فهد بن زبن
عضو مميز
صبحكم الله بالخير
دائما اجد الدكتور محمد بن عصام جريئا في وضع اصبعه على الجرح
والحقيقه يعجبني فيه منهجيته ... وكيفية نقضه للحجج الواهيه ضد البدو خصوصا ممن ينهجون نهج "الانانيه الثقافيه" والذين يريدون مصادرة هويتك ويريدونك مثلهم في ركوبهم للبحر ولهجتهم وطبائعهم .. ولا فلا.
وهو بذلك النقض يقوم بوضع امثله متشابهه للحاله ومختلفه بالنتيجه ليبين كذب المدعي.
ارجو لكم ابحارا ممتعا في قراءة هذا المقال والذي استمتعت انا به
..............................................
د. محمد بن عصام السبيعي
قالت مستفهمة: أنت لا تتحدث لهجة أهل الكويت! فقلت: وكيف ذلك? قالت: بل تتحدث اللهجة السعودية. حينها أجبت بأنها محقة في بعض القول. فلهجة أهل الكويت كما هي في أجهزة الإعلام وغيرها, وكما يتحدثها البعض ليست بلهجة لي! وعما يتعلق بلهجة سعودية مزعومة فلا أظن أن شيئا من هذا يوجد أصلا. فلهجات ولكنات سكان المملكة هي من الكثرة بعدد قبائلها وأنحائها, قراها ومدنها, ولربما أيضا بعدد أحياء المدن, وليس في ذلك بالمناسبة أي مشكلة لسكان الجزيرة من أهل المملكة, بل مفخرة ثقافية ومعين لغوي لا ينضب. أما ما أتحدث به فليس إلا ما انتهت إليه لهجة سبيع الحدارية, أي بعض قبائل سبيع التي حَدَرَت, أو هبطت من وديانها في عالية نجد إلى أن تمركزت في مواضعها الحالية بين آبارها العذبة في الدهناء, بين الرياض وأعماق الصمان. ومن هناك انتشرت أشتاتا في شرق الجزيرة بمحاذاة الخليج العربي.
وكغيرها من اللهجات النجدية تتميز لهجة سبيع بغزارة مفرداتها الفصيحة, وذلك بحكم بعد نطاق انتشارها عن المؤثرات الأجنبية, وتولي الجغرافيا الطبيعية دور الحصن الحامي بحيث بقيت على نقائها, كأن لم تفطم من لغتها الأم. ويمكن للعارف المتواضع بلهجات نجد أن يبدد حيرة تلك الفتاة بأن يلخص الملامح الرئيسية لتلك اللهجات في ثلاث. فهناك من ناحية التجنب الفطري للسان النجدي عن تبني الأعجمي من اللفظ. وهو إن أضطر إلى ذلك يقتصر على الاسم الجامد الدال على موضوع بعينه, وذلك من دون الأخذ بصيغ الفعل أو الحال أو حروف الجر أو خلافه.
وهناك من ناحية أخرى جزالة المعنى بحيث يُعبر عن المراد بأقل عدد من المفردات, فحين يصف لسان قبيلي هذه الأيام عنوان بيت ما لا يجنح عادة إلى قول مثل "البيت الذي أمامه أو البيت الذي إلى جانبه, أو البيت الذي خلفه". فمثل ذلك إطالة من دونما حاجة, بل يكتفي بالقول "قبيله, أو لزيزه, أو ظهيره", وذلك على التوالي. وغير ذلك الكثير من معالم الجزالة ومما ينسجم مع حكمة العرب في أن خير الكلام ما قل ودل.
أما الملمح الثالث, وهو في تقديري أهم دلالات التصاق لهجات قبائل نجد - من دون كل ما عرفته من لهجات العالم العربي - بالعربية الفصيحة التصاق الرضيعة بالمرضعة هو استبقاؤها لظاهرة التنوين. فحين يصف قبيلي بيتا بأنه كبير فسيقول تلقائيا: "بيت(ن) كبير." ولو أراد الاسترسال بعد ذلك بأن ذلك البيت الكبير في متناول يد المشتري, فسيبادر إلى تنوين صفة كبير أيضا كما هي القاعدة في الفصحى: "بيت(ن) كبير(ن) ثمنه رخيص."
