أجرت مجلة شالنج ( Challenges ) الفرنسية تحقيقا حول قطر نشرته في عددها الصادر في 16 فبراير 2012 الماضي . وقد أخترت مقالة ، من ضمن هذا التحقيق ، للصحفية آن ماري روكو ( Anne-Marie Rocco ) لترجمتها إلى اللغة العربية ونشرها لكم للتعرف على ما يكتبه الآخرون عنا سواء بالسلب أو بالإيجاب ،
أين تذهب مليارات قطر ؟
في نهاية عام 2012 ستبلغ الثروة الخارجية لهذه الدولة العربية الصغيرة في نهاية 2012 ال 210 مليار دولار ، نتيجة لسلسلة من الإقتناءات المتنوعة جدا والتي تذهب في كل الاتجاهات. ترى كيف أصبحت قطر المستثمر الأول في العالم ؟
في نوفمبر 2011 ، وصل إلى قطر وفد من الجمعية الوطنية للممثلين المحليين للتنوع برئاسة رئيس ومؤسس الجمعية كامل حمزة المنتخب عن الحزب الشعبي الحاكم في فرنسا عن مدينة كورنيف من محافظة سين سانت دني . كان الهدف من الزيارة هو البحث عن أموال لحاملي أو عارضي المشاريع في الضواحي الفرنسية . يقول كامل حمزة << يأتي الينا العديد من حاملي المشاريع طلبا للمساعدة لأن البنوك لم تعد تقرضهم المال فقلنا لماذا لا نحاول مع قطر ، الدولة الصديقة لفرنسا ؟ >>، وقد كانت محاولة ناجحة إذ وافق أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني على طلبهم . وفي الثامن من ديسمبر 2011 أعلن السفير القطري في باريس عن إنشاء صندوق للإستثمار بمبلغ 50 مليون يورو ، تمثل هبة من السماء للضواحي الفرنسية لكنها مبلغ زهيد لهذه الدولة الخليجية البالغة الثراء التي تتداول استثمارات بالمليارات بسهولة ويسر .
في السنة الماضية ، اشترت قطر نادي باريس سانت جيرمان وأصبحت المساهم الأول في مجموعة لا جاردير والمالك السعيد لفندق كارلتون في مدينة كان . لكن اهتمامات قطر الإستثمارية لا تتوقف عند فرنسا : فقد شاركت في انقاذ بنكين في اليونان واشترت استوديوهات ميراماكس السينمائية في الولايات المتحدة التي عرضتها ديزني للبيع ، وامتلكت أحياء كاملة في لندن وأطلقت صندوق بمليار دولار في اندونيسيا .
منذ ثلاث سنوات ، أصبحت هذه الدولة المستثمر الأول في العالم من خلال صندوقها السيادي المتمثل في جهاز قطر للإستثمار وبنك قطر الوطني . في كل سنة تستثمر الدولة ما قيمته 20 إلى 30 مليار دولار بحرية مطلقة وفي مجالات عدة مما يجعل ثروتها تصل إلى 210 مليار دولار بحلول نهاية هذا العام ، يعود 135 مليار دولار منها إلى جهاز قطر للإستثمار حسب الأرقام الرسمية المعلن عنها في نهاية يناير 2012 .
روابط وثيقة مع فرنسا
على الرغم من محدودية مساحتها – ما يعادل محافظة في فرنسا – وقصر عمرها – يعود استقلالها إلى سنة 1971 - ، لقطر طموحات واسعة جدا . وقد وجدت في الرياضة والإعلام الأدوات المناسبة لذلك . فمع قناة الجزيرة استطاعت أن تكسب مسبقا معركة في الشرق الأوسط وتكليفها بتنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم لسنة 2022 يمنحها إشعاع دولي يذهب إلى ما هو أبعد من عالم الكرة المستديرة ، فهل يتوجب الحذر من تأثيرها المتنامي ؟ . طرح هذا السؤال أصلا قد يثير غضب هذا المحاور المتميز في فرنسا وهو المستثمر النفيس في وقت الأزمات .
