دولة قطر : بلاد اللجوء بلا فرز

الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.

قلم ناشف

عضو جديد
GMT 2:00:00 2007 السبت 22 ديسمبر
السياسة الكويتية

أحمد البغدادي


لا يختلف اثنان على أن ظهور دولة قطر على الساحتين العربية والدولية, وبصورة مفاجئة, يعود إلى عاملين لا ثالث لهما هما: قناة الجزيرة, والسياسة الخارجية الجريئة وغير المألوفة, بل وغير المتوقعة من دولة بحجم قطر. ولا يمكن إنكار حقيقة أن الفضل في ذلك يعود إلى جرأة سياسية غير معهودة في عالم العرب من جانب النظام الحاكم الذي مثله رئيس الوزراء القطري الذي رسم السياسة الخارجية القطرية منذ كان وزيرا للخارجية ولا شك أن دولة قطر تمثل اليوم رقما صعبا في السياستين العربية والخليجية, تذكرنا بالسياسة الخارجية الكويتية في فترة ما بعد الاستقلال,

وإن لم تبلغ الجرأة بالسياسة الخارجية الكويتية حد التهور بإقامة علاقات سياسية وتجارية مع الكيان الصهيوني, بسبب قوة القوميين العرب من المثقفين والتجار الكويتيين, إضافة للعلاقة الخاصة بين بعض أفراد الأسرة الحاكمة والفلسطينيين, ويكفي دليلا على ذلك قيام منظمة التحرير الفلسطينية على أرض الكويت. وبسبب تطور الواقع السياسي العربي حيث أصبح الكيان الصهيوني مقبولا على المستوى العربي بوجود العلاقات والاتفاقات السياسية بين جمهورية مصر العربية و المملكة الأردنية, ثم مبادرة المملكة العربية السعودية لحل القضية الفلسطينية من خلال مبادلة الأرض مقابل السلام والاعتراف بإسرائيل, ولو ضمنا, أصبح موضوع العلاقات مع الكيان الصهيوني أقل حساسية على المستوى العربي.

كما انفردت دولة قطر بأمرين لا يجرؤ أي نظام عربي اليوم على الإقدام عليهما دون خوف من الاستحقاقات السياسية والاقتصادية, وهما مواجهة النظام السياسي السعودي, وفتح الدولة لاستقبال كل مرفوض أو منبوذ سياسي أو ديني للعيش في قطر. وحيث أن موضوع العلاقات السعودية ¯¯ القطرية قد تم احتواؤه, دون التفريط بتوجهات قناة الجزيرة بشكل حاد, فإن ما يستدعي البحث فيه يتصل بموضوع اللجوء السياسي لدولة قطر, حيث أصبحت قطر اليوم قبلة المطاردين أو اللاجئين السياسيين وأتباع الجماعات الدينية , من كل حدب وصوب. فهل هذا التوجه للسياسة الخارجية القطرية يعكس قوة الدولة , أم انه مجرد رغبة في الاختلاف....والسلام, خاصة وأن السياسة القطرية " صاحبة " مفاجآت على المستوى الخارجي, خاصة وأن دولة قطر لا تتخذ قراراتها من خلال برلمان منتخب.

قضية منح اللجوء السياسي أو غيرها من الأمور السيادية للدولة, شريطة أن تكون هناك قواعد محددة تقوم بترتيب هذا الموضوع, ولا يبدو أن قطر تملك هذه القواعد بشكل مكتوب كما هو الحال في الدول الغربية. بل لا تكاد هذه القضية تتسم بالوضوح قدر اتسامها بالضبابية, وفردية القرار, ويبدو الأمر وكأن دولة قطر تريد أن تظهر على الساحة السياسية من خلال المثل الشعبي, " »خالف...تُعرف«. وهو سلوك غير متحضر لدولة ناشئة تسعى لتأسيس قواعد الدولة المعاصرة. ومن الواضح أيضا أن قضية اللجوء السياسي أو غيره قضية مفتوحة لكل الاحتمالات, أي من دون فرز أيديولوجي لطالبي اللجوء, خاصة وأن قطر غالبا ما تكون هي المبادرة لتقديم اللجوء كحل لإشكال أو مأزق لبعض الأفراد, كما في حالة ابنة الرئيس العراقي السابق المدعوة رغدة, ويقال أن أمها تعيش أيضا في قطر, وكذلك الأمر مثل الهارب من إسرائيل , النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي عزمي بشارة, إضافة إلى بعض المحسوبين على الجماعات المتشددة في الجزائر, وذلك الروسي الذي تم اغتياله على أرض قطر, وأخيرا وليس آخرا, الداعية السلفي وجدي غنيم الذي تم طرده من مملكة البحرين مؤخرا, ولجأ إلى دولة قطر.

من حيث المبدأ لا يوجد شك في اعتبار اللجوء السياسي حلا إنسانيا لمشكلة قائمة, لكن ليس من دون تمييز الغث من السمين, كما هو الحال في قطر, فاللاجئون ليسوا من الانتماء السياسي أو الأيديولوجي نفسه, وهناك حسابات سياسية لا بد من أخذها بعين الاعتبار عند الموافقة على اللجوء, خاصة فيما يتصل بالعلاقات الإقليمية والدولية, وإلا وجدت الدولة نفسها في خضم مشاكل سياسية لا حصر لها, بل ولا طاقة لها بها, لعدم أهمية اللاجئ ذاته وموضوع لجوئه, وهو ما يبدو أن دولة قطر لا تعيره الأهمية المطلوبة أو المفترضة. ومن الخطأ الاعتقاد أن كل لاجئ للدولة يستحق ذلك, ففي السياسة الخارجية مصالح للدولة لا بد من رعايتها.

