هكذا تخدم ايران مشروع اسرائيل

سعد المغيدي

عضو جديد
دائماً أؤكد، وسأبقى أردد، أن ملالي إيران لو لم يكن لهم حكم في إيران؛ لأوجدتهم "إسرائيل"، وصنعت لهم وطناً يحكمونه مهما كان الثمن؛ لأنه لا يوجد من يخدم المشروع الصهيوني بتفانٍ في المنطقة العربية مثل المشروع الصفوي.
إن وجود إيران كدولة متطرفة دينياً وعرقياً، وتخندقها الشعاراتي تحت مسمّى "المقاومة" ضد الكيان العبري، هو أول خدمة قدمها الملالي لـ "إسرائيل"، التي تتطلع إلى أن تكون دولة يهودية دينياً وعرقياً، ووجودها وحيدة بهذه الصفة في منطقة تتصارع معها، وتراها مجرد سرطان في عمق العالم الإسلامي، لن يكون في صالحها، خصوصاً أمام حلفائها في الغرب.

لقد وجدت "إسرائيل" ضالتها في إيران التي يحكمها معمّمون دينياً، يتوشحون بالسواد على غرار سواد حاخامات الصهيونية، وزاد الأمر تطوراً مع ظهور كيان آخر وهو ما يعرف بـ "داعش"، الذي بدوره جعل من السواد لون دولته، أو "خلافته" كما يسمّيها.

إن الخيال البشري في العالم الذي قد يرفض دولة دينية يهودية، ستكون له قابلية، مع تعدد هذا الأمر ما بين كيان صفوي، وآخر داعشي أخرجتهما للوجود منظومة استخباراتية واحدة، وأعتقد أن هذا هو الهدف المستقبلي الذي حرص عليه خبراء الإستراتيجية الصهيونية، التي يجتمع على رسمها رجال دين وعلماء في الاجتماع، ورجال مخابرات وسياسة، وغير ذلك.

يجري العمل على صناعة كيانات ممهدة للكيان اليهودي من خلال هذه الحروب التي تقسم الشعوب العربية والإسلامية على أسس طائفية وعرقية ودينية، وقد تؤدي إلى نشوء دويلات جديدة تخدم الأطروحة الصهيونية مستقبلاً، فهذه كردية والأخرى علوية، وشيعية، سنية، درزية، مسيحية.. وغير ذلك من الأعراق والطوائف والديانات والمذاهب التي تعجّ بها المنطقة.

إن المتتبع لدهاليز السياسة الإسرائيلية سيصل حتماً إلى قناعة تامة في أن المخابرات الصهيونية تعمل على تفتيت المنطقة إلى دويلات لا قوة لها، وتتناحر فيما بينها عرقياً وطائفياً ومذهبياً ودينياً وقومياً وغير ذلك.

وهذا سيحقق لـ "إسرائيلً هدفين أساسيين:

الهدف الأول:

ضعف الدويلات المحيطة بالكيان الصهيوني، حيث لن تعود لها قوة يمكن أن تهدد مستقبلاً "إسرائيل"، والتي حتماً ستبقى القوة الوحيدة في المنطقة، ولا ينافسها أي طرف آخر مهما كان لونه ونوعه.

حتى إيران بحد ذاتها، بعد نهاية دورها المرسوم لها، ستخضع إلى تفتيت كيانها من خلال الشعوب غير الفارسية المحتلة، والتي تريد تقرير مصيرها، وأيضاً بصراعات أخرى تسبب الملالي في صناعتها بحكمهم المتطرف والمتسلط، فالعقلية الصهيونية لا تقبل أن ينافسها أحد، ولو كان من أقرب حلفائها.

الهدف الثاني:

الصراعات القائمة في المنطقة لن تكون عربياً وإسلامياً من جهة، و"إسرائيل" من جهة أخرى، بل ستجري لعشرات السنين ما بين الدويلات والكنتونات الجديدة، التي ستبقى تتناحر على الحدود والنفوذ والثروات، وسيغذي هذا تلك النعرات الطائفية والمذهبية والدينية والقومية والعرقية التي ساهمت مساهمة فعالة وأساسية في تفتيت الأوطان العربية، وإعادة هيكلتها وفق منظومة تخدم المشروع الصهيوني.

بلا أدنى شك أنه إلى جانب ما ذكرنا، فإن الحروب التي أشعلتها الطائفية الإيرانية المتمددة في عمق العرب والمسلمين عبر نشر التشيّع خاصة، حققت الكثير من المكاسب الاقتصادية إلى جانب المكاسب الجغرافية والجيواستراتيجية
إن تحقيق حلم دولة صهيونية تمتد من الفرات إلى النيل؛ لا يمكن أن يحدث إلا بتدمير كل من مصر والعراق والأردن ولبنان وسورية، وتفتيت دول أخرى، على رأسها المملكة العربية السعودية، وهذا يتناغم إلى منتهى التطابق، مع أحلام الملالي، الذين بدورهم يؤمنون بضرورة تدمير أوطان المسلمين السنّة وتفتيتها، وتحويلها إلى مجرد كيانات هشة، يحقق لإيران الزعامة المطلقة في المنطقة.

