القاعدة و الأنظمة و محاولات الإلتفاف حول الثورات العربية

الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.

سارة سعيد

عضو فعال
[SIZE="8[CENTER][/CENTER]"]القاعدة و الأنظمة و محاولات الإلتفاف حول الثورات العربية[/SIZE]


ليس من العجب أن تحاول الأنظمة المطاح بها في كل من تونس و مصر و ليبيا الإلتفاف حول ثورات شعوبعها، و لكن ما يدعو إلى العجب و الإستغراب في نفس الوقت هو محاولات القاعدة عبر خرجاتها الإعلامية الإلتفاف حول هذه الثورات و محاولة سرقتها. فبعد أن أطل علينا كل من الظواهري و الليبي و العولقي عبر خرجاتهم الإعلامية المعتادة، أصبحت القاعدة تتبنى خطابا مختلفا شيئما في الظاهر عن خطاب العنف و لكن في المضمون ما زال الخطاب هو نفسه:العنف أولا و أخيرا. إن الخرجات الإعلامية الأخيرة لقيادات تنظيم القاعدة تخفي في طياتها محاولة للالتفاف علي الخطاب الأيديولوجي للثورات العربية و ذلك عبر تجاوز الفجوة بين أيديولوجية العنف للتنظيم ، والخيارات السلمية المدنية للثورات في إسقاط الأنظمة. لقد وجد التنظيم نفسه بين نارين: نار العنف و الإرهاب الذي تبناه عقودا من جهة و نار جنوح الشعوب، التي يزعم التنظيم الدفاع عنها، إلى الثورات السلمية من جهة أخرى.

إليكم الجزء الأول من دراسة حول هذه الإشكالية التي طرحناها



الثورات الديمقراطية: مقاربة جهادية

برأي محللين سياسيين، فإنّ مقتل ابن لادن لم يكن سوى "إسدالٌ للستار" على مرحلة صعود القاعدة التي أتت انعكاساً لفشل الأنظمة العربية وسوء إدارتها خلال العقود الماضية، واعتبروا أنّ المقتل الحقيقي للرجل والضربة القاصمة لقاعدته تمثّلا في الثورات الديمقراطية العربية، التي قدمت خياراً استراتيجياً مختلفاً للشباب العربي ومغايراً للطريق التي تدعوهم إليها القاعدة لمواجهة الأنظمة العربية

ذلك أنّ الثورات الديمقراطية رسمت معالم طريق مختلفة عن تلك التي وضع أسسها سيد قطب وتبعه عبد السلام فرج، ثم الظواهري وغيرهم؛ فالثورات تؤكد على أهمية النزوع السلمي وعلى الدولة المدنية والانفتاح على العالم، وهي طريق مناقضة، بل معاكسة تماماً، لرهانات القاعدة أيديولوجياً وسياسياً

إلاّ أنّ السؤال عن موقف القاعدة من الثورات الديمقراطية قد لا يُختزل في هذا المستوى من الاختلاف والتناقض! فهذه الثورات، من زاوية أخرى، أضعفت عدواً صلباً للقاعدة، أي الأنظمة العربية الحالية، وهي أنظمة كانت معادية بقوة وشراسة للقاعدة والحركات الإسلامية عموماً، وفتحت الطريق أمام الشعوب العربية لتكون أكثر حرية واستقلالاً، وتمتلك القدرة على المشاركة في اختيار حكوماتها، كما هي الحال مع مصر وتونس

من هذه الزوايا المتباينة والمتقابلة في الرؤية يمكن الاقتراب من قراءة القاعدة لهذه الثورات وتداعياتها في المنطقة العربية. وذلك يدعونا للوقوف أولاً عند خطاب قيادات (في القاعدة) نافذة ومؤثرة تجاه الثورات الديمقراطية، ثم استخلاص النتائج، على المستوى العالمي، قبل العودة إلى "الدائرة الأردنية