فنسيج الروابط بين الدوحة وباريس وثيقة جدا ومنذ أمد ليس بالقصير إذ تربطهم اتفاقية أمنية ودفاعية منذ العام 1994 واتفاقية ضريبية ، جرى تعديلها في العام 2008 ، لتسهيل الاستثمارات القطرية في فرنسا ، مثل ما للشركات الفرنسية مكانة بارزة في السوق القطرية . أما فيما يتعلق بالعلاقات الشخصية بين زعماء الدولتين فهي في تناغم وألفه ، فالشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وقرينته الشيخة موزة كانوا بجوار رئيس الجمهورية يوم 14 يوليو 2007 لمشاهدة العرض العسكري للجيش الفرنسي ومن بينهم إبنهم الشيخ جوعان حيث كان حينها يدرس في الكلية العسكرية سانت سير . عشرة أيام بعد ذلك ، رأينا تحرير الممرضات البلغاريات ، الذين كانوا محتجزين في ليبيا لدى العقيد القذافي ، بفضل تدخل الأمير مما أعتبر النجاح الدبلوماسي الأول للرئيس الفرنسي .
إشارات خاطئة واهتزازات
بعدها ، دخلت الشيخة موزة كعضوة في المؤسسة الفرنسية وتم تكريم الشيخ حمد ليصبح ضابط كبير في جوقة الشرف ، لكن بوادر ضلال شابت هذه اللوحة المثالية تمثلت في زيارة نيكولا ساركوزي وديفيد كامرون لطرابلس في سبتمبر الماضي . << أمير قطر لم يكن متواجدا في مراسم أو احتفالات انتصار الثورة ما أدى إلى تعرض العلاقات لإهتزازات >> يشير في هذا الصدد الباحث المشارك في معهد ايريس كريم اميل بيطار ، فالشيخ حمد لم يمول فقط تدخل قوات التحالف في ليبيا بل أرسل أيضا بنفسه فرق عسكرية قطرية إلى الميدان .
في منتصف يناير الماضي إتهمت مارين لوبين ، زعمية اليمين المتطرف ومرشحته للإنتخابات الرئاسية القادمة ، قطر بالإستثمار بشكل مكثف في فرنسا إنطلاقا من اعتبارات عرقية مما شكل هزة عنيفة في العلاقات تضاف إلى الإشارة الخاطئة الأولى ، هذا ناهيك عن تصريحات وزيرة الرياضة شانتال جوانو التي وضعت تحفظات على الملاك الجدد لنادي باريس سانت جيرمان .
منذ ذلك الحين ، صار النظام في عدم إحداث أي ضجيج ، وبدأ صندوق الضواحي في التشكل في هدوء وصمت مطلقين لكن عليه ألا يقوم بأي عمليات تمويل قبل الإنتهاء من الإنتخابات الرئاسية ودخلت السفارة القطرية في باريس في هذا الصمت كما العديد من الشخصيات التي تتعامل مع قطر ، ومن يجروء على الحديث إلى الصحافة الأجنبية يطلب بأن لا يذكر إسمه . يا له من جو مرح !.
على كورنيش الدوحة ، في الجانب المقابل لحي الأعمال الحديث في الخليج الغربي ، نرى منحوتة تمثل ماضي قطر وهي عبارة عن قوقعة عملاقة بها لؤلؤة يستخدمها الأمير بسرور كرمز لشرح استراتيجيته ، إذ يقول في مقابلته مع الفاننشيال تايمز : << أشتهرت قطر بصيادي اللؤلؤ لكن ، عندما إخترعت اليابان اللؤلؤ الصناعي ، نتج عن هذا الكثير من الفقر والبؤس والحرمان في قطر >>.
