((( خاص ))) كل مايتعلق بأنصار الشريعة ( شامل و متجدد )

الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.

ذات السلاسل

عضو بلاتيني

لا تكونوا أجراء الطاغوت وعصابته (9)

رضوان محمود نموس

لقد بين الباحث في الحلقة السابقة عن ظهور الحركة التجديدية في نجد. وفي هذه الحلقة يحدثنا عن ذم من يصدق الكذوب

ذم من يصدق الكذوب

وحتى لا تنطلي على بعض المساكين فتوى شيخ جاهل أو موظف عميل بوصف المحتلين الأمريكيين و محور الشر المتمثل في التحالف الصهيوني البروتستنتي بالحمائم المستأمنة, و (المستأمنين) و (أهل الذمة) و (أهل العهد) إلى آخر مصطلحات التزوير والتضليل وتُسمع فتاواهم وتنطلي على بعض الناس وهم السماعون الذين ذمهم الله في كتابه فقال الله تعالى: { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ } وقال الله تعالى: { وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ }

وقال الإمام ابن تيمية في هذا: [ ثم قال سمَّاعون للكذب أكَّالون للسحت فذكر أنهم في غذاءي الجسد والقلب يغتذون الحرام بخلاف من يأكل الحلال ولا يقبل إلا الصدق وفيه ذم لمن يروج عليه الكذب ويقبله أو يؤثره لموافقته هواه فيدخل فيه قبول المذاهب الفاسدة لأنها كذب لا سيما إذا اقترن بذلك قبولها لأجل العوض عليها سواء كان العوض من ذي سلطان أو وقف أو فتوح أو هدية أو أجرة أو غير ذلك وهو شبيه بقوله تعالى:{إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله}... ثم قال في السورة لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت فقول الإثم وسماع الكذب وأكل السحت أعمال متلازمة في العادة وللحكام منها خصوص فإن الحاكم إذا ارتشى سمع الشهادة المزورة والدعوى الفاجرة فصار سماعا للكذب أكالا للسحت قائلا للإثم ]([1]).

وقال: رحمه الله تعالى [ فكل من تصديق الكذب والطاعة لمن خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعظم الذنوب ولفظ السميع يراد به الإحساس بالصوت ويراد به فهم المعنى ويراد به قبوله فيقال فلان سمع ما يقول فلان أي يصدقه أو يطيعه ويقبل منه بقوله سماعون للكذب أي مصدقون به وإلا مجرد سماع صوت الكاذب وفهم كلامه ليس مذموما على الإطلاق وكذلك سماعون لقوم آخرين لم يأتوك أي مستجيبون لهم مطيعون لهم كما قال في حق المنافقين وفيكم سماعون لهم أي مستجيبون لهم مطيعون لهم]([2]).

وقال رحمه الله تعالى [ كما قال تعالى: {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم} فأخبر أن المنافقين لو خرجوا في جيش المسلمين ما زادوهم إلا خبالا ولكانوا يسعون بينهم مسرعين يطلبون لهم الفتنة وفي المؤمنين من يقبل منهم ويستجيب لهم إما لظن مخطئ أو لنوع من الهوى أو لمجموعهما فإن المؤمن إنما يدخل عليه الشيطان بنوع من الظن واتباع هواه ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات وقد أمر المؤمنين أن يقولوا في صلاتهم: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ]([3]).

وقال رحمه الله تعالى: [ وأعداء الدين نوعان الكفار والمنافقون وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بجهاد الطائفتين في قوله {جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم } في آيتين من القرآن فإذا كان أقوام منافقون يبتدعون بدعا تخالف الكتاب ويلبسونها على الناس ولم تبين للناس فسد أمر الكتاب وبدل الدين كما فسد دين أهل الكتاب قبلنا بما وقع فيه من التبديل الذي لم ينكر على أهله وإذا كان أقوام ليسوا منافقين لكنهم سماعون للمنافقين قد التبس عليهم أمرهم حتى ظنوا قولهم حقا وهو مخالف للكتاب وصاروا دعاة إلى بدع المنافقين كما قال تعالى: {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم} فلا بد أيضا من بيان حال هؤلاء بل الفتنة بحال هؤلاء أعظم فان فيهم إيمانا يوجب موالاتهم وقد دخلوا في بدع من بدع المنافقين التي تفسد الدين فلا بد من التحذير من تلك البدع وان اقتضى ذلك ذكرهم وتعيينهم بل ولو لم يكن قد تلقوا تلك البدعة عن منافق لكن قالوها ظانين أنها هدى وأنها خير وأنها دين ولم تكن كذلك لوجب بيان حالها]([4]).

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:[ قوله سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه مما يدل على أن العبد إذا اعتاد سماع الباطل وقبوله أكسبه ذلك تحريفا للحق عن مواضعه فإنه إذا قبل الباطل أحبه ورضيه فإذا جاء الحق بخلافه رده وكذبه إن قدر على ذلك وإلا حرفه ]([5]).

ولقد قال الشاعر في وصف السماعين:

أثر البهتان فيه *** وانطلى الزور عليه

يا له من ببغاء *** عقله في أذنيه
وكما هو مقرر في القواعد الأصولية: أن الحكم على الشيء؛ هو فرع عن تصوره.

وحتى نتصور الحقيقة؛ لا بد لنا من معرفة التالي:

من هي أمريكا وما هو العمق الديني والإستراتيجي لها:

وهذا ما سنبينه في الحلقات القادمة

يتبع

[1] - دقائق التفسير ج: 2 ص: 49

[2] - دقائق التفسير ج: 2 ص: 60

[3] - درء التعارض ج: 2 ص: 105

[4] - مجموع الفتاوى ج: 28 ص: 231

[5] - إغاثة اللهفان ج: 1 ص: 55

 

ذات السلاسل

عضو بلاتيني
523146_4843469209309_1827443364_n.jpg







هذيان ساهر
ــــــــــــــــ

يصحو الناس على عالم لا تحكمه أمريكا، فقد حلت بهذا البلد كارثة اتضح أن تأثيرها سيكون أقسى على ما تبقى من منظومة النظام العالمي الجديد.


لا وجود الآن لمن يحرض على خوض حرب ضد تنظيم القاعدة ويدعمها، ولولا التحريض والدعم الأمريكيان لما كانت هنالك حرب.

يتساءل عبد ربه منصور هادي: ما هذا الدبور؟، لم يمض على عودتي سوى أسبوع واحد فقط، ولم أبدأ بعد حتى تنتهي أمريكا بهذه السرعة.


وبعد تفكيره بعقد صلح تارة، وبالاعتذار تارة أخرى، يتضح لهادي ولغيره من قادة الأنظمة في المنطقة العربية، أنْ لا وجود لمشكلة مع تنظيم القاعدة أصلا، وأنهم كانوا يحاربون من أجل مشكلة أمريكا معها، لكن هذا لا يعني أنْ لا وجود مشكلة للقاعدة مع تلك الأنظمة، على خلفية ما كان من رؤسائها طوال الأعوام الماضية.


لا يمكن الآن لكل تلك الأنظمة أن تخوض حربا ضد القاعدة دون دعم أمريكي، ويمكن للقاعدة أن تخوض حربا ضد كل تلك الأنظمة بأقل من 1% مما تمتلكه الأنظمة المذكورة.


يقفز عبد ربه منصور إلى إيران، ومن هناك يطلق تصريحات خطرة للغاية، أهمها أنه اكتشف 12 خلية تجسسية أمريكية تعمل في اليمن.


ـ نجاد: لكن أمريكا بكل خلاياها وأجهزتها الأمنية والعسكرية ومراكزها البحثية صارت "في خبر كان".


ـ هادي: أين يقع خبر كان؟.


ـ نجاد: ربما تجده في الصين أو روسيا.


سيحتاج العالم إلى وقت كي يترتب كمنظومة ضمن نظام عالمي بديل لصالح القوة الأكبر فيه، إن كان سيترتب، ولا وقت لهادي كي ينتظر حتى تعود الحرب على الإرهاب إلى مجاريها، ويعود هو إلى اليمن ليباشر عمله، ولا علم له بنوع الإرهاب الذي ستجند القوة الجديدة العالم ضده.