في السياق العالمي؛ تبدو رسائل أيمن الظواهري، المنظر الأيديولوجي للقاعدة والرجل الأبرز حالياً فيها، حول الثورات الديمقراطية، من أهم "الوثائق" بهذا الخصوص، وتحديداً ما سمي بـ"رسالة الأمل والبشرى لأهلنا في مصر" (ربيع الثاني 1432ه)[7]. وكذلك مقالة أبو يحي الليبي، وهو المفتي الشرعي والفقهي للقاعدة، بعنوان "ثورات الشعوب بين التأثر والتأثير"، في العدد 18 من مجلة "طلائع خراسان" (ربيع الثاني 1432)، وهي المجلة الأكثر تأثيراً وحضوراً لدى تنظيم القاعدة، وتحمل المواقف الأكثر أهمية لقادتها، وأخيراً مقالة أنور العولقي، وهو من أبرز منظري القاعدة حالياً، بعنوان "تسونامي التغيير"، في مجلة "الإلهام" التي تصدرها قاعدة الجزيرة العربية باللغة الانجليزية
يعتبر الظواهري، بمثابة المنظّر الأيديولوجي للقاعدة، وتناوله لموضوع الثورات على درجة من التأثير في مسار القاعدة وأفكارها، ويمكن أن يمثِّل ملامح الخطاب الجديد أو التغيرات في خطابها. في رسالته؛ يخصص الجزء الأكبر للشأن المصري ويسهب في نقاط رئيسة أبرزها

-•••••• اعتبار أنّ ما حدث في من ثورات ديمقراطية عربية هو جزء مكمّل للحرب التي تخوضها القاعدة في العراق وأفغانستان ضد الغرب والأنظمة المتحالفة معه، بهدف تحرير الأمة من الاستبداد والاحتلال "أمتنا تخوض معركة واحدة ضد غزاة الحملة الصليبية ووكلائهم حكامنا الفاسدين المفسدين

-•••••• التحذير من الأجندة الأميركية والغربية، والتشكيك بجدوى دعمهم للثورة المصرية، بل والتأكيد أنّهم لا يريدون إقامة حكم حرّ حقيقي في العالم العربي، يمثل نظاماً إسلامياً شورياً، ويرفض احتلال أراضي المسلمين، ويواجه المطامع الإسرائيلية، بل يرى الظواهري أنّ كل ما تريده الولايات المتحدة هو "نظام يعطي الشعب بعض الحريات، ولا يهدد مصالحها، ولا يمس أمن إسرائيل

-•••••• ثم يشير الرجل إلى التحالف بين الولايات المتحدة الأميركية والمجلس العسكري في مصر، معتبراً أنّ ما تمّ إلى الآن هو "ثورة انتهت بانقلاب عسكري"، ومحذّراً من أنّ بعض الإنجازات التي تحققت لا تعادل ما بقي على حاله، ما يعني أنّ الأهداف الحقيقية للثورة لم تنجز، بل تمّ التحايل عليها من خلال دور الجيش

-•••••• الجزء الأكثر أهمية في رسالته تبدو في تحذيره من "سرقة الثورة"، بعدم تحكيم الشريعة الإسلامية أو التلاعب بهوية مصر الإسلامية، وفي هذا السياق يطالب الإسلاميين والمصريين جميعاً بالدفع نحو تطبيق الشريعة الإسلامية، وعدم القبول بالحكم الديمقراطي بديلاً عنها، موضّحاً الفوارق بين الشورى الإسلامية والديمقراطية الغربية

أمّا أبو يحي الليبي، فهو أحد أبرز قادة القاعدة اليوم، وتحديداً في مجال التنظير الفكري والفقهي، وتبدو مقالته "ثورات الشعوب بين التأثير والتأثر"، أكثر تحديداً ودقة من رسالة الظواهري، إذ يعرِّف فيها – بصورة حاسمة- لأنصار التيار في مختلف البقاع ما هو مطلوب منهم، وما هي أهدافهم، وما المحددات في تفاعلهم مع الثورات، حتى لا تؤثر سلباً على ولاء الأفراد للقاعدة؛ فكراً وتنظيماً
يقدّم الليبي باعتبار هذه الثورات "فرصةً سانحةً" يجب استثمارها، لكن مع عدم الاندفاع وراء "صيحات التغيير" من غير تثبت واستبصار. ويصوغ لذلك قاعدة رئيسة "المطلوب من المجاهدين أن يتقنوا الولوج للأحداث محافظين على جهادهم ومبادئهم، وأن يحذروا من تسلل شيء من (المفاهيم) المعوجة إليهم في غمرة الانشغال والانفعال مع التغيرات الكبرى المتسارعة المبهرة، وأن تكون مرتكزات مسيرتهم راسخةً في أذهانهم مصقولةً في تصوراتهم، وأن يكون همُّ المحافظة عليها وصيانتها وتدعيمها وزيادة ترسيخها فوق كل شيء

من الواضح أنّ "المعادلة" التي يضعها الليبي توازن بين أمور عدة؛ فهو من جهة لا يريد أن تبدو القاعدة وكأنّها الخاسر من هذه الثورات، بل يريد أن تظهر وكأنّها في المسار نفسه، ومن جهة ثانية، يدفع باتجاه المشاركة في الأحداث حتى تكون القاعدة جزءاً من الأحداث والتغييرات، لكن في المقابل هنالك الخشية من "الانبهار" بالثورات وما تؤول إليه، ما يضعف فكر القاعدة وخطابها، وهذا عين ما يخشاه الرجل ويحذّر منه في فقرات متعددة من مقالته

