بوعمر الكويتى
عضو مخضرم
الديمقــراطية
حقيقتها وصورهاوآثارها
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، وبعد:
ففي الوقت الذي ابتعد فيه كثير من المسلمين عن دينهم، تسللت الكثير من الشعارات إليهم دون أن يتفطن لها كثير من المسلمين.
فهذه مصيبة عظيمة، والأعظم من هذه المصيبة أن تأتي شرذمة قليلة صُنعت على أيادي الغرب وثقافته، المصيبة أن تأتي هذه الشرذمة بزبالة المجتمعات الغربية إلى مجتمعات مسلمة لتخدع بها شعوبا مسلمة بأكملها، وتمرر عليها مناهج لا ترضاها هذه الشعوب ولا تريدها، وإنما تفرضها عليها فرضا.
والأعظم من ذلك كله أن لهذه الشعارات تيارات تنتسب إلى الإسلام تدافع عنها وتتبنى أفكارها، ألبستها اللباس الإسلامي الجميل ليزداد انخداع الناس بها، فلهذا كان الوقوف أمام هذه التيارات يعتبر من أعظم أنواع الجهاد في سبيل الله.
وهذا بحث متواضع استخلصته من رسالة متواضعة بينت فيها أن الديمقراطية ليس لها في الإسلام نسب صحيح كما سيأتي إن شاء الله، وإن استلحقها بعضهم على حساب الإسلام، وزينوها بثياب من الزور حتى اغتر بها أصحاب العقول الضعيفة.
الفصل الأول:
حقيقة الديمقراطية:
المبحث الأول: تعريف الديمقراطية:
الديمقراطية:
هي في الأصل كلمة يونانية مكونة من كلمتين إحداهما: ديموس وتعني الشعب، والثانية: كراتوس وتعني حكم.
فالديمقراطية Democracy كلمة مشتقة من لفظتين يونانيتين Demos الشعب و Kratos سلطة) ومعناها الحكم الذي تكون فيه السلطة للشعب، وتطلق علي نظام الحكم الذي يكون الشعب فيه رقيبا علي أعمال الحكومة بواسطة المجالس النيابية، ويكون لنواب الأمة سلطة إصدار القوانين.
نستطيع أن نستخلص من هذا التوضيح أن المعنى الحقيقي للديمقراطية هو أنها "حكم الشعب نفسه بنفسه"، فهذا الذي تعنيه هذه الكلمة عند اليونانيين ومن سار على طريقهم، وهي كذلك عند العصريين ممن تبنى المنهج الديمقراطي.
وسيأتي معنا أن الديمقراطية ليست محصورة في السياسة فقط دون غيرها، بل تشمل جميع نواحي الحياة كالحياة الاجتماعية والحياة الاقتصادية والحياة العسكرية بل والحياة الأخلاقية والعقائدية وغيرها.
وأول من مارس الديمقراطية هم الإغريق في مدينتي أثينا وإسبرطه، حيث كانت تقوم في كل من المدينتين حكومة يطلق عليها إصطلاحا اسم "حكومة المدينة" أي الحكومة التي تقوم في مدينة واحدة مفردة، وكان كل أفراد الشعب من الرجال في كل من المدينتين يشاركون في حكم المدينة، فيجتمعون في هيئة "جمعية عمومية" فيتشاورون في كل أمور الحكم، فينتخبون الحاكم ويصدرون القوانين ويشرفون علي تنفيذها ويضعون العقوبات علي المخالفين فكان" حكم الشعب مطبقا بصورة مباشرة في كل من المدينتين، وكانت التسمية منطبقة علي الواقع انطبقا كاملا.
والخلاصة أن الديمقراطية كلمة ليست عربية ولا يوجد لها في قواميس اللغة العربية أي أصل، وإنما هي كلمة يونانية معناها تنحية الشريعة بعيدا وحكم الشعب لنفسه بما يشتهيه ويختاره، لأن هذه الكلمة – الديمقراطية - تعني حكم الشعب نفسه بنفسه فهو الذي يقرر ما يصلح له مما لا يصلح، والذي يحرم ويحلل، وهو الذي يحدد علاقته بمن يريد، وهو الذي يختار الطريق الذي يريده وفي الوقت الذي يريده.