جنة شركات البترول
أما اليوم فأن لؤلؤة قطر هي الغاز حيث أنها الدولة المنتجة الثالثة عالميا ، والرغبة في تجنب الوقوع مرة أخرى في الجانب السيء من الثروة تقود خطوات الأمير . فهدفه ، الذي تم فحصه بعناية من قبل صندوق النقد الدولي ، واضح يتمثل في أن تستطيع قطر تمويل كامل ميزانيتها ، من الآن وحتى سنة 2022 ، من نشاطات أخرى غير استخراج مواد الطاقة وتصديرها ومن أرباح استثمارات جهاز قطر للإستثمار .
لم تكن قطر سوى دولة بترولية متواضعة من المنطقة الثانية حتى العام 1995 ، وهو العام الذي وصل فيه الشيخ حمد للسلطة والذي قام باعطاء الأهمية والقيمة لاحتياطات الغاز . مشهد يرويه الفيلم الذي أخرجه جان جاك انو في فيلم الذهب الأسود الذي تم تصويره في الدولة لحساب مؤسسة الدوحة للأفلام . وهو الفيلم الذي يروي قصة شيخ وإبنه ولي العهد الذي يعترض على طريقة استغلال مصادر الطاقة مما يؤدي إلى إثارة خلاف بين القديم والحديث ينتهي لصالح الحديث .
<< وضع الشيخ حمد كل استراتيجيته قيد التطبيق انطلاقا من الغاز >> يذكرنا بذلك ماثيو جيدير ، استاذ الدراسات الإسلامية والفكر العربي في جامعة تولوز والمكلف بالاشراف على الشيخ جوعان عندما كان طالبا في كلية سانت سير العسكرية . وبالفعل ، يوجد تحت مياه الخليج حقل للغاز اكتشف في عام 1971 ، يقول عنه ارنو برياك ، مسئول الشرق الأوسط في شركة توتال المتواجدة في قطر منذ ما يقارب ال 75 عاما : << يعتبر حقل الشمال الحقل الأكبر في العالم حيث يمثل 10% من احتياطات العالم من الغاز متوفرة ما بين 3800 إلى 4500 متر في أعماق المياه >>.
ولتحويل هذا الحقل إلى ثروة حقيقية تطلب الأمر الإستثمار فيه بشكل كبير خاصة في انتاج ونقل الغاز ، لكن الأب الشيخ خليفة كان مترددا في اتخاذ القرار ، مما دعا الشيخ حمد إلى تقديم الوعد والإغراء بثروات جديدة وتنظيم المجتمع القطري فأستلم بذلك الحكم من والده .
منذ ذلك الحين ، صارت قطر جنة لشركات البترول ، فشركات مثل ايكسون موبيل الأمريكية وتوتال الفرنسية بدأوا في تحقيق أرباحهم العالمية الأولى في هذا البلد . وبدأ القطريين في تحقيق الأرباح بعد تغطية الاستثمارات التي وضعت في المشروع ورأوا صناديقهم كيف تعبأ بالأموال بعد سنة 2000 . وانشا القطريون في سنة 2003 جهاز قطر للإستثمار وتبع ذلك انشاء شركة قطري ديار التي تعمل في مجال العقارات وشركة قطر القابضة العاملة في الحقل الصناعي وغيرها من الشركات . وهكذا بدأت تدخل في خزائن الدولة أكثر من 60 مليار دولار سنويا يذهب 24% إلى 33% منها لتغذية جهاز قطر للإستثمار وفروعها . << نحن نستثمر في كل مكان >> يقولها الأمير بفخر واعتزاز .
اقتناءات عقلانية ( مبررة )
عندما وصل الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى السلطة لم يكن غنيا كما هو اليوم ، وبما أنه كان يريد أن يثبت وجوده وخاصة أمام جارته الكبرى العربية السعودية ، لجأ إلى الإستثمارات المحدودة لكن ذات التأثير الكبير ، وماذا أفضل من الإعلام وقد وجد الحجة سريعا ؟ : خلال حرب الخليج الأولى في العام 1991 كانت قناة ال سي ان ان محتكرة الصورة والتعليق لكن اليوم ، مع قناة الجزيرة ، أصبحت لدينا نظرة عربية للأحداث .