في تعريفه لموقف القاعدة من الثورات؛ يستعين الليبي بمثل توضيحي: •انتقال سجين منذ أمدٍ بعيد "مكبل الأيدي والأرجل داخل غرفة انفرادية ممنوع فيها من الكلام ولا يرى من النور إلاّ خيوط أشعةٍ رقيقة تخترق أحياناً ثقوباً من نافذتها.." إلى غرفة جماعية ضمته بعدد من (السجناء الأحرار) "•داخل زنزانتهم المتسعة فرأى النور، وتكلم مع رفقائه متى شاء، وصلى معهم جماعة، ودار معهم وسط غرفته الجديدة برجلين طليقتين من القيود..

إذن؛ هو التحول من "سجن أسوأ" إلى "سجن أفضل حالاً"، لكن ليس التحرر النهائي، الذي يراه الليبي فقط بتحكيم شرع الله كاملاً غير منقوص، "وأن كل حكم سواه – مهما زين في أعين الناظرين- لا يعدو أن يكون في الوصف الشرعي الخالص حكماً جاهلياً

بعد التأكيد على هدف تحكيم شرع الله، ينتهي الليبي – كما فعل صاحبه الظواهري- إلى التحذير من الأجندة الغربية والأميركية التي تحاول ركوب موجة الديمقراطيات العربية لهدفين رئيسين؛ الأول بألا يكون التغيير إسلامياً خالصاً،.. "•يعني الاستقلال التام في السياسات والقرارات وبناء العلاقات.."، والثاني بالتيقن من الحفاظ على المصالح الغربية في المنطقة، ومن ضمنها أمن إسرائيل

يلخّص الليبي في نهاية مقالته هدف القاعدة، الذي يقابل الأهداف الغربية، كما يلي "المطلوب هو التفكير الجاد العميق المثمر في كيفية الاستفادة العملية لاستثمار أجواء الشجاعة والجرأة والتحدي والاندفاع التي تعيش هذه الشعوب نشوتها خلال هذه الفترة، لتوجّه معها إلى التغيير الحقيقي الذي نرنو إليه وهو إقامة حكم الله تعالى، من غير فوضى ولا ارتجال ولا سطحية أو تخليط حتى لا تكون النتائج عكسية..

الوثيقة الثالثة هي مقالة أنور العولقي، وهو المنظر الفكري لقاعدة اليوم في اليمن، ولديه قدرة خاصة في التأثير على الأنصار والأجيال المسلمة في الغرب، بل خصص لذلك مجلة ناطقة بالإنجليزية (إلهام)، وقد ساهمت حياته في الولايات المتحدة وتفاعله مع الأحداث هناك في صقل إمكانيات متميزة لديه بالتأثير على الجاليات المسلمة، بخاصة من خلال شبكة الإنترنت، وكان له دور في تجنيد كل من نضال مالك (الذي قتل عدداً من الجنود الأمريكان في قاعدة عسكرية بتكساس 2010) وعمر فاروق الذي حاول تفجير طائرة ديترويت وغيرهم ممن تأثروا بأفكاره
في مقاله "تسونامي التغيير" (في العدد الخامس من مجلة إلهام) يبدو العولقي أكثر "براغماتيةً" من صاحبيه السابقين، بل وأكثر اطلاعا على القراءة الأميركية للثورات وتأثير القاعدة وتأثرها بها، مستشهداً بآراء وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلنتون، والخبير في شؤون الإرهاب بيتر بيرغن، والكاتب المعروف فريد زكريا

الفرضية التي يحاجّ بها العولقي تتمثل بأنّ انهيار هذه النظم الحليفة مع الولايات المتحدة والمعادية لـ"المجاهدين" هو أولاً وأخيراً •يخدم أهداف القاعدة ولا يضرّ بها، إذ يستبعد تماماً أن تأتي الأيام المقبلة بأنظمة شبيهة من حيث الخصائص والسمات بالأنظمة السابقة وبخلاف صاحبيه لا يشدّد العولقي على أهمية وضرورة أن تنتهي الثورات إلى حكم إسلامي، مع عدم وضوح• النتائج إلى الآن، لكن المهم أنّ ما يحدث سيمنح "المجاهدين" مساحة أوسع للحركة والدعوة "•نحن لا نعرف حتى الآن ما ستكون النتيجة، وهو ليس مطلوباً، ليس من الضروري أن تكون الحكومة الإسلامية هي النتيجة بالنسبة لنا لكي نعتقد أن ما يحدث هو خطوة في الاتجاه الصحيح. بغض النظر عن النتيجة، سواء كانت حكومة إسلامية أو أمثال البرادعي أو عمرو موسى أو شخصية أخرى عسكرية، وأيا كانت النتيجة، فإنّ إخواننا المجاهدين في تونس ومصر وليبيا وبقية العالم الإسلامي سيحصلون على فرصة للتنفس مرة أخرى بعد ثلاثة عقود من الاختناق

