• زرت موسكو 4 مرات هل لمست متغيرات في الموقف الروسي؟
نعم .. التقيت وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف 4 مرات، وكان أطولها اللقاء الأخير، ضمن وفد الائتلاف، الذي دام أربع ساعات متواصلة. بعد انتهاء اللقاء قلت لزملائي روسيا تخلت عن القرار 2118 وانسحبت من الالتزام به. وكان لافروف قد صرح بشكل واضح وعلني أن من الخلافات بيننا والنظام كبيرة لدرجة يستحيل فيها تشكيل هيئة انتقالية كاملة الصلاحيات، ومن الأفضل أن نعمل من خلال لجان متعددة حول نقاط بيان جنيف1. وهذا كان موقف وفد الأسد الذي اعتبر أن الانتقال السياسي لا يعني تغيير النظام، وإنما تشكيل حكومة وحدة وطنية في ظل النظام، ولا تمس بصلاحيات الأسد ولا الجيش ولا الأمن، أي تدعو إلى التحاق المعارضة علنا بالنظام المجرم. لذلك أعتقد أن الموقف الروسي تغير خلال السنوات الثلاث الماضية وصار أسوأ بكثير وأقرب إلى بشار الأسد منه إلى ما كان عليه في السنة الأولى حيث كان لافروف يردد أن المهم ليس الأسد ولكن مصلحة الشعب السوري وتفاهم أبنائه. وسبب هذا التغير نحو الأسوأ هو تراجع حلفائنا، وكبحهم جماح الكتائب المقاتلة منذ منتصف عام 2012 حين كان مصير النظام مهددا بالفعل، باسم البحث عن حل سياسي وتجنب انتصار الثوار ضمانا للإبقاء على مؤسسات الدولة وتجنب الاستمرار في القتال والعنف. ونحن ندفع اليوم، ومعنا الأشقاء العرب، ثمن خطأ الولايات المتحدة أو رهانها على وعود الروس في الدفع نحو حل سياسي يضمن مخرجا أقل كلفة من الأزمة الطاحنة. وبينما أوقفوا أو حدوا من الدعم للجيش الحر، كثف الروس من دعمهم للنظام بكل الأسلحة والذخائر، وغضوا الطرف، وربما شجعوا الإيرانيين على التدخل المباشر من خلال ميليشياتهم، وهاهم يحاولون استغلال الخلل في الموقف العسكري لغير صالح الثورة من أجل فرض تصور للحل لا يختلف عن تصور الأسد لها.
• وماذا تفكر الولايات المتحدة الآن؟
الولايات المتحدة الآن في موقف محرج، فهي ما تزال تضغط على النظام لتسليم الترسانة الكيماوية التي أوقفت من أجلها الضربة العسكرية، في حين أن النظام مازال يلعب على عامل الوقت ليضمن المزيد منه لتحقيق أهدافه العسكرية، ويخفي بعض هذه الأسلحة. ومما يزيد من إحراج هذا الموقف عدم التزام نظام الأسد بتطبيق قرار مجلس الأمن 2139 المتعلق بوقف القصف بالبراميل المتفجرة ووقف التعذيب والقتل العشوائي وتامين طرق مرور المساعدات الإنسانية. فواشنطن مجبرة اليوم على اتخاذ إجراءات لتأكيد تمسكها بالتزاماتها ومقدرتها على الوفاء بها وإلا فإن روسيا سوف تزيد من تحدي إرادتها وتقويض صدقيتها, وهذا ما فعلته في القرم. لقد خدع الروس الأمريكيين والمجتمع الدولي في كل الملفات (الكيماوي- جنيف- أوكرانيا) .. وأعتقد أن أمريكا بحاجة لعمل ما لإنقاذ مصداقيتها في العالم.. أمريكا بحاجة أن تثبت لروسيا والنظام السوري أنهم ليسوا هم من يفرضون على العالم ما يريدون.