يعود هادي إلى اليمن، ليس إلى صنعاء طبعا، ولكن إلى أبين، التي صارت مع بعض المحافظات المجاورة تحت سيطرة تنظيم القاعدة.


لا مجال للحديث عن 6 خلايا تجسسية إيرانية، لأن هادي قد قال ذلك لأمريكا، ولا مجال للحديث عن 12 خلية تجسسية أمريكية، لأنه قد قال ذلك لإيران.


ـ ناصر الوحيشي: ولا مجال للحديث عن 48 خلية تجسسية في اليمن تعمل لصالح دول في المريخ.


ـ هادي: كيف عرفت أنني أفكر بهذا، وما الحل برأيك؟ هههههههههه.


ناصر الوحيشي: إن كنت تبحث عن حل لمشاكل البلد فقد أعفيناك من مسئوليته، وإن كنت تبحث عن حل لمشكلتك القديمة معنا فقد عفونا عنك.


عبدالرزاق الجمل ...........


 

ذات السلاسل

عضو بلاتيني

لا تكونوا أجراء الطاغوت وعصابته (10)
رضوان محمود نموس
لقد تكلم الباحث في الحلقة السابقة عن ذم من يصدق الكذوب. وفي هذه الحلقة يحدثنا عن الأصول الدينية للأمريكان
من هي أمريكا وما هو العمق الديني والإستراتيجي لها:
-الأصول الدينية للأمريكان .
[من المعروف أن كل سكان أمريكا مهاجرون « جاء سكان أمريكا (أي المستوطنون الأوروپيون) بحثاً عن العمل وكسب المال أساساً. ومع اختلاف ثقافاتهم ودياناتهم، بين أيرلنديين وإيطاليين وغير ذلك من أجناس وجنسيات مختلفة، كانت الرابطة الوحيدة التي ربطتهم جميعاً هي ذلك الخيط الرفيع المشابه لما يربط العاملين في المؤسسة أو الشركة التجارية، وأصبحت الولايات المتحدة هي منظومة الإنتاج التي يقودها المنطق التكنولوجي والتجاري، والتي يشارك فيها كل فرد منتجاً أو مستهلكاً، في غاية وحيدة هي تنمية مستوى المعيشة كمياً. وهكذا كانت كل هوية، ثقافية أو روحية أو دينية، تعتبر مسألة شخصية، فردية تماماً، لا تتداخل مع مسيرة النظام، ومن
مثل هذه الهياكل الاجتماعية أصبح الإيمان عديم الأهمية، وعند الأغلبية العظمى لهذا الشعب، فقد مات الإله، لأن الإنسان انقطع عن كل ما هو مقدس، وبخاصة هذا الدأب في البحث عن معنى الحياة الذي يقود بالتبعية إلى الإيمان بالله. واتسع المجال بذلك أمام تفشي الخرافات وانتشار الطوائف والهروب إلى المخدرات أو الشاشة الصغيرة، بينما غطى كل ذلك صبغة تدعي الدينية وهي « الپيوريتانية » الرسمية أو التطهرية الرسمية، التي تتعايش مع كل أنواع انعدام المساواة، وكل المذابح والجرائم، بل وتمدها بالتبرير والغطاء الديني ! » .. فلقد قدم المتطهرون [الپيوريتانيون] من الإنجليز الأوائل إلى الولايات المتحدة ، حاملين معهم العقيدة الأكثر دموية في تاريخ البشرية، ومسلحين بفكرة :« الشعب المختار »، مقننين فكرة الإبادة، وكأنها حسب روايتهم أوامر إلهية، كانوا يسرقون أراضي الأهالي الأصليين طبقاً لتعاليم يهوا «إله الحرب» في « العهد القديم »، هذا الإله الذي أمر « شعبه المختار » بإبادة وذبح السكان القدامى في أرض كنعان واغتصاب أرضهم »]([1]). هذه العقيدة التي جاءت للنصارى عبر الطائفة البروتستانتية.فمن هم البروتستانت وكيف أصبحوا يهوداً أكثر من اليهود؟!إن أكبر إنجاز حققته الماسونية ( البنت البكر لليهودية) هو في قيام حركة "مارتن لوثر([2])" و"كالفن" بما سموه الحركة الإصلاحية المسيحية, حيث استطاعوا إنشاء مذهب مسيحي كبير, وهو مسيحي اسماً, يهودي توراتي حقيقةً، بل يسعى لخدمة اليهود أكثر من اليهود أنفسهم, إذ ربط نفسه بالتوراة وبنبوءاتها, وأصبح جزءاً من أصول هذا المذهب العمل لإقامة هيكل سليمان.
جاء في تاريخ الماسونية العام:[ زادت الكهنة كرها للماسونية واضطهادا فكانوا يشكون منها سرا وجهرا لما رأوا من انتشار تعاليم لوثر بدعوى أن هذا الرجل كان من جماعة البناءين لأنهم رأوا عددا من الماسون بين دعاته فشدد الكهنة النكير على الماسونية وأشاعوا أنها ساعية في الكنيسة فسادا وفي الدولة تقويضا وأنها إذا لم توقف عند حدها لا تنفك عن الدين حتى تلحقه بالأرض ولا عن الملوك حتى تسلب ما في أيديهم ]([3]) .
هذا المذهب الذي عرف باسم البروتستانتية([4]) التي انتشرت بداية تحت اسم الإصلاح بعد أن اخترق الماسون الكنيسة, ووصل عدد منهم إلى رتبة أساقفة وكرادلة, وكان أول انتشارها في ألمانيا، كما انتشرت البروتستانتية في بريطانيا على أيدي اليهودي (كالفن)([5]) وأنصاره.
يقول وليام غاي كار:[ وقد قرر المتآمرون أول الأمر على شق الشعب الإنجليزي وإيقاع الخلاف بين الكنيسة والدولة وللوصول إلى ذلك أدخلوا الكالفينية وعلى العكس مما يعتقده كثير من الناس فإن مذهب كالفن من صنع اليهود وقد استعملوه خصيصا لإيقاع الانقسام بين المسيحيين وشق الشعب، أما الاسم الأصلي لكالفن فهو كوهين وكان قد غير اسمه من كوهين إلى كاوفين إبان انتقاله من سويسرا إلى فرنسا للتبشير بدعوته ولما انتقل إلى إنكلترا أصبح اسمه كالفن ويبين لنا التاريخ كيف أن سويسرا كانت المنشأ الأول للعديد من الثورات والمؤامرات كما يبين لنا كيف أن الزعماء الثوريين من اليهود كانوا يغيرون أسماءهم لإخفاء أصلهم الحقيقي. وفي عام 1936م وخلال احتفالات بناي برث اليهودية في باريس أكد المحتفلون بحماس بالغ أن كالفن كان يهودي الأصل ]([6]) .
فاستطاع الماسون بهذه العملية ربط النصارى بالتوراة, والعمل على تحقيق نبوءات التوراة دون أن يجعلوهم يهوداً بالاسم, إنما أصبحوا يهوداً عملياً, لذا سنرى فيما يأتي من بحث كيف أن بريطانيا وأمريكا مهد البروتستانتية التي انفصلت عن الكنيسة الكاثوليكية تدعم اليهود أكثر من اليهود أنفسهم.
يقول أنور الجندي:[ لكن المؤرخ توينبي يشير في بحثه عن اليهود والغرب إشارات ذات بال عن مدى ما كان للحركة البروتستانتية من أثر في تحطيم جبهة الكنيسة الكاثوليكية الموحدة المعادية لليهود وهذا يعني بصراحة لم يصل إليها توينبي أن البروتستانتية قد أصبحت سواء في إنجلترا أو هولندا أو في الولايات المتحدة عش الصهيونية ]([7]) .

