ويل للنساء من لعنة الموارد..عندما تتحول نعمة المال إلى نقمة!!(3)

بمنطق بسيط وبديهي: عندما يضع الصيادُ الطُعم على الصنارة ويرمي بها في البحر، فإن السمكة عندما تقترب من الصنارة وترى الطُعم، فإنها ستفكر بطريقة منطقية عقلانية بديهية واحدة، وهي أن تأكل هذا الطُعم وتمضي إلى حال سبيلها.. لن تفكر السمكة في أنها على استعداد لأن تضحي بحياتها من أجل أن تسعد الصياد.. ولن تنظر السمكة إلى الصنارة ولا إلى الخيط.. ستنظر إلى شيء واحد فقط.. الطُعْم. هذه هي بالضبط الطريقة التي يفكر بها الرجل في هذه الحالة..حالة طلب المرأة للزواج منه.. ومنحها المقابل المالي له.. حالة الصنارة والطُعم.

كما أسلفت وقلت أنني أحترم كل امرأة تطلب الزواج، ولو كان ذلك تصريحاً وعلانية، لأنها تريد أن تعيش حياة المودة والرحمة والسكينة والمسؤولية، مثلها مثل بقية النساء، وليس في ذلك غضاضة وحرج. فقد جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت له: يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك، فلم ينكر عليها ولم يزجرها. لكنني كما قلت اختلف مع النساء في طريقة طلب الزوج.

نسبة لأن طبيعة وسيكولوجية الرجل تختلف اختلافاً كبيراً عن طبيعة وسيكولوجية المرأة، فإن طريقة تعاطي الرجل وتعامله مع مسألة الارتباط واختيار شريك الحياة تختلف بالكلية عن طريقة المرأة في هذه المسألة. فالرجل يملك الحلول، ولديه الخيارات، بعكس المرأة. الرجل أولاً لديه خيار الاختيار، بينما المرأة ليس لديها هذا الخيار، بل لديها خيار القبول أو الرفض، وأحياناً لديها خيارات نادرة خجولة، مثل خيار عرض نفسها للزواج، مثل الحالات التي نحن بصددها. الرجل في حالة فشله في اختياره لشريكة حياته، أو فشله في زواجه القائم أصلاً، فإنه يملك الحلول المتعددة.. يملك خيار التعدد في الزواج، مثنى وثلاث ورباع، ويملك خيار الطلاق والعيش بدون شريك بمفرده في البيت، ويملك خيار محاولة الزواج مجدداً من امرأة أخرى، بينما المرأة لا تملك مثل هذه الخيارات، لذلك فإنها تدقق كثيراً، وتفكر ملياً، ومراراً وتكراراً عندما تتخذ قرار القبول أو الرفض لشريك حياتها. هذا هو حال المرأة بصفة عامة. أما المرأة الغنية فإن أمرها عجب!! فبالإضافة إلى كل تلك المعوقات والهواجس، فإن ثروة المرأة تزيد أمر زواجها تعقيداً وصعوبة ورهقاً.

وإذا كانت نظرية لعنة الموارد تتلخص في العلاقة العكسية بين الموارد والنمو، أي أن وفرة الموارد تؤدي إلى انخفاض النمو الاقتصادي، فإن لعنة الموارد بالنسبة للمرأة الغنية يمكن أن تُختَزل في العلاقة العكسية بين ثروتها، وبين الرجال الذين يفترض ويحتمل أن يتقدموا لخطبتها.. أي أن ضخامة ثروة المرأة تؤدي إلى نقص الأزواج المفترضين أن ييقدموا لخطبتها. ثمة ما يمكن أن نطلق عليه "أزمة ثقة" بين المرأة الغنية وبين الرجال الطالبين للزواج. فالمرأة الغنية يتهيّبها الخاطبون، لأنهم يفترضون مسبقاً أنها سترفضهم، بسبب ثروتها. حتى ولو تولّت المرأة الثرية زمام المبادرة، وطلبت زوجاً، بوسيلة أو بأخرى، فإن مخاوف الخاطبين لا ولن تتبدد وتزول.. حتى ولو بادرت المرأة الثرية بطلب زوج، تبقى مخاوف وهواجس الرجال من الإرتباط بها قائمة. وتتمثل هذه المخاوف والهواجس حسب تقديري في ثلاثة مبادئ أساسية وهي: أولاً: في حالة تم ذلك الإرتباط، فإن المرأة الغنية يمكن أن تسيطر على الرجل، وتملي عليه شروطها، وتسيّره كيفما شاءت، بإعتبار أن من لا يملك قوته، لا يملك قراره. ثانياً: في حالة الإرتباط فإن المرأة الغنية يمكن أن تمُنّ على الرجل وتذكّره دوماً بأنها هي التي تنفق عليه، أو هي التي وفّرت له فرصة عمل لم يكن يحلم بها، أو هي التي رفعته من مستواه الوضيع، إلى مستوى اجتماعي ومادي مرموق. ثالثاً: في حالة الإرتباط، فإن المرأة الغنية يمكن أن تهدده بأنها ستطرده من بيتها أو من وظيفته في شركتها، أو تطلقه، إذا عصى أوامرها ولم يقدم لها فروض الطاعة والإذعان، أو على أحسن الفروض بالنسبة له، أن تطلق نفسها متى شاءت، لا سيما وأن من أهم الشروط التي تشترطها المرأة – بطبيعة الحال – وليس الرجل، في مثل هذه العلاقات الزوجية، هو أن تكون العصمة في يدها.

