تمنح الثقافة الأمريكية الفرد مساحة كبيرة للحرية في السلوك و الفكر،
و هكذا نشأ دونالد فلود في كنف عائلة أمريكية تحترم حرية الرأي و التعبير عن النفس و تتسم بالتحرر من كل القيود و خاصة فيما يتعلق باختيار الاعتقاد الديني ،
و هذا ما كان يعامله به والداه.
حكى قصته المثيرة مع الإسلام كما ذكرها في السطور التالية.
اكتشاف الثقافات الأخرى
نحن في أمريكا نعشق الحركة الدائمة و التنقل من مكان إلى آخر و لقد أتاح لي عمل أبي في البرازيل التعرف على ثقافة و أسلوب حياة مغاير للثقافة الأمريكية،
و زاد ذلك من رغبتي في معرفة المزيد عن الثقافات الأخرى في العالم ،
و كانت البداية بأن توفرت الفرصة لي للسفر لأماكن مختلفة في أمريكا و كندا مع صديق لمدة ثلاثة أشهر ،
ومنحتني هذه الرحلة فرصة مراجعة تصوراتي الدينية و خاصة عن الكون و الخالق ،
حيث بدأت تتكون لدي قناعة بأن هذا الكون لم يوجد عن طريق الصدفة و أن الكثير و الكثير من العلامات تدل علـى وجود قوة خفية ،
و لكن و بالرغم من ذلك لم أكن متأكدا تماما من كيفية الوصول إلى حقيقة الخالق و كيفية عبادته.
وبعد عودتي إلى الجامعة ، شاء الله أن أتعرف على المزيد حول الثقافات الأخرى عن طريق ارتباطي بصديق سعودي في الجامعة و كانت معرفتي به بداية مرحلة مهمة في حياتي.
و في أحد الأيام تلقيت أنا و الصديق السعودي (أبو حسين ) دعوة صديق هندوسي إلى إحدى الأنشطة الترفيهية التي تقيمها إحدى الكنائس و تتضمن بعض الأنشطة الرياضية و تناول وجبات منزلية ،
و كانت نزهةً جميلةً و كان العشاء شهياً حقاً، ولكن حدث أمرٌ لم يكن متوقعاً
و هو أن بدأ رئيس الكنيسة بالغناء باللغة العبرية ( فيما يظهر أنه بعض الأهازيج النصرانية )
و طلب منا ترديد هذه الأغاني المكتوبة على لوح ، ففوجئنا بالصديق السعودي و قد نهض على الفور و طلب منا مغادرة المكان معه ،
و هذا ما فعلناه على وجه السرعة.
من العجيب أن هذه الحادثة قد زادت من ارتباطي بالأخ أبو حسين حيث أصبحنا أصدقاء
و قررنا استئجار شقة للسكن بصحبة صديقين من الكويت و إيران ،
و لا شك أن هذه العلاقات الجديدة فتحت لي الباب على مصراعيه للاطلاع على عادات و طبائع شعوب آخرين و التفاعل مع الثقافات الأخرى المختلفة ،
و خاصة الثقافة الشرقية.
كنت ألحظ الاختلاف الثقافي بيننا و من أهم الاختلافات العادات الغذائية ،
حيث أحببت أنواع الأطعمة التي كانوا يعدونها و تعلّمت بعضها ،
و كذلك عادة تناول الأكل جلوساً على الأرض و ليس حول المائدة ،
و كذلك استخدام اليد اليمنى في الأكل ، و تعجبت كثيرا لاستخدامهم إبريق ماء في دورة المياه ،
ولفت انتباهي كذلك حسن الضيافة الرائع الذي يظهرونه لزوارهم و ثقة النفس المتناهية التي يتمتعون بها ،
و أدهشني بشكل كبير كونهم على يقين راسخ بمسلكهم في الحياة و هو ما علمت لاحقا أنه من تعاليم دينهم و ليس مجرد مظهر ثقافي معين.
