رسالة إلى أبناء القبائل

إن القبيلة بتكوينها الإجتماعي العريض تقف حجر عثرة بل حاجز صد أمام محاولات بناء أي نهضة علمية كانت أو غيرها ، إذا حمل أبناءها في وجدانهم ذلك الرابط العرقي الذي يطغى على كل الروابط الفكرية الممكنة، ليس هذا حديث "صفصفه" إنما واقع سنتطرق له في هذا المقال بنوع من التفصيل مع بعض الحلول الممكنه.

العلة والمعلول:
جبل الإنسان -الذي يعتريه الكثير من القصور- على طلب الخير لنفسه ودفع المفسدة عنها ، تلك فطرة نحس بها في ذواتنا في كل حادث يعترضنا، إن في القرون الأولى حيث يعيش الإنسان في بيئة أشبه بغابه، وجد نفسه مضطراً الى الإندماج في جماعة يجبر بها قصورة والكفيلة بجلب الخير له ودفع المفسدة عنها في بيئة البقاء فيها للأقوى. ليس بمقدور الإنسان في تلك البيئات البقاء منفرداً لذا تحثه الفطرة على الإندماج في مجموعة والتي تكون في أفضل صورها الآمنه أبناء العمومه، فيتشكل هيكلها التنظيمي على أساس القوة سواء كانت هذه القوة دهاءاً أو مالاً ، ويحل في وجدانها العام أن الأفضلية للأشرس قتالاً أو الأكرم عطاءاً.
لذا فإن تكوين القبيلة يكون بتلك الرغبات الفطرية في تلك البيئات التي لا يسود فيها الا قانون الغابه "عقلية البقاء للأقوى". لكن حينما تنتقل القبيلة جبرياً الى الدولة المدنية حيث النظام والقانون الذي ينظم حياة الناس، فإن في تلك اللحظة التي يطغى قانون الدولة والنظام العام على قانون القبيلة تجد أن القبيلة تذوب تدريجياً في المجتمع وتندمج مع باقي أطياف المجتمع فلا يبقى من قوانينها "السلوم" الا ما يدور في الفلك الإجتماعي البحت. وهذا طبيعي جداً لأن بإنتفاء العلة ينتفي المعلول ، وبزوال الأسباب التي تكونت بسببها القبيلة يندفع أبناءها الى الإستقلال بذواتهم في دولة قانونها فوق قانون القبيلة.

بورصة القبيلة:
إن القبيلة لايمكن ان تموت بحكم العلاقات العرقية الأزلية لكنها قد تنحسر، أن نفوذ القبيلة يتناسب عكسيا مع نفوذ الدولة ، إن المكان الذي تعم به الفوضي ويتراجع في فيه تطبيق القانون يجد فيه أبناء القبيلة –مضطر أخاك لا بطل- أنهم مضطرين الى التمترس بالقبيلة حيث الأمان النفسي، والذي يعيد المجتمع الى احياة الغاب. وإذا فرض القانون في الدولة مره أخرى سترجع القبيلة لتذوب في القالب الإجتماعي العام مرة أخرى. فهي أشبة ببورصة معيارها مدى إستقامة نظام الدولة العام.

القبيلة والنهضة:
في البيئة الفوضوية ، فإن تشكل القبيلة برباطها العرقي أمر طبيعي ومحمود أيضا، حيث السيادة للأقوى ، لكن في الدولة المدنية فإن العقلية التي تكونت بسببها القبيلة "فرض القوة" تتعارض مع أبجديات الإصلاح الفكري والإجتماعي المدني وغيره لذا فوجود القبيلة بمثل هذا التكوين العرقي سيُفشل المحاولات الإصلاحية ولنا في الإنتخابات البرلمانية في الكويت خير مثال حيث لا زال بعض أبناء القبائل يطغى رابطهم العرقي على أي رابط فكري ممكن، بل إن الأدهى والأمر هو تسلل هذه العقلية الى بعض الأحزاب والحركات السياسية والتي أصبحت قبيلة في تكوينها العام.
في البلاد التي تعيش فوضي نظامية وقانونية، حينما يحاول بعض أبناء القبائل - وقبل التحرر من عقلية القبيلة - الانخراط في الإصلاح السياسي تجد ملامح هذه الحركات والتجمعات ذات صبغة قبلية تتفك مع أول خطوة تتعاطى فيها السلطة معها. إن أي حركة إصلاحية في أي دولة يتعزز فيها الفكر القبلي ستجد هذه الحركة نفسها تدور في حلقة مفرغة ما لم يخرج أبناء القبائل من ثكناتهم القبلية والعقلية السائدة الى رحاب الدولة المدنية حيث الحراك الإصلاحي الواعي.