في تقديري أن المرأة الغنية تعيش في وضع لا تحسد عليه.. فبدلاً من أن تهبها تلك الثروةُ الحبَ، والسعادةَ والاستقرار، تحولت تلك النعمة إلى نقمة، فوهبتها الحرمان من الزواج، أو وهبتها زواجاً يفتقر للإستقرار، تتناوشه الهواجس والظنون. المرأة الغنية في علاقتها مع الرجل تعاني من شيئين: تعاني من مشاعر الرجل تجاهها.. وتعاني من مشاعرها تجاه الرجل. أما مشاعر الرجل تجاهها فقد ذكرناها سابقاً. وأما مشاعرها تجاه الرجل فيمكن تلخيصها في الآتي: عندما يتقدم الرجل لخطبتها تفترض المرأة أنه يتقدم لها من أجل مالها، وليس من أجلها كامرأة وأنثى لها مشاعر وأحاسيس وشخصية وذات وكينونة. وإذا لم يتقدم لها، افترضت أنه يتهيّبها ويخشى رفضها بسبب مالها. وإذا ارتبطت به وعاشت معه لفترة، افترضت أنه يتحيّن الفرصة المناسبة لكي ينال من ثروتها، أو أنه يستدرجها ببطء وبسياسة النفس الطويل لينال مراده ويحقق طموحه بذكاء، وتكون تلك الهواجس سبباً في طلاقها.

أما تعليقنا على قصة الفتاة الصينية فهو: بالرغم من أن هذه الفتاة لا تعاني من لعنة الموارد ونقمة الثروة بطريقة مباشرة، نسبة لأنها لا تملك الثروة بطريقة مباشرة، وإنما هي ثروة أبيها، ونسبة لأنها لا تفكر في الزواج، إلا أنها يمكن أن تعاني منها بطريقة غير مباشرة، فربما عانت بسبب معاناة أبيها من عدم زواجها، وربما عانت في حالة تقدم لها رجل للزواج منها بسبب العرض المغري الذي قدمه أبوها لمن يتزوجها. ففي حالة موافقتها ستكون على علم اليقين بأن هذا الرجل إنما تقدم لها لينال مبلغ الخمسة وستين مليون دولار، ليس إلا. وفي حال عدم موافقتها، ربما سيسبب ذلك ضرراً وألماً لأبيها، وربما مارس عليها ضغوطاً أخرى للموافقة على شريك لا تريده، ولو كان أفضل الرجال، لأنها أصلاً ليس لها رغبة في الزواج.

أما بخصوص قصة السيدة السودانية التي أخبرت إمام المسجد بأنها تطلب زوجاً يخاف ويتقي الله، وهي تجلس الآن في سيارتها خارج المسجد تنتظر الرد. بالرغم من أن هذه السيدة لم تقدم عرضاً للزوج بصورة واضحة، ولم تشترط شروطاً للزواج، إلا أنها قدمت عرضاً بصورة مغلّفة وضمنية وخجولة، فذكرها لكلمة "سيارتها" فيها دلالة وإشارة إلى أنها غنية وميسورة الحال. وكما ذكرت أنني فكرت في الأمر، لكنني اتخذت قراراً سريعاً بعدم التقدم للزواج منها، بسبب الأسباب التي ذكرتها سابقاً من تخوف الرجل من الارتباط بامرأة تفوقه مالاً.