  • §بل لقد [ نشر مارتن لوثر زعيم حركة الإصلاح ورائد المذهب البروتستانتي كتاباً في العام 1523م باسم (عيسى ولد يهوديا) قال فيه: (إن الروح القدس أنزل كل أسفار الكتاب المقدس عن طريق اليهود وحدهم وأن اليهود هم أبناء الله ونحن الضيوف الغرباء ولذلك فإن علينا أن نرضى بأن نكون كالكلاب التي تأكل مما يتساقط من فتات مائدة أسيادها كالمرأة الكنعانية تماماً ) ]([8]).
وجاء في كتاب (النبوءة والسياسة) تأليف (غريس هالسل) ترجمة محمد السماك: [والحقيقة أن رياح التغيير في الموقف المسيحي تجاه اليهود بدأت منذ ظهور الحركة الإصلاحية البروتستانتية في القرن السادس عشر حيث أطاحت هذه الحركة بحق الكنيسة في احتكار تفسير الكتاب المقدس وتحديد الرؤية المسيحية الفكرية، ولذلك تم إحياء النص التوراتي وبدأ التفسير الحرفي للنصوص المتعلقة باليهود يحل محل التأويلات والتفسيرات التي تبنتها الكنسية الكاثوليكية الأم وبدأت النظرة إلى اليهود تتغير تدريجيا، وبدأ التهويد يشق طريقه نحو المسيحية الغربية. ومنذ بواكير القرن السابع عشر بدأ النصارى البروتستانت في الغرب ينظرون إلى اليهود على أنهم شعب مميز وأخذوا يعتقدون أن عودة اليهود إلى فلسطين شرط لتحقيق المجيء الثاني للمسيح وأن مساعدة اليهود لتحقيق هذه الغاية أمر يريده الله لأنه يعجل بمجيء المسيح الذي يحمل معه الخلاص والسلام حيث ساد الاعتقاد أن النصارى المخلصين سوف يعيشون مع المسيح في فلسطين ألف سنة في رغد وسلام قبل يوم القيامة. طبقا لبعض التفسيرات الحرفية لسفر رؤيا يوحنا اللاهوتي. ولقد أدى تيار الصهيونية المسيحية هذا إلى قيام حركة الصهيونية بتشجيع اليهود للالتفاف حولها وعندما تردد هرتزل في اختيار فلسطين كأرض يقام عليها كيان صهيوني أرسل إليه المبشر (وليم بلاكستون) أحد الصهاينة المسيحيين البارزين نسخة من الكتاب المقدس تظهر فيه علامات وضعها هو تشير إلى عودة اليهود إلى الأراضي المقدسة وهذه النسخة ما تزال معروضة إلى جانب ضريح هرتزل في القدس، وفي المؤتمر الأول للحركة الصهيونية الذي انعقد في مدينة بازل بسويسرا عام 1897م دخل القس البروتستانتي (وليام هيشلر) إلى قاعة المؤتمر مع هرتزل وهتف بحياة الزعيم الصهيوني قائلا يحيا الملك وخطب في الصهاينة قائلا: "استفيقوا يا أبناء إسرائيل فالرب يدعوكم للعودة إلى وطنكم القديم فلسطين" ومن الثابت تاريخيا أن الكنيسة البروتستانتية قد لعبت دورا فعالا وهاما في قيام الكيان الصهيوني عن طريق حشد الرأي العام الغربي والمؤسسات الحكومية الرسمية إلى جانب الصهاينة وجمع الأموال لهم وتشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين.
يقول حاييم وايزمان في مذكراته:" وللقارئ أن يسأل ما أسباب حماسة الإنجليز لمساعدة اليهود وشدة عطفهم على أماني اليهود في فلسطين؟ والجواب على ذلك أن الإنجليز ولا سيما من كان منهم من المدرسة القديمة هم أشد الناس تأثرا بالتوراة وتدين الإنجليز هو السبب الذي ساعدنا في تحقيق آمالنا لأن الإنجليزي المتدين يؤمن بما جاء في التوراة من وجوب عودة اليهود إلى فلسطين وقد قدمت الكنيسة الإنجليزية في هذه الناحية أكبر المساعدات ]([9]) .
ثم جاء في الكتاب السابق: [ وعلى صعيد الكنيسة البروتستانتية فإن الاعتراف بالكيان الصهيوني لم يكن مشكلة منذ البداية ولكن من أجل إعطاء هذا الكيان الشرعية الدينية المسيحية بدأت تشهد ظهور تفسيرات لاهوتية جديدة تدعي أن الكيان الصهيوني هو استمرار لدولة إسرائيل القديمة وأن الشعب اليهودي اليوم هو استمرار للشعب الإسرائيلي القديم وأن اختيار الشعب الإسرائيلي ما زال قائما والوعد بالأرض ما زال مستمرا وأن العلاقة بين الشعب والأرض باقية بل إن هناك تيارا قويا داخل الكنيسة البروتستانتية يدعو إلى عدم تبشير اليهود لأنهم ما زالوا شعبا مختارا وعمليا فإننا لا نسمع اليوم عن أي تبشير مسيحي بين اليهود ومنذ السبعينات يشهد العالم الغربي حركة صهيونية مسيحية جديدة تتركز في الولايات المتحدة وبعض دول أوربا تدعو هذه الحركة إلى دعم الكيان الصهيوني من أجل تحقيق مشروع إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل وتمكين الصهاينة من السيطرة على القدس وإعادة بناء الهيكل مكان المسجد الأقصى لأن ذلك شرط لازم في اعتقادها لعودة المسيح، وقد قدم ممثلو هذه الحركة إلى الرئيس ريغان في11نوفمبر 1982 ‏مذكرة تقول:" إن الله أعطى أرض إسرائيل للشعب اليهودي وإن الكتاب المقدس يرسم حدود دولة إسرائيل وهي حدود تتجاوز حدود الدولة الحاضرة وحق إسرائيل في يهوذا والسامرة يستند إلى التاريخ الكتابي والمعاصر. وتؤكد هذه الحركة أن تأييد إسرائيل ليس اختيارا بل هو قضاء إلهي، والوقوف ضد إسرائيل وقوف ضد الرب يستدعي غضبه ونقمته" كما يعتقد أتباع هذه الحركة أنه ما لم تقم حرب نووية في هرمجدون في فلسطين بين قوى الخير متمثلة في الولايات المتحدة وحلفائها وقوى الشر فلن يعود المسيح ولن يكون هناك سلام على الأرض ]([10]) .
وقال صاحب كتاب الأصولية الإنجيلية:[ إن الأدبيات الدينية اليهودية احتلت الموقع الممتاز في معركة الإصلاح الديني... الأدبيات اليهودية التي تسربت إلى صميم العقيدة المسيحية تدور حول أمور ثلاثة:
الأمر الأول: هو أن اليهود هم شعب الله المختار، وأنهم يكونون بذلك الأمة المفضلة على كل الأمم.
الأمر الثاني: هو أن ثمة ميثاقا إلهيا يربط اليهود بالأرض المقدسة في فلسطين، وأن هذا الميثاق الذي أعطاه الله لإبراهيم عليه السلام هو ميثاق سرمدي حتى قيام الساعة.
الأمر الثالث: هو ربط الإيمان المسيحي بعودة السيد المسيح بقيام دولة صهيون، أي بإعادة تجميع اليهود في فلسطين حتى يظهر المسيح فيهم.
هذه الأمور الثلاثة ألفت في الماضي وهي تؤلف اليوم قاعدة الصهيونية المسيحية التي تربط الدين بالقومية، والتي تسخر الاعتقاد الديني المسيحي لتحقيق مكاسب يهودية.
ثم التهويد من خلال الحركة البروتستانتية أولا، وبعد ذلك من خلال الحركة التطهيرية، كانت الكنيسة الكاثوليكية تتمسك باعتقادها بأن ما يسمى بالأمة اليهودية قد انتهى وأن الله طرد اليهود من فلسطين إلى بابل عقابا على صلب المسيح. وكانت الكنيسة تعتقد أيضا أن النبوءات الدينية التي تتحدث عن العودة تشير إلى العودة من بابل، وأن هذه العودة قد تمت بالفعل على يد الإمبراطور الفارسي قورش.
الفيلسوف الديني لهذا الاعتقاد هو القديس أوغسطين الذي كان يعتبر القدس مدينة العهد الجديد، وأن فلسطين هي إرث المسيح للمسيحيين.
الإصلاح الديني تنكر لهذا الاعتقاد، وطرح الإيمان بأن اليهود هم الأمة المفضلة، وأن عودتهم إلى أرض فلسطين تحقق وعد الله، وأن هذه العودة ضرورية لعودة المسيح وقيام مملكته مدة ألف عام (الألفية) .
تكريسا لهذا التحول، أصبح العهد القديم المرجع الأعلى لفهم العقيدة المسيحية وبلورتها، وفتح باب تفسير نصوصه أمام الجميع لاستخراج المفاهيم الدينية دون قيود. كذلك اعتبرت اللغة العبرية -باعتبارها اللغة التي أوحى بها الله واللسان المقدس الذي خاطب به شعبه المختار- هي اللغة المعتمدة للدراسة الدينية.
من خلال ذلك تغلغل الفكر اليهودي إلى قلب الحركة الدينية حتى أن الفيلسوف اليهودي الهولندي (هوجوغر ويتوس) نشر كتابا عنوانه (حقيقة الدين المسيحي) سفه فيه التحقير المسيحي لليهودي، وأبرز الجوامع المشتركة بين اليهودية والمسيحية الجديدة (البروتستانتية) .
يتبع
[1]- أمريكا طليعة الانحطاط ، تأليف : روجيه جارودي ، ترجمة : عمرو زهيري ، طبعة دار الشروق ، القاهرة ، 1420هـ 1999م ص 47- 49
[2] - مارتن لوثر: راهب ألماني عاش ما بين 1483م إلى 1546م، زعيم حركة الإصلاح البروتستانتي في ألمانيا, هاجم الكنيسة الكاثوليكية, وقدم اعتراضا علقه على باب كنيسة ويتنبرغ من خمسة وتسعين فقرة عام 1517م، أصدر البابا ليو العاشر قرارا بحرمانه ترجمة التوراة إلى الألمانية عام 1534م, وانتشر مذهبه في الدانمارك والنرويج والسويد وإيسلندا ودول البلطيق, كما انتشر بشكل كبير في الولايات المتحدة الأمريكية، ولا تعترف اللوثرية بسلطة البابا, وجمعوا الإنجيل والتوراة تحت اسم الكتاب المقدس, وأصبح هو مرجعهم الوحيد دون شروح الباباوات والقساوسة.
[3] - تاريخ الماسونية العام, جرجي زيدان, (ص / 68).
[4] - البروتستانتية: حركة دينية ذات جذور ماسونية توراتية يهودية تضم وتنظم مختلف الكنائس المسيحية ما عدا الكنيسة الكاثوليكية الرومانية والكنيسة الشرقية الأرثوذكسية، وقد نشأت معظم الكنائس البروتستانتية في القرن السادس عشر, وهي لا تعترف بسلطة البابا, وتطرح كثيرا من الطقوس الدينية التقليدية, وتؤكد على مرجعية الكتاب المقدس بشقيه التوراة والإنجيل, وتعتقد بأن اليهود شعب الله المختار اختاره الله وأعطاه فلسطين, وأن اليهود هم حملة الحق في الدنيا، ومركز الكنيسة البروتستانتية في بريطانيا، وتسمى الكنيسة الإنكليكانية برئاسة كبير أساقفة كانتر بريCanterbury) ). انفصلت عن الكنيسة الكاثوليكية عندما سحب ملك بريطانيا هنري الثامن اعترافه بسلطة البابا وأعلن نفسه رئيسا أعلى لكنيسة إنكلترا عام 1534م.
والبروتستانتية مأخوذة منProtestation) ) أي الاحتجاج والاعتراض والبروتستانتي محتج معترض.