على أن هذا المقام ليس مقام تشريح لغوي للهجات النجدية الحية في هذا البلد, والتي أراها كما يراها كثيرون كنزا لغويا وحصنا آمنا لعروبة لسان هذا المجتمع من الاندثار, وهو الأمر الذي يجعل ما هو جار حاليا من إهمال رسمي وأكاديمي مثار استغراب. كلا فليس المقام هو المقام. لقد كانت المناسبة أن منطوق تلك الطالبة في نسبة ما يخص القبيلة في الكويت, أو ما يبدي تباينا ثقافيا مع ما هو معروف عن لهجة الكويت إلى السعودية, هذه النسبة تأتي إفرازا مطابقا للفرز الثقافي والسياسي السائد. فحوى ذلك الفرز هو الضيق وعدم تحمل التنوع والألوان, وبخاصة إذا كان لذلك التنوع نقاط تقاطع مع ألوان الجزيرة. وكان لذلك إسقاطات سياسية أقل ما يقال عنها أنها غير سوية! من ذلك أن من لا يتحدث حديث الكويت من الكويتيين ينبغي أن يوضع انتماؤه لهذه الأرض موضع شبهة, مثلما لا مانع من وضع كل العراقيل أمام حظه في الصعود, وقبل هذا وذاك لا ينبغي أن يوضع واجهة لهذا المجتمع. وهو أسلوب, كما عرفنا من معالجات سابقة, يتوسل كل أسباب التنوع والتباين في إطار المجتمع الواحد, وتوظيفها توظيفا إقصائيا يهدف في النهاية إلى تقليل عدد المستفيدين من الموارد. كما ويأتي ذلك في اتجاه إثبات ما بات شائعا عن هذا الشعب من قيم التحاسد والجشع!
وعليه فقد خبرت لهجة الكويت في السياق ذاته رعاية وتبنيا كاملا من قبل أجهزة الإعلام الرسمية والإنتاج الفني المذاع والمتلفز, فضلا عن تسويقها كلهجة وحيدة للشعب الكويتي. ومثل ذلك كثير من المحاولات الفردية المتواضعة في حين والساذجة في بعض الأحيان لفهرسة مفرداتها حبرا على ورق, الأمر الذي يكشف إلى أي مدى تلك اللهجة مخترقة من كثير من المؤثرات غير العربية. وظني, كما هو ظن الواعين من أهلها, أن تلك اللهجة معرضة لمزيد من الاغتراب والاندثار في ظل هروب متحدثيها إلى الأمام, وذلك عوضا عن التكامل والتلاقح مع اللهجات الحية للقبائل النجدية, تلك الغنية بالفصيح والمحفوظة في الأدمغة شعرا وأدبا.
ومرة أخرى المقام ليس مقام لغة, فما يهمني هنا هي التداعيات السوسيوسياسية. فالتبني الرسمي وغير الرسمي لتلك اللهجة كأسلوب حديث للشعب, والتسويق لها كتلاوة تفتح الأبواب وتتجاوز العراقيل, كل هذا جعلها تشهد استقطابا لكثير من فئات المجتمع. غير أن الظروف الاجتماعية واللغوية لتلك الفئات التي وجدت نفسها تدفع دفعا للحديث بتلك اللهجة, في حالة أشبه ما تكون بموجة التتريك سيئة الذكر, تلك الظروف اختلفت من فئة إلى أخرى. بعض تلك الفئات كان فاقدا أصلا لأي من اللهجات العربية. فالعجم وغيرهم ممن استوطنوا البلدة القديمة منذ عقود لم يكن أمامهم سوى ذلك الخيار الذكي والوحيد, أي تبني لهجة تلك البلدة بكل ما يعنيه ذلك من اندماج فيما يمكن تسميته مجازا بالحضر, ووعود بالصعود الاجتماعي السهل. وكذلك الحال مع كثيرين ممن جرى تجنيسهم منذ استقلال الدولة, وهناك أيضا من أبناء القبائل النجدية وغير النجدية ممن أداروا ظهرهم لمخزونهم اللغوي, وبادروا إلى لي أحناكهم طمعا في مزايا قد يجري تفريقها, أو تجنبا لبعض عراقيل الطريق. ونفر منهم أيضا ذهب إلى أبعد من ذلك, مثل تبديل مظهره وتجنب التسمي بأسماء أسلافه.