لعبة الأنظمة:
بعض الأنظمة تحاول أن تخلق في دولتها بيئة شبيهه بيئة الغابة عن قصد حيث تدني الرقابة والإنفلات الأمني والقانون الفضفاض والذي سيدفع المواطنين الى فطرتهم الأولى حيث التمترس بالقبيلة، ليرفعوا النفس القبلي في نفوس الناس محاولين تقويض الحركات الفكرية الإصلاحية من جهه وتسهيل التعامل مع هذه التجمعات من خلال أمراء القبائل ، الذين في غالبهم يؤمنون بمنطق القوة بسبب تكوينهم العرقي، وتبعاً لمنطق القوة سيقبلون بالتفاوض مع السلطة وتقديم التنازلات على حساب أبناء قبائلهم والمجتمع العام والتاريخ الخليجي خير شاهد.
في بئاتنا الإجتماعية الحالية، إن ذوبان القبيلة في المجتمع وخروج أبناءها من قيودها الفكرية يتطلب روحاً ثورية على العادات والتقاليد التي تستهلك أبناء القبيلة في غير ذي منفعه. شئنا أم أبينا يجب أن نعترف على مضض بأن بقاء الفرد محصوراً في القبيلة أشبه ببقاء فرد في قطيع حيث لا خيار غير الإتباع الأعمى وهو أمر يثير في الأحرار من الناس روح التمرد خصوصا في من يجد نفسه مؤهلاً لقيادة ثورة فكرية وسياسية على هذه الثقافة السائدة.

خياراتنا:
في المجتمع الدولي ، حيث لا شأن لنا فيه غير تنفيذ إملاءات الدول الكبرى بلا أي خطوة نحو أي نهضة ، نتحرك في سلسلة من الإملاءات حيث تبدأ من الدول الكبرى للأنظمة الحالية ، الى الإملاءات التي تفرضها الأنظمة على القبائل ومن ثم القبيلة على أفرادها ، لكن كسر هذا التسلسل من الإملاءات الجبرية ليس سهلا ، فمن أين نبدأ؟ ما السبيل الى تكوين حركات إصلاحية متزنة في دولة تتعزز فيه القبلية ؟ ما الحل الممكن في دولة فوضاها السياسية تدفع المواطنين بحكم الفطرة الى التمترس بالقبيلة ؟

الغاية الأهم:
إن إدراك الغاية يختصر علينا الطريق نحو الحل الأفضل، إن الغاية الأهم هو جعل أبناء القبائل أحرار في إتخاذ قراراتهم ورؤاهم المستقبلية في ما يضمن نمو الفكر النهضوي وإندماجهم الفعلي مع باقي أطياف المجتمع، إن المهم هو أن توجه غرائز البقاء الفطرية لبناء مجتمع مدني يعرف أن البقاء للأفضل لا يكون على مستوى القبيلة بل على مستوى دولي أشمل يجمع جميع أطياف المجتمع القبلية وغيرها، فيتحول التمترس بالقبيلة الى التمترس بالدولة حيث تذوب العنصرية القبلية على حمم النهضة ، إن المهم هو كسر قيود القبيلة على منتسبيها.
إن هذا الأمر يبدأ حينما يعي أبناء القبيلة أموراً محدده:
أولاً: إن البقاء داخل القبيلة أشبة بالعيش في كهف ، لأن الحياة الأخرى في خارجه تحتاج أن يتكاتف مختلف الأعراق لبناء حضارة تنافس الأمم الأخرى، فالقبيلة بطابعها المتعارف عليه لا تبني حضارة والعيش في مجتمع أممي أفضل من التشرذم في تجمعات عرقية.
ثانيا: إن تلك العادات والتقاليد التي وُجدت لتنظيم أمرٍ ما داخل القبيلة، يجب ان تبقى تحت رحمة سيف "التساؤل" فلابد من إلغاء كل عادة أو تقليد قبلي إذا إنتفى ما كان يبرر وجوده.
ثالثاً: أن الهيكل التنظيمي للقبيلة إبتداءاً بسلطة أمير القبيلة يجب ان تبقى في طابعها الإجتماعي البحت حيث التكافل الإجتماعي والإحترام المتبادل، فسلطتهم في الدولة شكلية لا قيمة لها بتاتاً خصوصاً على الصعيد السياسي والفكري.
رابعاً: إن مفاهيم الحرية والشجاعة يجب أن تُفهم من خلال الفكر الحر الحي لا من خلال فرض القوة وتذكر معارك سابقة ليس لها قيمة في البناء الحضاري. إن تلك القيم والمبادئ تحتاج من شباب القبائل إعادة تعريفها بما يتناسب مع ما نتطلع له من مستقبل نهضوي.
لست أطرح حلولاً محددة فلكل قبيلة طابعها الخاص ، لكن المبادي العامة لهذه الثورة الشبابية داخل القبائل يجب أن تأخذ في عين الإعتبار تلك الأمور الأربعة التي تم ذكرها سابقاً. إنني في هذا المقال لست أدعوا إلى إلغاء القبيلة بقدر حسر وجودها في البيئة الإجتماعية حتى نفسح المجال لجيل جديد يتحرك بحرية أكبر.