المبحث الثاني:
حكم الديمقراطية:
والديمقراطية بالمعنى المتقدم مصادم تماماً لحكم الله رب العالمين لأن الله أنزل شرعا عاما لجميع نواحي الحياة يجب على المسلمين أن يتحاكموا إليه وأن ينقادوا له، وهذا الانقياد هو علامة الإيمان الصحيح والاتباع الصادق.
ومما يدل على ذلك قوله تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) وقوله تعالى: (أفحكم الجاهلية يبغون) وقوله: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) وقوله تعالى: (إن الحكم لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه) وقوله تعالى: (ولا يشرك في حكمه أحدا) وقوله تعالى: (والله يحكم لا معقب لحكمه) ونحوها من الآيات.
فمسألة التحاكم إلى غير الشريعة أو الحكم بغير الشريعة مسألة عظيمة تتعلق بصميم التوحيد، ويلامس أساس العقيدة، ولذلك أوردها العلماء في كتب العقيدة والتوحيد.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في "كتاب التوحيد": (باب: قول الله عز وجل: "ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيداً").
وعلى هذا فإنه لا يجوز نسبة الديمقراطية إلى الإسلام لا من بعيد ولا من قريب لأنها من الكفر بالله، فلا يقال عنها إنها من الإسلام أو إنها إسلامية أو أن هناك ديمقراطية إسلامية، أو يقال: إنها موافقة للإسلام، ولا يحل صبغها بصابغ الإسلام أو نحو ذلك، لأن الكلمة لا علاقة لها بالإسلام كما رأيت، بل ليس لها علاقة بالعربية أصلا.
والديمقراطية بهذا المعنى الغربي هي نفسها موجودة في مجتمعاتنا، فليس كما يقول بعضهم: "إنما أخذنا منها ما يوافق الشريعة وتركنا سائرها".
وإن قيل: إن النظر لا يكون إلى الألفاظ فقط وإنما يكون إلى المعاني فالعبرة بها وبموافقتها للشريعة لا بالألفاظ.
قيل: الجواب عن ذلك أن الديمقراطية كما أنها لا علاقة لها بالشريعة من جهة اللفظ لا من قريب ولا من بعيد، فإنها كذلك لا علاقة لها بالشريعة من جهة المعنى.
وإن قيل: فالديمقراطية وإن كان معناها من حيث الأصل مخالف للشريعة لكن الحقيقة العملية للديمقراطية مرادف للشورى، حيث يمكن تكييف الديمقراطية واقعيا بما يناسب الشرع الإسلامي.
قيل الجواب أن الديمقراطية كما أنها لا علاقة لها بالشريعة من جهة اللفظ والمعنى، فإنها كذلك من جهة الناحية العملية، فالواقع العملي أيضاً يدل على أنها تختلف عن الشورى اختلافا جذريا وما دام الأمر كذلك فالعبرة بالحقائق لا بالأسماء، كما سيأتي إن شاء الله.
المبحث الثالث:
أسباب ولادة الديمقراطية في المجتمع الغربي:
من المهم أن يعرف المسلم لماذا برزت الديمقراطية إلى سطح في الواقع الأوروبي أو غيره، لأن هذا يساعده على فهم أشياء كثيرة، منها عقد مقارنة ولو سريعة بين المجتمعات الغربية والمجتمعات العربية في أمور كثيرة.
والسبب في بروز الديمقراطية إلى سطح الواقع هو أمران:
الأول: أن الدين كان غائبا في المجتمعات الأوروبية في كثير من الأحيان، وليس له حضور إلا في واقع الكنيسة فقط دون أن يكون له أثر الحياة العامة.
الثاني: أن الناس أصبحوا لا يثقون بالدين، ولاسيما وقد ظهر استبداد الكنيسة والقائمين عليها بأموال الناس وآراءهم.
وباختصار فإن الفراغ الديني والنفسي في المجتمعات الغربية هو سبب لجوء الغربيين إلى الديمقراطية، وإذا كان ذلك كذلك فمن الغلط العظيم أن يقاس المجتمع الإسلامي الذي أكرمه الله بشريعة الإسلام على غيره من المجتمعات التائهة.
على أن لجوء الدول الغربية إلى الديمقراطية لهذه الأسباب ليس مبررا شرعيا ولا سببا مقنعا، لكننا أردنا أن نبين الفارق الكبير بيننا وبينهم، فلا حاجة لنا إذا بالديمقراطية والحمد لله.