<< في سنة 1996 ، قامت قطر بتوظيف حوالي مائة من الصحفيين الذين كانوا قد تركوا محطة ال بي سي سي العربية حيث لم يكن بامكانهم دعوة من يشاؤن . وقد كان نجاح الجزيرة معتمدا على إعطاء الكلمة للمعارضين العرب وكان منهم الرئيس التونسي الحالي ورئيس المجلس الوطني الإنتقالي في ليبيا >> يسرد لنا محمد العويفي الإستاذ في العلوم السياسية في باريس والذي قدم إطروحته حول هذا الموضوع . هذا فضلا عن لهجتها المعتدلة وبرامجها المباشرة وصحفييها ذوو المهنية العالية الذين حققوا فعالية ملفتة في انجاح القناة .
بفضل مليارات الغاز تبدأ قطر في بناء امبراطورية مالية وإن كان ذلك شيئا ما مع بروز عمليات ناجحة من قبيل الصدفة . لكن ، منذ فترة قريبة ، مع ظهور أداتين للتخطيط وهما رؤية قطر الوطنية للعام 2030 وخطة التنمية الإستراتيجية من 2011 إلى 2016 ، بدأت تتضح معالم وخطط الإقتناءات التي غالبا ما ترتبط مع شراكات مع جهات أخرى . << يريد القطريون من الآن فصاعدا عمليات ذات مغزى ومعنى >> يشير أحد المختصين في التكتلات والإقتناءات . وقد كان مجال النقل الجوي الأول الذي شهد تطويرا من قبل الدوحة << الخطوط الجوية القطرية تعتبر الآن من أحسن الشركات في العالم وإحدى الشركات النادرة المحققة لأرباح >>. حسب قول مروان لحود الشخص الثاني في مجموعة ايديس . ومع مؤسسة قطر تأمل الشيخة موزة ، التي جذبت جامعات أمريكية وأخرى لفتح فروع لها في قطر ، في تأسيس مجتمع معرفي قادر على جذب طلاب من مختلف بلدان الشرق الأوسط .
تنظيم فعاليات كبيرة
تسعى قطر أيضا ، ودائما ضمن استراتيجيتها ، لتنظيم الفعاليات والأحداث الكبيرة على المستويين الإقليمي والدولي . ومثال على ذلك ، تنظيم معرض قطر للسيارات في نسختها الثانية في الفترة ما بين 24 إلى 28 ديسمبر الماضي ، وتنظيم المؤتمر العالمي للبترول في ديسمبر الماضي أيضا والذي عقد للمرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط . كما تستعد قطر لتنظيم المؤتمر العالمي حول المناخ في نهاية 2012 والذي سيعتبر تحدي حقيقي لهذا البلد الأكثر تلوثا مقارنة بعدد السكان والذي يسعى لأن يكون مصدر هام للطاقة المستقبلية لا يمكن تجاوزه .
في انتظار ذلك ، يقول عبدالله الدباغ ، المسئول عن التنمية الصناعية في شركة قطر القابضة وهي الراعية الرئيسية لمعرض قطر للسيارات ، بأنه سيستمر في استثماراته في قطاع السيارات موضحا ، خلال حفل افتتاح المعرض ، بأن الإستثمار في الولايات المتحدة في هذا المجال يدخل ضمن خطة الشركة . نذكر هنا بأن قطر القابضة هي من المساهمين الرئيسيين في شركات السيارات الألمانية فولكس واجن وبورشه . لكن صناعة السيارات لا تدخل فقط في الخطة الإستراتيجية للدولة فقط بل هي شغف لدى العامة . فمن بداية افتتاح المعرض ، غزا الشباب القطري باللباس الوطني ال 15000 متر مربع وهي مساحة المعرض وبداؤ في التقاط الصور أمام البورشه والفراري أو تجربة سيارة ذات دفع رباعي ، سيجارة في الفم وقهقهات لا تتوقف .
