ماوراء الصورة الخارجية البراقة : حقيقة الغالبية الإماراتية الصامتة منذ 2004 ، مقال 2 من 2

حوار مع من تبقى في عقله منطق بعد طول التغييب

أيها الإماراتي : ماذا لو ؟ (مقال 2 من 2)

سالم المهيري


يتعرض الانسان أحيانا لمواقف على مستوى الحياة اليومية ، يكون متأكدا 100٪ أنه في الجانب الصحيح و ربما يقسم بأغلظ الأيمان أن ما يعتقده هو الحق ومتأكد منه ، وأبسط مثال على ذلك ربما تعرض معظمنا له في يوم من حياته ، حين تتقابل سيارتان على مفترق طرق ويخرج بسيارته مطمئنا لأولوية مساره واذا بسيارة أخرى من الاتجاه الآخر تطلق آلة التنبيه له بشكل متواصل ، يستشيط الانسان غضبا من غباء وقلة أدب الطرف الآخر وجهله بالقانون وجرأته في الباطل ، وقد ينزل يجادله ويكيل له الشتائم وقد يشتمه الطرف الآخر مصمما أن الأولوية كانت لمساره ، وحتى حين يعرض عليه الطرف الآخر قائلا : ماذا لو أريتك اللافتة التي تعطي الأولوية لمساري ، لنركن سياراتنا ونرجع مشيا لها وبهدوء لفحص اللافتة ، حتى عند تلك اللحظة قد لا يتسرب أي من الشك لعقله أن ما يدعيه هذا التافه الحقير صحيح بخصوص وجود اللافتة ، فاذا وافق فقط جدلا وذهب معه ورأى اللافتة تكون المفاجأة والحرج الأعظم في حياته ، ولا يدري كم مرة يجب أن يعترف بخطأه ، وما حجم الاعتذار الذي قد يمسح ويغفر استعلاءه السابق بالباطل.


لو تحرك الشخص الأول بسيارته مستشيطا غضبا سابا لاعنا وملوحا بيده في عصبية للشخص الآخر ، أو لو لم يقبل أن يستمع ويعطي في عقله لكلمة (ماذا لو؟) من الطرف الآخر نسبة ولو ضئيلة من إمكانية الصواب ربما لبقي بقية حياته معتقدا أنه كان على حق وأنه لم يخطئ بحق الآخر ، وأن الآخر جاهل معتد على مساره ، وفوق هذا وقح في الباطل.


ربما من المفيد إذن أن نبلور حجج الآخرين في وضعنا الحالي في الإمارات منذ 2004 وما دخلت فيه حياتنا الوطنية داخليا وخارجيا من تغيرات وتغييرات داخلية اقتصادية واجتماعية وسياسية ، وتدخلات وتداخلات خارجية اقليميا ودوليا وانعكاساتها على الداخل كذلك ، ربما كما قلنا من الجدير بنا أن نقف وقفة ال (ماذا لو ؟) تجاه حجج الآخر.


خارجيا ماذا لو صدقت أقاويل كل القريبين والبعيدين من المغرضين والحاقدين والحاسدين وقل ما شئت من الأوصاف ؟ ماذا لو أن كل القرارات والمواقف الخارجية لدولة كانت متزنة وتتحرك برشد وحكمة كالإمارات ، وقاسى الشيخ زايد رحمه الله الأمرين ليحفر تلك المكانة ، ماذا لو أصبحت تلك القرارات والمواقف يحكمها ويوجهها هسترة شخص واحد وخيالاته ونفسية يشكك الكثيرون في انفصامها وهوسها بالمغامرات والمكايدات والدسائس ؟ وفوق هذا يتملكها هسترة تفوق الوصف من فئة محددة من المجتمع الإماراتي لها ميزات ولها عيوب كغيرها وجدوا منذ قيام الدولة ونسبتهم ضئيلة جدا مقارنة بنسبتهم في كل دول تواجدهم الأخرى ، عجز العالم شرقه وغربه ممن يحكمون بالحقائق والأدلة النزيهة وليس الشعارات والتلفيق والقولبة عن أن يجد تفسيرا لهذه الهسترة العجائبية ؟ ماذا لو صدق ما يتهمونه به من تبديد موارد الدولة ومخزونها الاستراتيجي من الثروة والاستثمارات بالمليارات لإرضاء طموحات في المجد الشخصي وخيالات “دونكيشوتية” بالسيطرة على الإقليم ؟


