتى عروقها



ولا تدفننّى بالفلاة فإننى ...أخاف اذا ما متّ أن لا أذوقها





وزاد الجند بأن الفارس قد يكون شرب الخمر( أم الخبائث)، وإن



كانوا لم يروه عياناً ، لذلك فهو ينشد قوله هكذا فى أعقاب



نشوته منها ، فدافع الفتى عن نفسه بكلامٍ كثيرٍ ، حاول أن يتبرأ



به ممّا نسبوه اليه ، ولكنّ الأمير أخذ بكلام من شهدوا عليه ،



فأغلظ له القول ، وأمر به فزجّ فى أسفل الحصن مقيّدا



ًمغلولاً ...






ودارتْ رحى المعركة فى ذلك اليوم ، وتنادى الناس اليها ،



ووقف القائد (سعد بن أبى وقاص) فى أعلى الحصن ، يرقبُ



سير المعركة من هنالك ، لمرضٍ أقعده عن ركوب الخيل ، وكان



صليل السيوف ، وهتاف الجنود ينتهى إلى سمع الفتى من نافذة



سجنه ، فأثار ذلك فى نفسه النخوة والحميّة ؛ فجعل يتململ فى



قيوده متأوهاً شاكياً ، ولم يطق صبراً على ما هو فيه ؛ فزحف



بقيوده حتى وصل إلى مكان القائد سعد فى أعلى الحصن ؛



فتوسل اليه أن يخلى عنه ؛ ليخرج فيشترك مع الناس فى



محاربة العدو ، فلم يلتفت إليه سعد وردّه إلى محبسه ...







وفى طريق عودته لقى ( سلمى بنت حفصة ) وكانت قد تزوجتْ




سعدا ، بعد موت زوجها ( المثنى بن حارثة الشيبانى ) فقال لها



أبو محجن : يا بنت حفصة هل لكِ فى خيرٍ تفعلينه ؟



فردّتْ عليه سلمى : وما ذاك ؟



فقال ابومحجن: تخلين سبيلى ، وتعيريننى البلقاء فرس سعد، ولله



علىّ عهدٌ إن سلمتُ من القتل ، أن أرجع اليكِ حتى أضع رِجلى



فى القيد ، ولا أشعر بذلك أحداً



، فقالتْ سلمى غير مكترثةٍ بكلامه : وما أنا وذاك ؟



فرجع يرسف فى قيوده ، وهو ينشد قائلاً : -



كفى حزناً أن ترتدى الخيل بالقنا...وأترك مشدوداً علىّ وثاقيا



إذا قمتُ عنّانى الحديد فأغلقتْ....مصارع دونى تصمّ المناديا



وقد كنتُ ذا مالٍ كثيرٍ وثروةٍ....فقد تركونى واحداً لا أخا ليا



فلله عهد لا أخيس بعهده......لئن فرجتُ أن لا أزور الحوانيا






فعطف قلب (سلمى) عليه ، ورقّتْ لما به من حزنٍ ومذلّةٍ ،



وأقبلتْ عليه تقول : ( شأنك وما تريد ، خذ بلقاء سعد ، وخذ



سلاحه ، واذكر ما عاهدتنى عليه . )



فخرج أبو محجن من باب الحصن الذى يلى الخندق ، دون أن



يحس به أحد ثم ركب فرس سعد البلقاء ، واندفع إلى ميسرة



الأعداء ، فحمل على رجال منهم فقتلهم ثم اندفع إلى صفوف



العرب ، فاختلط بهم ، ثم خرج من الميمنة فحمل على رجالٍ من



صفوف الأعداء ، فأصابهم ثم ارتد إلى صفوف العرب ثانية ،



وبرز من القلب ، وهنالك صاول جماعة من فرسان العدو ، فقتل



بعضهم ، واضطر البعض الاّخر إلى الفرار من بين يديه ، فعل



ذلك كله والأبصار شاخصة اليه ، والناس يعحبون من أمره ،



وسعد أعلى الحصن يقول فى نفسه : لولا أن أبا محجن مقيدٌ فى



أسفل الحصن ، ولولا أن فرسى البلقاء مربوطة على مدودها ،



لقلتُ : هذا أبو محجن ، وهذه البلقاء تحته ..



أما الجنود فاحتاروا ، وقال قائل منهم : انه أحد فرسان الشام الذين وصلوا



إلينا حديثا .. وقال آخر : لولا أن الملائكة لا تباشر حرباً لغير



الأنبياء ، لقلتُ أنه ملك أرسله الله لنصرتنا ، وقال اّخرون غير



هذا الكلام ، وأبو محجن الثقفى ماضٍ فى القتال يصول ويجول



وينزل فى العدو من بأسه ما جعل الفرسان يتقون سطوته فى



كل جانب يميل إليه ، ومازال كذلك حتى تحاجز الفريقان .....




ورجع كل فريق إلى مكانه ، وأقبل أبو محجن حتى دخل الحصن



من حيث خرج دون أن يحس به أحد ، ورد البلقاء إلى مربطها



، ثم أعاد السلاح إلى موضعه ، ووضع رجليه فى القيد ، ثم رفع



صوته فى الإنشاد ، وهو يقول : -






لقد علمتْ ثقيف غير فخر........بأنّا نحن أكرمهم سيوفا



وأكرمهم دروعا سابغات.....وأصبرهم إذا كرهوا الوقوفا



وليلة فارس لم يشعروا بى...ولم أشعر بمخرجى الزحوقا



فإن أحبس فذلكمو بلائى.......وإن أترك أذيقهمو الحتوفا






فسمعتْ سلمى انشاده ، فعلمتْ برجوعه ، وسرّها منه وفاءه



بالعهد ، فأنهتْ خبره إلى سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه الذي وجد فرسه البلقاء تعرق ، فأحضره اليه ، وأثنى على



جرأته وإقدامه ، وأكبر بطولته فى مصاولة الأعداء....ثم قال



سعد لأبى محجن : اذهب فما أنا مؤاخذك بشئٍ تقوله حتى



تفعله ....



فقال أبو محجن : والله لا أجيب لسانى إلى صفةٍ قبيح أبدا....




ذلك هو أبو محجن الثقفى الذى كان موضع إكبار من شهد بلاءه



فى معركة القادسية بين العرب والفرس، فكان حديث الجنود فى



ذلك اليوم ، ثم صار حديث التاريخ من بعده....
 
أعلى