التعليق حول فحوى هذه المقالة
هل سحبت كطر البساط من تحت اقدام امارات الخليج الاخرى
ولماذا لايقف دول الخليج الفارسي صفا واحدا في وجة الغزو الغربي
الذي يتسرب الينا عن طريق قطر.
أين تذهب مليارات قطر ؟
في نهاية عام 2012 ستبلغ الثروة الخارجية لهذه الدولة العربية الصغيرة في نهاية 2012 ال 210 مليار دولار ، نتيجة لسلسلة من الإقتناءات المتنوعة جدا والتي تذهب في كل الاتجاهات. ترى كيف أصبحت قطر المستثمر الأول في العالم ؟
في نوفمبر 2011 ، وصل إلى قطر وفد من الجمعية الوطنية للممثلين المحليين للتنوع برئاسة رئيس ومؤسس الجمعية كامل حمزة المنتخب عن الحزب الشعبي الحاكم في فرنسا عن مدينة كورنيف من محافظة سين سانت دني . كان الهدف من الزيارة هو البحث عن أموال لحاملي أو عارضي المشاريع في الضواحي الفرنسية . يقول كامل حمزة << يأتي الينا العديد من حاملي المشاريع طلبا للمساعدة لأن البنوك لم تعد تقرضهم المال فقلنا لماذا لا نحاول مع قطر ، الدولة الصديقة لفرنسا ؟ >>، وقد كانت محاولة ناجحة إذ وافق أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني على طلبهم . وفي الثامن من ديسمبر 2011 أعلن السفير القطري في باريس عن إنشاء صندوق للإستثمار بمبلغ 50 مليون يورو ، تمثل هبة من السماء للضواحي الفرنسية لكنها مبلغ زهيد لهذه الدولة الخليجية البالغة الثراء التي تتداول استثمارات بالمليارات بسهولة ويسر .
في السنة الماضية ، اشترت قطر نادي باريس سانت جيرمان وأصبحت المساهم الأول في مجموعة لا جاردير والمالك السعيد لفندق كارلتون في مدينة كان . لكن اهتمامات قطر الإستثمارية لا تتوقف عند فرنسا : فقد شاركت في انقاذ بنكين في اليونان واشترت استوديوهات ميراماكس السينمائية في الولايات المتحدة التي عرضتها ديزني للبيع ، وامتلكت أحياء كاملة في لندن وأطلقت صندوق بمليار دولار في اندونيسيا .
منذ ثلاث سنوات ، أصبحت هذه الدولة المستثمر الأول في العالم من خلال صندوقها السيادي المتمثل في جهاز قطر للإستثمار وبنك قطر الوطني . في كل سنة تستثمر الدولة ما قيمته 20 إلى 30 مليار دولار بحرية مطلقة وفي مجالات عدة مما يجعل ثروتها تصل إلى 210 مليار دولار بحلول نهاية هذا العام ، يعود 135 مليار دولار منها إلى جهاز قطر للإستثمار حسب الأرقام الرسمية المعلن عنها في نهاية يناير 2012 .
روابط وثيقة مع فرنسا
على الرغم من محدودية مساحتها – ما يعادل محافظة في فرنسا – وقصر عمرها – يعود استقلالها إلى سنة 1971 - ، لقطر طموحات واسعة جدا . وقد وجدت في الرياضة والإعلام الأدوات المناسبة لذلك . فمع قناة الجزيرة استطاعت أن تكسب مسبقا معركة في الشرق الأوسط وتكليفها بتنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم لسنة 2022 يمنحها إشعاع دولي يذهب إلى ما هو أبعد من عالم الكرة المستديرة ، فهل يتوجب الحذر من تأثيرها المتنامي ؟ . طرح هذا السؤال أصلا قد يثير غضب هذا المحاور المتميز في فرنسا وهو المستثمر النفيس في وقت الأزمات .