الفصل الثاني:
الفرق بينها وبين الشورى:
يتبع
حقيقتها وصورهاوآثارها
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، وبعد:
ففي الوقت الذي ابتعد فيه كثير من المسلمين عن دينهم، تسللت الكثير من الشعارات إليهم دون أن يتفطن لها كثير من المسلمين.
فهذه مصيبة عظيمة، والأعظم من هذه المصيبة أن تأتي شرذمة قليلة صُنعت على أيادي الغرب وثقافته، المصيبة أن تأتي هذه الشرذمة بزبالة المجتمعات الغربية إلى مجتمعات مسلمة لتخدع بها شعوبا مسلمة بأكملها، وتمرر عليها مناهج لا ترضاها هذه الشعوب ولا تريدها، وإنما تفرضها عليها فرضا.
والأعظم من ذلك كله أن لهذه الشعارات تيارات تنتسب إلى الإسلام تدافع عنها وتتبنى أفكارها، ألبستها اللباس الإسلامي الجميل ليزداد انخداع الناس بها، فلهذا كان الوقوف أمام هذه التيارات يعتبر من أعظم أنواع الجهاد في سبيل الله.
وهذا بحث متواضع استخلصته من رسالة متواضعة بينت فيها أن الديمقراطية ليس لها في الإسلام نسب صحيح كما سيأتي إن شاء الله، وإن استلحقها بعضهم على حساب الإسلام، وزينوها بثياب من الزور حتى اغتر بها أصحاب العقول الضعيفة.
الفصل الأول:
حقيقة الديمقراطية:
المبحث الأول: تعريف الديمقراطية:
الديمقراطية:
هي في الأصل كلمة يونانية مكونة من كلمتين إحداهما: ديموس وتعني الشعب، والثانية: كراتوس وتعني حكم.
فالديمقراطية Democracy كلمة مشتقة من لفظتين يونانيتين Demos الشعب و Kratos سلطة) ومعناها الحكم الذي تكون فيه السلطة للشعب، وتطلق علي نظام الحكم الذي يكون الشعب فيه رقيبا علي أعمال الحكومة بواسطة المجالس النيابية، ويكون لنواب الأمة سلطة إصدار القوانين.
نستطيع أن نستخلص من هذا التوضيح أن المعنى الحقيقي للديمقراطية هو أنها "حكم الشعب نفسه بنفسه"، فهذا الذي تعنيه هذه الكلمة عند اليونانيين ومن سار على طريقهم، وهي كذلك عند العصريين ممن تبنى المنهج الديمقراطي.
وسيأتي معنا أن الديمقراطية ليست محصورة في السياسة فقط دون غيرها، بل تشمل جميع نواحي الحياة كالحياة الاجتماعية والحياة الاقتصادية والحياة العسكرية بل والحياة الأخلاقية والعقائدية وغيرها.
وأول من مارس الديمقراطية هم الإغريق في مدينتي أثينا وإسبرطه، حيث كانت تقوم في كل من المدينتين حكومة يطلق عليها إصطلاحا اسم "حكومة المدينة" أي الحكومة التي تقوم في مدينة واحدة مفردة، وكان كل أفراد الشعب من الرجال في كل من المدينتين يشاركون في حكم المدينة، فيجتمعون في هيئة "جمعية عمومية" فيتشاورون في كل أمور الحكم، فينتخبون الحاكم ويصدرون القوانين ويشرفون علي تنفيذها ويضعون العقوبات علي المخالفين فكان" حكم الشعب مطبقا بصورة مباشرة في كل من المدينتين، وكانت التسمية منطبقة علي الواقع انطبقا كاملا.
والخلاصة أن الديمقراطية كلمة ليست عربية ولا يوجد لها في قواميس اللغة العربية أي أصل، وإنما هي كلمة يونانية معناها تنحية الشريعة بعيدا وحكم الشعب لنفسه بما يشتهيه ويختاره، لأن هذه الكلمة – الديمقراطية - تعني حكم الشعب نفسه بنفسه فهو الذي يقرر ما يصلح له مما لا يصلح، والذي يحرم ويحلل، وهو الذي يحدد علاقته بمن يريد، وهو الذي يختار الطريق الذي يريده وفي الوقت الذي يريده.