ومع ذلك فهذه الفرضية: أي أن الحديث بلهجة بلدة الكويت يورد المكاسب وتحصيل الحقوق, وأن عدم ذلك هو بمثابة إضاعة لكثير منها تبدو لي بالنظر إلى الواقع وصفة كاذبة, وأن القيم عليها شخص منافق! فهناك كثيرون من أبناء القبائل ممن امتلكوا ألسنة خاصة بهم ومنطوقا جميلا, وقد ظنوا أنهم بتبديل ذلك ستشرع لهم أبواب واسعة للرزق وفرص أوفر للصعود, إلا أن ذلك لم يحدث ولم يجدهم "اللي الموجع" لأحناكهم إلا القليل إن أجدى شيئا! وهم هنا لم يخسروا مرة, بل مرتين! إذ هم لم يضيعوا رزقهم فحسب حين أضاعتهم ظنونهم, بل أضاعوا ما هو أعظم من ذلك, ألسنتهم, أي تراثهم, وامتدادا في التاريخ يحسدون عليه. وهناك في المقابل مجنسون من مجتمعات عربية أخرى, لعل هؤلاء لا يودون أن يغيروا من لهجتهم الأصلية, أو أنهم لا يرون في الحديث بلهجة الكويت مطمعا أو جمالا, المؤكد أن عقودا طويلة من المكوث في هذا البلد لم تغرهم الحديث بلهجة أهلها. ورغم ذلك تنبلج لهؤلاء أبواب الصعود على مصراعيها, بل ويبوأون تمثيل هذا البلد نحو الخارج والحديث باسم أهله بمخارج ألفاظ لا تمت للهجات الكويت بصلة. والأغرب حقا أن مثل ذلك لا يجد استنكارا ممن لا يقف استنكاره عند لهجات قبائل نجد, بل ارتداء الشماخ الأحمر أيضا, وحتى مشهد انتشار الإبل في الفلاة. ليس قصدي هنا أن أضع حق هؤلاء في التجنس أو كفاءة عملهم موضع تشكيك. كلا فبيت القصيد هنا هي تلك الوصفة الزائفة, والتي لا عجب أن لا تحقق لبعضهم ما علق عليها من آمال. فهنيئا لمن أفلح ونال من دون أن يبدل لسانه! وعلى من خسر الاثنتين أن يتدارك خسائره!
* كاتب كويتي
syrbee@msn.com
http://www.al-seyassah.com/AtricleView/tabid/59/smid/438/ArticleID/137219/reftab/36/Default.aspx#startframe
دائما اجد الدكتور محمد بن عصام جريئا في وضع اصبعه على الجرح
والحقيقه يعجبني فيه منهجيته ... وكيفية نقضه للحجج الواهيه ضد البدو خصوصا ممن ينهجون نهج "الانانيه الثقافيه" والذين يريدون مصادرة هويتك ويريدونك مثلهم في ركوبهم للبحر ولهجتهم وطبائعهم .. ولا فلا.
وهو بذلك النقض يقوم بوضع امثله متشابهه للحاله ومختلفه بالنتيجه ليبين كذب المدعي.
ارجو لكم ابحارا ممتعا في قراءة هذا المقال والذي استمتعت انا به
..............................................
لا كويتية ولا سعودية... بل سبيعية!
د. محمد بن عصام السبيعي
قالت مستفهمة: أنت لا تتحدث لهجة أهل الكويت! فقلت: وكيف ذلك? قالت: بل تتحدث اللهجة السعودية. حينها أجبت بأنها محقة في بعض القول. فلهجة أهل الكويت كما هي في أجهزة الإعلام وغيرها, وكما يتحدثها البعض ليست بلهجة لي! وعما يتعلق بلهجة سعودية مزعومة فلا أظن أن شيئا من هذا يوجد أصلا. فلهجات ولكنات سكان المملكة هي من الكثرة بعدد قبائلها وأنحائها, قراها ومدنها, ولربما أيضا بعدد أحياء المدن, وليس في ذلك بالمناسبة أي مشكلة لسكان الجزيرة من أهل المملكة, بل مفخرة ثقافية ومعين لغوي لا ينضب. أما ما أتحدث به فليس إلا ما انتهت إليه لهجة سبيع الحدارية, أي بعض قبائل سبيع التي حَدَرَت, أو هبطت من وديانها في عالية نجد إلى أن تمركزت في مواضعها الحالية بين آبارها العذبة في الدهناء, بين الرياض وأعماق الصمان. ومن هناك انتشرت أشتاتا في شرق الجزيرة بمحاذاة الخليج العربي.