[5]- كالفن جون: عاش ما بين 1509م إلى 1564م, لاهوتي يهودي الأصل ثم ادعى أنه تنصر، نشر راية الإصلاح الديني البروتستانتي، أنشأ حكومة دينية في جنيف، ثم انتشر مذهبه بكثرة في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، ويعتمد مذهبه على اعتبار أن الأصل هو اتباع الكتاب المقدس. وأصل الكتاب المقدس هو التوراة، وعيسى يهودي الأصل, والعهد الجديد إنما هو تعديلات طفيفة على التوراة, ولا يكون المسيحي مؤمنا حتى يعمل على تحقيق ما في التوراة باستثناء التعديلات التي جاء بها عيسى.
[6] - أحجار على رقعة الشطرنج, (ص / 64).
[7] - المخططات التلمودية, أنور الجندي, (ص / 41).
[8]- نقلا من الأصول الإنجيلية أو الصهيونية المسيحية والموقف الأمريكي, محمد السماك ص/ 53,36. باختصار.
[9] - النبوءة والسياسة -غريس هالسل- ترجمة محمد السماك, (ص / 9-10).
[10]- المصدر السابق, (ص/ 13-14)
 

ذات السلاسل

عضو بلاتيني





لا تكونوا أجراء الطاغوت وعصابته (11)
رضوان محمود نموس

لقد تكلم الباحث في الحلقة السابقة عن الأصول الدينية للأمريكان ويتابع الحديث عن نفس الموضوع في هذه الحلقة
بعد انفصال الملك هنري الثامن عن روما، اقتحمت حركة الإصلاح الديني بريطانيا وتمركزت فيها. وهناك ظهرت أول دعوة لانبعاث اليهود كأمة الله المفضلة في فلسطين، على يد عالم اللاهوت اليهودي البريطاني توماس برايتمان 1562, 1607م فقد نشر كتاب (Apocalypsis Apocalypscos) وهو الكتاب الذي قال فيه: إن الله يريد عودة اليهود إلى فلسطين ليعبدوه من هناك حيث يفضل الله أن تتم عبادته على أي مكان آخر... تحلق حول هذه الدعوة عدد من الشخصيات البريطانية الأدبية والفكرية والسياسية، أحد هؤلاء هنري فنش الذي قال في كتاب له صدر في عام 1621م: (ليس اليهود قلة مبعثرة بل إنهم أمة. ستعود أمة اليهود إلى وطنها، وستعمر كل زوايا الأرض.. وسيعيش اليهود بسلام في وطنهم إلى الأبد) !
منذ القرن السادس عشر تجاوزت اليهودية حدود العقيدة الدينية، وأصبحت أمة ورمزا للقومية، حتى الكتاب المقدس-العهد القديم- تحول منذ ذلك الوقت المبكر من كتاب دين إلى كتاب سياسي يقوم على قاعدة العهد الإلهي للأرض المقدسة للشعب اليهودي المختار. هذه المعتقدات الدينية المسيحية أصبحت جزءا من عقيدة الكنيسة البروتستانتية الجديدة ومن جوهر طقوسها، ومن خلالها تحولت إلى قاعدة عامة للتربية الدينية، خرّجت أتباعا لها ومؤمنين بها من رجال السياسة والأدب والفكر، وشهدت المرحلة البيوريتانية في القرن السابع عشر العصر الذهبي لهذه المعتقدات بعد تراجعها الكبير في العهد الإلزابيثي في هذه المرحلة ظهرت الطبعة الأولى لنسخة الملك جيمس من الكتاب المقدس، وبموجبها أصبح العهد القديم المصدر الأساسي إن لم يكن المصدر الوحيد للاجتهاد، ولاستنباط الأحكام والفلسفة الدينيتين اللتين فتحتا أبوابهما بعد أن أبيح حق التأويل الشخصي على حساب إسقاط احتكار هذا الحق بالكنيسة عموما وبالبابوية خصوصا.
لعل أبرز مظاهر التطرف في هذا العهد هي:

