شجرة آدم
من الأمور التي تناولتها الأديان باهتمام كبير هي قضية الخلق وسبب خروج آدم من الجنة وما ترتب على ذلك من إرسال الأنبياء والرسل إلى الناس , والصراع بين الخير والشر إلى هذا الوقت وما إلى ذلك . فقضية آدم عليه السلام بل وخلق الإنسان نفسه من الأمور التي تقطع ظهر الملاحدة على وجه الخصوص لأنه ليس ثمة جواب عن هذا الأمر , ولكن لنمسك عنان هذه المقالة لنأتي على سبب خروج آدم من الجنة ...
المسلمين يعتقدون أن السبب في خروج آدم عليه السلام من الجنة التي كان يسكنها ونزوله إلى الأرض هي المعصية , وأن المعصية تبعد الإنسان عن ربه وخالقه , وأن الطاعة تفعل عكس ذلك , وهذا مسطور في وجدان الناس جميعا في أمورهم العادية والقياسات العقلية السليمة , فالأولاد يعرفون أن معصيتهم لأبيهم لا تقربهم منه بل الطاعة وفعل ما يحبه هي التي تقربهم منه , وفي كل الأحوال فإن الإنسان يحاسب على عمله وحده , فلا تزر وازرة وزر أخرى...
ولكن ورد في الديانات الأخرى المحرفة تغيير لهذه العقيدة بما يتعارض مع عقيدة التوحيد , وجاء القرآن على ذكرها في عدة مواضع لكي يتحول المسلم من الحالة الوراثية إلى الحالة الإعتقادية الإقتناعية , فبينما تنص التوراة على أن آدم عليه السلام قد أكل من شجرة العلم , شجرة إذا أكل منها عرف الفرق بين الخير والشر , وخوفا من أن يسارع إلى شجرة الحياة فيصير مخلدا إلى الأبد فإن الرب - حاشا لله - أخرجه من الجنة رغبة عن هذا المصير !!!
وهذا هو النص من التوراة (( وسمعا صوت الرب الإله ماشيًا في الجنة عند هبوب ريح النهار فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله فى وسط شجر الجنة، فنادى الرب الإله آدم, وقال له:أين أنت ؟
فقال سمعت صوتك في الجنة، فخشيت لأني عريان فاختبأت فقال من أعلمك أنك عريان ؟ هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها, فقال آدم:المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت.
فقال الرب الإله للمرأة: ما هذا الذي فعلت ؟ فقالت المرأة: الحية غرتني فأكلتُ.
فقال الرب الإله للحية: لأنك فعلت هذا ملعونة أنت من جميع البهائم. ومن جميع وحوش البرية على بطنك تسعين, وترابًا تأكلين كل أيام حياتك, وأضع عداوة بينكِ وبين المرأة وبين نسلك ونسلها, هو يسحق رأسك, وأنت تسحقين عقبه.
وقال للمرأة: تكثيرًا أكثر أتعاب حبلك, بالوجع تلدين أولادًا, وإلي رجلك يكون اشتياقك, وهو يسود عليك.
وقال لآدم: لأنك سمعت لقول امرأتك, وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلاً: لا تأكل منها. ملعونة الأرض بسببك, بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك, وشوكًا وحسكًا تنبت لك, وتأكل عشب الحقل, بعرق وجهك تأكل خبزًا حتى تعود إلى الأرض التي أخذت منها, لأنك تراب, وإلي تراب تعود...وقال الرب الإله: هو ذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفًا الخير والشر, والآن لعله يمد يده, ويأخذ من شجرة الحياة أيضًا, ويأكل ويحيا إلي الأبد, فأخرجه الرب الإله من جنة عدن ليعمل الأرض التي أخذ منها، فطرد الإنسان, وأقام شرقي جنة عدن الكروبيم ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة" . (التكوين 2/15-3/24).
فتخيل أن الإنسان الذي فطره الله على حب العلم صار يعاقب على هذا الأمر , والقرآن الكريم الذي نقل قصة آدم عليه السلام وما كان منه في هذا الأمر , بين أن الله كرم آدم لأنه كان يعلم أكثر من علم الملائكة , وأن الله تعالى غضب عليه لأنه عصاه وأكل من شجرة قد نهاه عنها , فالسبب هي المعصية وليس لأنها شجرة العلم فصار واحدا مثل الإله !!! هذا تخريف عظيم..
وقد ترتب على هذا الأمر أن صار لزاما في عقيدتهم أن يكون هناك فداء من هذا الذنب العظيم الذي اقترفه الأب الأول , وتطورت الفكرة إلى الفداء بابن الله - حاشا لله تعالى وتعالى عن ذلك علوا كبيرا - ليحمل أخطاء البشر والإنسانية ثم يكون الإنسان العاصي حرا بعيدا عن رق الذنوب , وهذا من حب الله تعالى للناس بعدما ظهر كرهه وبغضه لهم بسبب فعل أبيهم آدم عليه السلام كما يروون...
فأي مسلم يقرأ القرآن ويداوم على قراءته لا يمكن أن يكون إلا دارسا لهذه العقائد حتى لو لم يسمع او يقرأ النص من سفر التكوين , لأن أي مسلم مهما بلغت بساطته فإنه يعلم يقينا أنه لا يحاسب على أفعال آباءه وأمهاته , فلا يسجن لأن جده سرق من مائة عام مثلا , نعم قد يكون هناك آثار ولكن تحمل إنسان لجريرة فعل غيره بغير أن يكون له ذنب في ذلك ظلم عظيم...
ولو أردنا أن نسجن إنسان لأن أخاه قاتل أو سارق لصاح بنا الناس جميعا : ما هذا الظلم , ولو أردنا أن نشيع بين الناس أن العلم مذموم كما فعل أرباب الكنائس في العصور الوسطى حسب هذه النصوص التي يعتقدون بها , لصاح بهم الناس أيضا ولاحتاجوا إلى وقت لكي ينقلبوا عليهم ويزيحوهم من طريقهم ويكفروا بعقائدهم أيضا , فإن حب العلم واستكشاف الأرض قد جُبل عليه الإنسان ووضعه الله سبحانه في فطرته وغرست فيه , والقرآن يشهد بذلك بين صفحاته
يتبع إن شاء الله
..