منهج السلف الصالح في الرد على المخالف من أهل التوحيد

نسج الورود

عضو مخضرم
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين
ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين

أما بعد :

هنا سنستكمل نقاطنا التي لم يسعفني موضوعي ( إلى متى الإساءة للسلفية من أدعيائها) لاستكمالها والرسو على منهج السلف الصالح مع المخالف من أهل السنّة والجماعة فكما نعلم انقسم الناس في شأن المخالفين ما بين مُغالٍ يُنزل أحكام المبتدعين والضالين على مخالفية دون ادراك للشروط والضوابط مما يقود إلى مفسدة أكبر وأعظم مما تصدّى لإنكاره من احداث فرقة بين صفوف أهل السنّة وقسم آخر لا يقل سوء عن الأول فهو مفرّط ومتساهل لا يُنكر على المخالف بحجّة عدم احداث الفرقه بين المسلمين وقسم ثالث وهو الوسط الذي أنكر على المخالف باسلوب علمي منهجي ودراية وعلم وبه حفظوا بيضة السنّة إلى يومنا هذا وهؤلاء هم اتباع السلف الصالح وهم محور حديثي في هذا الموضوع لنتعرّف على أقوالهم وأفعالهم مع المخالفين من أهل التوحيد إن شاء الله



ملاحظة : الرجاء من الإشراف التصدّي لأي رد يحاول أن يُشتّت الموضوع عن فكرته الأساسية ولا يكن كموضوعي السابق أغلق قبل استكماله بسبب اختطاف فكرة الموضوع لنقاط فرعية خارجة عن صلبه ...


تحيّاتي ....:وردة:
 

نسج الورود

عضو مخضرم





يعتبر الرد على المخالف أصلاً من أصول الشريعة الإسلامية صوناً للإسلام ليبقى كما كان على منهاج النبوّة

لكن قد يتداخل هذا الرد غلو أو إسراف أو جهل أو تقصير يُجنّب صاحبه الاعتدال والوسطية وإبراز الموقف الشرعي منه

يقول ابن تيمية في بيان هذه حقيقة هذا الأمر "قد يبغي بعضُ المُستنَّة إمَّا على بعضهم، وإمَّا على نوعٍ من المُبتَدِعة بزيادةٍ على ما أمر الله به، وهو الإسراف المذكور في قولهم: ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا ﴾آل عمران
وبإزاءِ هذا العدوان تقصير آخرين فيما أُمِروا به من الحقِّ، أو فيما أُمِروا به من الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر في هذه الأمور كلِّها.

فما أحسن ما قال بعضُ السَّلف: ما أمر الله بأمرٍ إلاَّ اعترضَ الشَّيطانُ فيه بأمرين - لا يبالي بأيِّهما ظفرَ - غلوٍّ أو تقصيرٍ... وفاعل المأمور به وزيادةٍ منهيٍّ عنها، بإزائِه تاركُ المنهيِّ عنه وبعض المأمور به، والله يهدينا الصِّراط المستقيم، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله" (مجموع الفتاوى )


ويقولُ أيضا ً ابنُ تيمية - رحمه الله -:
"ولِهذا يَتغيَّر الدِّين بالتَّبديل تارةً، وبالنَّسْخ أخرى، وهذا الدِّين لا يُنسَخ أبدًا، لكن يكون فيه مَن يُدخِل مِن التَّحريف والتَّبديل والكذب والكتمان ما يُلبَس به الحقّ بالباطل، ولا بدَّ أن يقيم الله فيه مَن تقوم به الحجَّة خلفًا عن الرُّسل، فيَنْفون عنه تحريف الغالين، وانتحالَ المُبطِلين، وتأويل الجاهلين، فيُحِقُّ الله الحقَّ، ويُبطِل الباطل، ولو كره المشركون؛ فالكتب المنَزَّلة من السَّماء والأثَارة مِن العلم المأثورة عن خاتَمِ الأنبياء يَمِيز الله بها الحقَّ مِن الباطل، ويحكم بين النَّاس فيما اختَلفوا فيه"

ويقول - أيضًا - رحمه الله -:
"وإذا كان النُّصح واجبًا في المَصالِح الدِّينيَّة الخاصَّة والعامَّة: مثل نقَلةِ الحديث الَّذين يَغْلطون أو يكذبون؛ كما قال يحيَى بن سعيدٍ: سألتُ مالكًا والثَّوريَّ واللَّيث بن سعدٍ - أظنُّه - والأوزاعيَّ عن الرَّجل يُتَّهم في الحديث أو لا يَحْفظ؟ فقالوا: بَيِّنْ أمره."
وقال بعضُهم لأحمد بن حنبلٍ: إ(نَّه يَثْقل عليَّ أن أقول: فلانٌ كذا، وفلانٌ كذا، فقال: إذا سكتَّ أنت وسكتُّ أنا، فمتَى يَعرف الجاهلُ الصَّحيحَ مِن السَّقيم.)