  • 1.استعمال العبرية لغة الصلاة في الكنائس وفي أثناء تلاوة الكتاب المقدس.
  • 2.تعميد الأطفال في الكنائس بأسماء عبرية بعد أن كان يتم تعميدهم بأسماء القديسين المسيحيين.
  • 3.نقل يوم الاحتفال الديني ببعث المسيح إلى يوم السبت اليهودي.
أما على الصعيد السياسي فإن مجموعة لفلرز، وهي مجموع بيوريتارنية جمهورية، طالبت الحكومة بأن تعلن التوراة دستورا لبريطانيا.
وفي العام 1649م وجه من هولندا عالما اللاهوت البيوريتيان (التطهيريان) الإنجليزيان جوانا وألينزر كارترايت مذكرة إلى الحكومة البريطانية طالبا فيها: (بأن يكون للشعب الإنجليزي ولشعب الأرض المنخفضة شرف حمل أولاد وبنات إسرائيل على متن سفنهم إلى الأرض التي وعد الله بها أجدادهم إبراهيم وإسحاق ويعقوب ومنحهم إياها إرثا أبديا) .
تكمن أهمية هذه المذكرة في أمرين:
الأمر الأول: أنها تعبر عن مدى التحول في النظرة إلى فلسطين (والقدس) من كونها أرض المسيح المقدسة (التي قامت الحروب الصليبية بحجتها) إلى كونها وطنا لليهود.
الأمر الثاني: أنها كانت أول تعبير عن التحول من الإيمان بأن عودة المسيح تحتم أن تسبقها عودة اليهود إلى فلسطين، وأن العودتين لن تتحققا إلا بتدخل إلهي، إلى الإيمان بأن هاتين العودتين (عودة اليهود وعودة المسيح) يمكن أن تتحققا بعمل البشر.
كان أوليفر كرومويل أو أهم سياسي بريطاني يتبنى مضمون هذه المذكرة، ذلك أنه كان على مدى عشر سنوات 1649-1658م رئيسا للمحفل البيوريتاني. وهو الذي دعا إلى عقد مؤتمر 1655م في الهوايت هول للتشريع لعودة اليهود إلى بريطانيا (أي إلغاء قانون النفي الذي اتخذه الملك إدوارد) .
حضر المؤتمر إلى جانب كرومويل العالم اليهودي مناسح بن إسرائيل الذي ربط الصهيونية المسيحية بالمصالح الإستراتيجية لبريطانيا، ومن خلال عملية الربط تلك تحمس كرومويل لمشروع التوطين اليهودي في فلسطين منذ ذلك الوقت المبكر.
اعتمد هذا الربط فيما بعد، حاييم وايزمان مع لويد جورج (بعد عشرة أجيال) إن توظيف الدافع الديني لتحقيق مكاسب سياسية ذات بعد استراتيجي أسس القاعدة الثابتة للصهيونية المسيحية، أولا في بريطانيا وأوربا وبعد ذلك في الولايات المتحدة.
في تلك الفترة المبكرة راجت أفكار دينية تقول إن المعاناة التي واجهتها بريطانيا في الحرب الأهلية التي سبقت ظهور الحركة البيوريتانية مردها إلى غضب الله بسبب سوء معاملة اليهود.
ألف ذلك الركيزة الدينية-السياسية- الفكرية الأولى للصهيونية المسيحية في بريطانيا، أما في أوربا فقد قامت الركيزة في هولندا التي تكونت بعد الحرب الدينية بين الكاثوليكية الأسبانية والبروتستنتية الألمانية في العام 1565م بهزيمة القوات الكاثوليكية في العام 1609م تكونت جمهورية هولندا على أساس المبادئ البروتستانتية الكالفينية (نسبة إلى اللاهوتي كالفن) . هذا الانتصار البروتستنتي أدى إلى انتشار تيار المسيحية الصهيونية في أوربا، حتى إنه صدر في فرنسا كتاب للعالم الفرنسي فيليب جنتل ديلانجلير 1656, 1717م دعا فيه إلى مقايضة السلطان العثماني مدينة القدس بمدينة روما تسهيلا لتوطين اليهود في فلسطين، وصدرت كتب مماثلة في ألمانيا والدول الإسكندنافية وخاصة في السويد والدانمارك.
لم تقف أدبيات الصهيونية المسيحية عند حدود الكنيسة فمن أجل تأصيل هذه الأدبيات وتعميمها في جميع شرائح المجتمع، كان لا بد من بناء هيكل أدبي فوق قواعدها الفكرية، عكس ذلك ميلتون في قصيدته الفردوس المفقود حيث يقول: (إن الله سيشق لليهود طريق البحر ليعودوا فرحين مسرورين إلى وطنهم، كما شق لهم طريق البحر الأحمر ونهر الأردن عندما عاد آباؤهم إلى أرض الميعاد، إنني أتركهم لعناية الله، وللوقت الذي يختاره من أجل عودتهم) .
وبالإضافة إلى ميلتون، ترددت أفكار مشابهة في قصائد وأعمال أدبية للورد بايرون وكولر يدج والكسندر بوب ووليم بليك، كما ترددت في كتابات جان راسين وجاك بوسيه. وتعتبر روايات جورج آليوت دانيال ديروندا من الأدبيات التوراتية التي تنبأت بقيام إسرائيل جمهورية تسود فيها العدالة والحرية والرخاء.
هذه التوجهات فلسفها فلاسفة ألمانيا وبريطانيا وفرنسا الكبار في القرن السابع عشر حتى أصبحت جزءا لا يتجزأ من القناعات التي تفرض نفسها في عملية اتخاذ القرار السياسي في الدوائر الحكومية في كل الدول الأوربية.
يتبع إن شاء الله
 

ذات السلاسل

عضو بلاتيني


لا تكونوا أجراء الطاغوت وعصابته (12)
رضوان محمود نموس
لقد تكلم الباحث في الحلقة السابقة عن الأصول الدينية للأمريكان ويتابع الحديث عن نفس الموضوع في هذه الحلقة
من هذه التربية الفكرية نبتت (جمعية لندن لتعزيز المسيحية بين اليهود) وفي العام 1807م، وكان اللورد أنطوني إشلي كوبر (إيرلشا فتسبري) أحد أبرز أركانها.
ففي العام 1839م نشر مقالا يقع في ثلاثين صفحة أكد فيه أن اليهود سيبقون غرباء حتى يعودوا إلى فلسطين، وأن الإنسان قادر على تحقيق إرادة الله بتسهيل هذه العودة، وأن اليهود هم الأمل في تجدد المسيحية وعودة المسيح، وفي هذا المقال أيضا يرفع أنطوني كوبر، ولأول مرة شعار (وطن بلا شعب لشعب بلا وطن) ]([1]) .
وقال عبد الله التل: [ ولقد مرت الماسونية بمراحل عديدة تهمنا منها مرحلة القرن الثامن عشر الذي شهد مع القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين تطور النفوذ اليهودي وتغلغل سلطانهم عن طريق الماسونية في جميع الحكومات الأوربية والأمريكية. ففي سنة 1717م أعاد اليهود النظر في تعاليم الماسونية ورموزها وغيروا فيها لتناسب الجو البروتستانتي في بريطانيا والولايات المتحدة وأسسوا في ذلك محفل بريطانيا الأعظم وأطلقوا على أنفسهم اسم البنائين الأحرار بعد أن كانوا فيما سبق يحملون (القوة المستورة) وجعلوا من أهداف الماسونية الخادعة (الحرية -الإخاء – المساواة) وهي أهداف زائفة لأن الماسونية لا هدف لها إلا خدمة اليهودية العالمية وتأمين سيطرتها على العالم. ثم ما لبث المحفل الماسوني الأعظم في بريطانيا أن كشف عن بعض نواياه حين جعل من أهداف الماسونية:

