زوجة الباشا:القسم السابع والأخير:قصة بقلم ناجى عبدالسلام السنباطى

**القسم السابع والأخير: من قصة زوجة الباشا

**** بقلم ناجى عبدالسلام السنباطى

****************************************

**ملاحظات حول قصة زوجة الباشا

*****************************

*بدأت الفكرة بحكاية سريعةحكاها لى خالى المغفور له بإذن الله الأستاذ انور ابراهيم السنباطى وكيل وزارة التموين بمحافظة دمياط فى حينه عن حكاية واقعية حدثت....وقمت بصياغتها فى شكل قصة أدبية طويلة عن حكاية الواقع البسيطة

* و عندما اصدرت مجموعتى القصصية فى الكويت فى أغسطس عام 81 على ما أتذكر كانت تشكل عامود الخيمة للمجموعة القصصية

*نظام القضاء الشرعى كان موجودا قبل ثورة يوليو 52 والغى بعد الثورة

*جميع الاسماء الواردة بالقصة هى نفسها الموجودة فى الكتاب المنشور 81 وكلها اسماء قصصية وليست من الواقع

*جميع المهن الواردة بالقصة لها احترامها وتقديرها حتى الان....وكل مجتمع به الصالح والطالح والخير والشرير ونحن نعرض لنماذج فاسدة ولانعمم وكل مهنة بها الكثير من الصالحين والقليل من الفاسدين ولانقيس الغريب الطباع على عموم الشرفاء فى كل المهن

*سوف انشر القصة بالتتابع حتى لاأرهق القارىء

*وفى نهايةالامر هى مجرد قصة ويبقى مانأخذه منها من عظة حتى لانضيع فى مسالك الحياة

**************

*ثلاثة عناوين لقصة واحدة

**********************.

*زوجة الباشا

***********

*عقاب الله

**********

*الإرث الدامى

**القسم السابع والأخير: من قصة زوجة الباشا

****************************************

*بقلم ناجى عبدالسلام السنباطى

*************************

*فى اليوم الموعود إنطلق إلى مدينةالمنصورة المجاورة فجلس على مقهى ومنتدى رجال القضاء والشرطة....مقهاه المعتاد كلما ذهب إلى المنصورة....وتعمد على غير العادة أن يسلم على رئيس النيابةوقيادات الشرطة وحيا رجال القضاء على الموائد المجاورة... وإنتقل من مائدة إلى أخرى يحى هذا وذاك ويختلق الأحاديث...لعبته ....ومصدر قوته... حكاء من الطراز الأول.. يجر خيط الذكريات فينساب بلا نهاية وتتدفق الذكريات عن عمله السابق فى دمياط وفى المنصورة كقاضى شرعى سابق وكمحامى حال هذه الحكاية....وكم كانت حكاياته طريفة تسلى الرفاق وأصدقاء الأمس واليوم فى هذا المنتدى الليلى....وبعد سهرة طويلة ممتدة.....إستأذن فى الإنصراف.

* ولم يجد فى هذا الوقت المتأخر عربة يعود بها إلى قريته المجاورة...فإستأجر حنطورا وفى الطريق تشاجر مع صاحب الحنطور وأصر على الذهاب إلى نقطة الشرطة الواقعة فى المسافة بين المنصورة وقريته وأثبت محضر المشاجرة...رغم إلحاح (الحناطرى) بالتغاضى عن ذلك وحمله إلى قريته مجانا...فلما أصر على ذلك أصر الحناطرى على عمل محضر مضاد...وكان هذا هو المراد.

* فى نفس التوقيت ...دخل الأشقياء غلى منزل السيدة منيرة وقاموا بقتلها من الخلف وهى تصلى!!!وإختفوا كما جاءوا....لم تقاوم السيدة....فلم تكن تعرف الغيب...او تتحسبه ولم تكن تعرف أحداث القدر...وأن الضربة بتخطيط وبخيانة من يجب أن يحميها....وهى كطبيعتها المسالمة....لم تعط للدنيا اكثر من أنها رحلة مملوءة بالأشواك....رحلة فى بحر الأحزان...يأخذ منها ويعطيها ....وهى أيضا لم يكن بينها وبين أحد سوءا تخشى عواقبه.

**فى الصباح أتت الخادمة كعادتها كل يوم...فوجدت الدماء... دماء جافة يابسة....وممتدة حتى مدخل الشقة..... تتبعت خيط الدماء...فأوصلتها إلى حجرة سيدتها...فوجدتها راكعة على سجادة الصلاة والدماء مختلطة بكل شىء...ففزعت وصرخت...وتجمع الناس من كل صوب مجاور.....وأبلغوا الشرطة بالحادث.