وكغيرها من اللهجات النجدية تتميز لهجة سبيع بغزارة مفرداتها الفصيحة, وذلك بحكم بعد نطاق انتشارها عن المؤثرات الأجنبية, وتولي الجغرافيا الطبيعية دور الحصن الحامي بحيث بقيت على نقائها, كأن لم تفطم من لغتها الأم. ويمكن للعارف المتواضع بلهجات نجد أن يبدد حيرة تلك الفتاة بأن يلخص الملامح الرئيسية لتلك اللهجات في ثلاث. فهناك من ناحية التجنب الفطري للسان النجدي عن تبني الأعجمي من اللفظ. وهو إن أضطر إلى ذلك يقتصر على الاسم الجامد الدال على موضوع بعينه, وذلك من دون الأخذ بصيغ الفعل أو الحال أو حروف الجر أو خلافه.
وهناك من ناحية أخرى جزالة المعنى بحيث يُعبر عن المراد بأقل عدد من المفردات, فحين يصف لسان قبيلي هذه الأيام عنوان بيت ما لا يجنح عادة إلى قول مثل "البيت الذي أمامه أو البيت الذي إلى جانبه, أو البيت الذي خلفه". فمثل ذلك إطالة من دونما حاجة, بل يكتفي بالقول "قبيله, أو لزيزه, أو ظهيره", وذلك على التوالي. وغير ذلك الكثير من معالم الجزالة ومما ينسجم مع حكمة العرب في أن خير الكلام ما قل ودل.
أما الملمح الثالث, وهو في تقديري أهم دلالات التصاق لهجات قبائل نجد - من دون كل ما عرفته من لهجات العالم العربي - بالعربية الفصيحة التصاق الرضيعة بالمرضعة هو استبقاؤها لظاهرة التنوين. فحين يصف قبيلي بيتا بأنه كبير فسيقول تلقائيا: "بيت(ن) كبير." ولو أراد الاسترسال بعد ذلك بأن ذلك البيت الكبير في متناول يد المشتري, فسيبادر إلى تنوين صفة كبير أيضا كما هي القاعدة في الفصحى: "بيت(ن) كبير(ن) ثمنه رخيص."
على أن هذا المقام ليس مقام تشريح لغوي للهجات النجدية الحية في هذا البلد, والتي أراها كما يراها كثيرون كنزا لغويا وحصنا آمنا لعروبة لسان هذا المجتمع من الاندثار, وهو الأمر الذي يجعل ما هو جار حاليا من إهمال رسمي وأكاديمي مثار استغراب. كلا فليس المقام هو المقام. لقد كانت المناسبة أن منطوق تلك الطالبة في نسبة ما يخص القبيلة في الكويت, أو ما يبدي تباينا ثقافيا مع ما هو معروف عن لهجة الكويت إلى السعودية, هذه النسبة تأتي إفرازا مطابقا للفرز الثقافي والسياسي السائد. فحوى ذلك الفرز هو الضيق وعدم تحمل التنوع والألوان, وبخاصة إذا كان لذلك التنوع نقاط تقاطع مع ألوان الجزيرة. وكان لذلك إسقاطات سياسية أقل ما يقال عنها أنها غير سوية! من ذلك أن من لا يتحدث حديث الكويت من الكويتيين ينبغي أن يوضع انتماؤه لهذه الأرض موضع شبهة, مثلما لا مانع من وضع كل العراقيل أمام حظه في الصعود, وقبل هذا وذاك لا ينبغي أن يوضع واجهة لهذا المجتمع. وهو أسلوب, كما عرفنا من معالجات سابقة, يتوسل كل أسباب التنوع والتباين في إطار المجتمع الواحد, وتوظيفها توظيفا إقصائيا يهدف في النهاية إلى تقليل عدد المستفيدين من الموارد. كما ويأتي ذلك في اتجاه إثبات ما بات شائعا عن هذا الشعب من قيم التحاسد والجشع!
وعليه فقد خبرت لهجة الكويت في السياق ذاته رعاية وتبنيا كاملا من قبل أجهزة الإعلام الرسمية والإنتاج الفني المذاع والمتلفز, فضلا عن تسويقها كلهجة وحيدة للشعب الكويتي. ومثل ذلك كثير من المحاولات الفردية المتواضعة في حين والساذجة في بعض الأحيان لفهرسة مفرداتها حبرا على ورق, الأمر الذي يكشف إلى أي مدى تلك اللهجة مخترقة من كثير من المؤثرات غير العربية. وظني, كما هو ظن الواعين من أهلها, أن تلك اللهجة معرضة لمزيد من الاغتراب والاندثار في ظل هروب متحدثيها إلى الأمام, وذلك عوضا عن التكامل والتلاقح مع اللهجات الحية للقبائل النجدية, تلك الغنية بالفصيح والمحفوظة في الأدمغة شعرا وأدبا.