  • 1.المحافظة على اليهودية.
  • 2.محاربة الأديان بصورة عامة والكثلكة بصورة خاصة.
  • 3.بث روح الإلحاد والإباحية بين الشعوب.
ومن بريطانيا انتشر أخطبوط الماسونية بشكله الجديد فتأسس بإشراف محفل بريطانيا الأعظم أول محفل ماسوني في باريس عام 1732م وفي جبل طارق 1728م وفي ألمانيا 1733م والبرتغال 1735م وهولندا 1745م والدانمارك 1745م وسويسرا 1740م وإيطاليا 1763م والبلجيك 1765م وروسيا 1771م والسويد 1773م والهند 1752م وفي أمريكا 1733م ]([2]) .
وجاء في كتاب البعد الديني في السياسة الأمريكية: [ (لم تكن أوربا الغربية تنظر إلى اليهود قبل حركة الإصلاح الديني فيها على أنهم شعب الله المختار. كما لم تكن تقول إن فلسطين هي أرضهم التي وعدهم الله بها، ولم تكن هناك أية فكرة تدور حول إسرائيل أكثر من كونها " اسما لدين سماوي وليست كيانا وطنيا ") .
(وإذا ما تابعنا هذا السياق التاريخي، فإن تاريخ العلاقات المسيحية اليهودية يكون قد بدأ مرحلة جديدة مع هذه التغيرات الأساسية في المجتمعات الأوربية، وبخاصة مع بروز حركة الإصلاح الديني البروتستانتي في القرن السادس عشر، حين تداخلت في هذه الحركة أساطير صهيونية، وتسربت إليها عبر التفسيرات الحرفية للتوراة، وساعد على تناميها دوافع سياسية واقتصادية واجتماعية عديدة. وجاءت البروتستانتية لتسمح لأتباعها بحقهم المتساوي في فهم الكتب المقدسة وعارضت الكنائس الأخرى التي تعتبر فهم هذه الكتب وقفا على رجال الكنيسة. والبروتستانتية تعني لغويا الاحتجاج والاعتراض وتدعو إلى حرية القول والرأي. ومن هنا يمكن تفسير العدد الكبير من الفرق والمذاهب المنبثقة عن حركة الإصلاح الديني البروتستانتي.
ويبدو أن البروتستانتية ما كانت لتنمو من دون معرفة كتاب العهد القديم، وهو الكتاب المقدس لدى اليهود والمسيحيين على حد سواء. وهو في مجمله يضم الشعر والنثر والحكم والأمثال والقصص والأساطير والغزل والرثاء... الخ.
وقد لحقه الكثير من التعديلات والإضافات طوال الأجيال. وتعددت فيه النصوص والترجمات والتصحيحات وهو تراث شعبي لا سند له إلا الذاكرة. فكانت مساهمات البشر فيه كثيرة على مدى تسعة قرون وبلغات مختلفة. وعموما، فإن العهد القديم هو تاريخ اليهود، ولم يكتسب شكله النهائي إلا في القرن الأول بعد الميلاد -ميلاد السيد المسيح عليه السلام- وقد اعتمدت المسيحية التوراة العبرية، لكنها أدخلت عليها بعض الإضافات والحذف. وحينما أمر الملك هنري الثامن ملك إنكلترا عام 1538م بترجمة التوراة للغة الإنجليزية ونشرها وإتاحتها للقراءة من قبل العامة، كان بذلك يضع اليهودية -تاريخا وعادات وقوانين- لتكون جزءا من الثقافة الإنجليزية، ولتصبح ذات تأثير هائل في هذه الثقافة على مدى القرون الثلاثة التالية.
تؤكد المؤرخة اليهودية تشمان أنه من دون هذا التراث التوراتي فإنه كان من المشكوك فيه صدور وعد بلفور باسم الحكومة الإنجليزية عام 1917م، أو انتدابها على فلسطين، رغم وجود العوامل الاستراتيجية التي برزت على المسرح فيما بعد وصار يطلق على التوراة المترجمة " التوراة الوطنية لإنكلترا " وكان لها من التأثير على روح الحياة الإنجليزية أكثر من أي كتاب آخر. وصارت قصص التاريخ اليهودي المادة الرئيسية في الثقافة الإنجليزية والمعرفة التاريخية للإنجليز. كما لوحظ أنه كلما ركزت البروتستانتية على الأصول (الفلسطينية) للمسيحية عملت على تقليص دعاوى وطموحات الكنيسة الكاثوليكية في روما.
وهكذا أخذت إنجلترا تتعرف على تاريخ اليهود من خلال هذه التوراة وأسفارها، التي تحوي أساطير وأشعارا وأمثالا ونبوءات وقصص أنبياء بني إسرائيل وملوكهم وأسباطهم وتعاليمهم وطقوسهم الاجتماعية والمدنية والدينية ونفيهم وخروجهم من مصر وفلسطين وحروبهم وأغانيهم ومراثيهم.
وأكثر من ذلك فقد أصبحت فلسطين في قراءات الكنائس ومواعظها وفي العقل المسيحي في أوربا البروتستانتية الأرض اليهودية، وصار اليهود " شعب فلسطين الغرباء في أوربا والغائبين عن وطنهم والعائدين إليه في الوقت المناسب ".
وتتحدث المؤرخة تشمان عن تأثير العهد القديم في الأدب الإنجليزي وبخاصة في الشعر والغناء. ويذكر مؤرخ يهودي آخر هو سيسيل روث عن صدور مطبوعات تمجد اليهود وتطالب بإعادتهم إلى إنكلترا. وقد ترجمت إلى الأسبانية ليسهل تداولها بين يهود هولندا وإنكلترا المهاجرين من أسبانيا والبرتغال. وبذلك فتح الباب واسعا أمام الكنسية البروتستانتية والحكومة الإنجليزية للترحيب باليهود كعقيدة وتاريخ وفقا للتوراة، وكأفراد يتمتعون بمهارات تجارية فائقة وصلات مؤثرة في عدد من الدول الأوربية وبخاصة هولندا التي كانت إنجلترا تسعى إلى جرها للتحالف معها أو لمنافستها تجاريا بمساعدة اليهود.
أخذت اللغة العبرية باعتبارها لغة التوراة تحتل مكانها بجانب اللغات الإنجليزية والفرنسية واللاتينية واليونانية. وصارت المعرفة بالعبرية جزءا معترفا به في الثقافة الأوربية، وأخذ الإصلاحيون يعتبرونها ضرورية لفهم محتوى التوراة. ومع نهاية القرن السادس عشر كانت قد دخلت العبرية حروف الطباعة. ولم يقتصر هذا الدعم للظاهرة العبرية على رجال وأتباع الكنيسة البروتستانتية، بل تعداه إلى أوساط المثقفين وأهم من ذلك إلى أوساط الهيئات القضائية ذات التأثير الكبير في المجتمع. وتبع ذلك دخول دراسات عبرية في الجامعات البريطانية ودول أوربية غربية أخرى، مما أدى إلى توافر العديد من الدارسين للعبرية ممن اعتمد عليهم الملك جيمس الأول 1603-1625م في ترجمة العهد القديم.
لقد أدى انتشار العبرية والدراسات اليهودية في الجامعات والثقافة الأوربية إلى إحداث التأثيرات التالية:

  • 1.إمكانية قبول التفسير اليهودي للعهد القديم، ولا سيما التفسير المتعلق بمستقبل استعادة اليهود لفلسطين.
  • 2.اقتناع طلبة الجامعات والباحثين بأن كلمة إسرائيل الواردة في العهد القديم تعني كل الجماعات اليهودية في العالم.
  • 3.قبول التفسير بارتباط زمن نهاية العالم بعودة المسيح الثانية، وإن هذه العودة مرتبطة بمقدمة تشير إلى عودة اليهود إلى فلسطين.
ومن الملفت في هذا المجال أن البيوريتانيين أوالتطهريين صنفوا أنفسهم أبناء إسرائيل. واستخدم بعضهم العبرية في صلواته، وذهب بعضهم إلى حد اعتناق اليهودية وبشكل عام كان التعاطف مع اليهود يترسخ يوما بعد يوم وبخاصة مع الفكرة المعروفة " شعب الله القديم ".
وما إن حل القرن السابع عشر حتى أخذت ظاهرة "إحياء السامية" كما أسماها المؤرخ اليهودي سيسيل روث تفرض نفسها وتكتسب الاعتراف بها في الأوساط الرسمية والشعبية.
اتصفت هذه الظاهرة بمظاهر ثلاثة: الأول منها التعاطف مع اليهود، الثاني الخجل مما عانوه في الماضي، والثالث الأمل في تحقيق نبوءة عودة اليهود إلى فلسطين. وصارت فلسطين بالنسبة إلى إنكلترا " الوعد بإيفاء النبوءة بإعادة اليهود إليها وذلك ليس حبا باليهود بل من أجل الوعد الذي أعطي لهم ".
وصارت هذه الفكرة شائعة وشعبية بعد أن كانت فلسطين في الفكر الشعبي معروفة بأنها الأرض المقدسة المسيحية والتي من أجلها أعلنت الحروب الصليبية ضد العرب والإسلام وتبع ذلك أيضا صدور منشورات وعرائض وكتب ومؤلفات تتحدث مع شعب الله القديم وإسرائيل والقدس واستعادة مملكة إسرائيل، من أجل أن تظهر مملكة المسيح حين يتحول عندها كل اليهود إلى المسيحية. ومن بين هذه الكتابات التي كانت نتاجا طبيعيا للثقافة والمناخ الديني السائدين في ذلك الوقت البحث الذي وضعه السير هنري فنش، المستشار القانوني لملك إنجلترا ونشره عام 1621، بعنوان الاستعادة العظمى العالمية، واعتبر أول المشروعات الإنجليزية لاستعادة فلسطين لليهود " حيث طالب الأمراء المسيحيين بجمع قواهم لاستعادة إمبراطورية الأمة اليهودية ".
[1] - الأصولية الإنجيلية , محمد السماك, ص (/ 53,46).
[2]- خطر اليهودية العالمية, عبد الله التل(ص/ 143-144).وانظر الماسونية منشئة ملك إسرائيل لمحمد على الزعبي.
 

