تأثير عزبة الصفيح وأبراج نيويورك على الثورات العربية

أبو عمر

عضو بلاتيني / العضو المثالي لشهر أغسطس
تأثير عزبة الصفيح وأبراج نيويورك على الثورات العربية



السلام عليكم

في القرون الوسطى لما كان الغرب يعيش في ظل فقر ثقافي وفكري مدقع , نتيجة التحريم الكنسي على كل ما هو معرفة إنسانية وعلوم دنيوية , كان في نفس الوقت الدولة الإسلامية الكبيرة تعيش في ترف فكري وثقافي كبير جدا وواسع , فقد كانت مكتبة باريس تحوي كتابا أو اثنين في علوم الدنيا بينما كانت مكتبة صغيرة في نجف العراق تحوي ستين ألف مجلد , وعندما كان أهل الثقافة في الغرب يُعرفون بقدرتهم على القراءة والكتابة , كانت الأندلس تفخر بأن أكثر من ثلاثين ألف امرأة تقرأ وتكتب بسهولة ناهيك عن الرجال....

في هذا الوقت بدأت الحملات الصليبة على دول المشرق , وقد هالهم التقدم العلمي الكبير التي يعرفه المسلمون على الرغم من تشتتهم سياسيا , فقد كان المسلمون يملكون العصا السحرية للعلاج من مراهم وأدوية , ويتكلمون في الفلك والحساب والمعمار والهندسة والفلسفة - الصحيحة - , وينقضون مذهب أرسطو الفلسفي ويبنون على أنقاضه مبدأ الإستقراء الصحيح الذي أخذه الغرب بعد ذلك وانتفع به , يعني كان المسلمون في السماء والغرب تحت الأرض بسنين ضوئية كبيرة , ولهذا رجعت الحملات الصليبة وهي تحمل في وجدانها ارادة تغيير السلطة في العالم الغربي وتنحية الكنيسة عن الحكم وفصل الدين عن الدولة وقد كانوا محقين في هذا...

باختصار دفعت هذه المشاهدة لأهل الحملات الصليبية ورجوعهم إلى بلادهم بالخيرات والمعارف والعلوم الإسلامية والعربية إلى تزايد الشعور بضرورة التغيير في مجتمعاتهم , وفعلا قاموا بذلك وغيروا ولكن هل إنعكاس الوضع الآن ساعد على نمو شعور الشعوب العربية بضرورة التغير ؟ هل هذا كان رد الدين الذي في أعناقهم تجاه المسلمين ؟
في الحقيقة إن إنتشار الثقافة الإعلامية الغربية المجانية , واستطاعة الإنسان العربي البسيط أن يشاهد تعامل المؤسسات الغربية بإنسانية في غالب الأحيان مع الإنسان والمواطن قد ساعد فعلا على نشر مشاعر التغيير , فالقليل من المسلمين هم الذين يسافرون ويشاهدون الحياة في الخارج والقليل النادر هو الذي يملك بصيرة يمكنه من كشف مفاسد المجتمعات الغربية وبيان عللها , وأما الباقي وهو الغالب الأعم من العرب المهاجرين , فيرى النموذج الغربي ويفتتن به حتى الثمالة فلا يقدر على فصل مشاعر الإعجاب عن عقله لكي يحكم بمنظار صحيح على هذا العلو الإنساني...أيا كان فإن هذه الثقافة الغربية وقنوات الأفلام والمسلسلات الأمريكية خصوصا والأجنبية عامة قد ساعدت جدا على نشر ثقافة التغيير لدي الكثير من الشعب العربي والمصري , وكيف لا وهو يرى محاكمات فيه عدالة واحترام للإنسان , بينما هو يحاول أن يخرج من بيته فيرى الإهانة والشتائم ويسمع عن سطوة أصحاب العزبة , ويخرج سليما من بيته يجر آماله واحلامه وآلامه فيرجع إلى بيته يجر ساقه من وقوعه في بالوعة أو حداثة قطار أو غرق عبارة , ولو كانت هذه الحوادث عادية لرضي بقضاء الله , ولكنه يؤمن أيضا بأن الفساد إذا نما قضى على زهور الحرية ورائحة الكرامة...

