هناك لون واحد.. للكوميديا

البريكي2020

عضو فعال
هناك لون واحد.. للكوميديا


بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki



شمسُ الكتاب تشرق بوضوح جليّ، على أرض الوطن السعيد، بعد أن سُجلت في دفتر الغياب ليومين متتابعين فاضت الأرض ماء لفراقها، إنها إيماءة بليغة لاستقرار كل قارة أفريقيا في الكويت.
مساءات ثقافية وملتقيات فكريّة.. تحتضنها مشرف والعقل لغة تداول، والجليس أضحى كتابا، اغتنمت لي مطرحا ذات ملتقى ساحر على شرف أدب ساخر، تحوّل الميدان فيه ركنا لتعارك الأفكار وميدانا لرماية الابتسامة، وخندقا لضحكة صدريّة، قادت فرسانه جميلة وتسلم الراية فيه ثلة من كُتاب الخليج الساخرين، والقاعة صار فيها دم «الشربات» للرُكب، كان الموقف محتدما ونقاشا لاح سناه في أصقاع المكان عن ماهية الفرق بين السخرية والتهكم في كتابة المقال، أخذ الجدل ركنا من الوقت، لكنه أشعل فتيل تساؤلات كثيرة، ظهرت على وجوه الحاضرين الباحثين في أطياب الاستفهام.
علامة السؤال الكبيرة التي زرعت في عقلي تساؤلا؛ هل لهذا النوع من الكتابة مردود إصلاحي فعلي في المجتمع؟ وهل من يكتب وينقد بطريقة ساخرة ينفث مكنونا يعتمل في داخله؟ أم أنها كتابة مجردة لأجل الكتابة؟ أو هي بالفعل وسيلة لعلاج خلل ما؟
خطَرت في بالي.. رسائل فولتير التي فتحت مصراع باب التنوير بشكل واسع في عصر الانغلاق المدني في أوروبا، التي حرّضت مجتمعا كاملا كان يرزح تحت رهبة الرهبان لتنشر في هشيمه أدبا يتحدّث وشعرا يُقال، ركيزته السخرية الفلسفية الثائرة على الرقابة العقيدية الصارمة التي كان يقبض مقصّها حماة الكنيسة.
غيّر فولتير ولم يتغيّر.. وتحدّث قبله الجاحظ الذي نقَد في الظواهر المجتمعيّة وحوّل زاوية نظر الناس إلى أسهم خارقة لسلبية البخلاء، وفي جاهلية العرب كان الحطيئة.. الذي سخر من كل شيء حتى لم تسلم نفسه نفسها من أذاه، لكن بقي أدبه خالدا يسافر بين الأزمنة يقص لها عن حالة زمن واحد عاش فيه من سخر منه.
ظاهرة السخرية والنقد لأي شيء.. أي شيء، تفشّت بضخامة في مجتمعاتنا الخليجية أخيرا، وإن كانت الغلة تزيد في الكويت نظرا لمساحة حريّة الرأي الوافرة، لكنها مؤشر فعلي لحراك ضمني ينسج خيوطه في الظل، وهو جرس إنذار خطر عندما يتحوّل كل أفراد المجتمع لأفواه ساخرة وناقدة على كل ما حولها، وهي ظاهرة تستحق الالتفاتة والدراسة بمشاركة حكومية - مجتمعية تخدم في النهاية كيفية بناء الثقة في المجتمع نفسه والارتقاء فيه من درك السخرية المجردة.
***

علم غينيا الاستوائية هو أقرب الأعلام الخفاقة في سماء العالم شبها بعلم الكويت، من الناحية الشكلية وليس الضمنيّة بالطبع، وغينيا الاستوائية جمهورية أفريقية تقف على بُعد بضع درجات جيوديسية من التقاء نقطتي (صفر) الاستواء مع (صفر) غرينيتش، عند الحافة الغربية للقارة السوداء بالقرب من خليج غينيا، تتماثل مع الكويت في وجوه عدة ليس أقلها صغر المساحة وقلة عدد السكان، بل لكونها دولة بترولية تصدّر للعالم معدنا أسود كما تفعل الكويت، وقد تعرّض هذا البلد لعجرفة طواغيت بشرية كما حصل لوطننا مع غزاة «آب»، بعد أن تنفّس نسائم الاستقلال أثناء إعصار التحرر الأفرو آسيوي خلال عقد الستينيات من القرن الماضي، الذي مرّ كذلك من هنا لينسج تاريخ استقلالنا، ويعتبر هذا البلد «المستطيلي» الخارطة جغرافيا بلدا صحراويا - بحريا، له من الجزر المبعثرة في البحر والطامعين الكُثر فيها، كما للكويت تماما.
 
أعلى