*هبت الشرطة فى كل مكان تبحث عن الجناة...ولكن دون جدوى فهو يعرف كيف ينتقى!!!!!وبطبيعة الحال إتجهت شكوك الجميع نحو زوجها....الشواهد كلها تؤكد أنه المستفيد.....ألقى القبض عليه بحجة قتل زوجته..إلا أن النيابة أمرت بالإفراج عنه لعدم ثبوت الأدلة....أفرج عنه ضابط الشرطة وهو يكظم غيظه...فهو يعلم أنه القاتل أو المخطط له والمحرض عليه.....ولكن الأدلة مفقودة...ففى نفس توقيت الجريمة....كان يجلس مع رجال القضاء والشرطة بالمنصورة وهناك محضر بشجاره مع الحناطرى لدى عودته...فكل ذا يثبت أنه كان بعيدا عن مسرح الجريمة.....والأشقياء من مكان بعيد....وليس لهم نشاط فى المنطقة من قبل........ثم أن (المعروف).....قام بسداد باقى المقاولة!!!وأرضاهم فذهبوا من حيث أتوا ولاسبيل للوصول إليهم !!!!!

*كظم الضابط غيظه أمام قرار النيابة لعدم ثبوت الأدلة..... ولو عاد القهقرى إلى ملفات القضايا..... لوجد هناك علاقة بين الأشقياء والسيد معروف....ولكن من له الوقت والقدرة وعجز الإمكانيات الفنية فى هذا الزمان من حفظ الملفات وسهولة إسترجاعها....وحتى ملفات القضايا لها مدة حفظ معروفة.... ومن له القدرة على فحص ملفات الأستاذ معروف منذ بداية تعيينه...وعلى هذا حفظت القضية....وضاع دم السيدة الفاضلة هدرا على الأقل من الناحية القانونية.

**********************

****فرح الزوج الخبيث بما فعل وإستعد للحصول على ثمرةخداعه...فرفع دعوى لإثبات انه الوريث الوحيد لزوجته علاوة على عقد البيع والشراء....وبحكم السيطرة إستولى على ماتحت يديه من أموال وأما ماجرد بالشقة فقد تم تحريزه على ذمة قضية القتل وهو يعلم أنه سيعود له يوما ما.

****إلا ان الإنسان يطغى ويتجبر ويعتقد أنه وصل إلى مايريد ظلما وعدوانا....ولكن الله يقف له بالمرصاد....ويمد له فى حبل حيله وألاعيبه حتى يحين الميعاد...........وهاهى الأيام تدير وجهها له....والأيام التالية أصعب من الأولى وحلم الثروة يغيب ومابين يديه يكاد ينضب...وتحول معروف من حاكم محكمة إلى مدمن محكمة.....فالقضية تأخذ مداها العتيق فى طابور القضايا....خاصة أنهاعوى رفع أموال من الحراسة..........ويدور (معروف) فى دهاليز المحاكم...........يدفع كل مامعه فى سبيل تحريك القضية....يدفع ولايدفع له كأيام الزمن الجميل الذى عاشه من قبل وهو فى موضع السلطة..........وتلقفه الجميع....كتبة ....وكلاء محامين ...........محامون....ونال معروف جرعة مما سقاه للناس....وأصبح فى حالة يرثى لها....إنسان شقى بمعنى الكلمة....يائس...حائر...ضائع...تائه..... تتلاطمه أمواج النهم والجشع والطمع والأفواه المفتوحة للإبتلاع.........كل الصفات التى تميز بها تعود عليه من جانب الآخرين.....بضاعته ...ردت إليه!!!!!!!!!!

وكما كان يضع نظريته عن الفقراء ولماذا يشكو بعضهم البعض!!!!! صار واحدا من هؤلاء.

*لاطريق ولاأمل نحو إسترداد الثروة التى من أجلها فعل كل الجرائم.......والدولة كانت فى أموال الحراسة شديدة التدقيق....فالتعقيدات تملأ جيوبه الفارغة بالمستحيل........ولكنه رجل مقاوم لاييأس...يستجدى الجميع ويذكرهم يوم كانوا يستجدوه....يذكرهم بالأيام الخوالى...أيام كان يساعدهم ويمرح معهم........ولكنهم الآن ينسون

...ويصمتون ويغلقون آذانهم....ولكن عيونهم تكاد تفصح عما على أطراف ألسنتهم....................

......الأستاذ معروف كان......ولكنه اليوم أصبح.......!!