من الواضح أن قضية اللجوء إلى قطر في طريقها لكي تصبح منهجا ثابتا في السياسة القطرية, ومن ثم لا بد من وضع قواعد قانونية واضحة, بعيدا عن المزاجية في صنع القرار , وحفظا لقوانين الدولة من الانتهاك غير القانوني, إذ عادة ما يكون اللجوء بهدف ابتعاد طالب اللجوء عن مشاكل تكون من افتعاله, أو لينأى بنفسه عن مشاكل سياسية خاصة بدولته, وله يد في إثارتها. إضافة إلى ما سبق, يشجع هذا النوع من اللجوء طالبيه على الكسل ما دامت الدولة الحامية قد وفرت له الملاذ الآمن, حيث تلتزم الدولة المضيفة بتلبية المتطلبات المعيشية له , وبما قد يثقل كاهل الدولة ماليا مع تكاثر طالبي اللجوء وتناسلهم.. ليس من المرغوب به سياسيا إظهار الدولة لنفسها بصورة المحسن الكبير, دون مصلحة تتحقق حين يتم قبول مثل هذا اللجوء.

السياسة الخارجية اليوم لدولة قطر لا تتسم بالوضوح والشفافية, حتى وإن ادعت الدولة ذلك, لأنه من الواضح أن قطر غالبا ما تدخل على خط الأزمات دون أن تمتلك الحلول المناسبة سوى تقديم البدائل المالية أو توفير حق اللجوء السياسي لأصحاب الموضوع, ولا يعد مثل هذا السلوك مناسبا للدولة الحديثة. وهناك العديد من الأمثلة التي تدل على تضخم " الأنا" القطرية للدولة, سواء من خلال طلب قطر المساعدة من إسرائيل لحيازة مقعد في مجلس الأمن, أو الوقوف إلى جانب كوريا الجنوبية ضد الأردن في مساندة المرشح الكوري لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة, أو التدخل لدى حركة حماس وعلاقتها المتوترة مع منظمة التحرير الفلسطينية, مما يدفع المراقب للسياسة القطرية الى التساؤل : ماذا تريد الحكومة القطرية من كل هذا الخلط بين الغث والسمين في القضايا العربية والدولية, علما بأن الدور الخليجي لقطر لا يكاد يُذكر! لقد ظلت قطر برغم وجودها في مجلس التعاون الخليجي منذ عام ,1981 في الظل , ودون نشاط سياسي ملحوظ.

لا شك أن من حق القائمين على صناعة القرار في قطر سواء الداخلي أو الخارجي أن يتبنوا السياسة المناسبة لهم أو للدولة فيما يتصل بقضية اللجوء إلى قطر, لكن من الخطأ الاعتقاد أن الاستمرار في هذه السياسة العشوائية سيصب في مصلحة الدولة العليا في نهاية الأمر. ولذلك فإن قطر بحاجة لتبني سياسة الفرز أو التمييز بين من يستحق ومن لا يستحق اللجوء, لكن أن تكون قطر مجرد محطة للعبور أو الإقامة لمثل هؤلاء فهو أمر لا يمكن التيقن من فائدته للدولة على المدى المتوسط.

ومما لا شك فيه أن الدولة ستحصل على سمعة سياسية إيجابية على المدى القصير, لكن في عالم متشابك سياسيا , خاصة في ظل سياسة الحرب على الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية, فإنه ليس من مصلحة الدولة, أي دولة فتح الباب على مصراعيه للجميع, خاصة وأن الحلقة تضيق يوما بعد يوم على الجماعات الدينية. فهل ستفتح قطر ذراعيها يوما لزعماء حركة حماس فيما لو دخلت حركة حماس في معركة مفتوحة مع إسرائيل, وهو أمر متوقع ? وهل من المنطق عدم توقع حدوث مشاكل مع الولايات المتحدة الأميركية إذا استثنينا إسرائيل من الموضوع? خاصة وأن سورية ستضطر إلى التضييق على ممثلي كل منظمة فلسطينية على أرضها في القريب العاجل, فيما لو دخلت في حرب مع إسرائيل, أو مفاوضات حول الجولان المحتلة!

لست بصدد تقييم السياسة الخارجية القطرية, لكن تاريخ الكويت السياسي المعاصر يتضمن العديد من الدروس والعبر لمن يقرأه جيدا, فهل من قارئ جيد في الحكومة القطرية لهذه التجربة, التي دفع الكويتيون ثمنها يوم الثاني من أغسطس عام 1990? هذا ما نأمل حدوثه.


 

السلطاني

عضو مخضرم
زميلنا الفاضل....


إدراج مواضيع دون تعليق أو وجهة نظر من العضو....أمر مخالف ل قوانين المنتدى...

ل ذلك

الموضوع مغلق.
 
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
أعلى