الرد على المخالف المبتدع :


و"مثل أئمَّة البِدَع من أهل المقالات المُخالِفة للكتاب والسُّنَّة، أو العبادات المخالفة للكتاب والسُّنَّة؛ فإنَّ بيان حالِهم وتحذيرَ الأمَّة منهم واجبٌ باتِّفاق المسلمين، حتَّى قيل لأحمد بن حنبلٍ: الرَّجل يصوم ويصلِّي ويعتكف أحبُّ إليك، أو يتكلَّم في أهل البِدَع؟ فقال: "إذا قام وصلَّى واعتكف، فإنَّما هو لنفسه، وإذا تكلَّم في أهل البدع فإنَّما هو للمسلمين، هذا أفضل"، فبيَّن أنَّ نفْعَ هذا عامٌّ للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله؛ إذْ تطهير سبيل الله ودينِه ومنهاجه وشرعته، ودَفْعُ بغيِ هؤلاء وعدوانِهم على ذلك واجبٌ على الكفاية باتِّفاق المسلمين، ولولا مَن يقيمه الله لِدَفع ضرَرِ هؤلاء، لفسدَ الدِّين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدوِّ من أهل الحرب؛ فإنَّ هؤلاء إذا استَوْلوا لَم يُفسِدوا القلوب وما فيها من الدِّين إلاَّ تَبعًا، وأمَّا أولئك فهم يُفسدون القلوب ابتداءً" ( مجموع الفتاوى لابن تيمية)




يتبع إن شاء الله:وردة:
 

نسج الورود

عضو مخضرم
الأستاذ النميري بن محمد الصبار لخّص لنا موقف الغلاة من الرد على المخالف في مظاهر سلوكية وعمليّة أهمها :


1-التَّسرُّعُ في الرَّدِّ على المخالفِ، دونَ مراعاةٍ للضَّوابطِ العلميةِ، والشُّروطِ الشَّرعية.


2- عَقْدُ مَجالسِ الجَرْحِ والتَّعديلِ مِنْ جهةِ بعضِ الأفرادِ؛ دُونَ أهلِيَّةٍ ولا مُسوِّغٍ شرعيٍّ؛ وكأنَّ أحدَهم يَحسبُ نفسَهُ (أحمدَ بنَ حنبلٍ)، أو (يحيَى بنَ معينٍ) - رحمهما الله.


3- أنْ يكونَ الباعثُ على الرَّدِّ الحسدَ والتَّشفِّي، أو حُبَّ الظهورِ والشُّهرة والرِّياء، وليسَ الإخلاصَ، وأنْ تكونَ كلمةُ اللهِ هي العليا.


4-البعدُ التَّامُّ عنْ مَعالِمِ الحكمةِ وأُسسها، والتَّجافِي عَنِ النَّظرِ في قضيةِ المصالحِ والمفاسد.


5- الظُّلمُ والبغيُ والعدوان، وذلكَ بِمُجاوزةِ الحدِّ الشَّرعيِّ في الرَّدِّ على المخالفِ، وهذا له صورٌ وأشكالٌ، منها:


الرَّدُّ عليه دونَ استِثْباتٍ ولا استبيانٍ.
التَّقوُّلُ عليه بكلامٍ لَمْ يَقُلْه.
إسقاطُ المخالفِ وتجريحُهُ في المسائلِ الاجتهاديَّةِ التي يَسوغُ فيها الخلافُ بينَ أهلِ السُّنَّةِ، والتي ينبغي أنْ يَعذرَ المرءُ فيها أخاهُ.




وقد ثبتَ عن الإمامِ أحمدَ - رحمه الله - أَنَّهُ قالَ: "إِخراجُ النَّاسِ مِنَ السُّنَّةِ شَديدٌ"



يقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّة - رحمه الله -:
"ولِهذا كان أئمَّة الإسلام متَّفقين على تبديع مَن خالف في مِثْل هذه الأصول؛ بخلاف مَن نازع في مسائل الاجتهاد الَّتي لَم تَبلغ هذا المبلغَ في تواتر السُّنن عنه: كالتَّنازع بينهم في الحكم بشاهدٍ ويمينٍ، وفي القَسَامة والقُرعة، وغير ذلك من الأمور الَّتي لم تبلغ هذا المبلغ"




ويقولُ - أيضًا - رحمه الله - في شأنِ أهلِ التَّوحيدِ -:
"وإنْ حَصلَ بينهم تنازعٌ في شيءٍ مِمَّا يَسوغُ فيه الاجتهادُ، لَم يُوجِبْ ذَلكَ تَفَرُّقًا ولا اختلافًا، بلْ هم يَعلمونَ أنَّ المصيبَ منهم له أجرانِ، وأنَّ المُجتهدَ المخطئَ له أجرٌ على اجتهادهِ، وخطَؤُه مغفورٌ له"




وقالَ الحافظُ الذَّهبيُّ - رحمه الله -:
"ولو أنَّا كلَّما أخطأ إمامٌ في اجتهاده في آحاد المسائل خطأً مغفورًا له، قُمنا عليه، وبَدَّعناه، وهجَرْناه، لَمَا سَلِم معنا لا ابنُ نصرٍ، ولا ابن مَنْده، ولا مَن هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحقِّ، وهو أرحم الرَّاحمين، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة"




يتبع إن شاء الله :وردة:
 
((وقسم ثالث وهو الوسط الذي أنكر على المخالف باسلوب علمي منهجي ودراية وعلم وبه حفظوا بيضة السنّة إلى يومنا هذا وهؤلاء هم اتباع السلف الصالح)).

أختي الفاضلة أتفق أن هذا القسم هو ما سار عليه علمائنا ومشايخنا أمثال بن باز والعثيمين وربيع المدخلي ومحمد أمان الجامي وصالح الفوزان ومن سلك طريقهم إتباعاً لمنهج السلف الصالح .



 

meshal

عضو بلاتيني
بارك الله فيك يا نسيج الورد تابعت الموضوع السابق ولاقى إستحساني وأحييك عليه .
 
((وقسم ثالث وهو الوسط الذي أنكر على المخالف باسلوب علمي منهجي ودراية وعلم وبه حفظوا بيضة السنّة إلى يومنا هذا وهؤلاء هم اتباع السلف الصالح)).