ماذا لو صدقت افتراءات المفترين الغيورين من دولتنا وكان موضوع الفئة الضالة ملفقا من أساسه ؟ وكانت الهسترة تجاه تلك الفئة المحددة هي فعلا السبب وراء الممارسات التدريجية تدريجا تناسب مع مقدار تمكن صاحبها من السلطة والانفراد بالقرار ، ممارسات لا يرضاها كل ذو ضمير سليم ولم يعتدها مجتمعنا المترابط منذ القدم وأخلاقه العالية والرحمة المتأصلة فيه ، من مضايقات وإقالات تعسفية من العمل ومنع الترقيات ، ثم تصاعد إلى اعتقالات غير مبررة أو قانونية ، حتى وصلت الأمور الى زرع الجواسيس تحت الغطاء لتلفيق تهم الخيانة والتآمر والتسجيلات المفبركة ؟ ماذا لو كانت تلك آخر خطوات الشيطنة والنبذ لهذه الفئة بعد خطوات سابقة لم تشف الغليل ولم يسمح وجود الآباء بتصعيدها سابقا ؟ ماذا لو كان ذلك فعلا وكان الأمر لا علاقة له بربيع أو خريف عربي ، انما هسترة قديمة حان استحقاقها وواتتها الظروف وشجعت المخاوف أن يصدقها الناس ثم نطمئنهم بأنه رغم كل الاستعداء غير المسبوق فالبيت متوحد ؟


ماذا لو كنا فعلا الطرف المخطئ في التنكروالتصعيد لاتفاقية 1974 للحدود مع المملكة العربية السعودية التي وإن تنازل فعلا بموجبها الشيخ زايد عن أراض مستقرة لأبوظبي قبل ذلك ، إنما فقد تم الاتفاق وتوقيع الاتفاقية وأصبحت نافذة المفعول دوليا منذ السبعينات ، ماذا لو كنا فعلا من تدخل بلا مبرر ولا سابقة عداء في الشقيقة الهادئة والجار المريح سلطنة عمان وحاولنا زرع خلية انقلابية في الديوان السلطاني ودفعنا المليارات كثمن للسكوت وعدم التصعيد حين انكشف الأمر ؟ ماذا لو كنا فعلا كما يروج القطريون الحاقدون الذين اصبحوا شياطينا وبلدهم وكرا إرهابيا بأننا من نظم ودفع لعملية قرصنة وكالة أنبائهم في مقدمة لمسرحية لبدء الحصار الفريد من نوعه ؟ ماذا لو ضاع صوت القطريين وهم يذكرون الناس أن الحصار بدأ بناء على قرصنة أثبتناها لكم ؟ وحاولت أصواتهم ومعها المجتمع الدولي المطالبة بالأدلة الدامغة الموثقة على التهم دون جواب عدا الشتائم وتكرار شريط القولبة بأن قطر أصبحت فجأة مصدر كل الشرور ، نجر خلفنا الجارة الكبرى ينساق قائدها الجديد خلفنا انسياقا مديرا ظهره لأستاذية بلده التراكمية في كيف تورد الإبل وتدار السياسات ؟


ماذا لو كنا نحن فعلا سبب تعقيد موضوع التدخل الخليجي في اليمن بالاندفاع المتهور أكثر حتى من السعودية اللصيقة باليمن ، وخلق الحزازات داخل المجتمع اليمني بشراء وتصنيف الأشخاص بناء على انتماءاتهم ومدى قابليتهم للولاء لأشخاص وليس مبادئ ، ونطعن في ذلك الحليف قبل العدو ؟ ماذا لو كنا فعلا أصبحنا كما يروج الحاقدون في التسريبات أكثر دول الخليج تعاونا أمنيا وسياسيا مع إسرائيل في الكواليس ؟ وأكثرها حياكة للمؤامرات والدسائس في أروقة واشنطن وغيرها من العواصم ، وتبنينا بشكل غير مسبوق في تاريخنا أو أخلاقياتنا مبدأ الغاية تبرر الوسيلة حتى لو كانت الغاية بحد ذاتها من الأساس غير مبررة ؟


ماذا لو كانت تلك السياسات داخليا وخارجيا وتلك العقليتان هي الأسباب التي أفقدتنا عبر ال 13 سنة الماضية شيئا فشيئا التواضع الإماراتي الجم ، والخلق المترفع عن البذاءات والافتراءات والشتائم بدلا من اعتبارها عملا وطنيا يكافأ فاعله ، والطبيعة المدنية السمحة للمجتمع ، والترابط المجتمعي الحقيقي لا “الشعاراتي” ، والمساحات المعقولة من حرية الرأي ، والشعور بهناء الحياة وبساطتها ووداعتها داخل بلدنا ، و ذلك الشعور الحقيقي بالانتماء والولاء للوطن ولقيادة تستمع لشعبها وتحترمه كما يحترمها ولا تستخف به وبعقله وبإرادته ؟


اذا كنت لا تحس أن الإجابة لأي من (ماذا لو؟) السابقات بنعم ، فربما أنك أضعت وقتك في التفكير في هذه التساؤلات ، إذ كان من الممكن في نفس هذه الفترة مشاهدة الأخبار المحلية أو الاستماع لخطبة الجمعة الموحدة ، وربما كان من الأجدر بك أن تغادر منذ العنوان وتلوح بيدك غاضبا.
 
أعلى