لا أريد أن أكون مثل كل أحد
---------------------------------------
السلام عليكم
هذه الجملة تربيت عليها فهي راسخة في وجداني , ( لا يصح أن تكون مثل أي أحد , جملة ) سمعتها كثيرا من آبائي حفظهم الله وخصوصا أمي الكريمة , فما الفرق أو الفارق بينك وبين أي إنسان إذا كانت آثارك وأعمالك ونفعك لغيرك هي مثل آثار باقي الناس من عمل أو معاملة او غيره ؟ ما الذي يجعلك شيئا مختلفا إذا كنت تسير على نفس الطريق الذي يسير عليه الناس ؟ عمل وزواج وعائلة وأبناء ثم موت وفناء ؟؟ لا شيء...
هذه الجملة كانت دائما ترجح لي الإختيار , ولهذا عندما تخرجت من الجامعة , وهي جامعة لها تخصص معين يعتبر من الأعمال النادرة إلى حد ما , لم أرضى بأن أعمل في المجال الذي يعمل به زملائي عادة , وإنما عُدت مرة ثانية للدراسة والتميز , لأني اخترت مجالا معينا أردت أن أجعله تخصصي , فرجعت إلى الجامعة أدرس دراسة متقدمة وأحصل شهاداتها , وأحاول أن أبني لها تصورا متقدما عن الذي درسناه حتى تكون لي عونا في التقدم إلى وظيفة مميزة عن غيري...
قبل هذه الفترة كنت مثل أي إنسان آخر , أستعين بمعارفي وقوتي الإجتماعية في تحصيل أفضل الظروف والعروض , ولكن بعدما من الله علينا بتعلم التوحيد ودراسته وبعض التطبيق العملي له , ما عدت أجد نفسي تقبل مثل هذا السلوك , فلماذا أعمد إلى إنسان ولو كان قريبا أو حبيبا او صديقا اطلب منه مساعدتي أو إرشادي او تذليل عقبات في طريقي او تسريع آمالي واحلامي ؟! هذا لا يليق بالموحد لاسيما وأن عندي الخالق العظيم والركن الشديد الذي إذا دعوته استجاب واذا رجوته لبى رجاءك وأنت بعد صغير وحقير ! إذا يكفي تذلل أو خضوع أو حتى أعمال لا تليق بمسلم كما قال علي رضي الله عنه ( وتجنبوا ما لا يليق بمسلم ) , وفي كل الأحوال فإن الموحِد يجد سعادة في الركون إلى ربه وإنتظار الفرج من مولاه , ويجد عكس ذلك في ميل القلب إلى مخلوق مهما كان كريما أو صاحبا أو جميلا ...... هكذا الحال...
ومن أجل هذا " التعديل " الخلقي الذي ارتأيت أن انتهجه , فقد قررت أن أبذل الأسباب كاملة قبل أن أخطو خطوة , فرجعت إلى الدراسة التخصصية وحصلت منها على ما أطلب , ووصلت إلى الغاية في هذه الدراسة , ثم أخذت أوراقي وتقدمت إلى واحدة من أكبر شركات البلاد بل هي أكبرها بالفعل , وهي شركة فيها فرع أجنبي عالمي في مجال عملنا وشريك مصري , فذهبت إليهم أقدم أوراقي إليهم بدون واسطة إلا من الخالق الرازق سبحانه...
والإنسان شاب صغير يمتليء قلبه بالأحلام والأوهام كذلك , فإذا لم يكن له طريق صحيح لدفع هذه الأوهام فإنها تتمكن منه على حسب قوته وضعفه , فالأحلام هو النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة , وأن يكون الإنسان مسلما ملتزما ناجحا في دنيا , عابدا لمولاه يجمع بين الدارين من غير تناقض ولا تقديم للأولى على الآخرة , إذا رآه الناس تمنوا أن يكونوا مثله في الهيئة قبل المنطق , فلا يجب على المسلم أن يكون ذو هيئة رثة ولا أسنان وسخة ولا رائحة كريهة , بل العكس هو الواجب عليه فمالنا تأخرنا؟ آمالي واضحة محددة وهي وردية اللون والرائحة والسماع..
وأما الوساوس فإنها لا تنتهي وهي تتنقل على حسب الحال والأحوال , فعلى سبيل المثال , كيف ستفعل في هذه الوظيفة وفيها الشركاء الأجانب الذين لن يرضوا باللحية ابتداء , ولا بالسلوك الذي لابد وأنه يصادم سلوكهم , لأنه مجال عملنا فيه بعض المخالفات الشرعية في حالة وجود الأجانب ولابد , فكيف ستتعامل معهم وهم رؤسائك الذين سوف يقيمونك ويرسمون أول طريق مستقبلك ؟ لم تكن عندي مشاكل أو حتى رهبة من التعامل مع غير المسلمين من الأجانب لأني قد درست في مدارس أجنبية وعشت في منطقة بالقاهرة يسكنها الأجانب , فهم دائما معنا في أغلب الأحيان , المدرسة , النوادي , المجتمعات وحتى كان لي أصدقاء من جنسيات كثيرة ...
لا ليست هذه المشكلة , المشكلة هي أنهم سيكونون رؤساء , فأحيانا يشربون ويسكرون , وطبيعة عملنا تستدعي أن نسافر وإياهم لمدة , وان نراقب أعمالا في مناطق بعيدة , وبعضهم كان يقضي أوقاته في مشاهدة الأفلام الإباحية كونه بعيدا عن دياره الأيام الطويلة , وهذا يعني أني سوف أتعامل مع سكاري يحكموني , وعقول ملأتها الصور الفاسدة يتحاورون معي ويتسائلون عن لحية وصلاة وصوم وزكاة , فهل أنت جاهز لمثل هذا ؟
أم سيكون صدام وتدمير لمستقبلك على أيدي هؤلاء ؟ كيف ستتعامل وكيف ستتصرف يا مسلم ؟؟؟؟
وكانت هذه بعض الوساوس التي كانت تؤرقني وبعضها نسيتها طبعا ولكنها كانت تدور حول هذا الأمر وهو احتمال أن يتحول عملك الذي اخترته بعناية ليكون لي فيه زادا للآخرة , احتمال أن يتحول إلى صدام وتكسير وخناق وخلافه.... ولكني اعتمدي على ربي وجمعت أمري ورأيت أن أقدم أوراقي إلى هذه الشركة , والتي هي بدورها لما تنظر إلي بصورتي تحسب هذه الأفكار في عقلها ولا تدري هل يفلح هذا الإختيار أم لا
يتبع إن شاء الله
..