ذات السلاسل

عضو بلاتيني

لا تكونوا أجراء الطاغوت وعصابته (13)

رضوان محمود نموس

لقد تكلم الباحث في الحلقة السابقة عن الأصول الدينية للأمريكان ويتابع في هذه الحلقة عن الدور الماسوني وتسابق البروتستانت في خدمة يهود

(وفي منتصف القرن السابع عشر قدم العديد من الالتماسات والعرائض، ومن بينها عريضة قدمت إلى الحكومة الإنجليزية في عام 1649م تحث إنكلترا وهولندا لتكون الأسرع في نقل أبناء إسرائيل وبناتها على مراكبهم إلى الأرض التي وعد بها آباؤهم الأولون) .


(وهكذا ساعدت هذه الدعوات المناخ العام على إعادة اليهود إلى إنكلترا كخطوة أولى لاستخدامهم في أغراضها التجارية من ناحية، وجمع شتاتهم ونقلهم إلى فلسطين من ناحية أخرى تقريبا لموعد القدوم الثاني للمسيح) .


(تكمن أهمية حركة الإصلاح الديني البروتستانتي في كونها طليعية ورائدة في مجال استكشاف الأفكار الصهيونية المتعلقة باستعادة ما يسمى الأمة اليهودية، واستعادة فلسطين كوطن لليهود) .


(بدأ منذ القرن السادس عشر ما يمكن وصفه بـ" الاتحاد في الغرب بين سياسة الإمبراطورية الإنجليزية ونوع من الصهيونية المسيحية الأبوية التي اتضحت في السياسة الإنجليزية في الأجيال اللاحقة ". وتذكر المؤرخة اليهودية تشمان أن اهتمامات إنكلترا البيوريتانية في استعادة إسرائيل كانت دينية الأصل ونابعة من العهد القديم الذي سيطر على عقل القوى الحاكمة في القرن السابع عشر وقلبها، وساعدتها في ذلك عدة عوامل أخرى تدخلت فيما بعد، منها العوامل السياسية والتجارية والعسكرية والإمبريالة.


قويت في القرن الثامن عشر الاتجاهات الصهيونية وزاد التعاطف مع اليهود في أوربا البروتستانتية. وساعدت على ذلك عوامل عدة، منها أن هذا القرن قد شهد انتصار الثورة الأمريكية وبداية الثورة الفرنسية وتصاعد الثورة الصناعية بما في ذلك من انتشار لأفكار الاستنارة والفكر الحر والنشاط المكثف للتجارة الخارجية والرحالة وعلماء الآثار والحجاج الأوربيين إلى الأراضي المقدسة في فلسطين وانتشار كتب الرحلات التي تتحدث عن زيارات الأرض المقدسة وعن قصص بني إسرائيل القديمة في فلسطين مثل كتاب رحلتان إلى القدس الذي أصدره ناثانيال كروش عام 1704م.


وتتحدث ريجينا شريف عن تأثير المقولات الصهيونية المسيحية على الأدب الأوربي في القرنين السابع عشر والثامن عشر سواء في إنكلترا أو فرنسا أو ألمانيا، وكذلك على أعمال عدد من الفلاسفة من أمثال باسكال وكنط، وكذلك تأثيرها على العلماء من أمثال إسحاق نيوتن إذ تشير إلى كتاب له نشر بعد وفاته يتحدث عن عودة اليهود إلى وطنهم في فلسطين، وعن توقعه تدخل قوة أرضية نيابة عن اليهود المضطهدين للتأثير على عودتهم إلى فلسطين. وهي تشير كذلك إلى كتاب روسو المسمى إميل والصادر عام 1762م، حيث ورد فيه حديث عن اليوم الذي يملك فيه اليهود دولتهم الحرة في فلسطين وتصبح لهم مدارسهم وجامعاتهم) .


(وظهرت في القرن التاسع عشر دعوات سياسية ودينية جديدة ساهمت في تهيئة الظروف والمناخ المناسبين لولادة الصهيونية اليهودية السياسية، ولعبت دورا أساسيا في تشجيع توطين اليهود في فلسطين. ويعتبر اللورد بالمرستون 1784-1865م وزير خارجية إنكلترا، ورئيس وزرائها فيما بعد، من أشد المتحمسين لتوطين اليهود في فلسطين. وكان يعتقد أن بعث الأمة اليهودية سيعطي القوة للسياسة الإنكليزية. وقد بعث برسالة في 11آب/ أغسطس 1840م إلى سفير إنكلترا في الأستانة، يدعوه فيها إلى حث السلطان والحكومة العثمانية على مساعدة اليهود وتشجيعهم للتوطن في فلسطين، وقال في رسالته:" إن الثروات التي سيحضرها اليهود معهم ستزيد بالتأكيد من موارد السلطان، كما أن عودة الشعب اليهودي بحماية وتشجيع ودعوة من السلطان، ستحول دون قيام أية مشروعات مستقبلية يقوم بها محمد علي أو خلفاؤه، وإنني أطلب منكم بقوة أن تقنعوا الحكومة العثمانية بتقديم كل التشجيع اللازم ليهود أوربا للعودة إلى فلسطين ".


لقد نشرت جريدة التايمز اللندنية في 17آب / أغسطس من العام 1840م نفسه خطة لزرع الشعب اليهودي في أرض فلسطين. ولم يكن صاحب هذا المشروع سوى اللورد شافتسبري وهو لودر آشلي نفسه سابقا1801-1885م وكان أحد أبرز العناصر الإنجليزية تحمسا وتشجيعا لهذه الفكرة الصهيونية. وقد عقد آمالا كبيرة على " التنقيب عن آثار فلسطين للتدليل على صدق الكتاب المقدس وصحة ما ورد فيه ". وكان يصلي كل يوم لسلام القدس، على حد قول المؤرخة اليهودية تشمان. وقد تقدم أثناء انعقاد مؤتمر لندن عام 1840م بمشروع إلى بالمرستون لتوطين اليهود في فلسطين لأنها في رأيه " أرض بغير شعب لشعب بلا أرض " ولم تكن مبادرة بالمرستون وما نشرته الجريدة الإنجليزية ودعوات اللورد شافتسبري خلال أسبوع واحد مجرد صدفة، فقد جمعت هذه الاتجاهات الصهيونية ما بين السياسي (السلطة والقوة) والمنبر الإعلامي (الرأي العام) والتوراة التي كان يمثلها اللورد، واعتبرته تشمان " أهم شخصية غير سياسية في العصر الفكتوري ".


وكان شافتسبري يطلق على اليهود دائما تعبير " شعب الله القديم " وقد عمل جاهدا لإعادة اليهود إلى فلسطين... لأنهم مفتاح الخطة الإلهية لمجيء المسيح ثانية، والأداة التي من خلالها تتحقق النبوءة التوراتية. وقد احتل شافتسبري مكانا بارزا في تاريخ الحركة الصهيونية المسيحية، ورأى في اليهود شيئا حيويا بالنسبة إلى أمل المسيحيين في الخلاص. وتحولت عودة اليهود إلى فلسطين في الوقت الملائم سياسيا واستيطان اليهود في فلسطين إلى أمنية سياسية بالنسبة إلى إنكلترا.


وهكذا صار توطين اليهود في فلسطين مسألة تداخلت فيها المعتقدات التوراتية والطموحات الإمبريالية السياسية والاستراتيجية. وقد امتد هذا التداخل والمزج حتى إلى داخل التجمعات اليهودية نفسها. فقد تخوفت البرجوازية اليهودية في أوربا الغربية من إمكانية انضمام الفقراء من المهاجرين اليهود من روسيا، بعد حادثة اغتيال القيصر الروسي إسكندر الثاني عام 1881م، إلى الأحزاب الأوربية المناهضة للأنظمة القائمة كما خشيت أن يؤثر بقاء هؤلاء المهاجرين في أوربا الغربية على الامتيازات التي كانت تتمتع بها هذه البرجوازية اليهودية. وقد ساعد على ذلك أيضا بروز الحركات القومية الأوربية مما شجع البرجوازية اليهودية على استخدام المنطق القومي المطروح في دعوتها إلى توطين اليهود في فلسطين.