يراهن العولقي، إذن، على أنّ ما يحدث هو خطوة لصالح القاعدة، تخلصت فيها من أنظمة معادية وحليفة للغرب، وأنّ الحدّ الأدنى من المكاسب هو "فرصة" أفضل للعمل والنشاط، وصولاً إلى الهدف الأكبر، طالما أنّ هنالك ترجيح، كما يذهب لاحقاً، لقدرة التيارات الجهادية على البروز والعمل
بالمقارنة، فإنّ العولقي يعطي الأولية والأهمية للفرص المترتبة على نجاح الثورات العربية بينما الليبي يرجّح جانب القلق والخوف من "الانبهار" وتراجع تأثير أيديولوجيا القاعدة

انضم إلى ترحيب أولئك القادة الثلاثة زعيم القاعدة السابق نفسه، أسامة بن لادن، في رسالة سجّلها قبل أسبوع من مقتله على يد القوات الأميركية، وبثّتها القاعدة لاحقاً. مضمون الرسالة لم يحمل دلالات إضافية على ما قرأناه سابقاً من العولقي والليبي والظواهري، إذ اكتفى بالترحيب بـ"رياح التغيير"، ودعوة الشباب إلى الانخراط في التحركات الجديدة، محدداً الهدف النهائي بـ"التحرر من العبودية لأهواء الحكام والقوانين الوضعية والهيمنة الغربية
 

سارة سعيد

عضو فعال
إليكم الجزء التاني من دراسة حول هذه الإشكالية التي طرحناها:

ملامح التكيف الأيديولوجي الجديد

في المحصلة؛ فإنّ الملحوظات الرئيسة على القراءات والفرضيات السابقة، التي يقدّمها لنا قادة مهمون في القاعدة، تتمثل في

-•••••• أنّ القاعدة لا تعتبر هذه الأحداث مدعاة لمراجعة ما استقرت عليه أيديولوجياً، بقدر ما تسعى إلى الاستفادة من النتائج المترتبة عليه في عملها ودعوتها الفكرية والسياسية، باستثمار "المدى الأكبر" من اللحظة الراهنة، وعدم التصادم مع موجة التحرر الشعبية العربية

-•••••• أنّ القاعدة لا تريد أن تظهر وكأنّها على طرف نقيض للثورات، بل يحرص قادتها على القول إنّ هنالك تكاملاً بين دورها ونشاطها وما أنجزته الثورات في مصر وتونس وليبيا وغيرها من دول، من خلال تأكيد القاعدة على "وحدة المعركة" التي تخوضها عالمياً مع الولايات المتحدة ومسار الثورات الشعبية التي تحرّر إرادة الشعوب من الأنظمة

-•••••• أنّ الهدف الأول الذي تبدّى في "مرحلة ما بعد الثورات" يكمن في "تطبيق حكم الله" (الشريعة الإسلامية)، والذهاب بالثورات نحو الهوية والصفة الإسلامية، لتتقاطع مع أهداف القاعدة، التي تتمثل بوجود أنظمة ليست حليفة للغرب، ولا معادية للحركات الإسلامية، وتكون أكثر تقارباً مع أفكار القاعدة عموماً

-•••••• بالرغم من تركيز القاعدة على عدم "التناقض" مع الثورات الجديدة، إلاّ أنّ هنالك قلقاً يبديه بعض قادتها من أن تؤثر الحالة الجديدة والانبهار بها (الديمقراطية) على تأييد القاعدة أو على أنصارها، ويضعف من قوة الأيديولوجيا (العالمية- الجهادية) التي تبنتها في السنوات الماضية
- •للمرة الأولى نجد في خطاب القاعدة عدم تركيز على "العامل الجهادي- المسلح" في التغيير، وتراجعه في هذه الدول من مرتبة "الهدف- أي القيام بعمليات عسكرية فقط للنكاية بالنظم والمصالح الأميركية" إلى "الوسيلة"، التي يمكن الاستعانة عنها بوسائل أخرى