فنسيج الروابط بين الدوحة وباريس وثيقة جدا ومنذ أمد ليس بالقصير إذ تربطهم اتفاقية أمنية ودفاعية منذ العام 1994 واتفاقية ضريبية ، جرى تعديلها في العام 2008 ، لتسهيل الاستثمارات القطرية في فرنسا ، مثل ما للشركات الفرنسية مكانة بارزة في السوق القطرية . أما فيما يتعلق بالعلاقات الشخصية بين زعماء الدولتين فهي في تناغم وألفه ، فالشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وقرينته الشيخة موزة كانوا بجوار رئيس الجمهورية يوم 14 يوليو 2007 لمشاهدة العرض العسكري للجيش الفرنسي ومن بينهم إبنهم الشيخ جوعان حيث كان حينها يدرس في الكلية العسكرية سانت سير . عشرة أيام بعد ذلك ، رأينا تحرير الممرضات البلغاريات ، الذين كانوا محتجزين في ليبيا لدى العقيد القذافي ، بفضل تدخل الأمير مما أعتبر النجاح الدبلوماسي الأول للرئيس الفرنسي .
إشارات خاطئة واهتزازات
بعدها ، دخلت الشيخة موزة كعضوة في المؤسسة الفرنسية وتم تكريم الشيخ حمد ليصبح ضابط كبير في جوقة الشرف ، لكن بوادر ضلال شابت هذه اللوحة المثالية تمثلت في زيارة نيكولا ساركوزي وديفيد كامرون لطرابلس في سبتمبر الماضي . << أمير قطر لم يكن متواجدا في مراسم أو احتفالات انتصار الثورة ما أدى إلى تعرض العلاقات لإهتزازات >> يشير في هذا الصدد الباحث المشارك في معهد ايريس كريم اميل بيطار ، فالشيخ حمد لم يمول فقط تدخل قوات التحالف في ليبيا بل أرسل أيضا بنفسه فرق عسكرية قطرية إلى الميدان .
في منتصف يناير الماضي إتهمت مارين لوبين ، زعمية اليمين المتطرف ومرشحته للإنتخابات الرئاسية القادمة ، قطر بالإستثمار بشكل مكثف في فرنسا إنطلاقا من اعتبارات عرقية مما شكل هزة عنيفة في العلاقات تضاف إلى الإشارة الخاطئة الأولى ، هذا ناهيك عن تصريحات وزيرة الرياضة شانتال جوانو التي وضعت تحفظات على الملاك الجدد لنادي باريس سانت جيرمان .
منذ ذلك الحين ، صار النظام في عدم إحداث أي ضجيج ، وبدأ صندوق الضواحي في التشكل في هدوء وصمت مطلقين لكن عليه ألا يقوم بأي عمليات تمويل قبل الإنتهاء من الإنتخابات الرئاسية ودخلت السفارة القطرية في باريس في هذا الصمت كما العديد من الشخصيات التي تتعامل مع قطر ، ومن يجروء على الحديث إلى الصحافة الأجنبية يطلب بأن لا يذكر إسمه . يا له من جو مرح !.
على كورنيش الدوحة ، في الجانب المقابل لحي الأعمال الحديث في الخليج الغربي ، نرى منحوتة تمثل ماضي قطر وهي عبارة عن قوقعة عملاقة بها لؤلؤة يستخدمها الأمير بسرور كرمز لشرح استراتيجيته ، إذ يقول في مقابلته مع الفاننشيال تايمز : << أشتهرت قطر بصيادي اللؤلؤ لكن ، عندما إخترعت اليابان اللؤلؤ الصناعي ، نتج عن هذا الكثير من الفقر والبؤس والحرمان في قطر >>.
جنة شركات البترول
أما اليوم فأن لؤلؤة قطر هي الغاز حيث أنها الدولة المنتجة الثالثة عالميا ، والرغبة في تجنب الوقوع مرة أخرى في الجانب السيء من الثروة تقود خطوات الأمير . فهدفه ، الذي تم فحصه بعناية من قبل صندوق النقد الدولي ، واضح يتمثل في أن تستطيع قطر تمويل كامل ميزانيتها ، من الآن وحتى سنة 2022 ، من نشاطات أخرى غير استخراج مواد الطاقة وتصديرها ومن أرباح استثمارات جهاز قطر للإستثمار .