أختي الفاضلة أتفق أن هذا القسم هو ما سار عليه علمائنا ومشايخنا أمثال بن باز والعثيمين وربيع المدخلي ومحمد أمان الجامي وصالح الفوزان ومن سلك طريقهم إتباعاً لمنهج السلف الصالح .



جزاك الله خير .. وهذا هو الحق والوسطيه فى الانكار هى المطلوب من المسلم لا ان نطوع ونلوى احاديث رسول الله لأخراج الناش فى الشوارع فى مظاهرات للانكار ويدعى انها شرع الله , وهذا ما قام به الامام احمد رضى الله عنه وانس رضي الله عنه من وسطيه ولم يخرجوا الناس لشوارع ويقولوا هذا دين الله بل ينكرون بلا فتن وخراب كما هو الحاصل فى اليمن والصومال ومصر .
 

نسج الورود

عضو مخضرم
((وقسم ثالث وهو الوسط الذي أنكر على المخالف باسلوب علمي منهجي ودراية وعلم وبه حفظوا بيضة السنّة إلى يومنا هذا وهؤلاء هم اتباع السلف الصالح)).

أختي الفاضلة أتفق أن هذا القسم هو ما سار عليه علمائنا ومشايخنا أمثال بن باز والعثيمين وربيع المدخلي ومحمد أمان الجامي وصالح الفوزان ومن سلك طريقهم إتباعاً لمنهج السلف الصالح .

بلا شك هم أهل العلم والدراية ولا نقول غير هذا لكن بالنسبة للشيخ ربيع المدخلي فما أعرف عنه إلا القليل من خلال حواراته مع الشيخ الألباني والشيخ بكر أبو زيد رحمهم الله وأتفق مع الألباني حين قال حامل راية الجرح والتعديل في هذا الزمن لكن ناصحة كثيرا باللطف واللين سواءً كانوا معه أو عليه وهذا ما حمله عليه الشدّه في الاسلوب

شكرا
 

الفقير

عضو ذهبي
الزميلة المحترمه الموقره العفيفه الطاهره / نسيج الورد
اذا لدي سؤال ممكن أسأله ؟ أم فقط لكيل المديح والمرور ..؟
شكرا كثيرا / تقديري واحترامي
نود الاستفاده ..لان الموضوع دسم وشيق .


 

نسج الورود

عضو مخضرم
الزميلة المحترمه الموقره العفيفه الطاهره / نسيج الورد
اذا لدي سؤال ممكن أسأله ؟ أم فقط لكيل المديح والمرور ..؟
شكرا كثيرا / تقديري واحترامي
نود الاستفاده ..لان الموضوع دسم وشيق .


الفقير

شكرا جزيلاً وجزاك الله خيرا
بالطبع لو عندك سؤال في صلب الموضوع لا مانع من طرحه أما كيل المديح فغير مهم بقدر
تحقيق الموضوع للفائدة من عدمها
 
قَالَ الْمُسْتَوْرِدُ الْقُرَشِيُّ عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ. فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو أَبْصِرْ مَا تَقُولُ قَالَ أَقُولُ
مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالًا أَرْبَعًا إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ
وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ. (أخرجه مسلم)
وهذا لا يمنع من نصح الحكام بالتى هى احسن وبالمعروف من قبل العلماء ورجال الحل والعقد بالبلد وكما قال رسول الله صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
عند سلطان جائر , وليس بالشوارع والميادين , وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحن العرب يومئذ قليل والله اعلم من كثرت الفتن والهرج والمرج بيننا .

اسف ع الازعاج لكن حبيت اثرى الموضوع .



.
 
أختي الفاضلة نسج الورود هذه مقاله للشيخ سالم الطويل لعلها تنفع لمن أراد أن ينتفع وفيها فوائد كثيرة راح تستفيدين منها ..
بعنوان :دروشة السلفيين

1433/09/11
2012/07/30

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فإن السلفية هي دين الله تعالى الذي أرسل به رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم و سار عليه أصحابه

الكرام رضي الله عنهم، و من تبعهم عقيدة و منهجاً و عبادةً و سلوكاً و خُلقاً، يقال له «سلفي» بمعنى

أنه متبع لسلف الأمة، فالنبي صلى الله عليه وسلم و أصحابه و التابعون لهم بإحسان مضوا و مضى

عصرهم، فهم لمن جاء بعدهم «سلف»، ومن جاء بعدهم «خلف» و من رضي بمنهجهم و عقيدتهم و

سار على ذلك يقال عنه اصطلاحاً «سلفي» و إن كان هو في عصر متأخر، و من خالفهم و اتبع عقيدة و

منهج غيرهم يقال له «خلفي» أو ينسب الى ما انتسب إليه.


فمن الناس من ينتسب إلى أشخاص كالجهمية نسبة إلى جهم بن صفوان أو الأشاعرة نسبة إلى أبي

الحسن الأشعري أو ينتسب إلى بدعة أو مقولة كالخوارج أو المرجئة أو ينتسب إلى بلدة أو مصرٍ ظهرت

فيه بدعة معينة كالحرورية نسبة إلى بلد حاروراء، و أحياناً تكون النسبة إلى دعوة أو طريقة سمّاها

مخترعها أو مؤسسها باسم معين كدعوة الإخوان المسلمين أو التبليغ فيقال: إخواني و تبليغي و غير ذلك.


أما السلفية فنسبة إلى سلف الأمة و هم النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه رضي الله عنهم

أجمعين، و من تبعهم من العصور الأولى الفاضلة.


و الجدير بالذكر أن السلفية لما كان لها هذا الشرف العظيم انتسب لها من ليس منها بل و شوَّه صورتها

كالتكفيريين و الإرهابيين و السياسيين و غيرهم و كذلك المخالفون للسلفية بكل ما يملكون من قوة

فكرية أو مادية أو معنوية للتشويش والتشويه للسلفية الحقة.


