روح جديدة تخرج من مصر
روح جديدة تخرج من مصر
أخطر ما يكون في المظاهرات " السلمية " أنها في أي وقت تتغير إلى غير سلمية , لاسيما إذا كانت شعبية كبيرة جارفة يُسيطر عليها عقل جماعي سريع الغضب وكبير التأثر بما يكون من حوله , سواء كانت أفكاره هذه سلبية أو إيجابية ولكنها كالموجة التي تجرف أي شيء أمامها ومعها أيضا بعض المنافع التي كانت للمسلمين.
الظلم له طعم علقم عند كل إنسان سواء ذاق الظلم أو لم يذقه , بل إن الشعور بمرارة الظلم من الأمور التي تفرق بين الإنسان والحيوان فالأول ينفعل والثاني لا يفهم ما يحدث أمامه أو ما يسمعه بأذنه , وإذا أخذنا هذه المفاهيم إلى الثورة الشعبية التي تحدث في مصر فإن من المعلوم لدى أي عاقل أن مطالب الناس هي مطالب صحيحة لا إشكال فيها , نادى بها قبلهم الكثيرون وأخذوا بسببها , فمنهم من اعتقل ومنهم من عذب ومنهم من مات في سبيل رفع هذه المظالم , وهم الآن ينادون بنفس هذه المطالب بطريقة سلمية طوال هذه الأيام , وهذا في الحقيقة نجاح ليس له نظير أبدا.
يخطئ كل من يظن أن هذه المظاهرات إنما هي فئوية , وأنها لها أهداف خارجية أو شيء من نظريات المؤامرة التي دائما ما تتسارع إلى أذهان بعض الأخوة الكرام , وفي الحقيقة أن هذه المظاهرة شعبية مصرية صرفة , ترى فيها عالم الأزهر والطبيب والمحامي والقاضي والضابط والرجال والنساء والكبار والصغار , وهذه المظاهرة فيها من يقف فيها يدافع وفيها من يوصل إليهم الطعام والغذاء والبطانيات وغيرها , وحتى التي لم يخرجوا فيها فإنهم يطلبون سرعة التغير ودحر الظلم المبسوس في الدولة , فهذه في الحقيقة عملية جراحية شديدة الخطورة في جسم الدولة المصرية , يستأصل فيها الشعب المصري أصل المرض وما يمكن أن يكون إنتشر في الجسم يحتاج إلى علاج ومتابعة.
لا يقوم بالجراحة إلا الأطباء المهرة , والعجيب والملفت والجميل أن المتظاهرين على قلب رجل واحد , لا يمكن أن ترى إنسانا يضرب آخر في داخل هذه الدولة الصغيرة , بل هي أشبه بالمدينة الفاضلة فلا تحرشات ولا سب بل مؤاخاة وعطاء وبذل وخير ودعاء وصلاة ومحبة وأخوة , شيء عجيب جدا وهذا من رحمة الله تعالى بالمصريين وتهذيب لأنفسهم وسببا لكي يرجعوا إلى دينهم بما سوف يتحقق على الأرض من منافع إن شاء الله تعالى.
الدنيا تغيرت في مصر وأصبحت الأجواء أجمل وأفضل وأحسن , الرسائل النصية تتوالي من الذي تعرفهم ومن الذي لا تعرفهم , يوصون الناس بالإستغفار والتوبة , وبعضهم يعرض الخدمات المجانية من تدريس الأبناء الذين يدرسون الثانوية العامة مجانا , وبعضهم يعرض أن يساعد العاجزين عن العمل , والأغلبية يعمل على شراء المواد التموينية وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين , وبعضهم يدعو إلى اقامة الموائد الرمضانية مرة ثانية في الشوارع لسد حاجة الفقراء , وخرج الشباب الصغار في الطرقات يكنسون الطرقات ويجمعون القمامة ويساعدون عمال النظافة .....
هناك روح جديدة تنبع في أرض مصر , سوف تلقي بظلالها على مصر والمنطقة المجاورة سريعا جدا , فقد نفض هؤلاء الشباب غبار الفساد والرشوة والمصالح الشخصية الضيقة عن جسد الأمة المصرية , والأمل في رحمة الله تعالى أن يحمي مصر من مخاطر المفسدين , ولعل الله يصلح حال المصريين بحبهم للصدقة والخير في سبيل الله تعالى ....
اللهم اجمع أمر الأمة , واهدنا جميعا سبل السلام وانصرنا ولا تنصر علينا , وامكر لنا ولا تمكر علينا , ووفقنا لما تحبه وترضى وخذ بناصيتنا للبر والتقوى .... اللهم آمين
.