تجربة نادرة مع الحياة البرية في السعودية
بعد التخرج من الجامعة و عودة جميع زملائي إلى بلدانهم سنحت لي فرصة ذهبية لاكتشاف عالم البر و الصحراء
و العيش في جو مختلف تماما عما تعودت عليه ،
و كان ذلك حينما دعاني صديقي السعودي أبوحسين لزيارة السعودية لمدة أسبوعين فوافقت على الفور،
و في السعودية استقبلت بحفاوة بالغة و كأنني أحد الملوك.
و من حسن الحظ أننا قضينا معظم الوقت خارج المدينة في منطقة صحراوية جنوب مدينة الرياض – عاصمة السعودية ،
وهناك عشت أياماً مثيرة لا تنسى و كانت تجربةً رائعةً بكل معنى الكلمة ،
كنت أنام في الخلاء على بساط أحمر كبير و جميل مما مكنني من مراقبة النجوم ،
وقام أبو حسين بذبح عدد من الخراف و دعا أهل البادية البسطاء لتناول العشاء معنا كما هي عادة أهل المنطقة في الجود و الكرم.
لم أجد في حياتي كلها مثل هذه الحفاوة و بالأخص من الأخ أبو حسين ،
و لم أشهد مثل هذا الترحيب و حسن المعاملة حتى في بلدي نفسها ، و لقد زادت صداقتنا و أخوتنا قوة يوما بعد يوم ،
وحدثت لي مع والده واقعة طريفة ففي أحد الأيام التي خرجنا فيها لمشاهدة الجمال في الصحراء كنت أراقب صبياً يحلب ناقةً له ،
ثم قدّم لي ذلك الصبي بعض الحليب فشربته و كان لذيذاً جداً و عبرت عن إعجابي مؤكداً أنني لم أشرب مثل هذا الحليب من قبل في حياتي ،
و عندما سمع ذلك والد الصديق أبو حسين ، قال لي على الفور:
"إذا دخلت في دين الإسلام سوف أعطيك عشرة جمال" فرددت عليه مازحا"وأنت لو أصبحت نصرانياً سوف أقدم لك كذلك عشرة جمال"
و الحقيقة أنني في ذلك الوقت لم أكن أفكر في تغيير ديني و لم يكن ذلك وارداً ألبته ،
وعلى أية حال فإنني أعتبر هذه التجربة مع الحياة البرية في السعودية تجربة نادرة من أجمل أيام حياتي، وعدت بعدها إلى بلدي أمريكا.
اكتشاف عملي الجديد
أتيحت لي فرصة السفر و زيارة الخليج العربي مرة أخرى و في هذه المرة وجدت فرصة عمل في مجال تدريس اللغة الإنجليزية في مدينة أبوظبي في الإمارات العربية المتحدة ،
و كان هذا عملا ممتعا أدركت بعد ممارسته لبعض الوقت أنه سيصبح مجال عملي في المستقبل ،
و لقد مكثت في أبو ظبي فترة من الزمن اطلعت خلالها على المزيد من الثقافة العربية و أسلوب الحياة في منطقة الخليج ،
والحقيقة أن إعجابي زاد بكرم و حسن ضيافة الشعوب العربية و كذلك ما يمّيز شخصياتهم من حسن خلق و ثقة في النفس ،
وبالرغم من ذلك شعرت بالحنين لوطني فقررت بعد قضاء مدة عامين في ذلك البلد العودة إلى أمريكا،
و انتقلت بعدها مرة أخرى لنمط الحياة الغربية، حيث قمت بتدريس اللغة الإنجليزية لبعض المجموعات من الطلاب في مدينة الصخب الأمريكية لاس فيجاس ،
و في تلك الفترة و بسبب وجودي في تلك المنطقة و ما تشتهر به من نوادي و ملاهي و أماكن رذيلة ،
وقعت في بعض الذنوب و مارست بعض الأعمال الخاطئة التي ندمت عليها كثيراً فيما بعد و شعرت بالذنب ،
وعانيت كثيراً من هذا الأسلوب السيّء في الحياة ،
و بعد التفكير الجاد قررت تغيير هذا الوضع و قررت العودة إلى نمط الحياة الشرقية الذي جذبني كثيرا
فأرسلت وثائقي و أوراقي الخاصة و سيرتي الذاتية لصديقي أبو حسين للبحث عن عمل في السعودية ،
و كانت دهشتي كبيرة حين عرض علي عمل في مدينة الجبيل الصناعية في شرق السعودية في شركة بتروكيماويات ،
و في خلال شهر واحد بدأت العمل هناك.