و هذا الأمر ليس بالغريب و لا الجديد فمنذ أن خلق الله الجن و الإنس و الصراع مستمر بين أهل الحق

والباطل. و ليس من الصعوبة بمكان أن يفرق عامة الناس بين السلفي السني و بين المبتدع الضال

المخالف لأصول الاسلام. لكن الأمر الذي يخفى عادة على المثقفين من الناس فضلاً عن عامتهم هو

خلط الأوراق بين السلفيين أتباع النبي صلى الله عليه و سلم و بين من تسمّى بالسلفية و هو بعيد عنها.


و يشتد الأمر صعوبة إذا كان ذلك المخالف للسلفية يوافق السلفية من جانب بل و ربما جوانب و يخالفها

من جوانب أخرى فحينئذ يصعب تمييزه و الحكم عليه و الحذر منه. فهو ليس من عبّاد القبور و الأولياء ولا

يحب الصفويين بل و يهاجمهم و ربما يكفِّرهم و لا يحرِّف صفات الله عز و جل، و لا ينكر الشفاعة و لا

الصراط و لا يقول بعدم حجية الحديث الآحاد لكنه مع ذلك ليس سلفياً و لا يقبلها من جوانب أخرى حتى لو

ظهر له الدليل يخالف ما هو عليه. و أخطر من هذا و ذاك من تجده قد تخرّج على أيدي بعض العلماء

المشهورين و تتلمذ على أيديهم و يستشهد بأقوالهم و يذكر فتاواهم لكنه يخالفهم كثيراً في مسائل في

المنهج كبيرة بل و في العقيدة!!


لذا نحن بحق نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقاً و يرزقنا اتباعه، و أن يرينا الباطل باطلاً و يرزقنا اجتنابه،

لأن كثيراً ما يلتبس الحق بالباطل، لا في حقيقة الأمر و إنما بفعل فاعل، كما قال تعالى لبني اسرائيل:

{وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42)} [البقرة].


و لما كانت هذه الأمة ستتبع اليهود و النصارى كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه و سلم، فعن أبي

سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لتتبعن سنن من كان قبلكم، شبراً بشبر، و ذراعاً

بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم»، قلنا: يا رسول الله، اليهود و النصارى؟ قال: «فمن» [صحيح

البخاري- (7320)‏، وصحيح مسلم (2669)]، ظهر في الأمة و من بينهم من يُلْبس الحق بالباطل و يكتم

الحق و للأسف الشديد. ففينا و من بيننا (أحبار و رهبان) يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل

الله. فينا من يسلك طريق التدين و التنسك و الاستقامة و قصده الأموال و الشهرة و المناصب باسم الدين.

و ظهر من بيننا و فينا من يتلوَّن كل يوم بلونٍ، و يتسمَّى كل يوم باسم، فإذا انكشف و عرف الناس

انحرافاته و ضلالاته و مواقفه المخزية سارع و غيّر اسمه و اسم حزبه الجديد، و أعلن أنه لا علاقة له

بالحزب السابق أو انفصل عنهم، سبحان الله {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ الَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)} [البقرة].

لكن الله تعالى ناصرٌ دينه و رافعٌ أولياءه، فأحذر نفسي أولاً و أحذر كل مسلم من هذا التعامل السيئ مع

الله تعالى، و مع عباده، و لنكن مع الصادقين كما أمرنا الله تعالى بذلك في قوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} [التوبة].


أما «دروشة السلفيين» فهذا اللقب الذي يطلقه بعض الناس على السلفيين ولم يرد به الإساءة و إنما

أراد به الوصف الحقيقي بغض النظر عن موافقته عليه من عدم الموافقة. لكن من أطلق لقب

«الدروشة» على السلفيين أراد بذلك بأنهم ليسوا طلاب دنيا و لا يسعون لجمع الأموال، و ليس لهم طمع

بالمناصب و إنما همهم الأكبر إصلاح عقائد الناس و الحرص على استقامتهم و تصفية الدين مما علق به

و دخل عليه و تربية الناس عليه و الحث على التمسك به، و في الحقيقة أن هذه التي لقبوها

بـ«الدروشة» هي حقيقة دعوة الرسل كما قال تعالى عن أكثر من رسول أنه قال لقومه: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ

عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} [الفرقان: 57]، فالرسل لم يرسلهم الله تعالى للتسلط على رقاب الناس ولا للاستيلاء

على أموالهم و إنما أرسلهم ليحققوا للناس سعادة الدنيا والآخرة.


فلا يعيب على السلفيين كونهم ليس لهم مشروع حكم أو منافسة على كراسٍ أو مقاعد، بل هم (أعني

السلفيين) يهمهم أن يصلح الله الحاكم و الوزير و التاجر و الكبير و الصغير لأنفسهم و لصالحهم لينالوا

رضا الله تعالى ويتجنبوا سخطه. و هذا حال علماء السلف قديماً و حال اتباعهم إلى يومنا هذا لذا تجدهم

ناصحين للولاة و غيرهم، رحيمين بالناس لا يثيرون الفتن، بل يسدون أبوابها بخلاف غيرهم الذين لا يرتاح

لهم بال ولا يقرُّ لهم قرار إلا بإثارة الفتن و النقد المستمر و طلب التبديل و المشاركة و المنافسة باسم

الاصلاح و التنمية و الجهاد و غير ذلك مما أصبح ظاهراً لكل عاقل بأنها مساعٍ دنيوية لا علاقة لها بالدين و

لا التدين.