• ما هو الرابط بين الأزمة السورية والأوكرانية؟
تقدم روسية البوتينية وتراجع الغرب. وانقلاب الأدوار. كانت روسيا في بداية الأزمة السورية تبرر مواقفها المتعنتة في مجلس الأمن بالخديعة التي تعرضت لها من قبل الغرب في العراق وبشكل خاص في ليبيا. وها هي تقلب الطاولة على الغربيين وتفرض هيمنتها بالرغم منهم وتتحدى إرادتهم في القرم ومن قبل في سوريا. كلا الأزمتين تعكسان التراجع العميق في السياسة الغربية في ظل قيادة أوباما، وتنامي مطامح روسيا وإيران، وحلمهما بفرض حلولهما في كل جبهات الصراع الدولي على الغرب الخائف والمنقسم والمتردد. وإذا استمر الوضع كما هو عليه سيجد الغرب نفسه أمام تحدي التسليم لروسيا أو خوض الحرب.
• شهدت العلاقات السعودية القطرية توترا في المرحلة الأخيرة .. هل يؤثر ذلك على الثورة السورية؟
بالطبع تأثرت الثورة السورية بهذا الخلاف، وسيعمل التنافس وغياب التنسيق على بعثرة الجهود وانقسام القيادة وإضاعة الفرص على الثوار لتحقيق نتائج على الأرض. ثم إن جزءا متزايدا من جهود هذه الدول الخليجية سوف ينصب على النزاعات الداخلية بدل التركيز على الشأن السوري. وقد كان همنا الدائم من قبل دفع الأطراف إلى توحيد الجهود من وراء المعارضة السورية والجيش الحر، أما الآن فنحن نحاول أن لا يتداخل النزاع الخليجي مع قضية دعم الثورة. ولا نزال نسعى وسوف نسعى باستمرار إلى تجنيب قضيتنا أكثر ما يمكن تأثير هذا التباين في وجهات نظر الدول الداعمة، وأن يعود الخليج والعالم العربي إلى وحدته ويكون له موقف داعم وموحد من نكبة الشعب السوري.
• بدا الموقف المصري مريبا من الثورة السورية بعد 30 يونيو .. فكيف تقرأ موقف القيادة الجديدة الآن؟
معاملة السوريين في مصر وفرض التأشيرة على الهاربين من ويل النظام، تجلعل الكثير من السوريين يخشون تحولا ما في الموقف المصري الذي كان شديد الترحيب بالثورة السورية. وهناك شكوك في استعادة بعض التعاون الأمني بين مصر ونظام القتلة في دمشق. لكن أنا أثق أيضا في وزير الخارجية نبيل فهمي الذي أكد لي أكثر من مرة التزام مصر وإيمانها بقضية الشعب السوري، لكن –أنا أعلم أيضا- أن وزارات الخارجية ليست هي التي تسير سياسات الدول، وبكل الأحوال أنا أؤمن بأن الشعب المصري، والكثير من المسؤولين في الدولة، وخصوصا الجيش، يقفون مع الشعب السوري ولا يمكن لهم أن يفعلوا غير ذلك.
• هل تخشى على بنية النسيج الاجتماعي السوري من التطرف؟
أعتقد أن المجتمع السوري لفظ داعش وأفكارها، ليس لأنه مجتمع يميل إلى الاعتدال في كل شيء، ويهرب من المغالاة والتطرف فحسب، وإنما لأن سلوك داعش لا علاقة له بالإسلام، خصوصا إعدام الأطفال والتعذيب والمقابر الجماعية التي لا تنتمي إلى الإسلام ولا إلى أي دين أو منظومة أخلاق.
السوريون ثاروا من أجل حريتهم وكرامتهم، وضحوا بكل شيء للتخلص من الذل والمهانة، والانتهاك الدائم لحقوقهم الأساسية، ولا يمكن لأي طرف أو فريق أن يسلبهم الحرية التي انتزعوها بتضحياتهم، ويمنع عنهم ممارسة حقوقهم الأساسية التي قدموا من أجلها مئات آلاف الشهداء، لا داعش ولا أي تنظيم أو قوة، داخلية أو خارجية.