مرحلة مراجعة النفس و التوبة
و في مدينة الجبيل قمت بشراء بعض الكتب في مواضيع مختلفة و من ضمنها كتاب في الفلسفة ،
و ذكر ذلك الكتاب أهمية التوبة الصادقة لله تعالى و ذلك عمل لم أفعله من قبل ،
و بدأت أتذكر كل عمل خاطئ قمت به و كل إنسان أخطأت في حقه وتتبعي للشهوات و المحظورات في حياتي، و في النهاية قررت فعلاً أن أتوب من كل ذنوبي.
القشة التي قصمت ظهر البعير – "أخي لا تمت إلا مسلما"
و كانت نقطة التحول الحقيقية في حياتي عندما دعيت إلى حفل عشاء مع بعض المسلمين ،
و كنت أتحدث إليهم بالتفصيل عن حياتي في مدينة لاس فيجاس قبل مجيئي إلى السعودية ،
و فجأة قال لي أحد الحضور و كان أمريكياً مسلماً: " أخي تأكد تماماً بأن لا تموت إلا مسلماً" .
لم أفهم ما قال هذا الأخ و لذلك طلبت منه إيضاح قصده من هذا الكلام ، فقال:
"لو مت على غير الإسلام فكأنك تغامر باستخدام فرصة واحدة فقط للفوز في لعبة الروليت (لعبة قمار أمريكية مشهورة)
معتقداً أن حياتك كلها و جميع اعتقاداتك و أفعالك في الدنيا ربما ستقدم لك الحظ في أن تشملك رحمة الله في دخول الجنة،
و لكن وفي مقابل ذلك إذا مت على دين الإسلام فأنت كالذي يستخدم جميع الفرص المتاحة في هذه اللعبة
و أي هذه الفرص سيكسب حتماً و بذلك ستفوز و تنجو من العذاب و عليه ستكون فرصتك في دخول الجنة كبيرةً جداً،
و باختصار فالموت على دين الاسلام هو الضمان الأكبر للنجاة من النار و دخول الجنة."
لقد استطاع هذا الرجل و بكل ذكاء أن يجتذب كل أحاسيسي و مشاعري في هذه اللحظات ،
و ياله من قياس عجيب و قوي بين الدخول في دين الإسلام و الموت على ذلك و بين ضمان الكسب في لعبة الروليت ،
و لقد استمعت إليه بكل حرص و اهتمام و كان هذا القياس على لعبة الروليت الشائعة جداً في مدينة لاس فيجاس يمسني بقوة لكوني سكنت هذه المدينة
و هي التي يمكن تسميتها بحق مدينة القمار .
و بعد سماعي لهذا الكلام المؤثر أدركت تماماً أن واجب كل إنسان أن يبحث عن الحقيقة في هذه الحياة بدلاً من الاتباع الأعمى لدين آبائه و مجتمعه ،
و لكن و للأسف ما أخرني في البحث عن حقيقة الدين الإسلامي هو الصورة المشوهة عن الإسلام و المسلمين في الإعلام الغربي.
و كانت أول المفاجآت في طريق البحث عن الحقيقة هي سماعي لمحاضرة عن الإسلام أثناء نزهة مع بعض المسلمين ،
و أصابتني حينها دهشة عظيمة من خلال ما علمته في هذه المحاضرة
أن الدين الإسلامي يدعو للإيمان بجميع أنبياء الله و بجميع الرسالات السماوية كما أنزلها الله تعالى
و علمت كذلك و لأول مرة أن القرآن هو آخر الكتب السماوية التي أنزلها الله و أن سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه و سلم هو آخر الرسل من عند الله .
يتبـــــــــــــــــــــــــــع ...~