ومرة أخرى المقام ليس مقام لغة, فما يهمني هنا هي التداعيات السوسيوسياسية. فالتبني الرسمي وغير الرسمي لتلك اللهجة كأسلوب حديث للشعب, والتسويق لها كتلاوة تفتح الأبواب وتتجاوز العراقيل, كل هذا جعلها تشهد استقطابا لكثير من فئات المجتمع. غير أن الظروف الاجتماعية واللغوية لتلك الفئات التي وجدت نفسها تدفع دفعا للحديث بتلك اللهجة, في حالة أشبه ما تكون بموجة التتريك سيئة الذكر, تلك الظروف اختلفت من فئة إلى أخرى. بعض تلك الفئات كان فاقدا أصلا لأي من اللهجات العربية. فالعجم وغيرهم ممن استوطنوا البلدة القديمة منذ عقود لم يكن أمامهم سوى ذلك الخيار الذكي والوحيد, أي تبني لهجة تلك البلدة بكل ما يعنيه ذلك من اندماج فيما يمكن تسميته مجازا بالحضر, ووعود بالصعود الاجتماعي السهل. وكذلك الحال مع كثيرين ممن جرى تجنيسهم منذ استقلال الدولة, وهناك أيضا من أبناء القبائل النجدية وغير النجدية ممن أداروا ظهرهم لمخزونهم اللغوي, وبادروا إلى لي أحناكهم طمعا في مزايا قد يجري تفريقها, أو تجنبا لبعض عراقيل الطريق. ونفر منهم أيضا ذهب إلى أبعد من ذلك, مثل تبديل مظهره وتجنب التسمي بأسماء أسلافه.
ومع ذلك فهذه الفرضية: أي أن الحديث بلهجة بلدة الكويت يورد المكاسب وتحصيل الحقوق, وأن عدم ذلك هو بمثابة إضاعة لكثير منها تبدو لي بالنظر إلى الواقع وصفة كاذبة, وأن القيم عليها شخص منافق! فهناك كثيرون من أبناء القبائل ممن امتلكوا ألسنة خاصة بهم ومنطوقا جميلا, وقد ظنوا أنهم بتبديل ذلك ستشرع لهم أبواب واسعة للرزق وفرص أوفر للصعود, إلا أن ذلك لم يحدث ولم يجدهم "اللي الموجع" لأحناكهم إلا القليل إن أجدى شيئا! وهم هنا لم يخسروا مرة, بل مرتين! إذ هم لم يضيعوا رزقهم فحسب حين أضاعتهم ظنونهم, بل أضاعوا ما هو أعظم من ذلك, ألسنتهم, أي تراثهم, وامتدادا في التاريخ يحسدون عليه. وهناك في المقابل مجنسون من مجتمعات عربية أخرى, لعل هؤلاء لا يودون أن يغيروا من لهجتهم الأصلية, أو أنهم لا يرون في الحديث بلهجة الكويت مطمعا أو جمالا, المؤكد أن عقودا طويلة من المكوث في هذا البلد لم تغرهم الحديث بلهجة أهلها. ورغم ذلك تنبلج لهؤلاء أبواب الصعود على مصراعيها, بل ويبوأون تمثيل هذا البلد نحو الخارج والحديث باسم أهله بمخارج ألفاظ لا تمت للهجات الكويت بصلة. والأغرب حقا أن مثل ذلك لا يجد استنكارا ممن لا يقف استنكاره عند لهجات قبائل نجد, بل ارتداء الشماخ الأحمر أيضا, وحتى مشهد انتشار الإبل في الفلاة. ليس قصدي هنا أن أضع حق هؤلاء في التجنس أو كفاءة عملهم موضع تشكيك. كلا فبيت القصيد هنا هي تلك الوصفة الزائفة, والتي لا عجب أن لا تحقق لبعضهم ما علق عليها من آمال. فهنيئا لمن أفلح ونال من دون أن يبدل لسانه! وعلى من خسر الاثنتين أن يتدارك خسائره!
* كاتب كويتي
syrbee@msn.com
http://www.al-seyassah.com/AtricleView/tabid/59/smid/438/ArticleID/137219/reftab/36/Default.aspx#startframe