مثال من السيرة النبوية:
أتى الرسول صلى الله عليه وسلم الى مجتمع قبلي وصل الأمر في أبناءه أن يقتلوا بناتهم "وأداً" إنصياعاً لقانون القبيلة، فلم ينفك الرسول صلى الله عليه وسلم حتى أذاب الفوارق القبلية فساوى بين على بن أبي طالب رضي الله عنه قرشيّ الأصل ببلال بن رباح رضي الله عنه الذي كان عبداً يباع ويشترى، ليس هذا فقط بل غير إسم يثرب الى المدينة المنورة وأعاد تغيير التركيبة الإجتماعية من قريش والأوس والخزرج الى المهاجرين والأنصار. لقد بنى عليه أشرف الصلاة والتسليم مجتمعاً مدنياً الأفضلية فيه ليست للون والأصل والجاه بل لصاحب التقوى والفكر البنّاء مميتاً بذلك كل تلك النزعات الجاهلية التي نعيش بعضاً منها الآن!

شاركونا رأيكم ؟

أخوكم/ طلال عيد العتيبي
www.4talal.blogspot.com
@4Talalblog
 
استاذ طلال لن تنلغي العصبيه للقبيله الى بي طريقتين فعلها النبي صلى الله عليه وسلم

1- هو جعل العصبية والحمية للدين (المسلم الأمريكي احب الي واقرب من النصراني الكويتي)

2-العدل فلا يجب ان يتميز اي شخص بسبب قبيلته او جنسه او لونه او مكانته ويجب تطبيق

القانون على الجميع وهذا ما جسدته نبينا الكريم حينما اتوا يشفعون في المخزومية

لكي لا تقطع يدها حين قال بأبي هو و امي: انما اهلك الذين كانوا قبلكم اذا سرق فيهم الشريف تركوه

واذا سرق الضعيف اقاموا عليه الحد والله لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يديها.


فقط في هذين الحلين تنصهر القبيلة في المجتمع

واختصر الحلين( جعل الولاء للدين + العدل )
 

فيصل.م

عضو بلاتيني


موضوع ممتاز

و بخصوص نقطة الأنظمة صحيح كلامك , الترويج المنتشر الأن من الأنظمة و مثقفي السلطة ممن يقف أمام تطور الحراك الشعبي و المطالبات بمزيد من الحقوق أو تغيير هيكل السلطة مقولة يحاربون ذلك بجملة ( النظام أو الطوفان )

يصرحون أنه صحيح هناك أخطاء و مخالفات ..... إلخ لكن البديل سوف يكون الفوضى حسب قولهم !

و هذا كذب و إزدراء لمستوى وعي الشعوب

الله المستعان

:وردة:

 

Queue80

عضو فعال
مقولة شيخ الإسلام إبن تيمية : " إن الله ينصر الدولة العادلة و إن كانت كافرة , ولا ينصر الدولة الظالمة و إن كانت مؤمنة "
"
 

نمر

عضو مخضرم
لقد اوغلت في ذمك للقبيلة يارجل ! وكأن القبيلة مسبة او الانتماء اليها نقصان؟
الرسول صلى الله عليه وسلم قال حينما خطب (انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق! ) اي ان هناك اخلاق سبقت بعثي وبعثت لاكملها بل كانت هناك من العادات والتقاليد (القبلية) التي حض الرسول عليها ومدحها كالغيرة وحماية الجار واكرام الضيف وغيرها، بل ان طفولته كانت عند قبيلة بني سعد
اخي الكريم لاشك ان التعصب لعرق او طائفة او قبيلة امر مذموم بل منهي عنه
ولكنه لايعني على الاطلاق الانسلاخ منها واستنكارها ونفي كل مبادئها واعرافها وتقاليدها
هذا من الناحية التوضيحية لمفهوب القبيلة بشكل عام
اما في وقتنا الحاضر وتعاطيها مع الاحداث وتصويرك لها بعدم تماشيها وتكيفها مع المتغيرات وانها حجر عثرة لنهضة الدولة المدنية فاني اختلف معك
لناخذ على سبيل المثال لا الحصر
امير قبيلة العوازم اعطى حرية المشاركة في الانتخاب والترشح لابناء قبيلته وهذا شيء حميد ولم يكن حجر عثرة لافراد قبيلته في اتخاذ مايراه الفرد صواب
على الرغم ان هناك احزاب وطوائف تجبر وتلزم اتباعها بالانصياع قصراً لتلبية مايمليه الحزب ويراه الريس والا فانه خارج عن الطاعة ومنبوذ وعليه عظائم الامور
اتمنى يا اخي لو انك اعتبرت القبيلة في الدولة المدنية حزب له اهدافه وطموحاته وله الحق في التعبير عن رأية دون اقصاء
الفرق بين الاحزاب والطائفة والقبيلة هو ان القبيلة تجمع كل مقومات ماسبقها بل تضيف عليه ماينقص تلك الاحزاب والاحزاب الطائفية بالمرونة والانسيابية وقبول الراي والراي الاخر ،حيث تجد في القبيلة الواحدة كل اطياف وانواع المجتمع المكون الرئيسي للدولة
نعم يوجد تعصب مذموم في بعض الامور لكن نفع القبيلة اكثر من ضررها
هذا ماوددت المشاركة به اسال الله لكم القبول في هذا الشهر الفضيل
 
أعلى