من صور الحب:
حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم:
وهذا من أعظم الواجبات؛ فإن الله تعالى أوجب علينا ذلك وتوعد من خالف فيه بقوله: }قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ{([1]).
وقال عبدُ اللَّهِ بْنُ هِشَامٍ رضي الله عنه : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي-وما كانوا يكذبون رضي الله عنهم- فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ». فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الْآنَ وَاللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «الْآنَ يَا عُمَرُ»([3]).
قال ابن حجر رحمه الله: "قال الخطابي: حبُّ الإنسان نفسه طبع، وحب غيره اختيار بتوسط الأسباب، وإنما أراد عليه الصلاة والسلام حب الاختيار؛ إذ لا سبيل إلى قلب الطباع وتغييرها عما جبلت عليه. قلت: فعلى هذا فجواب عمر أولاً كان بحسب الطبع، ثم تأمل فعرف بالاستدلال أن النبي صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه؛ لكونه السبب في نجاتها من المهلكات في الدنيا والأخرى، فأخبر بما اقتضاه الاختيار، ولذلك حصل الجواب بقوله: «الآن يا عمر». أي: الآن عرفت فنطقت بما يجب"([4]).
ومحبة الله ورسوله خير ما يعده الإنسان للقاء الله، فهو سبب دخول الجنة، ففي حديث أنس رضي الله عنه: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة فقال: متى الساعة؟ قال: «وماذا أعددت لها». قال: لا شيء، إلا أني أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. فقال: «أنت مع من أحببت». قال أنس: فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنت مع من أحببت»؛ أنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر، وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل بمثل أعمالهم([5]).
حب شرع الله:
ولقد أعلمنا ربنا في كتابه أن من صفات الكافرين بغضَ شرع الله، قال تعالى: }وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ* ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ{ ([6]).
أي: والذين كفروا فهلاكًا لهم، وأذهب الله ثواب أعمالهم؛ ذلك بسبب أنهم كرهوا كتاب الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فكذبوا به، فأبطل أعمالهم.
وفي حديث نبينا صلى الله عليه وسلم: «وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ»([7]).
حب الزوجة:
قال عمرو بن العاص رضي الله عنه : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «عائشة»([9]).
وثبت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَفْرَكْ([10]) مؤمن مؤمنة، إنْ كرِه مِنْهَا خُلُقاً رَضِيَ منها آخر»([11]).
وقد قال الله ممتناً على الأزواج: }وجعل بينكم مودة ورحمة{. والمودة هي المحبة، وفرق الرازي رحمه الله بين المودة و الرحمة بقوله: " }مودة{ حالة حاجة نفسه، }ورحمة{ حالة حاجة صاحبه إليه، وهذا لأن الإنسان يحب مثلاً ولده فإذا رأى عدوه في شدة من جوع وألم قد يأخذ من ولده ويصلح به حال ذلك، وما ذلك لسبب المحبة وإنما هو لسبب الرحمة... ولهذا فإن الزوجة قد تخرج عن محل الشهوة بكبر أو مرض ويبقى قيام الزوج بها وبالعكس"([12]).
محبة الإخوان:
فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أصحابه رضي الله عنهم..
ففي حديث عمرو السابق لما أجابه النبي صلى الله عليه وسلم على سؤاله: من أحب الناس إليك؟ بقوله: «عائشة». قال له عمرو رضي الله عنه : فمِن الرجال؟ قال: «أبوها».
وهو الذي قال في شأنه: «وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ»([13]). والخلة: أعلى درجات المحبة. فلم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم خليل بنص هذا الحديث، ولكن الحديث دال على أن الصديق أحب الناس إليه.
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده يوما ثم قال: «يا معاذ والله إني لأحبك». فقال له معاذ: بأبي أنت وأمي يا رسول الله وأنا والله أحبك. قال: «أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك»([14]).
وكان أسامة من أحب الناس إلى نبينا صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة رضي الله عنها: أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامةُ حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فكلمه أسامة([15]).
فلا يوجد دين يحث أبناءه على التحابب والمودة كدين الإسلام؛ ولهذا حث النبي صلى الله عليه وسلم على الإخبار بمشاعر الحب؛ لأن هذا يقويه ويفضي إلى شيوع الألفة بيننا. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه»([16]). وعن أنس رضي الله عنه أن رجلا كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فمر به رجل، فقال: يا رسول الله إني لأحب هذا. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أعلمته»؟ قال: لا. قال: «أعلمه». قال: فلحقه فقال: إني أحبك في الله. فقال: أحبَّك الذي أحببتني فيه([17]).
محبة الأقارب والعشيرة والمتاع والنعم:
قال تعالى: }قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ{([24]).
ولم يلم الله تعالى على حب هذه المذكورات؛ فإن حبها مغروز في نفوسنا، وإنما على تقديم حبها على حب الله ورسوله وشرعه والجهاد في سبيله.
وعن قرة بن إياس رضي الله عنه ، أن رجلا كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ابن له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «تحبه»؟ قال: نعم يا رسول، الله أحبك الله كما أحبه. ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ما فعل فلان بن فلان»؟ -للابن الصغير- قالوا: يا رسول الله مات. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبيه: «ألا تحب أن لا تأتي بابا من أبواب الجنة إلا وجدته ينتظرك»؟ فقال رجل: يا رسول الله أله خاصة أم لكلنا؟ قال: «بل لكلكم»([25]).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم -فيما يروي عن ربه تعالى-: «من أذهبت حبيبتيه فصبر واحتسب لم أرض له ثوابا دون الجنة»([26]).
وعن أنس رضي الله عنه قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب. قال أنس: فلما نزلت هذه الآية: }لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون{([27]) قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الله تبارك وتعالى يقول: }لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون{، وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بخ! ذلك مال رابح، ذلك مال رابح»([28]).
حب المساكين والأعمال الصالحة:
وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول: «اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون»([29]).
حب الأوطان:
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمكة: «ما أطيبَك من بلد! وأحبَّك إلي! ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك»([30]).
د مهران عثمان : صيد الفوائد