أسأل الله أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها و ما بطن، و الحمد لله أولاً و آخراً و ظاهراً و باطناً و صلى الله على

نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين.
 

نسج الورود

عضو مخضرم
قَالَ الْمُسْتَوْرِدُ الْقُرَشِيُّ عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ سَمِعْتُ

رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ. فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو أَبْصِرْ مَا تَقُولُ قَالَ أَقُولُ
مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالًا أَرْبَعًا إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ
وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ. (أخرجه مسلم)
وهذا لا يمنع من نصح الحكام بالتى هى احسن وبالمعروف من قبل العلماء ورجال الحل والعقد بالبلد وكما قال رسول الله صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
عند سلطان جائر , وليس بالشوارع والميادين , وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحن العرب يومئذ قليل والله اعلم من كثرت الفتن والهرج والمرج بيننا .

اسف ع الازعاج لكن حبيت اثرى الموضوع .




.


جزاك الله خيرا أخي أبو عمر
شكرا
 

نسج الورود

عضو مخضرم
أختي الفاضلة نسج الورود هذه مقاله للشيخ سالم الطويل لعلها تنفع لمن أراد أن ينتفع وفيها فوائد كثيرة راح تستفيدين منها ..

بعنوان :دروشة السلفيين

1433/09/11
2012/07/30

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فإن السلفية هي دين الله تعالى الذي أرسل به رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم و سار عليه أصحابه

الكرام رضي الله عنهم، و من تبعهم عقيدة و منهجاً و عبادةً و سلوكاً و خُلقاً، يقال له «سلفي» بمعنى

أنه متبع لسلف الأمة، فالنبي صلى الله عليه وسلم و أصحابه و التابعون لهم بإحسان مضوا و مضى

عصرهم، فهم لمن جاء بعدهم «سلف»، ومن جاء بعدهم «خلف» و من رضي بمنهجهم و عقيدتهم و

سار على ذلك يقال عنه اصطلاحاً «سلفي» و إن كان هو في عصر متأخر، و من خالفهم و اتبع عقيدة و

منهج غيرهم يقال له «خلفي» أو ينسب الى ما انتسب إليه.


فمن الناس من ينتسب إلى أشخاص كالجهمية نسبة إلى جهم بن صفوان أو الأشاعرة نسبة إلى أبي

الحسن الأشعري أو ينتسب إلى بدعة أو مقولة كالخوارج أو المرجئة أو ينتسب إلى بلدة أو مصرٍ ظهرت

فيه بدعة معينة كالحرورية نسبة إلى بلد حاروراء، و أحياناً تكون النسبة إلى دعوة أو طريقة سمّاها

مخترعها أو مؤسسها باسم معين كدعوة الإخوان المسلمين أو التبليغ فيقال: إخواني و تبليغي و غير ذلك.


أما السلفية فنسبة إلى سلف الأمة و هم النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه رضي الله عنهم

أجمعين، و من تبعهم من العصور الأولى الفاضلة.


و الجدير بالذكر أن السلفية لما كان لها هذا الشرف العظيم انتسب لها من ليس منها بل و شوَّه صورتها

كالتكفيريين و الإرهابيين و السياسيين و غيرهم و كذلك المخالفون للسلفية بكل ما يملكون من قوة

فكرية أو مادية أو معنوية للتشويش والتشويه للسلفية الحقة.


و هذا الأمر ليس بالغريب و لا الجديد فمنذ أن خلق الله الجن و الإنس و الصراع مستمر بين أهل الحق

والباطل. و ليس من الصعوبة بمكان أن يفرق عامة الناس بين السلفي السني و بين المبتدع الضال

المخالف لأصول الاسلام. لكن الأمر الذي يخفى عادة على المثقفين من الناس فضلاً عن عامتهم هو

خلط الأوراق بين السلفيين أتباع النبي صلى الله عليه و سلم و بين من تسمّى بالسلفية و هو بعيد عنها.


و يشتد الأمر صعوبة إذا كان ذلك المخالف للسلفية يوافق السلفية من جانب بل و ربما جوانب و يخالفها

من جوانب أخرى فحينئذ يصعب تمييزه و الحكم عليه و الحذر منه. فهو ليس من عبّاد القبور و الأولياء ولا

يحب الصفويين بل و يهاجمهم و ربما يكفِّرهم و لا يحرِّف صفات الله عز و جل، و لا ينكر الشفاعة و لا

الصراط و لا يقول بعدم حجية الحديث الآحاد لكنه مع ذلك ليس سلفياً و لا يقبلها من جوانب أخرى حتى لو

ظهر له الدليل يخالف ما هو عليه. و أخطر من هذا و ذاك من تجده قد تخرّج على أيدي بعض العلماء

المشهورين و تتلمذ على أيديهم و يستشهد بأقوالهم و يذكر فتاواهم لكنه يخالفهم كثيراً في مسائل في

المنهج كبيرة بل و في العقيدة!!


لذا نحن بحق نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقاً و يرزقنا اتباعه، و أن يرينا الباطل باطلاً و يرزقنا اجتنابه،

لأن كثيراً ما يلتبس الحق بالباطل، لا في حقيقة الأمر و إنما بفعل فاعل، كما قال تعالى لبني اسرائيل:

{وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42)} [البقرة].