تعاونت البرجوازية اليهودية الأوربية مع الكنيسة البروتستانتية في عرقلة الهجرات المتدفقة من اليهود الروس صوب أوربا الغربية وتوجيهها نحو مكان بديل هو فلسطين. وبدأت بذلك إقامة دعائم النزعة الاستيطانية للعمل الصهيوني اليهودي السياسي في أواخر القرن التاسع عشر الذي توج في المؤتمر الأول للحركة الصهيونية في مدينة بال في سويسرا عام 1897م. وفي تلك المرحلة لعبت أسرة روتشيلد اليهودية والثرية في أوربا الغربية وأسرة روكفيلر المسيحية الأمريكية أدوارا هامة في دعم أوائل المستوطنات اليهودية في فلسطين.


وإلى جانب الرموز الصهيونية المسيحية السابق ذكرها، شهد القرن التاسع عشر العديد من الحركات واللجان والدعوات الصهيونية المسيحية الأخرى. ومن الأمثلة على ذلك النداء الذي أصدره القس برادشو عام 1844م واقترح فيه على البرلمان الإنجليزي منح أربعة ملايين جنيه إضافة إلى مليون جنيه آخر من الكنائس للمساهمة في استعادة فلسطين لليهود. وتشكلت في العام نفسه لجنة في لندن بهدف إعادة أمة اليهود إلى فلسطين. ويلفت النظر ما قاله رئيس البرلمان الإنجليزي الذي كان قسا يدعى تولي كرايباك في البرلمان وهو:" على إنكلترا أن تؤمن لليهود كل فلسطين من الفرات إلى النيل ومن البحر الأبيض المتوسط إلى الصحراء " وقد ردد عدد من الأدباء الإنجليز مثل الشاعر لورد بايرون والقاص وولتر سكوت والأديبة جورج إليوت هذه الدعوة، وتحدثوا في أدبهم عن استعادة اليهود لفلسطين.


كان من أبرز الدعاة لتوطين اليهود في فلسطين وإقامة دولة أو وطن لهم فيها لورنس أوليفانت1888,1829م رجل الدين وعضو البرلمان الإنجليزي والصحفي وقد أصدر كتابا عام 1880م سماه أرض جلعاد، ضمنه آراءه وأفكاره بخصوص توطين اليهود في فلسطين وفي الضفة الشرقية في الأردن ودعا إلى طرد العرب مثلما حدث للهنود الحمر في الولايات المتحدة لأنهم على حد قوله، "غير جديرين بأي معاملة إنسانية".


هناك أيضا القس وليام هشلر 1931,1845م الذي أيد المشروع الاستيطاني اليهودي في فلسطين بقوة وجمع الأموال لمساعدة اليهود على الاستيطان في فلسطين وقد أوفدته الحكومة الإنجليزية عام 1882م إلى الأستانة لمقابلة السلطان العثماني عبد الحميد وإقناعة بمسألة توطين اليهود في فلسطين، وعقد في أيار/مايو 1882م مؤتمرا لرجال الدين المسيحيين لإيجاد حل للمسألة اليهودية كما زار في العام نفسه فلسطين وتفقد أحوال المستوطنات اليهودية فيها، وأصدر في عام 1894م دراسة سماها (استعادة اليهود لفلسطين) تحدث فيه عن الحاجة إلى إعادة اليهود إلى فلسطين وفقا لنبوءات العهد القديم. وقد وصفته المؤلفات الصهيونية بأنه المسيحي حبيب صهيون، لأنه القائل بأن إسرائيل توجد في فلسطين قبل العودة الثانية لمخلصنا ملكها المجيد والذي سيتربع على عرش القدس ويحكم من هناك كملك للملوك طيلة ألف عام. وحينما كان هشلر قسيسا لدى السفارة البريطانية في النمسا في أوائل عام 1886م تعرف على هرتزل ونشأت بينهما صلات عميقة. وعن طريق هذه الصداقة تعرف هرتزل على الكثيرين من القادة الأوربيين وبخاصة دوق بادن الأكبر فريدريك الأول إذ كان هشلر معلما خاصا لابنه.. وقد ساعد ذلك على إقامة صلات بين هرتزل والقيصر الألماني كما كان هشلر أول من قدم إلى هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية السياسية، خريطة فلسطين بحدودها من الفرات إلى النيل. كما جاء إلى مؤتمر بال عام 1897م بصحبة هرتزل معتبرا نفسه سكرتيرا للمسيح المنتظر وهاتفا يحيا الملك (أي هرتزل) ، وطالب اليهود بأن استفيقوا يا أبناء إبراهيم، فالله ذاته يدعوكم للرجوع إلى وطنكم القديم.

وهكذا لم يتوقف هؤلاء القادة الكنسيون الذين آمنوا بهذه الاتجاهات والأفكار الصهيونية، والتي تبلورت حول دعم وتشجيع توطين اليهود في فلسطين، واعتبارهم شعبا مختارا، وفلسطين هي أرضهم الموعودة عند حدود المواعظ الدينية والإيمان، بل تعدوا ذلك إلى الحركة المباشرة ونشر هذه الدعاوى وبذل الجهد لدعمها ماليا وسياسيا وفكريا.


ومن الأمثلة على ذلك أن القس السياسي والصحفي لورنس إيلفانت سافر عدة مرات إلى الأستانة وتحدث إلى رجال أعمال وصناعين يهود وغير يهود مثل الممول البريطاني الثري فكتور كازاليت الذي تعاون معه في تقديم مشروع يقضي بإعطاء اليهود مقاطعة في وادي الفرات ومد خط لسكة الحديد هناك.


لقد سجل لقاء أوليفانت مع الزعيم الصهيوني هرتزل، وكذلك لقاء القس هشلر أيضا أولى الصلات المباشرة في سلسلة التعاون الطويل بين الصهيونية المسيحية والصهيونية اليهودية، إذ برزت الأخيرة اعتبارا من أول مؤتمر لها في بال 29-31/آب أغسطس 1897م كحركة سياسية بادئة بذلك المرحلة التنظيمية كقيادة عليا لليهودية العالمية. وقد أقر مؤتمروها البرنامج الصهيوني السياسي الذي لا يختلف في بعض بنوده عن دعوات واتجاهات الصهيونية المسيحية المتعلقة بتوطين اليهود في فلسطين وإبراز الهوية القومية لليهود بإنشاء وطن قومي لهم فيها يحظى باعتراف دول العالم وبذلك وفقت" الصهيونية اليهودية والصهيونية المسيحية معا حتى اليوم للعمل على تحويل فلسطين العربية إلى دولة يهودية ".


لم يلبث أن قام دعاة الصهيونية المسيحية بإنشاء (صندوق استكشاف فلسطين) الذي أسس في لندن عام 1865م برعاية الملكة فكتوريا ورئاسة رئيس أساقفة كانتر بري. وقد أثار تأسيس هذا الصندوق المزيد من الاهتمام بمشروع توطين اليهود في فلسطين، إذ قدم العديد من الدراسات التفصيلية لهذا المشروع، الذي شارك فيه خبراء آثار وتاريخ وجيولوجيا ورجال دين، وكانت غالبية هذه الدراسات تشير إلى ضرورة (عودة اليهود إلى أرض الميعاد) وإقامة كيان لهم تحت الحماية الإنجليزية، ويمكن القول إن التأثير الثقافي والفكري والديني على مستقبل الموقف الإنجليزي السياسي نحو إقامة الدولة اليهودية في فلسطين كان كبيرا وبخاصة معتقدات البروتستانت المؤمنة بعودة المسيح الثانية وبناء مملكة الألف عام السعيد، وما تم من عبرنة أو تهويد للبروتستانتية، إذ شكلت مسألة إعادة تفسير العهد القديم محورا مركزيا في حركة الإصلاح الديني. وقد لعبت هذه التأثيرات دورا أٍساسيا في تحضير إنكلترا لقبول الصهيونية اليهودية السياسية.

 
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
أعلى