**************

**إستمرت المشاكل حول التركة......التركة المخضبة بالدماء..... ولم يعد لدى معروف مصروفا للقضية فقد باع كل مامعه من أجل القضية....لكن القضية صارت بطيئة كالسلحفاة....حتى نضب معينه....رجل يعيش بين أمل الثروة وينفق كل مامعه من أجل هذا الأمل....حتى أصبح على الحديدة كما يقول المثل.......رجل مفلس مدمن محاكم فى الوقت الذى ينتابه الخوف والقلق من هذا الضابط الذى كظم غيظه لعدم ثبوت الأدلة فمازال يتابع وينقب حتى يأتى بالدليل!!

*أدمن الرجل الشراب حتى ينسى كل هذا...فصار عجوزا محطما مدمنا يستجدى الآخرين من أجل كأس!!! والشرب عادة العاجز....وكأن الشرب سيحل مشاكله.....بينما الشرب يعقد المشكلة أى مشكلة...فهو هروب من مواجهتها ...ولأن الشرب يفقد العقل الصواب...فبالتالى لاحلول لأى مشكلة.

*******************

**مرت الأيام ولاجديد فى قضيته ولاجديد فى إدمانه.....ومشواره اليومى على باب الخمارات يستجدى الخمر...ويعاكسه فى حله وفى ترحاله أولاد الشوارع....حتى يعود إلى سكنه الخالى الوفاض إلا ماتبقى من عز الماضى ...يعود حاملا معه...(فوارغ) زجاجات الخمرة...ليحتسى منها قطرات تركها ثمالى السهر فى قاع كل زجاجة.

*هكذا حاله... إلا أن الأشقياء الذين قتلوا له السيدة زوجته....سرعان ماعادوا إليه مبتزين وهو فى حالات اليقظة يمنيهم الأمنيات عندما يسترد ثروة منيرة هانم.....فهو لايملك ليدفع لهم وهم يعتقدون أنه مازال لديه الكثير من الأموال التى وضع يديه عليها عقب مقتل منيرة هانم!!

*وهذا التناقض يؤدى إلى قرارات خطيرة....فهولايملك ولايدرك بسبب الشرب ويعطى الأمنيات....وهم يعتقدون أنه يملك ولايدركون بسبب تبلد العواطف وإنعدام إنسانيتهم....من هنا كان التخلص منه واجب ....مادام لم يعد لديه ليدفع فما فائدته ؟! وقد يدل عليهم بسبب إدمانه للخمر والخمر يفك طلاسم الألسنة الصامتة!!

***وفى اليوم الموعود.. ذهبوا إليه فى مسكنه ومن الخلف جاءته ضربة قاتلة..لم تترك له سوى نظرات زائغة.......ليذوق من نفس الكأس....ليشرب السم الذى أذابه من قبل فى أجساد الناس....الأشقياء.....أنتم....أنتم....قالها وإبتسم إبتسامة بلهاء...فبادلوه ضحكا........ثم قاموا بتفتيش المسكن بحثا عن ثروة مخبأة لدى الوارث الغنى فى إعتقادهم......ولكنهم لم يجدوا شيئا سوى فوارغ زجاجات الخمر....وبينما هو ينزف بغزارة.... ويدعوهم بصوت متحشرج(أنقذونى)...فلا يسمع سوى رجع الصدى وضحكات منهم ساخرة منه ومن أنفسهم....وكلمات منهم أين الفلوس يامعروف؟!.....هم يعيشون الحياة.....يبحثون عن المال.....وهو يعيش أنفاسه الأخيرة.....يبحث عن الحياة بلا مال...........فلماوجدوه على (الحديدة)..........شدوا الرحال...............فتحامل على نفسه وأخذ يزحف نحو الباب......وهو يصرخ بصوت باهت...........إنقذونى.........إنقذونى......

ولكنه لم يجد لصوته غير الصدى...........ورسومات حمراء من دمائه..... فى عينيه وفى عقله وفى بدنه.........ومرت الذكريات فى أسرع من لمح البصر.....مرت مخضبة بالدماء فى هلوثاته الأخيرة ...وتحشرج ماقبل النهاية..............وصوت فحيح أو شخير.كأنه صادر من (بهيمة) بعد ذبحها..........................!!!!!!

****إنه عقاب الله.............إنه عقاب الله

****ومد يديه ليمسك الباب....فقبض الهواء وإنتهى إلى العدم.!!!!
إنتهت

*قصة بقلم: ناجى عبدالسلام السنباطى

*كتبت فى عام 81 ونشرت بكتابى بحر الأحزان"مجموعة قصصية" فى أغسطس 81 بالكويت
 
شكرا اخى ياسين باركالله فيك وعائلة الحساوى من العائلات الكبيرة فى الكويت اتذكرها منذ كنت بالكويت من حوالى39 سنة تقريبا
 
أعلى