و لما كانت هذه الأمة ستتبع اليهود و النصارى كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه و سلم، فعن أبي

سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لتتبعن سنن من كان قبلكم، شبراً بشبر، و ذراعاً

بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم»، قلنا: يا رسول الله، اليهود و النصارى؟ قال: «فمن» [صحيح

البخاري- (7320)‏، وصحيح مسلم (2669)]، ظهر في الأمة و من بينهم من يُلْبس الحق بالباطل و يكتم

الحق و للأسف الشديد. ففينا و من بيننا (أحبار و رهبان) يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل

الله. فينا من يسلك طريق التدين و التنسك و الاستقامة و قصده الأموال و الشهرة و المناصب باسم الدين.

و ظهر من بيننا و فينا من يتلوَّن كل يوم بلونٍ، و يتسمَّى كل يوم باسم، فإذا انكشف و عرف الناس

انحرافاته و ضلالاته و مواقفه المخزية سارع و غيّر اسمه و اسم حزبه الجديد، و أعلن أنه لا علاقة له

بالحزب السابق أو انفصل عنهم، سبحان الله {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ الَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)} [البقرة].

لكن الله تعالى ناصرٌ دينه و رافعٌ أولياءه، فأحذر نفسي أولاً و أحذر كل مسلم من هذا التعامل السيئ مع

الله تعالى، و مع عباده، و لنكن مع الصادقين كما أمرنا الله تعالى بذلك في قوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} [التوبة].


أما «دروشة السلفيين» فهذا اللقب الذي يطلقه بعض الناس على السلفيين ولم يرد به الإساءة و إنما

أراد به الوصف الحقيقي بغض النظر عن موافقته عليه من عدم الموافقة. لكن من أطلق لقب

«الدروشة» على السلفيين أراد بذلك بأنهم ليسوا طلاب دنيا و لا يسعون لجمع الأموال، و ليس لهم طمع

بالمناصب و إنما همهم الأكبر إصلاح عقائد الناس و الحرص على استقامتهم و تصفية الدين مما علق به

و دخل عليه و تربية الناس عليه و الحث على التمسك به، و في الحقيقة أن هذه التي لقبوها

بـ«الدروشة» هي حقيقة دعوة الرسل كما قال تعالى عن أكثر من رسول أنه قال لقومه: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ

عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} [الفرقان: 57]، فالرسل لم يرسلهم الله تعالى للتسلط على رقاب الناس ولا للاستيلاء

على أموالهم و إنما أرسلهم ليحققوا للناس سعادة الدنيا والآخرة.


فلا يعيب على السلفيين كونهم ليس لهم مشروع حكم أو منافسة على كراسٍ أو مقاعد، بل هم (أعني

السلفيين) يهمهم أن يصلح الله الحاكم و الوزير و التاجر و الكبير و الصغير لأنفسهم و لصالحهم لينالوا

رضا الله تعالى ويتجنبوا سخطه. و هذا حال علماء السلف قديماً و حال اتباعهم إلى يومنا هذا لذا تجدهم

ناصحين للولاة و غيرهم، رحيمين بالناس لا يثيرون الفتن، بل يسدون أبوابها بخلاف غيرهم الذين لا يرتاح

لهم بال ولا يقرُّ لهم قرار إلا بإثارة الفتن و النقد المستمر و طلب التبديل و المشاركة و المنافسة باسم

الاصلاح و التنمية و الجهاد و غير ذلك مما أصبح ظاهراً لكل عاقل بأنها مساعٍ دنيوية لا علاقة لها بالدين و

لا التدين.


أسأل الله أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها و ما بطن، و الحمد لله أولاً و آخراً و ظاهراً و باطناً و صلى الله على


نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين.





جزاك الله خيرا أخي سفيان وجزى الله الشيخ سالم الطويل مقالة رائعة

لكن الأمر الذي يخفى عادة على المثقفين من الناس فضلاً عن عامتهم هو


خلط الأوراق بين السلفيين أتباع النبي صلى الله عليه و سلم و بين من تسمّى بالسلفية و هو بعيد عنها.


وهناك أيضا فرق كبير بين اتباع السلف الصالح وبين من أتخذ السلفية
حزباً وجماعة أكثر من انها منهجاً
شكرا لك

 

نسج الورود

عضو مخضرم
يَقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية - رحمه الله، ورفعَ قدرهُ في المهديِّينَ - في كلمةٍ تأصيليةٍ منهجيةٍ ماتعةٍ تُكتبُ بماءِ الذهبِ على صُحفٍ منْ نورٍ -:


"فأئمَّة الدِّين هم على منهاج الصَّحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - والصَّحابة كانوا مؤتلفين متَّفقين، وإن تنازعوا في بعض فروع الشَّريعة في الطَّهارة أو الصَّلاة، أو الحجِّ أو الطَّلاق أو الفرائض أو غير ذلك، فإجماعهم حجَّةٌ قاطعةٌ، ومَن تعصَّب لواحدٍ بعينه من الأئمَّة دون الباقين فهو بمنْزلة مَن تعصَّب لواحدٍ بعينه من الصَّحابة دون الباقين؛ كالرافضيِّ الَّذي يتعصَّب لعليٍّ دون الخلفاء الثَّلاثة وجمهور الصَّحابة، وكالخارجيِّ الَّذي يَقْدح في عثمان وعليٍّ - رضي الله عنهما - فهذه طرقُ أهل البدع والأهواء، الَّذين ثبتَ بالكتاب والسُّنَّة والإجماع أنَّهم مَذْمومون خارجون عن الشَّريعة والمنهاجِ الَّذي بَعث الله به رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فمن تعصَّب لواحدٍ من الأئمَّة بعينه ففيه شبهٌ من هؤلاء؛ سواءٌ تعصَّب لمالكٍ أو الشَّافعيِّ أو أبي حنيفة أو أحمد أو غيرهم.