لا يوجد شيء اسمه "المقاومة" في الخيال الصفوي، سوى تلك الموجهة للعرب والمسلمين السنّة، فـ "إسرائيل" ليس لها أي مكان عدائي في المعتقد الشيعي الإيراني، بل إن رفع شعارات العداء لتل أبيب يخدم "إسرائيل" نفسها، التي ستكون آمنة ما دامت المقاومة تحت سيطرة إيران، التي تستعملها وفق مصالح محددة، ليست عدائية حتماً للكيان العبري، بل لمن يعادون وتعاديهم الصهيونية.

كما يخدم إيران أيضاً التي تحقق هدفها في اختراق العالم الإسلامي، حيث، كما تستغل شعارات دينية مثل آل البيت رضي الله عنهم، فهي أيضاً تستعمل شعارات سياسية مثل فلسطين.

"إسرائيل" لا تخشى من جانب إيران أبداً، فهي تدرك أن المقاومة التي تتبناها ليس هدفها رمي اليهود في البحر وإبادتهم، كما يدعي الملالي في خرجاتهم الإعلامية، بل منتهى غايتها هو تذويب المسلمين والعرب في الحمض.

فالعداء اليهودي الديني للمسلمين والعرقي للعرب، يلتقي مع الملالي الذين بدورهم يعادون المسلمين دينياً والعرب عرقياً، ولهذا فالمصلحة العدائية المشتركة بين الطرفين جعل التحالف بينهما في صورة أخرى غير التي نألفها، حيث هذا يعلن عداءه لذلك على مستوى الشعارات، ولكن في الممارسات هما أصدقاء إلى منتهى الولاء المطلق.

"إسرائيل" تدرك أنها لا يمكن أن تجتثّ العداء العربي والإسلامي نحوها، ولكنها تستطيع أن تدجّن هذا العداء بثلاث طرق خبيثة:

أولاً:

جعل العداء العربي لـ "إسرائيل" يتحكّم فيه طرف يتعاون مع مخابراتها سرياً، ولهذا نجد أن المقاومة التي تتبناها إيران تندرج في هذا الإطار، وما "حزب الله" سوى وسيلة تعمل على احتواء المقاومة وفق منظور يخدم الكيان الصهيوني حتماً، ويكفي ما حققه، حسن نصرالله، للكيان الصهيوني في لبنان، حيث مكّنها من قوات دولية تحمي حدودها، وأيضاً قضى على المقاومة الحقيقية التي كانت تنغّص صفو المزاج الصهيوني.

ثانياً:

صناعة نموذج عدائي سيء ترفضه الشعوب العربية والإسلامية، مثل التنظيمات والميليشيات الإرهابية على غرار "داعش"، التي تقوم بجرائم يعافها الوجدان الإنساني، مهما كانت ملته أو دينه.

ثالثاً:

إشغال العرب والمسلمين بعدو آخر غير الصهيونية، وهذا لن يتحقق بأعداء وهميين، بل بعدو حقيقي يهدد الوجود العربي والإسلامي فعلياً، وبحروب تجري على أرض الواقع وليس في عالم افتراضي.

لهذا وجد الغربيون الداعمون للكيان الصهيوني ضالتهم في ملالي إيران، الذين يحملون كل المؤهلات العقدية والطائفية والعرقية لأن يكونوا العدو في المنطقة، الذي سيشغل العالم الإسلامي سنوات طويلة، حتى تبقى "إسرائيل" بعيدة عن الصراعات، وتبني نفسها في هدوء وسكينة.

إن حروب إيران النجسة في المنطقة العربية قد خدمت "إسرائيل" على كل المستويات والأصعدة، وهذا لا يمكن أن يكون صدفة، أو بمجرد التوجيه غير المباشر، أو بسبب جهالة تتخبط فيها إيران، بل إن ذلك يعود إلى كل هذه الأسباب مجتمعة معاً، إلى جانب تنسيق مرتب بين أجهزة مخابرات عديدة، ومنها الجهاز الإيراني بلا أدنى شك.

إيران اخترقت العالم العربي وتمكّنت من السيطرة على أغلب شيعته من خلال نظرية "الولي الفقيه"، وقد أدى هذا السكوت إلى سقوط عدة عواصم في مستنقعات حروب إيران النجسة، ومن الغباء أن تصمت دول عربية أخرى، مثل الجزائر ومصر وتونس والمغرب وغيرهم، عن التمدد الشيعي الإيراني الذي سيحقق فيها مستقبلاً – لا قدر الله - ما نراه حالياً في سورية والعراق ولبنان واليمن، وحتى الأحواز المحتلة منذ تسعين عاماً.
 
أعلى