لم تكن قطر سوى دولة بترولية متواضعة من المنطقة الثانية حتى العام 1995 ، وهو العام الذي وصل فيه الشيخ حمد للسلطة والذي قام باعطاء الأهمية والقيمة لاحتياطات الغاز . مشهد يرويه الفيلم الذي أخرجه جان جاك انو في فيلم الذهب الأسود الذي تم تصويره في الدولة لحساب مؤسسة الدوحة للأفلام . وهو الفيلم الذي يروي قصة شيخ وإبنه ولي العهد الذي يعترض على طريقة استغلال مصادر الطاقة مما يؤدي إلى إثارة خلاف بين القديم والحديث ينتهي لصالح الحديث .
<< وضع الشيخ حمد كل استراتيجيته قيد التطبيق انطلاقا من الغاز >> يذكرنا بذلك ماثيو جيدير ، استاذ الدراسات الإسلامية والفكر العربي في جامعة تولوز والمكلف بالاشراف على الشيخ جوعان عندما كان طالبا في كلية سانت سير العسكرية . وبالفعل ، يوجد تحت مياه الخليج حقل للغاز اكتشف في عام 1971 ، يقول عنه ارنو برياك ، مسئول الشرق الأوسط في شركة توتال المتواجدة في قطر منذ ما يقارب ال 75 عاما : << يعتبر حقل الشمال الحقل الأكبر في العالم حيث يمثل 10% من احتياطات العالم من الغاز متوفرة ما بين 3800 إلى 4500 متر في أعماق المياه >>.
ولتحويل هذا الحقل إلى ثروة حقيقية تطلب الأمر الإستثمار فيه بشكل كبير خاصة في انتاج ونقل الغاز ، لكن الأب الشيخ خليفة كان مترددا في اتخاذ القرار ، مما دعا الشيخ حمد إلى تقديم الوعد والإغراء بثروات جديدة وتنظيم المجتمع القطري فأستلم بذلك الحكم من والده .
منذ ذلك الحين ، صارت قطر جنة لشركات البترول ، فشركات مثل ايكسون موبيل الأمريكية وتوتال الفرنسية بدأوا في تحقيق أرباحهم العالمية الأولى في هذا البلد . وبدأ القطريين في تحقيق الأرباح بعد تغطية الاستثمارات التي وضعت في المشروع ورأوا صناديقهم كيف تعبأ بالأموال بعد سنة 2000 . وانشا القطريون في سنة 2003 جهاز قطر للإستثمار وتبع ذلك انشاء شركة قطري ديار التي تعمل في مجال العقارات وشركة قطر القابضة العاملة في الحقل الصناعي وغيرها من الشركات . وهكذا بدأت تدخل في خزائن الدولة أكثر من 60 مليار دولار سنويا يذهب 24% إلى 33% منها لتغذية جهاز قطر للإستثمار وفروعها . << نحن نستثمر في كل مكان >> يقولها الأمير بفخر واعتزاز .
اقتناءات عقلانية ( مبررة )
عندما وصل الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى السلطة لم يكن غنيا كما هو اليوم ، وبما أنه كان يريد أن يثبت وجوده وخاصة أمام جارته الكبرى العربية السعودية ، لجأ إلى الإستثمارات المحدودة لكن ذات التأثير الكبير ، وماذا أفضل من الإعلام وقد وجد الحجة سريعا ؟ : خلال حرب الخليج الأولى في العام 1991 كانت قناة ال سي ان ان محتكرة الصورة والتعليق لكن اليوم ، مع قناة الجزيرة ، أصبحت لدينا نظرة عربية للأحداث .