ثمَّ غاية المتعصِّب لواحدٍ منهم أن يكون جاهلاً بِقَدره في العلم والدِّين، وبقَدْر الآخَرين، فيكون جاهلاً ظالمًا، والله يأمر بالعلم والعدل، وينهى عن الجهل والظُّلم؛ قال تعالى: ﴿ وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ الأحزاب



وهذا أبو يوسف ومحمَّدٌ أتبع النَّاس لأبي حنيفة، وأعلَمُهم بقوله، وهما قد خالَفاه في مسائل لا تكاد تُحصى، لَمَّا تبيَّن لهما من السُّنَّة والحجَّة ما وجب عليهما اتِّباعه، وهما مع ذلك مُعظِّمان لإمامهما، لا يُقال فيهما: مذبذبان؛ بل أبو حنيفة وغيره من الأئمَّة يقول القولَ ثمَّ تتبيَّن له الحجَّة في خلافه، فيقول بها ولا يقال له: مذبذبٌ؛ فإنَّ الإنسان لا يزال يطلب العلم والإيمان، فإذا تبيَّن له من العلم ما كان خافيًا عليه اتَّبعه، وليس هذا مذبذَبًا؛ بل هذا مهتدٍ زاده الله هدًى، وقد قال تعالى: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114]


فالواجب على كلِّ مؤمنٍ موالاةُ المؤمنين وعلماءِ المؤمنين، وأن يقصد الحقَّ ويتَّبعه حيث وجده، ويَعْلم أنَّ من اجتهد منهم فأصاب فله أجران، ومن اجتهد منهم فأخطأ فله أجرٌ لاجتهاده، وخطؤه مغفورٌ له.


وليس لأحدٍ أن يتَّخذ قولَ بعض العلماء شعارًا يوجب اتِّباعه، ويَنهى عن غيره مِمَّا جاءت به السُّنَّة" (مجموع الفتاوى)


يقول الإمامُ ابنُ قيِّم الجوزية - رحمه الله -:
"ومِن النَّاس مَن طبْعُه طبع خِنْزيرٍ، يَمرُّ بالطيبات فلا يلوي عليها، فإذا قام الإنسانُ عنْ رَجيعهِ قَمَّهُ، وهَكَذا كثيرٌ منَ النَّاسِ؛ يَسمعُ مِنكَ، ويَرى منَ المَحاسنِ أضعافَ أضعافِ المساوئ؛ فَلا يحفظُها، وَلا يَنْقُلُها، ولا تُناسِبُه؛ فَإذا رَأى سَقطةً، أَوْ كَلمةً عوراءَ: وَجَدَ بُغيتَهُ وما يُناسِبُها، فَجَعلها فَاكهتَهُ ونُقْلَهُ"​
 

نسج الورود

عضو مخضرم
قواعد عامة في الخلاف ( للشيخ عبد الخالق)


1 - ما لا يتطرق إليه الخلل ثلاثة: كتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإجماع الصحابة، وما سوى ذلك ليس بمعصوم: الأصول التي يتطرق إليها الخلل والتي يجب الرجوع إليها عند كل خلاف هي كتاب الله سبحانه وتعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم الثابتة الصحيحة، ثم ما علم يقينًا أن أمة الإسلام جميعها اجتمعت عليه، وما سوى هذه الأصول الثلاثة فليس بمعصوم من الخطأ.


ويترتب على القاعدة السابقة ما يلي:


أ - لا يجوز لأحد أن يخرج عن المقطوع دلالته من كتاب الله، وسنة رسوله، وما علم يقينًا أن الأمة قد أجمعت عليه.


ب - ظني الدلالة من الكتاب والسنة يرد إلى المقطوع، والمتشابه يرد إلى المحكم؛ لقوله تعالى: "هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ" (آل عمران: 7).


جـ - ما تنازع فيه المسلمون يجب أن يردوا الخلاف فيه إلى كلام الله، وكلام رسوله، عملاً بقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً" (النساء: 59).


2 - رد المعلوم من الدين ضرورة كفر: لا يجوز الخلاف في حكم من الأحكام المقطوع بها في الإسلام، والمقطوع به هو المجمع عليه إجماعًا لا شبهة فيه، والمعلوم من الدين بالضرورة كالإيمان بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره من الله تعالى، وأن القرآن الذي كتبه الصحابة ويقرؤه المسلمون جميعًا إلى يومنا هذا هو كتاب الله لم ينقص منه شيء، والصلوات الخمس، وصيام شهر رمضان، ووجوب الزكاة والحج، وحرمة الربا والزنا، والخمر، والفواحش، ونحو ذلك من المعلوم من الدين بالضرورة أنه من الإسلام، وكل ذلك لا يجوز فيه خلاف بين الأمة ورد هذا ومثله كفر.


3 - الخلاف جائز في الأمور الاجتهادية: الأحكام الاجتهادية الخلافية التي وقع التنازع فيه بين الأمة في عصور الصحابة ومن بعدهم إلى يومنا هذا يجوز فيها الاختلاف، ولا يجوز الحكم على من اتبع قولاً منها بكفر ولا فسق ولا بدعة. ولمن بلغ درجة النظر والاجتهاد أن يختار منها ما يراه الحق، ولمن عرف الأدلة وأصول الفقه أن يرجح بين الأقوال، ولا بأس بالتصويب والتخطيء، وبالقول إن هذا راجح، وهذا مرجوح، وذلك كرؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج، وقراءة الفاتحة وراء الإمام في الجهرية، والجهر والإسرار بـ"بسم الله الرحمن الرحيم"، وإتمام الصلاة في السفر.