المبحث الثاني:
حكم الديمقراطية:
والديمقراطية بالمعنى المتقدم مصادم تماماً لحكم الله رب العالمين لأن الله أنزل شرعا عاما لجميع نواحي الحياة يجب على المسلمين أن يتحاكموا إليه وأن ينقادوا له، وهذا الانقياد هو علامة الإيمان الصحيح والاتباع الصادق.
ومما يدل على ذلك قوله تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) وقوله تعالى: (أفحكم الجاهلية يبغون) وقوله: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) وقوله تعالى: (إن الحكم لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه) وقوله تعالى: (ولا يشرك في حكمه أحدا) وقوله تعالى: (والله يحكم لا معقب لحكمه) ونحوها من الآيات.
فمسألة التحاكم إلى غير الشريعة أو الحكم بغير الشريعة مسألة عظيمة تتعلق بصميم التوحيد، ويلامس أساس العقيدة، ولذلك أوردها العلماء في كتب العقيدة والتوحيد.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في "كتاب التوحيد": (باب: قول الله عز وجل: "ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيداً").
وعلى هذا فإنه لا يجوز نسبة الديمقراطية إلى الإسلام لا من بعيد ولا من قريب لأنها من الكفر بالله، فلا يقال عنها إنها من الإسلام أو إنها إسلامية أو أن هناك ديمقراطية إسلامية، أو يقال: إنها موافقة للإسلام، ولا يحل صبغها بصابغ الإسلام أو نحو ذلك، لأن الكلمة لا علاقة لها بالإسلام كما رأيت، بل ليس لها علاقة بالعربية أصلا.
والديمقراطية بهذا المعنى الغربي هي نفسها موجودة في مجتمعاتنا، فليس كما يقول بعضهم: "إنما أخذنا منها ما يوافق الشريعة وتركنا سائرها".
وإن قيل: إن النظر لا يكون إلى الألفاظ فقط وإنما يكون إلى المعاني فالعبرة بها وبموافقتها للشريعة لا بالألفاظ.
قيل: الجواب عن ذلك أن الديمقراطية كما أنها لا علاقة لها بالشريعة من جهة اللفظ لا من قريب ولا من بعيد، فإنها كذلك لا علاقة لها بالشريعة من جهة المعنى.
وإن قيل: فالديمقراطية وإن كان معناها من حيث الأصل مخالف للشريعة لكن الحقيقة العملية للديمقراطية مرادف للشورى، حيث يمكن تكييف الديمقراطية واقعيا بما يناسب الشرع الإسلامي.
قيل الجواب أن الديمقراطية كما أنها لا علاقة لها بالشريعة من جهة اللفظ والمعنى، فإنها كذلك من جهة الناحية العملية، فالواقع العملي أيضاً يدل على أنها تختلف عن الشورى اختلافا جذريا وما دام الأمر كذلك فالعبرة بالحقائق لا بالأسماء، كما سيأتي إن شاء الله.
المبحث الثالث:
أسباب ولادة الديمقراطية في المجتمع الغربي:
من المهم أن يعرف المسلم لماذا برزت الديمقراطية إلى سطح في الواقع الأوروبي أو غيره، لأن هذا يساعده على فهم أشياء كثيرة، منها عقد مقارنة ولو سريعة بين المجتمعات الغربية والمجتمعات العربية في أمور كثيرة.
والسبب في بروز الديمقراطية إلى سطح الواقع هو أمران:
الأول: أن الدين كان غائبا في المجتمعات الأوروبية في كثير من الأحيان، وليس له حضور إلا في واقع الكنيسة فقط دون أن يكون له أثر الحياة العامة.
الثاني: أن الناس أصبحوا لا يثقون بالدين، ولاسيما وقد ظهر استبداد الكنيسة والقائمين عليها بأموال الناس وآراءهم.
وباختصار فإن الفراغ الديني والنفسي في المجتمعات الغربية هو سبب لجوء الغربيين إلى الديمقراطية، وإذا كان ذلك كذلك فمن الغلط العظيم أن يقاس المجتمع الإسلامي الذي أكرمه الله بشريعة الإسلام على غيره من المجتمعات التائهة.
على أن لجوء الدول الغربية إلى الديمقراطية لهذه الأسباب ليس مبررا شرعيا ولا سببا مقنعا، لكننا أردنا أن نبين الفارق الكبير بيننا وبينهم، فلا حاجة لنا إذا بالديمقراطية والحمد لله.
الفصل الثاني:
الفرق بينها وبين الشورى:
يتبع