بدا جليّاً من خلال النصوص السابقة أنّ قادة القاعدة حاولوا القيام بعملية "تكيف أيديولوجي" من خلال الالتفاف على ما بينها وبين الثورات الديمقراطية الجديدة من اختلافات جلية في اختيار طريق التغيير، وفي الهدف من المطالبات، وسؤال العلاقة بين الدين والدولة

بمقارنة "النصوص" السابقة لقيادات القاعدة بما استقرت عليه أيديولوجيتها خلال السنوات الأخيرة، نجد أنّ محاولة "التكيّف الأيديولوجي" التي قاموا بها، لا تمسّ البُنية الصلبة في أيديولوجيتهم: تحكيم الشريعة الإسلامية فريضة واجبة، التأكيد على العداء مع الولايات المتحدة والغرب واتهامهم بمعاداة إقامة الدولة الإسلامية المطلوبة، رفض وتكفير أي نظام غير النظام الإسلامي الصلب، التأكيد على أهمية الجهاد في مواجهة القوى الدولية

التكيف أو الإزاحة الأيديولوجية التي نلحظها في النصوص السابقة حدثت تحديداً في التعامل مع ما طرحته الثورات الديمقراطية العربية من خيار "التغيير السلمي"، ما يخالف تماماً ما افترضته أيديولوجيا القاعدة من أنّ التغيير لا يقع إلاّ بالعمل المسلّح، وهو ما تجاوز قادة القاعدة الحديث عنه، قصداً، ولم يوحوا بأيّ درجة من درجات المراجعة لخيار العمل المسلّح، وما نجم عنه من نتائج فكرية وفقهية وصلت إليها أدبيات القاعدة لاحقاً، وما أدّى إليه من عمليات مسلحة في كثير من الدول

ويمكن، هنا، ملاحظة أنّ حديث كل من الظواهري والليبي والعولقي وابن لادن عن الثورات الديمقراطية انصب على أهمية تجيير هذه الثورات لصالح التيار الإسلامي، مع القفز على ضرورة العمل المسلّح لتحقيق ذلك، كما تؤكد أغلب أدبيات القاعدة والجهاديين

ما تقفز عنه نصوص قادة القاعدة، أيضاً، هو أنّ هذه الثورات الديمقراطية قامت وهي تعلن أنّها تسعى لإقامة أنظمة ديمقراطية تعددية، والتخلص من الحكم الشمولي، حتى القوى الإسلامية التي شاركت، وتحديداً جماعة الإخوان المسلمين، كانت قد أعلنت، وما تزال، تمسكها بإقامة أنظمة ديمقراطية، وهي بالضرورة أنظمة تختلف جذرياً عما تطرحه أيديولوجيا القاعدة

هذه الفجوة بين الثورات العربية وبين ما تطرحه القاعدة يضع قادتها أمام السؤال المحوري؛ فيما لو قامت أنظمة ديمقراطية في الدول العربية، فكيف ستتعامل معها القاعدة، هل ستصر على العمل المسلّح أم تقبل بالدخول بدوامة العمل السياسي وبصناديق الاقتراع، مع ما يفرضه هذا القبول من مراجعة تتجاوز سلمية التغيير أم عسكرته إلى النظر في طبيعة رؤية القاعدة للدولة والحكم والعلاقة مع العالم، أي ما يمسّ البنية الصلبة من خطابها الأيديولوجي؟

من الملاحظ أنّ هنالك تبايناً بين النصوص السابقة في النظر إلى سيناريو التعامل مع أنظمة ديمقراطية، إذ يعيد الظواهري في رسالته التأكيد على رفض أي نظام آخر ليس إسلامياً، وكذلك الأمر يفعل الليبي، الذي يبدي قلقاً من "انبهار" أنصار التيار، بالثورات الديمقراطية، وتخليهم عن أفكارهم، فيما يقدّم العولقي صيغة مخففة عن القيادات السابقة، بإعلانه أنّ وصول الثورات إلى أنظمة ديمقراطية لا تبطن العداء، ابتداءً، مع القاعدة هو خيار أفضل من الأنظمة الحالية

خلاصة القول؛ إنّنا أمام "محاولات" للتكيف مع عصر الثورات الديمقراطية العربية، من خلال تجييرها بما يخدم أهداف القاعدة، والقفز، آنياً، عما تثيره هذه الثورات من اختلافات جوهرية بين بنيتها وطبيعتها وأهدافها المعلنة وبين البنية الصلبة للخطاب الأيديولوجي للقاعدة
 
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
أعلى