إنتظار اليوم التالي كان طويل ، الإنتظار لمن في مثل حالتي هم فوق همي الحالي ، و المرض و اليأس إلا من رحمة الله ، جاء الوقت الموعود ، و قبله بقليل أتصل علي الطبيب الذي سمح لي بالإذن و كلمني يطلب مني ألا انسى التواصل معه ، كان مخلصا" في عمله ، ودودا" في تعامله معي ، و بالفعل بعد الإجراءات تم الإذن و خرجت و معي حقيبة صغيرة فيها ضروريات الخروج و الإقامة خارج المستشفى لليلة واحدة ..
أشعر بشعور السجين الذي يخرج من السجن لأول مرة ، مشاعر صعب ترجمتها كتابيا" ، لكنه شعور مزدوج سعادة بالخروج و حزن من حال المرض ، كانت الأجواء في المدينة تشيئ بجو صيفي معتدل ، أجواء لطيفة ، جديرة للسير مسافات ، و للتسوق ، و حتى لتذوق الأكل اللبناني !
بعد مشي عدة دقائق ، قررت أن أستقل التاكسي للإتجاه لمطعم لبناني يبعد تقريبا" ربع ساعة بالسيارة ، وصلت المطعم ، و رغم الإحترازات الصحية بسبب كورونا ( كما كنت اتوقع ) إلا ان المطعم مكتظ بالزبائن ، و أستقبلني أحد العاملين بأدب و أشر لي بإحدى الطاولات ، و جلست و اتى بقائمة الطعام ، و طلبت الطلب و قبله طلبت فنجانا"" من القهوة ، قلت له : لو سمحت تكون وسط !
كنت أختلس النظرات من هنا وهناك ، هذا يأكل بشراهه ، و تلك ترتشف كأس الشاي بهدوء ، و هذا يناظر تلك ، و تلك تناظر هذا ، و كرة ارضية تجتمع هنا في المقهى بفيينا ، و يبدو ان ليالي الانس مايزال أثرها في فيينا !
جاءت إلي إحدى النادلات و هي من اللغة واللهجة لبنانية ، رحبت بي بحرارة ( كأي زبون طبعا" ) و أشرت على الزحمة و هي تبتسم ، و بصراحة فيها جمال أسرني ، حتى أني نسيت المرض ، و المستشفى ، و تعليمات الطبيب ، و طلب المقبلات و الحمص و التبولة ، و تذكرت ابو نوره :
تفرغت لك . . يا كامل الزين بلحالك
تقل غيرك من الناس ماهم بحييني . .
إي والله . كأن غيرها من الناس ليسوا موجودين ، و لا كأنهم خلقوا
اووف ، أنا وين و هالامور وين ، و ياليل خبرني عن أمر المعاناة !
لاطفتها ، تحدثت معها قليلا" ، و الحقيقة إني لمحت لها قليلا" ، لم يكن حدثت مشترك بين نادلة جميلة ، و زبون أنتشر المرض في جسده ، بل كان اللقاء بين الأمل و اليأس !
قلت لها : أتعلمين أنك بالنسبة لي شئ من الأقدار ، آه لو تعلمين عن حالتي ؟
قالت : التعب يبرز تفاصيله على صفحات وجهك ، لكن هل تستطيع أن تتناول العشق مثلما تتناول الأدوية التي فضح وجودها الكيس الشفاف الذي بحوزتك ؟
قلت : ليس الكيس هو فقط الشفاف ، حتى مسافات الخطاب الغرامي شفافه ، و ابتسمت ..و أستأذنت لتكملة عملها مع زبون آخر ، بالتأكيد لن يحمل شفافية المشاعر مثل الزبون الذي تحدثت معه الشفافية !
في حالة مثل حالتي ، و كرجل تعود على مشاهدة وجوه العرب ، ثم إنقطع عنها ، و أصبحت مشاهدات الوجوه فقط للأجانب ، أعتقد و هنا أؤكد على " أعتقد " ان الموضوع لاعلاقة له بجمال النادلة بل بجمال السحنة العربية ، و اللغة العربية ، و اللهجة العربية ، شئ كنت أفتقده ، ثم اتى على شكل نادلة لبنانية جميلة ، أعتقد ان الموضوع له علاقة بحالتي النفسية ، و ليس للجمال ، ففي المستشفى جميلات يفوقنها جمال ، لكن بلا روح عربية !
المربى قتال .. و الشوق لأمرأة عربية أتى بها القدر على هيئة " نادلة " !
هل هو حظ لها ، ام لي ؟
أثناء الحوار كنت أشعر و كأننا انا و هي لوحدنا ، لعلي ارتكبت خطأ بإشغالها عن شغلها ، و لا اعلم كيف أعتذر ، هل أضع " إكرامية " مع الفاتورة ؟
ممكن . . . ليه لأ !
. . .