قصة السيدتين السعوديتين، وقصة السيدة السودانية متشابهة إلى حد بعيد، من وجهين: أولاً جانب العرض المالي، وثانياً: جانب الشروط. أما تعليقي فأقول: أنا وضعت نفسي مكان الزوج الذي طلبته السيدة السعودية الأولى.. فكرت قليلاً، فوجدت نفسي مثل السمكة!! أنا أكره أن أرتبط وأتزوج بهكذا طريقة. كذلك اشترطت السيدة شروطاً للإرتباط بها لم تحددها بعد، وإنما ستحددها لاحقاً.. ترى هل هذه الشروط مثل الشروط التي اشترطتها أصالة نصر عندما قالت: قلبي بيرتاحلك مشتاق نفسو يلمحلك.. لو يوم دقيت على بابو.. من غير ماشرحلك.. قلبي حيسمحلك تبقالو كل أحبابو.. لكن بشروط: لو تعشق موت.. وتشيل عن قلبي عذابو.. أو كما قالت أصالة. لكن الشرط الذي أنا واثق من وروده ضمن الشروط بنسبة (مليون في المائة) هو شرط العصمة.. أنا أجزم بأن شرط العصمة سيتصدر قائمة الشروط، وهو أن تكون العصمة في يدها.. تطلقه.. أو تطلق نفسها متى ما أرادت.. وهذا ما لا يقبله الكثير من الرجال.

الجديد في قصة السيدة السعودية الثانية هو أنها وضعت شرطاً للزواج منها، فيه الكثير من الذكاء، لأنه يحفظ حقها الشرعي، ويحفظ كبريائها كأنثى. وهذا الشرط هو أنها قالت إن العريس يجب أن يدفع المهر كشرط أساسي. لكن من ناحية أخرى لكأني بهذه السيدة الذكية في هذا الشرط تختبر مقدار ثروة الرجل، ومدى جديته معاً. وطلبها للمهر هو حق مشروع، فالزواج هو شراكة يجب أن يساهم الطرفان فيها. لكنها من ناحية أخرى اشترطت شرطاً غير منطقي عندما طالبت أن يفتن المتقدم لها بعقليتها أكثر بكثير من فتنته بملايينها. أقول إن هذا الشرط غير منطقي لأن الافتتان بالعقلية وتقييمها يأتي بعد التعامل ومجاذبة الطرف الآخر أطراف الحديث وتقييم طريقة التفكير، وليس شيئاً مادياً يمكن تقديمه مباشرة، مثل المهر، أو الوعد بتحقيقه.

أما قصة السيدة السودانية، المقيمة بالإمارات، التي قدمت عرضاً مغريا لمن يتزوج بها، شريطة أن يكن لها كل الإخلاص ولا شيء غيره، فأقول معلقاً على كلامها: الحب لا يُستجدى (والحنيّة ما تتشحدش).. هكذا تعلمنا من تجارب الحياة. قصة مؤثرة سمعتها في إحدى القنوات الفضائية. كانت المذيعة تحاور رجلاً مسنّاً يسكن "دار العجزة والمسنين" قالت له: انت مين اللي جابك هنا؟ قال: أولادي. قالت: طيب همّ بيجو يزوروك ويسلموا عليك؟ قال: يعني..بيزوروني مرة كل كم شهر. قالت مستنكرة: ليه!! وليه ما بيجوش على طول؟! قال: مش عارف يا بنتي. قالت: طيب انت ليه ما بتكلمهمش علشان يجو يزوروك على طول؟ قال: يا بنتي..الحنية ما تتشحدش. أي أن الحب لا يُستجدى.. وإنما يقدم بطريقة تلقائية عفوية، حسب صفاء قلوبنا، وحسب أهمية الطرف الآخر بالنسبة لنا. وكما قال الشافعي: إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة.. فلا خير في وُدّ يجيء تكلّفا.

لكن في النهاية تبقى آرائي عن لعنة الموارد بالنسبة للمرأة، تبقى مجرد فرضيات، قابلة للصواب، وقابلة للخطأ. ولا شك أن ثمة زيجات ناجحة كثيرة في مجتمعاتنا العربية ربطت بين نساء غنيات، وبين رجال فقراء، جمع بينهم التفاهم والحب وتقوى الله. لكنها – أي آرائي- في ذات الوقت لا تخلو من حقائق واقعية نعيشها كثيراً في مجتمعاتنا العربية.

في الجزء الرابع من هذا الموضوع سأقدم حلولاً لمشكلة لعنة الموارد بالنسبة للمرأة، حتى تتفادى الوقوع في هذه المشكلة.. أتمنى أن تكون منطقية وناجعة ومفيدة. تسعدني وتسرني متابعتكم.

الكاتب الصحفي / أنور عبد المتعال سر الختم
 
أعلى