<< في سنة 1996 ، قامت قطر بتوظيف حوالي مائة من الصحفيين الذين كانوا قد تركوا محطة ال بي سي سي العربية حيث لم يكن بامكانهم دعوة من يشاؤن . وقد كان نجاح الجزيرة معتمدا على إعطاء الكلمة للمعارضين العرب وكان منهم الرئيس التونسي الحالي ورئيس المجلس الوطني الإنتقالي في ليبيا >> يسرد لنا محمد العويفي الإستاذ في العلوم السياسية في باريس والذي قدم إطروحته حول هذا الموضوع . هذا فضلا عن لهجتها المعتدلة وبرامجها المباشرة وصحفييها ذوو المهنية العالية الذين حققوا فعالية ملفتة في انجاح القناة .
بفضل مليارات الغاز تبدأ قطر في بناء امبراطورية مالية وإن كان ذلك شيئا ما مع بروز عمليات ناجحة من قبيل الصدفة . لكن ، منذ فترة قريبة ، مع ظهور أداتين للتخطيط وهما رؤية قطر الوطنية للعام 2030 وخطة التنمية الإستراتيجية من 2011 إلى 2016 ، بدأت تتضح معالم وخطط الإقتناءات التي غالبا ما ترتبط مع شراكات مع جهات أخرى . << يريد القطريون من الآن فصاعدا عمليات ذات مغزى ومعنى >> يشير أحد المختصين في التكتلات والإقتناءات . وقد كان مجال النقل الجوي الأول الذي شهد تطويرا من قبل الدوحة << الخطوط الجوية القطرية تعتبر الآن من أحسن الشركات في العالم وإحدى الشركات النادرة المحققة لأرباح >>. حسب قول مروان لحود الشخص الثاني في مجموعة ايديس . ومع مؤسسة قطر تأمل الشيخة موزة ، التي جذبت جامعات أمريكية وأخرى لفتح فروع لها في قطر ، في تأسيس مجتمع معرفي قادر على جذب طلاب من مختلف بلدان الشرق الأوسط .
تنظيم فعاليات كبيرة
تسعى قطر أيضا ، ودائما ضمن استراتيجيتها ، لتنظيم الفعاليات والأحداث الكبيرة على المستويين الإقليمي والدولي . ومثال على ذلك ، تنظيم معرض قطر للسيارات في نسختها الثانية في الفترة ما بين 24 إلى 28 ديسمبر الماضي ، وتنظيم المؤتمر العالمي للبترول في ديسمبر الماضي أيضا والذي عقد للمرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط . كما تستعد قطر لتنظيم المؤتمر العالمي حول المناخ في نهاية 2012 والذي سيعتبر تحدي حقيقي لهذا البلد الأكثر تلوثا مقارنة بعدد السكان والذي يسعى لأن يكون مصدر هام للطاقة المستقبلية لا يمكن تجاوزه .
في انتظار ذلك ، يقول عبدالله الدباغ ، المسئول عن التنمية الصناعية في شركة قطر القابضة وهي الراعية الرئيسية لمعرض قطر للسيارات ، بأنه سيستمر في استثماراته في قطاع السيارات موضحا ، خلال حفل افتتاح المعرض ، بأن الإستثمار في الولايات المتحدة في هذا المجال يدخل ضمن خطة الشركة . نذكر هنا بأن قطر القابضة هي من المساهمين الرئيسيين في شركات السيارات الألمانية فولكس واجن وبورشه . لكن صناعة السيارات لا تدخل فقط في الخطة الإستراتيجية للدولة فقط بل هي شغف لدى العامة . فمن بداية افتتاح المعرض ، غزا الشباب القطري باللباس الوطني ال 15000 متر مربع وهي مساحة المعرض وبداؤ في التقاط الصور أمام البورشه والفراري أو تجربة سيارة ذات دفع رباعي ، سيجارة في الفم وقهقهات لا تتوقف .
التعليق حول فحوى هذه المقالة
هل سحبت كطر البساط من تحت اقدام امارات الخليج الاخرى
ولماذا لايقف دول الخليج الفارسي صفا واحدا في وجة الغزو الغربي
الذي يتسرب الينا عن طريق قطر.