وساعد على تنامي هذا الشعور السلاح الذي كان يستخدمه النظام السابق في تثبيت ملكه وهي السينما المصرية أيضا , فلكي تكون الأفلام السينمائية مؤثرة لابد أن تكون واقعية , ولهذا دأبت السينما الواقعية على نقل حالة قاع المجتمع المصري والحياة في العشوائيات إلى حضن المواطن المصري , وفرغت هذه الواقعية أمام أعين الجميع إما على سبيل الفكاهة والتندر وإما على سبيل المنافسة والمسابقة , وحتى الأفلام التي نقلت حياة الأغنياء في القصور والفيلات أيضا أدت إلى نفس النتيجة , فصارت الطبقات ترى بعضها , فهذا يحقد على ذاك أو يتمنى أن يخرج من فقره المدقع لكي يستمتع بما يستمتع به أخوه المصري , وهذا يعطف على الفقير أو يشمئز منه ومن فكره وثقافاته وحياته ولباسه وهيئته وكل ما يمثله أهل العشوائيات , فانتقلت ثقافة القرف من النظام إلى كل الناس والمواطنين...

يعني صار السلاح موجها إلى النظام , والإنفتاح الإعلامي موجه إلى النظام , ومحاربة التيار الإسلامي وتصوير ذلك وفلمنته - أي وضعه في فيلم - موجه ضد النظام , ولا أدري كيف غفل النظام السابق على عدم قدرته على الإنفتاح فعلا , فلا يقدر على الإنفتاح إلا من علم أنه لا عورة عنده ليخفيها و ولكن النظام السابق كان يحكم بعقلية يوليو فظن أن إصلاح جناح الحريات دون اصلاح الأساس ينفعه ولا يضره والحقيقة أن العكس هو الصحيح , ولهذا نقم جدا أهل السينما والممثلين الذين شاركوا في الثورة من نبذ الشعب المصري لهم في أول استفتاء , لأنه قد وقع في قرارة أنفسهم أنهم أصحاب الثورة وأهلها الذين أشعلوا الحراك السياسي فكيف يركلهم المصريون بهذه الطريقة وأمام أعين التيار الإسلامي نفسه ؟

ورأت أمريكا والغرب أنهم أصحاب فضل على هذه الثورات , فلولا نشر هذه الثقافات ما تحركت الجموع الشعبية لنفض الحكم , نعم لم يتوقعوا أن يكون التحرك كبيرا في هذا الوقت ربما تخيلوه بعد فترة أخرى , ولم يخيلوا أيضا أن المصري الذي أخذ هذه الثقافة ونقم على تردي أوضاعه قد سجد لله في ميدان التحرير ولم يسجد لأمريكا أو أوروبا لمساعدته إياه حتى لو كانت شبيهة بما يحدث في ليبيا , وهي فرصة ذهبية لأمريكا والغرب أن يحسن صورته أمام الدنيا التي شوهتها حروب العراق وأفغانستان , ودليل للدميقراطيين في البيت الأبيض على أن الثقافة أمضى من الحروب التي تخلفهم على شفا الإفلاس وتعلي من وتيرة الكراهية لهم...


الذي حدث في مصر هو حنق عام على الفساد المستشري في المجتمعات , ولم يكن ينتظر الثورة إلا أن يتداول بين الناس , فلما بدأ الرئيس السابق مبارك في فتح باب الحريات صار الفساد مادة إعلامية, تتحدث عنه المسلسلات والأفلام والأقلام والأقزام , والجرائد حتى أصحاب ميكي ماوس وميني ظنوا في أنفسهم الإخلاص والوطنية , وهم كانوا يحاولون أن يلمعوا في سماء فنهم وثقافاتهم ولم يكونوا مدركين أنهم يوجهون سهاما قاتلة إلى النظام الذي كان يُمكن لهم ويعطيهم كل ما يحبون من أدوات لمحاربة التيار الإسلامي بمصر ,.... نعم كانت للمسلسلات والأفلام الأجنبية والمصرية دور في الثورة المصرية , ولكن الشعب المصري أعطى كلمته وشكر الجميع على مجهودهم وصرف الجميع إلى أعمالهم السابقة , فهو لن يرضى عن الإسلام بديلا ولن يغيره إلى ليبرالية غربية ولا شيوعية اشتراكية , وإنما في هذه المرحلة الحساسة هو يوصل رسالة محددة مفادها أنه خرج من القمم الذي عاش به من أوائل الخمسينيات , وسوف يحاول أن ينتج للدنيا نموذجا يجمع بين الدين والدنيا يجعل قلبه مستريحا وعقله مستنيرا وعمله مشاهدا مستمدحا...

ولكن دائرة الإصلاح تحتاج إلى تقوى الله وعلم وحشمة ووقت والله المستعان


وبس.
 
أعلى