4 - وقوع الاختلاف وكونه رحمة وسعة أحيانًا. الخلاف في الأمور الاجتهادية الظنية واقع من الصحابة والتابعين والأئمة وجميع علماء وفضلاء هذه الأمة، وذلك أنه من لوازم غير المعصوم، ولا معصوم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما من بعده فلا عصمة لأحد منهم، والخطأ واقع منهم لا محالة.



وهذا الخلاف الجائز، أو السائغ، قد نص كثير من سلف الأمة أن فيه أنواعا من الرحمة لهذه الأمة:


أ - الرحمة في عدم المؤاخذة: "رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا" (البقرة: 286)، وقد ثبت في صحيح البخاري رحمه الله أن الله قال بعد أن أنزل هذه الآية، وتلاها الصحابة: "قد فعلت"، والمجتهد المخطئ معذور، بل مأجور أجرًا واحدًا كما جاء في الصحيحين: "إذا حكم الحاكم ثم اجتهد فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فله أجر واحد" متفق عليه.


ب - الرحمة والسعة في جواز أخذ القول الاجتهادي كما نص على ذلك غير واحد من الأئمة المجتهدين: قال ابن قدامة رحمه الله في مقدمة كتابه المغني: (أما بعد... فإن الله برحمته وطوله جعل سلف هذه الأمة أئمة من الأعلام مهد بهم قواعد الإسلام وأوضح بهم مشكلات الأحكام: اتفاقهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة).


وقال الإمام الحجة القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم: "لقد نفع الله باختلاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في أعمالهم، لا يعمل العامل بعمل رجل منهم إلا رأى أنه في سعة، ورأى أن خيرًا منه قد عمل عمله". (جامع بيان العلم وفضله 80/4)، وذكر ابن عبد البر في كتابه جامع بيان العلم وفضله أن "عمر بن عبد العزيز والقاسم بن محمد اجتمعا فجعلا يتذكران الحديث فجعل عمر يجيء بالشيء مخالفًا فيه القاسم، وجعل ذلك يشقّ على القاسم حتى تبين فيه فقال له عمر: لا تفعل فما يسرني أن لي باختلافهم حمر النعم". (جامع بيان العلم وفضله 80/2). وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن "رجلاً صنف كتابًا في الاختلاف فقال أحمد: لا تُسمِّه كتاب الاختلاف، ولكن سمه كتاب السعة". (الفتاوى 79/30).


5 - يجب اتباع ما ترجح لدينا أنه الحق: ما تنازع فيه الصحابة وأئمة الإسلام بعدهم، وعلم بعد ذلك أن النص بخلافه فإنه يجب علينا فيه اتباع ما تبين أنه موافق للدليل، وعدم اتهام السابقين بكفر أو فسق أو بدعة وذلك: كترك الجنب الذي لا يجد ماء للصلاة حتى يجد الماء، وصرف الدينار بالدينارين، ونكاح المتعة، ومنع التمتع في الحج، وجواز القدر غير المسكر من خمر العنب، ومثل هذه المسائل كثير.


6 - أسباب الخلاف التي يعذر فيها: أسباب الخلاف التي يعذر فيها المخالفون كثيرة: كمعرفة بعضهم بالدليل، وجهل بعضهم له والاختلاف حول صحة الدليل، وضعفه، وكونه نصًّا على المسألة أو ظاهرًا أو مؤولاً، وتفاوت فهمهم للنص وتقديم بعضهم دلالة من دلالات النص على أخرى، كمن يقدم الفحوى على الظاهر، وكمن يقدم الظاهر على الفحوى، كما اختلفوا في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة؛ فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم لا نصلي حتى نأتيهم، وقال بعضهم بل نصلي، لم يرد منا ذلك فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدًا منهم". متفق عليه

ومثل هذه الأسباب يعذر أصحابها إذا اجتهد كل منهم لمعرفة الحق.


7- أسباب الخلاف التي لا يعذر فيها المخالف:

وأما الأسباب الأخرى التي لا يعذر فيها المخالف فهي الحسد والبغي، والمراءاة والانتصار للنفس ومن كانت هذه دوافعه للخلاف، حرم التوفيق والإنصاف، ولم يهتد إلا للشقاق والخلاف، كما قال تعالى: " كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ". (البقرة: 213) فالذين هداهم الله هم الذين لا يبغون.


8 - وجوب طاعة الإمام في الأمور العامة وإن أساء ما لم يخرج من الإسلام: منهج أهل السنة والجماعة الصلاة خلف أئمة الجور والجهاد معهم، وإن كانوا فجارًا، والصوم بصومهم والحج بحجهم، وإعطاء الزكاة لهم. ( حاسة أخونا مسلم القلاف ينبسط على هذه النقطة ويدعي لي كثيييرا
icon10.gif
)


ففي الصلاة صلى المسلمون خلف الذين حاصروا الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وصلى السلف خلف الحجاج والوليد، والمختار بن أبي عبيد، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة خلف الولاة وإن كانوا يؤخرون الصلاة عن وقتها. وفي الزكاة قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم". متفق عليه.


9 - لا يجوز للإمام أن يحجر نشر علم يخالفه: ليس لإمام المسلمين أن يحجر الناس من نشر علم يخالف رأيه، أو مذهبه، بل عليه أن يترك كل مسلم وما تولى، كما ترك عمر رضي الله عنه عمارا وغيره يذكر ما يأثره عن الرسول رضي الله عنه في التيمم.


وأفتى ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم بخلاف رأي عمر رضي الله عنه في متعة الحج، وأفتى حذيفة وغيره من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين بخلاف رأي عثمان رضي الله عنه في إتمام الصلاة بعرفة ومنى.



يتبع إن شاء الله :وردة:
 
أعلى